شرح مفردات الحديث:
1- قوله: «
المعوذات»: قال الحافظ في الفتح: «
المعوذات أي: الإخلاص، والفلق، والناس» .
2- قوله: «
اشتكى»: قال الباجي : «
إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا اشْتَكَى أَلَمًا: يُرِيدُ إذَا مَرِضَ، يُقَالُ: اشْتَكَى فُلَانٌ، إذَا أَصَابَهُ شَكْوَى مَرَضٍ» .
3- قوله: «
ينفث»: قال ابن عبد البر : «
النفث: شبه البصق، ولا يلقي النافث شيئاً من البصاق، وقيل: كما ينفث أكل الزبيب» .
ثالثاً: مفردات
سورة الإخلاص : 1- قوله: «
قل» أي: قولًا جازمًا به معتقدًا له، عارفًا بمعناه.
2- قوله: «
هو اللَّه أحد» أي: قد انحصرت فيه الأحدية، وهو الأحد المنفرد بالكمال، والذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العلا، والأفعال المقدسة.
الذي لا نظير له ولا مثيل.
3- قوله: «
اللَّه الصمد» أي: المقصود في جميع الحوائج، فجميع العوالم: السفلي منها والعلوي، مفتقرون إليه غاية الافتقار.
4- قوله: «
لم يلد ولم يولد»: لكمال غناه عن المعين؛ لأنه لا يجانسه أحد، إذ الولد يجانس والده؛ ولأن كل ولد له والد، واللَّه ليس كذلك.
5- قوله: «
ولم يكن له كفوًا أحد» أي: ليس له مثيل، ولا نظير، ولا شبيه
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ سورة الشورى، الآية: 11 .
وسبب نزول هذه السورة الكريمة «
عن أبي بن كعب رضي الله عنهأن المشركين قالوا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك فأنزل اللَّه: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ .
رابعاً: طرف من فضائل هذه السورة الكريمة: 1- عن أنس رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول اللَّه، إني أحب هذه السورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، فقال: «إن حبها أدخلك الجنة» .
2- وفيه قصة: أن هذا الرجل، وهو أنصاري، كان يؤم قومه في مسجد قباء، وكان كلما افتتح سورة كان يقرأ بالإخلاص، ثم بما معه من السور الأخرى، فأعلموا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال له: «
وما يحملك أن تقرأ هذه السورة كل ركعة»، فذكر الحديث، وفيه دليل على جواز قراءة السورتين في الركعة الواحدة في الفريضة والنافلة على حد سواء.
3- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «
أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟»، فقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول اللَّه؟ قال: «
اللَّه الواحد الصمد ثلث القرآن» .
4- قول النبي صلى الله عليه وسلم: «
من قرأ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ عشر مرات بنى اللَّه له بيتًا في الجنة» .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «
قال: حَسَّانَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْفَقِيه: سَأَلْت أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ سُرَيْجٍ قُلْت: مَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: إنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: فَثُلُثٌ أَحْكَامٌ، وَثُلُثٌ وَعْدٌ وَوَعِيدٌ، وَثُلُثٌ أَسْمَاءٌ وَصِفَاتٌ، وَقَدْ جُمِعَ فِي ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أَحَدُ الْأَثْلَاثِ، وَهُوَ الصِّفَاتُ، فَقِيلَ إنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآن ، وقال العلامة ابن عثيمين : وهي تعدل ثلث القرآن في الثواب، وليس في الإجزاء، ولذلك لو قرأها الإنسان ثلاث مرات في الصلاة لم تجزئه عن الفاتحة .
خامساً: ثلاث فوائد مهمة: الفائدة الأولى: قال العلامة ابن عثيمين : واعلم أن ﴿كُفُواً﴾ فيها ثلاث قراءات: 1 – بضم الفاء والواو ولا تصلح بسكون الفاء (كُفْواً) فمن قرأها بسكون الفاء فهذا لحن.
2 – الهمز مع ضم الفاء (كُفُؤاً).
3 – بالهمز مع سكون الفاء (كُفْؤاً) .
الفائدة الثانية: أبطل اللَّه في هذه السورة ادعاء اليهود والنصارى والمشركين نسبة الولد إلى اللَّه – تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
قالت اليهود والنصارى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ سورة التوبة، الآية: 30 .
وقال اللَّه عز وجل في المشركين: ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ﴾ سورة النحل، الآية: 57 .
الفائدة الثالثة: قال ابن عثيمين : وسميت بسورة الإخلاص؛ لأنها تتضمن الإخلاص للَّه عز وجل، وأن من آمن بها فهو مخلص، وقيل لأنها مُخَلَصة – بفتح اللام – لأن اللَّه تعالى أخلصها لنفسه، فلم يذكر فيها شيئًا من الأحكام، ولا شيئًا من الأخبار عن غيره، بل هي أخبار خاصة باللَّه، والوجهان صحيحان ، ولا منافاة بينهما .
سادساً: مفردات سورة الفلق: 1- قوله: «أَعُوذُ» العوذ: الالتجاء إلى الغير، والتعلق به.
يقال: عاذ فلان بفلان، ... وأعذته باللَّه أعيذه، أي: ألتجئ إليه، وأستنصر به أن أفعل ذلك ، وقال العلامة السعدي : «
أعوذ: أي: ألجأ، وألوذ، وأعتصم» .
2- قوله: «
برب الفلق» أي: باللَّه الذي فلق الإصباح، وفلق الحب والنوى».
3- قوله: «
من شر ما خلق» أي: من إنس، وجن، وجماد، وحيوان، فيستعاذ بخالقها من الشر الذي فيها.
4- قوله: «
ومن شر غاسق إذا وقب» أي: من شر ما يكون في الليل بعد نوم الناس؛ حيث تنتشر الأرواح الشريرة، والحيوانات المؤذية.
5- قوله: «
ومن شر النفاثات في العقد» أي: السواحر اللاتي يستعن على سحرهن بالنفث في العقد التي يعقدنها على السحر .
6- قوله: «
ومن شر حاسد إذا حسد»: الحاسد هو الذي يسعى في زوال النعمة عن المحسود، بخلاف الذي يغبط؛ فإن الغبطة هي تمني الشيء مع داومه على صاحبه، ويدخل في الحاسد العائن؛ لأن العين لا تصدر إلا من حاسد خبيث النفس .
سابعاً: ما ترشد إليه السورة: 1- الاعتصام باللَّه من كل ما يخافه الإنسان؛ لأن اللَّه هو الذي بيده النفع والضر.
2- تحريم السحر؛ لأنه كفر، وحدّ الساحر أن يضرب بالسيف من قبل ولي الأمر.
3- عامة السحر يكون من النساء؛ لقول اللَّه:
﴿وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾، وإن كان يفعله الرجال والنساء، ويقع عليهم جميعًا، ويجوز أن يكون معنى النفاثات أي: النفوس النافثات، فتشمل الرجال والنساء .
4- بيان وجود الحسد وأنه أمر حقيقي، وإثبات تأثير العين بأمر اللَّه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «
لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» ، والحسد أول ذنب عُصي به اللَّه لمَّا حسد إبليس آدم، وحسد قابيل هابيل.
ثامناً مفردات
سورة الناس: 1- قوله: «
أعوذ»: قال العلامة السعدي : «
أعوذ: أي: ألجأ، وألوذ، وأعتصم» .
2- قوله: «
برب الناس» أي: خالقهم، ومدبر شؤونهم.
3- قوله: «
ملك الناس» أي: مالكهم، والمتصرف في الملك كله على وفق إرادته.
4- قوله: «
إله الناس» أي: أن اللَّه هو الإله الحق، وكل ما يعبد من دونه باطل زائف.
5- قوله: «
الوسواس»: هو الشيطان الذي يوسوس بصوت لا يسمع بإلقاء الشبهات في القلوب، وتزيين الشر، وتحسين القبيح.
6- قوله: «
الخناس»: هذا وصف للشيطان من الجن؛ فإنه لا يزال يوسوس، فإذا ذكر العبد ربه خنس، وتأخر.
7- قوله: «
من الجنة والناس»: فيه إثبات وجود الشياطين من الإنس الذي ضرره أشد من شيطان الجن؛ لأنه لا يطرد، بل يتخلص منه بتمام الاستعاذة باللَّه منه.
8- جاء عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط؟ ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾، و﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ .
ومعنى لم ير مثلهن قط: أي: فيما يتعوذ به الإنسان من الشيطان، وقال ابن القيم /: والمقصود هو الكلام على هاتين السورتين، وبيان عظيم منفعتهما، وشده الحاجة، بل الضرورة إليهما، وأنه لا يستغني عنهما أحد قط، وأن لهما تأثيرًا خاصًّا في دفع السحر، والعين، وسائر الشرور، وأن حاجة العبد إلى الاستعاذة بهاتين السورتين أعظم من حاجته إلى التنفس، والطعام، والشراب، واللباس .
تاسعاً: من فضائل سورة الفلق، وسورة الناس: 1- عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاقَتَهُ فِى السَّفَرِ، فَقَالَ لِي: «يَا عُقْبَةُ، أَلاَ أُعَلِّمُكَ خَيْرَ سُورَتَيْنِ قُرِئَتَا؟»، فَعَلَّمَنِي:
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، وَ
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، قَالَ: فَلَمْ يَرَنِى سُرِرْتُ بِهِمَا جِدًّا، فَلَمَّا نَزَلَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ صَلَّى بِهِمَا صَلاَةَ الصُّبْحِ لِلنَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الصَّلاَةِ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: «
يَا عُقْبَةُ كَيْفَ رَأَيْتَ» .
2- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن خبيب، قَالَ: أَصَابَنَا طَشٌّ، وَظُلْمَةٌ، فَانْتَظَرْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ بِنَا، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا مَعْنَاهُ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ بِنَا فَقَالَ: «
قُلْ»، فَقُلْتُ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلَاثًا، يَكْفِيكَ كُلَّ شَيْءٍ» .
3- عنْ عبدِ اللَّه بن خبيب رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَأَصَبْتُ خُلْوَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ: «
قُلْ»، فَقُلْتُ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «
قُلْ»، قُلْتُ: مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ حَتَّى خَتَمَهَا»، ثُمَّ قَالَ: «
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ حَتَّى خَتَمَهَا»، ثُمَّ قَالَ: «
مَا تَعَوَّذَ النَّاسُ بِأَفْضَلَ مِنْهُمَا» .
4- وعن أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: «
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسِ فَلَمَّا نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَى ذَلِكَ» .
5- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «
قُلْ»، قُلْتُ: وَمَا أَقُولُ؟ قَالَ: «
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ»، فَقَرَأَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: «
لَمْ يَتَعَوَّذْ النَّاسُ بِمِثْلِهِنَّ، أَوْ لَا يَتَعَوَّذُ النَّاسُ بِمِثْلِهِنَّ» .
6- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «
أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، وَ(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)» .