سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون

حصن المسلم | دعاء الركوب | سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون

سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ١٣ وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ ١٤ (1).


(1) أبو داود، 3/ 34، برقم 2602، والترمذي، 5/ 501، برقم 3446، وانظر: صحيح الترمذي، 3/156، الآيتان من سورة الزخرف:13- 14.

شرح معنى سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

717- لفظ أبي داود عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ : (1) قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه، وَأُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ (2)، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ.
ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ.
ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ.
ثُمَّ ضَحِكَ فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَمَا فَعَلْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قَالَ: «إِنَّ رَبَّكَ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي» (3).
718- ولفظ الترمذي عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ :، قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا رضي الله عنه، أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ، قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ ثَلاَثًا، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا، قَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ (2)، ثُمَّ قَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ ثَلاَثًا، اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلاَثًا، سُبْحَانَكَ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، ثُمَّ ضَحِكَ.
فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ، ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّ رَبَّكَ لَيَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُكَ» (4).
719- ولفظ النسائي عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الأَسَدِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا أُتِيَ بِدَابَّةٍ، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا قَالَ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ (2)، ثُمَّ كَبَّرَ ثَلاَثًا، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ، إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمًا مِثْلَ مَا قُلْتُ، ثُمَّ اسْتَضْحَكَ، فَقُلْتُ: مِمَّا اسْتَضْحَكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يَعْجَبُ رَبِّنَا مِنْ قَوْلِ عَبْدِهِ: سُبْحَانَكَ، إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، قَالَ : عَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ» (5).
720- ولفظ الحاكم في المستدرك عنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ :، أَنَّهُ كَانَ رِدْفًا لِعَلِيٍّ رضي الله عنه، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ، قَالَ: بِسْمِ اللهِ فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلاَثًا، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثَلاَثًا، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ (6) الآيَةُ، ثُمَّ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ، إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، ثُمَّ مَالَ إِلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ، فَضَحِكَ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا يُضْحِكُكَ؟ قَالَ: إِنِّي كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَصَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا صَنَعْتُ، فَسَأَلْتُهُ كَمَا سَأَلْتَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَيَعْجَبُ إِلَى الْعَبْدِ إِذَا قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، قَالَ: عَبْدِي عَرَفَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ، وَيُعَاقِبُ» (7).
721- ولفظ ابن حبان عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الأَسَدِيِّ :، قَال : رَكِبَ عَلِيٌّ رضي الله عنه دَابَّةً، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا، وَحَمَلَنَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَرَزَقَنَا مِنَ الطَّيِّبَاتِ، وَفَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَهُ تَفْضِيلًا: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ﴾ (2)، ثُمَّ كَبَّرَ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُكَ، ثُمَّ قَالَ: فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ هَذَا، وَأَنَا رِدْفُهُ» (8).

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «في الركاب»: أي: في محل الركوب.
قال ابن الأثير : «الرِكَابٍ: وَهِيَ الرَّواحِل مِنَ الْإِبِلِ، وَقِيلَ جمْع رَكُوبٍ، وَهُوَ مَا يُرْكَبُ مِنْ كُلِّ دَابَّة، فَعُول بِمَعْنَى مَفْعول، والرَّكُوبَةُ أخَصُّ مِنْهُ» (9).
2- قوله: «بسم اللَّه»: أي: أركب باسم اللَّه متيمنًا به راجيًا السلامة منه عز وجل (10)، قال الإمام ابن كثير : «تقديره: باسم اللَّه ابتدائي، ... أو أبدَأ ببسم اللَّه أو ابتدأت ببسم اللَّه، فكلاهما صحيح ... فالمشروع ذكر اسم اللَّه في كل أمر، تبركًا، وتيمنًا، واستعانة على الإتمام والتقبل» (11).
3- قوله: «الحمد للَّه»: أي: على هذه النعمة خاصة وعلى النعم التي نتقلب فيها عامة، قال العلامة ابن عثيمين : «يعني أنه جعل لنا ما نركب لنستقر على الظهور، فلم يجعله صعباً نزراً، لا يستوي الإنسان على ظهره، ولا يستقره، بل هو يستقر على ظهره، وهذا مشاهد في السيارات، والسفن، والطائرات، والإبل الذلول، وما أشبه ذلك» (12).
4- قوله: «سبحان الذي سخر لنا هذا»: أي تنزه وتقدس من أقْدَرَنا على ركوبه، والتحكم فيه، قال العلامة ابن عثيمين : سبحان: تدل على التنزيه: يعني تنزيه اللَّه عز وجل عن الحاجة، وعن النقص، فكأن الإنسان يشعر إذا ركب على هذه الفلك والأنعام أنه محتاج إليه، يستعين به على حاجاته، فيسبّح اللَّه عز وجل الذي هو مستغنٍ عن كل خلقه، فكان التسبيح في هذا المقام أنسب، مع أنه جاء في السنة أنه يحمد اللَّه» (13)، وقال ابن الجوزي : «سخّر: بمعنى ذلّل لنا هذا المركوب، نجري به حيث نشاء» (14).
5- قوله: «وما كنا له مقرنين»: أي: وما كنا لذلك الركوب بمطيقين، ولا ضابطين لتسخيره، لولا معونة اللَّه عز وجل، قال الطيبي : «مقرنين: مطيقين مقتدرين، من أقرن له: أطاقه، وقوي عليه، وهو اعتراف بعجزه، وأن تمكنه من الركوب عليه بإقدار اللَّه تعالى، وتسخيره إياه» (15).
6- قوله: «وإنا إلى ربنا لمنقلبون»: أي لصائرون إليه بعد الموت ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى﴾ (16).
قال الطيبي : «ومنقلبون: راجعون إليه، وفيه تنبيه على أن السفر الأعظم الذي بصدده، وهو الرجوع إلى اللَّه تعالى، فهو أهم بأن يهتم به، ويشتغل بالاستعداد له قبل نزوله» (15)، وقال البجيرمي : «﴿وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ رَاجِعُونَ إلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ، فَيَنْبَغِي لِمَنْ اتَّصَلَ بِهِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْمَوْتِ أَنْ يَكُونَ حَامِلًا لَهُ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ فِي رُكُوبِهِ وَمَسِيرِهِ» (17).
7- قوله: «اللَّه أكبر» أي: أكبر من كل كبير فهو عز وجل كبير الشأن، كبير القدر، كبير عن مشابهة أحد من خلقه، وقال ابن الأثير : «معناه: اللّه الكْبير، وقال النحويون: معناه اللّه أكبر من كل شيء» (18).
8- قوله: «يعجب»: أي: عجبًا يليق به عز وجل، فهي صفة كسائر الصفات معلومة المعنى مجهولة الكيفية نؤمن بها كما جاءت.
9- لا أعلم في السنة دعاء مخصوص صحيح لركوب البحر وأما خبر: «أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا أن يقولوا: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْراهَا وَمُرْسَاهَا﴾ (19)، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ (20)» فلا أعلم أن أحداً من أهل العلم صححه (21).
10- قوله: «شهدت»: قال ابن علان : «أي: حضرت» (22).
11- قوله: «أتى بدابته» قال ابن علان : «وعند الترمذي بدابة بالتنوين، والدابة في أصل اللغة ما يدبّ على وجه الأرض، ثم خصها العُرْف بذات الأربع، قال في المصباح: وتخصيص الفرس، والبغل، والحمار بالدابة عند الإطلاق عرف طارئ» (22).
12- قوله: «سبحانك اللهم»: قال ابن علان : «بالنصب على المفعولية المطلقة بعامل لا يظهر وجوباً: أي: أقدسك تقديساً مطلقاً، لأن كل ما لا يليق به تعالى، فهو مقدس عنه، [وكذلك] سائر سمات الحوادث» (23).
13- قوله: «إني ظلمت نفسي»: قال ابن علان : «إني ظلمت نفسي بعدم القيام بحقك لشهود التقصير في شكر هذه النعمة العظمى، ولو بغفلة، أو خطرة، أو نظرة» (23).
14- قوله: «فاغفر لي»: قال ابن علان : «أي: استر ذنوبي بعدم المؤاخذة بالعقاب عليها» (23).
15- قوله: «إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت»: قال ابن علان : «استئناف بياني كالتعليل لسؤال الغفران، وفيه إشارة بالاعتراف بتقصيره مع إنعام اللّه وتكثيره» (23).
16- قوله: «يا أمير المؤمنين من أي شيء ضحكت»: قال ابن علان : «لما لم يظهر ما يتعجب منه مما ينشأ عنه الضحك، استفهمه عن سببه، وقدم نداءه على سؤاله كما هو الأدب في الخطاب، وفي رواية للترمذي في «شمائله» «فقلت: من أي شيء ضحكت يا أمير المؤمنين» (24)، وتقديم المسؤول عنه على ندائه لأنه أهم حينئذ؛ لأن النداء لأجله، وفي قوله يا أمير المؤمنين إيماء إلى أن القصة جرت منه أيام خلافته» (23).
17- قوله: «قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت»: قال ابن علان : «أي: أبصرت النبي صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعتُ من الركوب والذكر في أماكنه» (23).
18- قوله: «إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي يعلم» قال ابن علان : «جملة حالية من فاعل قال: أي: قال ذلك عالماً غير غافل أنه لا يغفر الذنوب غيري» (23).

ما يستفاد من الحديث:

1- استحباب قول هذا الذكر عند ركوب أي مركب دابة أو سيارة أو طائرة أو غير ذلك من وسائل النقل ويكون قول: «بسم اللَّه» عند وضع الرجل في الركاب أما عند الاستقرار في وسيلة النقل فيقال هذا الدعاء.
2- بيان عظيم فضل اللَّه على خلقه ورحمته بهم بتسخير هذه الدواب وغيرها لهم كما قال اللَّه عز وجل: ﴿أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ﴾ (25).
3- قال ابن علان : «ثلاث مرات: في التكرير إشعار بعظم جلال اللّه سبحانه، وأن العبد لا يقدر اللّه حق قدره، وهو مأمور بالدأب في طاعته حسب استطاعته، وقيل في حكمة التكرير ثلاثاً: إن الأول لحصول النعمة، والثاني لدفع النقمة، والثالث لعموم المنحة... اللّه أكبر ثلاث مرات: والتكرير للمبالغة في ذلك، أو الأول إيماء إلى الكبرياء والعظمة في الذات، والثاني الكبرياء والعظمة في الصفات» (22).
4- اشتمل هذا الدعاء على جملة من العلوم منها: أ – قول العبد: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ (6) دليل على تنزيه اللَّه عن النقص والحاجة فكأن قائل هذا الذكر يعلم ضعفه وعجزه وحاجته فكان التسبيح في هذا المقام مناسب جدًّا.
ب - تأسي الصحابة رضي الله عنهم بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وإشاعة ذلك العلم بين الناس دليل عملي على صدق الاتباع.
5- صفة التعجب لله عز وجل هي من صفات الأفعال، والتي تصدر عن حكمة يعلمها عز وجل، وتدل على أمور تقتضيها، وصفة اللَّه تليق به، لا يشبه فيها أحداً من خلقه: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (26): أ – صفة التعجب قد تدل على محبة اللَّه للفعل الذي هو محل التعجب كما في هذا الحديث.
ب – قد يدل على التعجب على بغض اللَّه للفعل الذي هو محل التعجب كما في قوله: ﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ﴾ (27).
جـ - قد يدل على عدم حسن الحكم مثل قوله: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ﴾ (28).
د – قد يدل أحيانًا على حسن المنع كقوله: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾ (29).
6- وإذا كان التعجب في حق الإنسان منشأه غرابة الفعل وأنه حدث على وجه يثير العجب والاستغراب حيث فوجئ الإنسان بالفعل الذي هو محل التعجب، فإن اللَّه منزه عن كل هذه المعاني ولا ترد في حقه لوازم تعجب الإنسان (30) ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (26).
7- قال ماجد البنكانية: «وقوله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون» فيه الثناء على اللَّه بتسخيره للمركوبات، التي تحمل الأثقال، والنفوس إلى البلاد النائية، والأقطار الشاسعة، واعتراف بنعمة اللَّه بالمركوبات.
8- وهذا يدخل فيه المركوبات: من الإبل، ومن السفن البحرية، والبرية، والهوائية.
فكلها تدخل في هذا.
9- ولهذا قال نوح عليه السلام للراكبين معه في السفينة: ﴿ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ (19).
10- فهذه المراكب، كلها وأسبابها، وما به تتم وتكمل، كله من نعم اللَّه وتسخيره، يجب على العباد الاعتراف للَّه بنعمته فيها، وخصوصاً وقت مباشرتها.
11- وفيه: تذكر الحالة التي لولا الباري لما حصلت، وذللت في قوله: ﴿وما كنا له مقرنين﴾ أي مطيقين، لو رَدَّ الأمر إلى حولنا وقوتنا، لكنَّا أضعف شيء علماً، وقدرة وإرادة، ولكنه تعالى سخر الحيوانات، وعلَّم الإنسان صنعة المركوبات، كما امتن اللَّه في تيسير صناعة الدروع الواقعية» (31).

1 أبو المغيرة الكوفي، وثقه ابن معين وغيره وهو من علماء التابعين، [يَرْوِي عن: علي، وابْن عمر، روى عنه: سعيد بن عبيدة، وسلمة بن كهيل. انظر: الثقات لابن حبان، 2/ 360، وتقريب التهذيب، لابن حجر، 3/ 179].
2 سورة الزخرف، الآيتان: 13- 14.
3 أبو داود، برقم 2602، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 2342
4 الترمذي، برقم 3446، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2742
5 السنن الكبرى للنسائي، برقم 10336، وصححه النووي في الأذكار، ص 276،
6 سورة الزخرف، الآية: 13.
7 المستدرك على الصحيحين، للحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي، 2/ 98، وصححه النووي في الأذكار، ص 276
8 صحيح ابن حبان، برقم 2698، وصححه محقق ابن حبان والألباني في التعليقات الحسان، 4/ 331
9 النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 256، مادة (ركب).
10 عند الترمذي أنها تقال ثلاث مرات.
11 تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، 1/ 121.
12 شرح رياض الصالحين، شرح الحديث رقم 972.
13 شرح رياض الصالحين، شرح الحديث رقم 974.
14 كشف المشكل من حديث الصحيحين، ص 682
15 شرح المشكاة للطيبي: الكاشف عن حقائق السنن، 6/ 1892.
16 سورة النجم، الآية: 42.
17 تحفة الحبيب على شرح الخطيب (حاشية البجيرمي على الخطيب)، لسليمان بن محمد بن عمر البُجَيْرَمِيّ المصري الشافعي ، 2/ 288.
18 النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير، 4/ 52، مادة (كبر)، وتقدم في شرح المفردة رقم 8 من مفردات حديث المتن رقم 2.
19 سورة هود، الآية: 41.
20 سورة الأنعام، الآية: 91.
21 أخرجه ابن السني، ص 187، والطبراني في الكبير، 12/124، برقم 12661، وفي الأوسط، 6/184، برقم 6136، وأبو يعلى، 12/152، برقم 6781، وضعفه الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/132، و10/132، وذكر الألباني في ضعيف الجامع، برقم 1248 أنه موضوع.
22 دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، 6/ 293.
23 دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، 6/ 294.
24 شمائل الترمذي، ص 264، برقم 231، وصححه الألباني في مختصر الشمائل، ص 123، برقم 198.
25 سورة يس، الآيات: 71 - 73.
26 سورة الشورى، الآية: 11.
27 سورة الصافات، الآية: 12، وقرأها ابن مسعود بالضم.
28 سورة التوبة، الآية: 7.
29 سورة آل عمران، الآية: 86.
30 انظر: شرح رياض الصالحين للهلالي حديث رقم (1840).
31 إتحاف الأطهار بفضل الدعاء وصحيح الأذكار وفوائدهما، لماجد البنكانية، ص 52.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Saturday, August 9, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب