إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اؤجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا

حصن المسلم | دعاء من أصيب بمصيبة | إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اؤجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ اؤْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا (1).

Inna lillahi wa-inna ilayhi rajiAAoon, allahumma/- jurnee fee museebatee wakhluf lee khayran minha.
‘To Allah we belong and unto Him is our return.O Allah, recompense me for my affliction and replace it for me with something better.


(1) مسلم، 2/ 632، برقم 918.

شرح معنى إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اؤجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

529- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا»، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ(1) .
(2) مسلم، برقم 918 (3) مسلم، برقم 5-(918) (4) مسند أحمد، 26/ 262، برقم 16344، وحسنه محققو المسند، 26/ 263، والألباني في إرواء الغليل، 6/ 220 /55 .

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «إنا للَّه» أي: كلنا ملك له يتصرف فينا كيف يشاء، «أي: مملوكون للَّه، مدبرون تحت أمره، وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا، وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها، فقد تصرف أرحم الراحمين، بمماليكه، وأموالهم، فلا اعتراض عليه»(5) .
2- قوله: «وإنا إليه راجعون» أي: يوم القيامة ليجازي المحسن على إحسانه، ويعاقب المسيء على إساءته، أو يعفو، وقال القرطبي في المفهم: «إنا للَّه وإنا إليه راجعون»، كلمة اعتراف بالملك لمستحقّه، وتسليمٌ له فيما يُجريه في ملكه، وتهوينٌ للمصائب بتوقع ما هو أعظم منها، وبالثواب المرتّب عليها ، وتذكير للمرجع والمآل الذي حَكَم به ذو العزّة والجلال»(6) .
3- قوله: «اللَّهم أْجرني في مصيبتي»: أي: لا تحرمني الأجر على صبري في هذه المصيبة، والذي هو توفيق منك، وفي النهاية: «جِرْني في مصيبتي، وأَخْلِفْ لي خيراً منها: آجَره يؤجِرُه، إذا أثابَه، وأعطاه الأجْرَ والجزاء، وكذلك أجَرَه يَأْجُره، والأمر منهما: آجِرْني وأجُرْني»(7) ، «ومعنى أجره اللَّه: أعطاه أجره، وجزاء صبره، وهمه في مصيبته»(8) .
4- قوله: «أخلف لي خيرًا منها» أي: عوِّضْني خيرًا مما فقدته، وأم سلمةما قالت: أي المسلمين خير من أبي سلمة شاكة في صدق الخبر بل قالته لمعرفة من هذا الرجل(9) ، قال النووي رحمه الله: «وأخلف لي: هو بقطع الهمزة، وكسر اللام، قال أهل اللغة: يقال لمن ذهب له مال، أو ولد، أو قريب، أو شيء يتوقع حصول مثله: أخلف اللَّه عليك، أي: ردَّ عليك مثله، فإن ذهب ما لا يتوقع مثله، بأن ذهب والدٌ، أو عمٌّ، أو أخٌ لمن لا جدّ له، ولا والد له، قيل: خلف اللَّه عليك - بغير ألف - أي كان اللَّه خليفة منه عليك»(8) .
5- قوله: «تصيبه مصيبة»: هي كل ما يتألم منه الجسد، والبدن، أو كلاهما: من فقد مال، أو أهل، أو ولد، أو حبيب، قال في النهاية: «يقال: مُصِيبة، ومَصُوبة، ومُصابة، والجمعُ مصايب، ومَصاوِب، وهو الأمر المكروه، ينْزِل بالإنسانِ، ويقال: أصابَ الإنسانُ من المال وغيره : أي أخَذَ وتَناول» (10) ، أي أخذت منه المصيبة ما يحب.
6- قوله: «ما أمره اللَّه به»، من قول: «إنا للَّه، وإنا إليه راجعون، اللهم أْجرني في مصيبتي هذه، وعوضني خيراً منها»(11) ، وقد يكون فيه إشارة إلى قوله عز وجل: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾(12) .
7- قوله: «فأعقبني اللَّه عز وجل محمداً عليه السلام»: أي: عوضني محمداً بدل أبي سلمة، وكل من خلف عن شيء فهو عاقبة، وعاقبة كل شيء آخره، وعقب فلان مكان أبيه عاقبة أي: خلفه»(13) .
8- قوله: «وَأَنَا غَيُورٌ»: قال النووي رحمه الله: «وقولها: وأنا غيور، يقال امرأة غيرَى، وغيور، ورجل غيور، وغيران، قد جاء فعول في صفات المؤنث كثيراً، كقولهم: امرأة: عروس، وعروب، وضحوك لكثيرة الضحك، وعقبة كؤود، وأرض صعود وهبوط وحدود وأشباهها، قوله صلى الله عليه وسلم وادعو اللَه أن يذهب بالغيرة -هي بفتح الغين- ويقال: أذهب اللَّه الشيء، وذهب به، كقوله تعالى: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾(14) »(15) .
9- قوله: «ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي» قال النووي رحمه الله: «وقول أم سلمة رضي الله عنها: «عزم اللَّه لي»؛ أي: خلق فيّ قصدًا مؤكّدًا، وهو العزم؛ لا أنّ إرادة الله تسمّى عزمًا، لعدم الإذن في ذلك، واللَّه أعلم»(16) .
10- قوله: «وَأَنَا أَدْبُغُ إِهَابًا لِي»: أي: كانت مشغولة بتطهير جلدٍ، عن طريق الدباغة، ... الدِّباغُ والدِّباغةُ والدِّبْغةُ، بِالْكَسْرِ: مَا يُدْبَغُ بِهِ الأَدِيمُ»(17) ، والإهاب: «وهو الجلد، وقيل إنما يقال للجلد إهاب قبل الدبغ، فأَما بعده فلا»(18) .
11- قوله: «ذات عيال»: أي: لها أولاد تعولهم، وتربيهم، و«أعْيَلَت: أي: صارت ذاتَ عِيال، ... يُقَال: أعالَ، وأعْوَل: إذا كَثُرَ عِيالُه»(19) .
12- قوله: «فَغَسَلْتُ يَدَيَّ مِنَ الْقَرَظِ»: أي: نظفت يديها من أثر الدباغ الذي كانت تقوم به من المادة النباتية التي تدبغ بها الجلد، وهو ورق شجر السلم، قال في النهاية: «القَرَظ: وهو وَرقَ السَّلَم»(20) .

ما يستفاد من الحديث:

1- فضيلة الاسترجاع وهي قول: «إنا لله وإنا إليه راجعون» عند وقوع المصيبة وفضيلة الصبر عند الصدمة الأولى؛ لأن البلاء من سنن اللَّه في خلقه، وهذا يكون إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، أو زوال مرغوب.
2- قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا...»، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ مِنْ أَبْلَغِ عِلَاجِ الْمُصَابِ، وَأَنْفَعِهِ لَهُ فِي عَاجِلَتِهِ، وَآجِلَتِهِ، فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ أَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ إِذَا تَحَقَّقَ الْعَبْدُ بِمَعْرِفَتِهِمَا تَسَلَّى عَنْ مُصِيبَتِهِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعَبْدَ، وَأَهْلَهُ، وَمَالَهُ مِلْكٌ لِلَّهِ عز وجل حَقِيقَةً، وَقَدْ جَعَلَهُ عِنْدَ الْعَبْدِ عَارِيَةً، فَإِذَا أَخَذَهُ مِنْهُ، فَهُوَ كَالْمُعِيرِ يَأْخُذُ مَتَاعَهُ مِنَ الْمُسْتَعِيرِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَحْفُوفٌ بِعَدَمَيْنِ: عَدَمٍ قَبْلَهُ، وَعَدَمٍ بَعْدَهُ، وَمِلْكُ الْعَبْدِ لَهُ مُتْعَةٌ مُعَارَةٌ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ الَّذِي أَوْجَدَهُ عَنْ عَدَمِهِ، حَتَّى يَكُونَ مِلْكُهُ حَقِيقَةً، وَلَا هُوَ الَّذِي يَحْفَظُهُ مِنَ الْآفَاتِ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَلَا يُبْقِي عَلَيْهِ وُجُودَهُ، فَلَيْسَ لَهُ فِيهِ تَأْثِيرٌ، وَلَا مِلْكٌ حَقِيقِيٌّ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ بِالْأَمْرِ تَصَرُّفَ الْعَبْدِ الْمَأْمُورِ الْمَنْهِيِّ، لَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ؛ وَلِهَذَا لَا يُبَاحُ لَهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ إِلَّا مَا وَافَقَ أَمْرَ مَالِكِهِ الْحَقِيقِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَصِيرَ الْعَبْدِ، وَمَرْجِعَهُ إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُ الْحَقِّ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُخَلِّفَ الدُّنْيَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَيَجِيءَ رَبَّهُ فَرْدًا كَمَا خَلَقَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ: بِلَا أَهْلٍ، وَلَا مَالٍ، وَلَا عَشِيرَةٍ، وَلَكِنْ بِالْحَسَنَاتِ، وَالسَّيِّئَاتِ، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ بِدَايَةَ الْعَبْدِ، وَمَا خُوِّلَهُ وَنِهَايَتَهُ، فَكَيْفَ يَفْرَحُ بِمَوْجُودٍ أَوْ يَأْسَى عَلَى مَفْقُودٍ، فَفِكْرُهُ فِي مَبْدَئِهِ، وَمَعَادِهِ مِنْ أَعْظَمِ عِلَاجِ هَذَا الدَّاءِ، وَمِنْ عِلَاجِهِ أَنْ يَعْلَمَ عِلْمَ الْيَقِينِ، أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، قَالَ اللَّه تَعَالَى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾(21) .
3- وَمِنْ عِلَاجِهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا أُصِيبَ بِهِ، فَيَجِدُ رَبَّهُ قَدْ أَبْقَى عَلَيْهِ مِثْلَهُ، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَادَّخَرَ لَهُ - إِنْ صَبَرَ وَرَضِيَ - مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ فَوَاتِ تِلْكَ الْمُصِيبَةِ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ، وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَعَلَهَا أَعْظَمَ مِمَّا هِيَ.
4- وَمِنْ عِلَاجِهِ أَنْ يُطْفِئَ نَارَ مُصِيبَتِهِ بِبَرْدِ التَّأَسِّي بِأَهْلِ الْمَصَائِبِ، وَلِيَعْلَمَ أَنَّهُ فِي كُلِّ وَادٍ بَنُو سَعْدٍ، وَلْيَنْظُرْ يَمْنَةً فَهَلْ يَرَى إِلَّا مِحْنَةً؟ ثُمَّ لِيَعْطِفْ يَسْرَةً فَهَلْ يَرَى إِلَّا حَسْرَةً؟ وَأَنَّهُ لَوْ فَتَّشَ الْعَالَمَ لَمْ يَرَ فِيهِمْ إِلَّا مُبْتَلًى، إِمَّا بِفَوَاتِ مَحْبُوبٍ، أَوْ حُصُولِ مَكْرُوهٍ، وَأَنَّ شُرُورَ الدُّنْيَا أَحْلَامُ نَوْمٍ، أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ، إِنْ أَضْحَكَتْ قَلِيلًا أَبْكَتْ كَثِيرًا، وَإِنْ سَرَّتْ يَوْمًا، سَاءَتْ دَهْرًا، وَإِنْ مَتَّعَتْ قَلِيلًا، مَنَعَتْ طَوِيلًا، وَمَا مَلَأَتْ دَارًا خِيرَةً إِلَّا مَلَأَتْهَا عَبْرَةً، وَلَا سَرَّتْهُ بِيَوْمِ سُرُورٍ إِلَّا خَبَّأَتْ لَهُ يَوْمَ شُرُورٍ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «لِكُلِّ فَرْحَةٍ تَرْحَةٌ، وَمَا مُلِئَ بَيْتٌ فَرَحًا إِلَّا مُلِئَ تَرَحًا»(22) ، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: «مَا كَانَ ضَحِكٌ قَطُّ إِلَّا كَانَ مِنْ بَعْدِهِ بُكَاءٌ(23) »(24) .
5- قال العلامة السعدي في تفسير: إنا للَّه وإنا إليه راجعون: «أي: مملوكون للَّه، مدبرون تحت أمره، وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا، وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء منها، فقد تصرف أرحم الراحمين، بمماليكه، وأموالهم، فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد، علمه بأن وقوع البلية من المالك الحكيم، الذي أرحم بعبده من نفسه، فيوجب له ذلك الرضا عن اللَّه، والشكر له على تدبيره؛ لما هو خير لعبده، وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون للَّه، فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفوراً عنده، وإن جزعنا وسخطنا، لم يكن حظنا إلا السخط، وفوات الأجر، فكون العبد للَّه، وراجع إليه، من أقوى أسباب الصبر»(25) .
6- قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: «يسن للإنسان إذا أصيب بمصيبة أن يقول: إنا للَّه وإنا إليه راجعون، يعني نحن ملك للَّه، يفعل بنا ما يشاء، كذلك ما نحبه إذا أخذه من بين أيدينا فهو له عز وجل حتى الذي يعطيك، أنت لا تملكه، هو للَّه؛ ولهذا لا يمكن أن تتصرف فيما أعطاك اللَّه إلا على الوجه الذي أذن لك فيه، وهذا دليل على أن ملكنا لما يعطينا اللَّه ملك قاصر، ما نتصرف فيه تصرفاً مطلقاً .
لو أراد الإنسان أن يتصرف في ماله تصرفاً مطلقا على وجه لم يأذن به الشرع، قلنا: له أمسك لا يمكن؛ لأن المال مال اللَّه كما قال سبحانه: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ (26) ، فلا تتصرف فيه إلا على الوجه الذي أذن لك فيه
»(27) .
7- المؤمن الصادق يرضى بقضاء اللَّه وقدره، ولا يعترض عليه؛ لأن هذا ما وقع إلا بتقدير الرحيم الحكيم، فمن صبر فله الرضا، ومن فعل غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه.
8- قائل هذا الاسترجاع حري به أن يفهم معناه، وقد قال اللَّه مادحًا أهل الصبر على المصائب: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾(28) ، قال سعيد بن جبير رحمه الله: لم يكن الاسترجاع إلا لهذه الأمة، ألا ترى أن يعقوب عليه السلام قال: ﴿يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ﴾(29) ، فلو كان لهم الاسترجاع لقال ذلك(30) .
9- من أيقن أنه إلى اللَّه راجع، علم أنه موقوف بين يديه، ومن علم أنه موقوف، علم أنه مسؤول، فعلى العاقل أن يعد للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا.
10- الناس عند وقوع المصائب على درجات(31) : الدرجة الأولى: الشاكر: وذلك بالنظر إلى من أصيب بأكثر من مصيبته، وعلمه أنها مكفرة للسيئات؛ لأن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل.
الدرجة الثانية: الراضي: وهو الذي لا يكون في قلبه حسرة، أو ندم على وقوعها؛ لعلمه أن كل من عند اللَّه.
الدرجة الثالثة: الصابر: وهو الذي يتحمل المصيبة، ويحبس نفسه عن فعل المحرم.
الدرجة الرابعة: الجازع: وهو الذي يفعل المحرم عند وقوع المصيبة: من لطم خد، أو شق ثوب، أو دعا بدعوة جاهلية، وهذا قد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم(32) .
11- في الحديث دليل على قوة إيمان أم سلمة ل، وأنها قالت هذا الدعاء موقنة بصدق قائله، فأكرمها اللَّه بأن صارت زوجة لقائله، ورفع اللَّه ذكرها في العالمين، وصارت أمًّا للمؤمنين.
12- قوله: «في نفسها من خير من أبي سلمة»: فهي مؤمنة بأن اللَّه سيخلف لها خيراً منه؛ لكن تقول من خير من أبي سلمة؟ فما أن انتهت عدتها من وفاة زوجها حتى خطبها النبي صلى الله عليه وسلم، فكان النبي صلى الله عليه وسلم خيراً لها من أبي سلمة بلا شك، ثم إن اللَّه استجاب دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لما قال في أبي سلمة: «اخلفه في عقبه»(33) خلفه اللَّه في عقبه، وجعل خليفة أبيهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو نعم الخليفة خلف أبا سلمة في أهله، وفي أولاده، وكان منهم عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه(34) .

1 هو عبد اللَّه بن عبد الأسد رضي الله عنه، وكانت أم سلمة تحته، وأمه برة بنت عبد المطلب بن هاشم، من السابقين الأولين إلى الإسلام، أسلم بعد عشرة أنفس، وكان أخا النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، كان ممن هاجر بامرأته أم سلمة بنت أبي أمية الى أرض الحبشة، ثم شهد بدراً بعد أن هاجر الهجرتين، وجرح يوم أحد جرحاً اندمل، ثم انتقض فمات منه، وذلك لثلاث مضين لجمادى الآخرة سنة ثلاث من الهجرة، وتزوج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم امرأته أم سلمة. انظر: الاستيعاب، لابن عبد البر، 4/ 1682، والإصابة في تمييز الصحابة، 4/ 152
2 ، قُلْتُ: أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: أَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَخْطُبُنِي لَهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ لِي بِنْتًا، وَأَنَا غَيُورٌ، فَقَالَ: «أَمَّا ابْنَتُهَا فَنَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُغْنِيَهَا عَنْهَا، وَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَذْهَبَ بِالْغَيْرَةِ»
3 . 530- وفي لفظ لمسلم: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ، وَزَادَ: قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ، قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ عَزَمَ اللَّهُ لِي، فَقُلْتُهَا، قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
4 . 531- ولفظ أحمد: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: أَتَانِي أَبُو سَلَمَةَ يَوْمًا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلاً، فَسُرِرْتُ بِهِ، قَالَ: «لاَ يُصِيبُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ، فَيَسْتَرْجِعَ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ»، قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَحَفِظْتُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ اسْتَرْجَعْتُ، وَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَاخْلُفْنِي خَيْرًا مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي، قُلْتُ: مِنْ أَيْنَ لِي خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِي، اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا أَدْبُغُ إِهَابًا لِي، فَغَسَلْتُ يَدَيَّ مِنَ الْقَرَظِ، وَأَذِنْتُ لَهُ، فَوَضَعْتُ لَهُ وِسَادَةَ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَقَعَدَ عَلَيْهَا، فَخَطَبَنِي إِلَى نَفْسِي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مَقَالَتِهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا بِي أَنْ لاَ تَكُونَ بِكَ الرَّغْبَةُ فِيَّ، وَلَكِنِّي امْرَأَةٌ فِيَّ غَيْرَةٌ شَدِيدَةٌ، فَأَخَافُ أَنْ تَرَى مِنِّي شَيْئًا يُعَذِّبُنِي اللَّهُ بِهِ، وَأَنَا امْرَأَةٌ قَدْ دَخَلْتُ فِي السِّنِّ، وَأَنَا ذَاتُ عِيَالٍ، فَقَالَ: «أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْغَيْرَةِ فَسَوْفَ يُذْهِبُهَا اللَّهُ عز وجل مِنْكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ السِّنِّ، فَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ الَّذِي أَصَابَكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْعِيَالِ، فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي»، قَالَتْ: فَقَدْ سَلَّمْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَقَدْ أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِأَبِي سَلَمَةَ خَيْرًا مِنْهُ؛ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
5 انظر: تفسير السعدي، ص: 75
6 المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 8/ 48
7 النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 41، مادة (أجر)
8 شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 220
9 انظر: شرح رياض الصالحين لابن عثيمين، شرح الحديث رقم 1658
10 النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 57، مادة (صوب)
11 إتحاف السادة المتقين للزبيدي، 9 / 26
12 سورة البقرة، الآية: 156
13 شرح أبي داود للعيني، 6/ 34
14 سورة البقرة، الآية: 17
15 شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 221
16 المفهم ، لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 8/ 48
17 لسان العرب، 8 / 424، مادة (دبغ)
18 النهاية في غريب الحديث والأثر، 1 / 198، مادة (أهب)
19 النهاية في غريب الحديث والأثر، 3 / 607، مادة (عول)
20 النهاية في غريب الحديث والأثر، 4 / 69، مادة (قرظ)
21 سورة الحديد، الآيتان: 22- 23
22 الاعتبار لابن أبي الدنيا، ص 29، وقال في كشف الخفاء، 2/ 147: «رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الاعتبار عن ابن مسعود موقوفاً»
23 الاعتبار لابن أبي الدنيا، ص 30
24 زاد المعاد في هدي خير العباد، 4/ 173
25 تفسير السعدي، ص: 75
26 سورة النور، الآية: 33
27 شرح رياض الصالحين، شرح الحديث رقم 29
28 سورة البقرة، الآية: 157
29 سورة يوسف، الآية: 84
30 العلم الهيب، ص 377
31 أحكام الجنائز لابن عثيمين، ص 367
32 البخاري، برقم 1292
33 مسلم، برقم 920
34 شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين، ص: 824


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, August 10, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب