تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 122 من سورة التوبة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ ۞ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾
[ سورة التوبة: 122]

معنى و تفسير الآية 122 من سورة التوبة : وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر


يقول تعالى‏:‏ ـ منبها لعباده المؤمنين على ما ينبغي لهم ـ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏ أي‏:‏ جميعا لقتال عدوهم، فإنه يحصل عليهم المشقة بذلك، وتفوت به كثير من المصالح الأخرى، ‏{‏فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ‏}‏ أي‏:‏ من البلدان، والقبائل، والأفخاذ ‏{‏طَائِفَةٌ‏}‏ تحصل بها الكفاية والمقصود لكان أولى‏.‏ثم نبه على أن في إقامة المقيمين منهم وعدم خروجهم مصالح لو خرجوا لفاتتهم، فقال‏:‏ ‏{‏لِيَتَفَقَّهُوا‏}‏ أي‏:‏ القاعدون ‏{‏فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ‏}‏ أي‏.‏ ليتعلموا العلم الشرعي، ويعلموا معانيه، ويفقهوا أسراره، وليعلموا غيرهم، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم‏.‏ففي هذا فضيلة العلم، وخصوصا الفقه في الدين، وأنه أهم الأمور، وأن من تعلم علما، فعليه نشره وبثه في العباد، ونصيحتهم فيه فإن انتشار العلم عن العالم، من بركته وأجره، الذي ينمى له‏.‏وأما اقتصار العالم على نفسه، وعدم دعوته إلى سبيل اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة، وترك تعليم الجهال ما لا يعلمون، فأي منفعة حصلت للمسلمين منه‏؟‏ وأي نتيجة نتجت من علمه‏؟‏ وغايته أن يموت، فيموت علمه وثمرته، وهذا غاية الحرمان، لمن آتاه اللّه علما ومنحه فهما‏.‏وفي هذه الآية أيضًا دليل وإرشاد وتنبيه لطيف، لفائدة مهمة، وهي‏:‏ أن المسلمين ينبغي لهم أن يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة من يقوم بها، ويوفر وقته عليها، ويجتهد فيها، ولا يلتفت إلى غيرها، لتقوم مصالحهم، وتتم منافعهم، ولتكون وجهة جميعهم، ونهاية ما يقصدون قصدا واحدا، وهو قيام مصلحة دينهم ودنياهم، ولو تفرقت الطرق وتعددت المشارب، فالأعمال متباينة، والقصد واحد، وهذه من الحكمة العامة النافعة في جميع الأمور‏.‏

تفسير البغوي : مضمون الآية 122 من سورة التوبة


قوله عز وجل : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) الآية .
قال ابن عباس في رواية الكلبي : لما أنزل الله عز وجل عيوب المنافقين في غزوة تبوك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السرايا فكان المسلمون ينفرون جميعا إلى الغزو ويتركون النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية وهذا نفي بمعنى النهي .
قوله تعالى : ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) أي : فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة ( ليتفقهوا في الدين ) يعني الفرقة القاعدين ، يتعلمون القرآن والسنن والفرائض والأحكام ، فإذا رجعت السرايا أخبروهم بما أنزل بعدهم ، فتمكث السرايا يتعلمون ما نزل بعدهم ، وتبعث سرايا أخر ، فذلك قوله : ( ولينذروا قومهم ) وليعلموهم بالقرآن ويخوفوهم به ، ( إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) لا يعملون بخلافه .
وقال الحسن : هذا التفقه والإنذار راجع إلى الفرقة النافرة ، ومعناه : هلا نفر فرقة ليتفقهوا ، أي : ليتبصروا بما يريهم الله من الظهور على المشركين ونصرة الدين ، ولينذروا قومهم من الكفار إذا رجعوا إليهم من الجهاد فيخبروهم بنصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لعلهم يحذرون أن يعادوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فينزل بهم ما نزل بأصحابهم من الكفار .
وقال الكلبي : لها وجه آخر وهو أن أحياء من بني أسد من خزيمة أصابتهم سنة شديدة فأقبلوا بالذراري حتى نزلوا المدينة فأفسدوا طرقها بالعذرات وأغلوا أسعارها فنزل قوله : ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) أي : لم يكن لهم أن ينفروا كافة ولكن من كل قبيلة طائفة ليتفقهوا في الدين .
وقال مجاهد : نزلت في ناس خرجوا في البوادي ابتغاء الخير من أهلها فأصابوا منهم معروفا ، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى ، فقال الناس لهم : ما نراكم إلا وقد تركتم صاحبكم وجئتمونا ، فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجا ، وأقبلوا كلهم من البادية حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله هذه الآية ، أي : هلا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ويستمعوا ما أنزل بعدهم ولينذروا قومهم ، يعني : الناس كلهم إذا رجعوا إليهم ويدعوهم إلى الله ، لعلهم يحذرون بأس الله ونقمته ، وقعدت طائفة يبتغون الخير .
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنبأنا أبو الحسن الطيسفوني ، حدثنا عبد الله بن عمر الجوهري ، حدثنا أحمد بن علي الكشميهني حدثنا علي بن حجر ، حدثنا إسماعيل بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أبي سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين " .
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، حدثنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، حدثنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أنبأنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجدون الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا " .
والفقه : هو معرفة أحكام الدين ، وهو ينقسم إلى فرض عين وفرض كفاية ، ففرض العين مثل : علم الطهارة والصلاة ، والصوم ، فعلى كل مكلف معرفته ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " .
وكذلك كل عبادة أوجبها الشرع على كل واحد ، يجب عليه معرفة علمها ، مثل : علم الزكاة إن كان له مال ، وعلم الحج إن وجب عليه .
وأما فرض الكفاية فهو : أن يتعلم حتى يبلغ درجة الاجتهاد ورتبة الفتيا ، فإذا قعد أهل بلد عن تعلمه عصوا جميعا ، وإذا قام من كل بلد واحد فتعلمه سقط الفرض عن الآخرين ، وعليهم تقليده فيما يقع لهم من الحوادث ، روى أبو أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد " .
قال الشافعي : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة .

التفسير الوسيط : وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر


قال الجمل: وسبب نزول هذه الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بالغ في الكشف عن عيوب المنافقين، وفضحهم في تخلفهم عن غزوة تبوك.
قال المسلمون: والله لا نتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن سرية بعثها، فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك، وبعث السرايا، أراد المسلمون أن ينفروا جميعا للغزو وأن يتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده فنزلت هذه الآية .
والمعنى، وما كان من شأن المؤمنين، أن ينفروا جميعا في كل سرية تخرج للجهاد، ويتركوا الرسول صلى الله عليه وسلم وحده بالمدينة، وإنما يجب عليهم النفير العام إذا ما دعاهم صلى الله عليه وسلم إلى ذلك.
وقوله: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ...
معطوف على كلام محذوف، ولولا حرف تحضيض بمعنى هلا.
أى: فحين لم يكن هناك موجب لنفير الكافة، فهلا نفر من كل فرقة من المؤمنين طائفة للجهاد، وتبقى طائفة أخرى منهم «ليتفقهوا في الدين» أى: ليتعلموا أحكامه من رسولهم صلى الله عليه وسلم «ولينذروا قومهم» أى: وليعلموهم ويخبروهم بما أمروا به أو نهوا عنه «إذا رجعوا إليهم» من الغزو «لعلهم يحذرون» أى: لعل هؤلاء الراجعين إليهم من الغزو يحذرون ما نهوا عنه.
أى: أن على المسلمين في حالة عدم النفير العام، أن يقسموا أنفسهم إلى قسمين.
قسم يبقى مع الرسول صلى الله عليه وسلم ليتفقه في دينه، وقسم آخر يخرج للجهاد في سبيل الله، فإذا ما عاد المجاهدون، فعلى الباقين مع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغوا العائدين ما حفظوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم من أحكام.
وبذلك يجمع المسلمون بين المصلحتين: مصلحة الدفاع عن الدين بالحجة والبرهان، ومصلحة الدفاع عنه بالسيف والسنان.
وعلى هذا التفسير الذي سار عليه جمهور العلماء يكون الضمير في قوله «ليتفقهوا ولينذروا» يعود إلى الطائفة الباقية مع الرسول صلى الله عليه وسلم أما الضمير في قوله «لعلهم يحذرون» فيعود على الطائفة التي خرجت للجهاد ثم عادت.
ومنهم من يرى أن الضمير في قوله «ليتفقهوا، ولينذروا» يعود على الطائفة التي خرجت للجهاد.
وقد رجح هذا الاتجاه الإمام ابن جرير فقال: وأما قوله «ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم» فإن أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: لتتفقه الطائفة النافرة بما تعاين من نصر الله لأهل دينه ولأصحاب رسوله على أهل عداوته والكفر به، فيفقه بذلك من معاينته حقيقة علم أمر الإسلام، وظهوره على الأديان، من لم يكن فقهه، «ولينذروا قومهم» فيحذروهم أن ينزل بهم من بأس الله، مثل الذي نزل بمن شاهدوا، ممن ظفر بهم المسلمون من أهل الشرك، إذا هم رجعوا إليهم من غزوهم «لعلهم يحذرون» أى:لعل قومهم إذا هم حذروهم ما عاينوا من ذلك، يحذرون فيؤمنون بالله ورسوله، حذرا من أن ينزل بهم ما نزل بالذين أخبروا خبرهم ...
» .
وقد علق صاحب المنار على رأى ابن جرير هذا بقوله: وهذا تأويل متكلف ينبو عنه النظم الكريم، فإن اعتبار طائفة السرية بما قد يحصل لها من النصر- وهو غير مضمون ولا مطرد- لا يسمى تفقها في الدين، وإن كان يدخل في عموم معنى الفقه، فإن التفقه هو التعلم الذي يكون بالتكلف والتدرج، والمتبادر من الدين علمه، ولا يصح هذا المعنى في ذلك العهد إلا في الذين يبقون مع النبي صلى الله عليه وسلم فيزدادون في كل يوم علما وفقها بنزول القرآن ...
» .
هذا، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية: وجوب طلب العلم، والتفقه في دين الله وتعليم الناس إياه.
قال القرطبي: هذه الآية أصل في وجوب طلب العلم لأن المعنى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة والنبي صلى الله عليه وسلم مقيم لا ينفر فيتركوه وحده «فلولا نفر» بعد ما علموا أن النفير لا يسع جميعهم «من كل فرقة منهم طائفة» وتبقى بقيتها مع النبي صلى الله عليه وسلم ليتحملوا عنه الدين ويتفقهوا، فإذا رجع النافرون إليهم أخبروهم بما سمعوه وعلموه، وفي هذا إيجاب التفقه، في الكتاب والسنة، وأنه على الكفاية دون الأعيان..» .
ثم ختمت السورة الكريمة حديثها عن الجهاد في سبيل الله، بدعوة المؤمنين إلى قتال أعدائهم بشدة وغلظة فقال-تبارك وتعالى-:

تفسير ابن كثير : شرح الآية 122 من سورة التوبة


هذا بيان من الله تعالى لما أراد من نفير الأحياء مع الرسول في غزوة تبوك ، فإنه قد ذهب طائفة من السلف إلى أنه كان يجب النفير على كل مسلم إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا قال تعالى : { انفروا خفافا وثقالا } [ التوبة : 41 ] ، وقال : { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله } [ التوبة : 120 ] ، قالوا : فنسخ ذلك بهذه الآية .
وقد يقال : إن هذا بيان لمراده تعالى من نفير الأحياء كلها ، وشرذمة من كل قبيلة إن لم يخرجوا كلهم ، ليتفقه الخارجون مع الرسول بما ينزل من الوحي عليه ، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما كان من أمر العدو ، فيجتمع لهم الأمران في هذا : النفير المعين وبعده ، صلوات الله وسلامه عليه ، تكون الطائفة النافرة من الحي إما للتفقه وإما للجهاد ؛ فإنه فرض كفاية على الأحياء .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } يقول : ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } يعني : عصبة ، يعني : السرايا ، ولا يتسروا إلا بإذنه ، فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : إن الله قد أنزل على نبيكم قرآنا ، وقد تعلمناه . فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم بعدهم ، ويبعث سرايا أخرى ، فذلك قوله : { ليتفقهوا في الدين } يقول : ليتعلموا ما أنزل الله على نبيهم ، وليعلموا السرايا إذا رجعت إليهم { لعلهم يحذرون } .
وقال مجاهد : نزلت هذه الآية في أناس من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، خرجوا في البوادي ، فأصابوا من الناس معروفا ، ومن الخصب ما ينتفعون به ، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى ، فقال الناس لهم : ما نراكم إلا وقد تركتم أصحابكم وجئتمونا . فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجا ، وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الله ، عز وجل : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } يبتغون الخير ، { ليتفقهوا [ في الدين ] } وليستمعوا ما في الناس ، وما أنزل الله بعدهم ، { ولينذروا قومهم } الناس كلهم { إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } .
وقال قتادة في هذه الآية : هذا إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيوش ، أمرهم الله ألا يعروا نبيه صلى الله عليه وسلم ، وتقيم طائفة مع رسول الله تتفقه في الدين ، وتنطلق طائفة تدعو قومها ، وتحذرهم وقائع الله فيمن خلا قبلهم .
وقال الضحاك : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه لم يحل لأحد من المسلمين أن يتخلف عنه ، إلا أهل الأعذار . وكان إذا أقام فاسترت السرايا لم يحل لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه ، فكان الرجل إذا استرى فنزل بعده قرآن ، تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه القاعدين معه ، فإذا رجعت السرية قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أنزل بعدكم على نبيه قرآنا . فيقرئونهم ويفقهونهم في الدين ، وهو قوله : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } يقول إذا أقام رسول الله { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } يعني بذلك : أنه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعا ونبي الله صلى الله عليه وسلم قاعد ، ولكن إذا قعد نبي الله تسرت السرايا ، وقعد معه عظم الناس .
وقال [ علي ] بن أبي طلحة أيضا عن ابن عباس : قوله : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } فإنها ليست في الجهاد ، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم ، وكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد ، ويعتلوا بالإسلام وهم كاذبون . فضيقوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم . فأنزل الله يخبر رسوله أنهم ليسوا مؤمنين ، فردهم رسول الله إلى عشائرهم ، وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم ، فذلك قوله : { ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون } .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في هذه الآية : كان ينطلق من كل حي من العرب عصابة ، فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم . فيسألونه عما يريدون من أمر دينهم ، ويتفقهون في دينهم ، ويقولون لنبي الله : ما تأمرنا أن نفعله ؟ وأخبرنا [ ما نقول ] لعشائرنا إذا قدمنا انطلقنا إليهم . قال : فيأمرهم نبي الله بطاعة الله وطاعة رسوله ، ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة . وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا : إن من أسلم فهو منا ، وينذرونهم ، حتى إن الرجل ليفارق أباه وأمه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم وينذرهم قومهم ، فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة .
وقال عكرمة : لما نزلت هذه الآية : [ الشريفة ] { إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما } [ التوبة : 39 ] ، و { ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا [ عن رسول الله ] } [ التوبة : 120 ] ، قال المنافقون : هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه . وقد كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا إلى البدو إلى قومهم يفقهونهم ، فأنزل الله ، عز وجل : { وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } الآية ، ونزلت : { والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له } الآية [ الشورى : 16 ] .
وقال الحسن البصري : { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين } قال : ليتفقه الذين خرجوا ، بما يردهم الله من الظهور على المشركين ، والنصرة ، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم .

تفسير الطبري : معنى الآية 122 من سورة التوبة


القول في تأويل قوله : وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ( 122 )قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولم يكن المؤمنون لينفروا جميعًا.
( 68 )* * *وقد بينا معنى " الكافة " بشواهده، وأقوال أهل التأويل فيه, فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
( 69 )* * *ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي عناه الله بهذه الآية، وما " النفر "، الذي كرهه لجميع المؤمنين؟فقال بعضهم: وهو نَفْرٌ كان من قوم كانوا بالبادية، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمون الناس الإسلام, فلما نزل قوله: مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، انصرفوا عن البادية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، خشية أن يكونوا ممن تخلف عنه، وممن عُنِي بالآية.
فأنزل الله في ذلك عذرهم بقوله: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ، وكره انصرافَ جميعهم من البادية إلى المدينة.
* ذكر من قال ذلك:17466- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) ، قال: ناسٌ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، خرجوا في البوادي, فأصابوا من الناس معروفًا، ومن الخصب ما ينتفعون به, ودَعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى, فقال الناس لهم: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتمونا! فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجًا, وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم, فقال الله: ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) ، يبتغون الخير =( ليتفقهوا ) ، وليسمعوا ما في الناس, وما أنزل الله بعدهم =( ولينذروا قومهم ) ، الناس كلهم =( إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ).
17467- حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد مثله = إلا أنه قال في حديثه: فقال الله: ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) ، خرج بعض، وقعد بعضٌ يبتغون الخير.
17468-. .. .. . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد، نحو حديثه عن أبي حذيفة.
17469- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد، نحو حديث المثنى عن أبي حذيفة = غير أنه قال في حديثه: ما نراكم إلا قد تركتم صاحبكم! وقال: ( ليتفقهوا ) ، ليسمعوا ما في الناس.
* * *وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان المؤمنون لينفروا جميعًا إلى عدوّهم، ويتركوا نبيهم صلى الله عليه وسلم وحده، كما:-17470- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ، قال: ليذهبوا كلهم = فلولا نفر من كل حي وقبيلة طائفة، وتخلف طائفة =( ليتفقهوا في الدين ), ليتفقه المتخلفون مع النبي صلى الله عليه وسلم في الدين = ولينذر المتخلفون النافرين إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون.
* * ** ذكر من قال ذلك:17471- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس, قوله: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ، يقول: ما كان المؤمنون لينفروا جميعًا، ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده =( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) ، يعني عصبة, يعني السرايا, ولا يتَسرَّوا إلا بإذنه, فإذا رجعت السرايا وقد نزل بعدهم قرآن، تعلمه القاعدون من النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا: " إن الله قد أنزل على نبيكم بعدكم قرآنا، وقد تعلمناه ".
فيمكث السرايا يتعلَّمون ما أنزل الله على نبيهم بعدهم، [ ويبعث سرايا أخر, فذلك قوله: ( ليتفقهوا في الدين ) ، يقول يتعلمون ما أنزل الله على نبيه ], ( 70 ) ويعلموا السرايا إذا رجعت إليهم لعلهم يحذرون.
( 71 )17472- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ، إلى قوله: ( لعلهم يحذرون ) ، قال: هذا إذا بعث نبيُّ الله الجيوشَ، أمرهم أن لا يُعَرُّوا نبيه، وتقيم طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تتفقه في الدين, وتنطلق طائفة تدعو قومها، وتحذرهم وقائع الله فيمن خلا قبلهم.
17473- حدثنا الحسين قال، سمعت أبا معاذ يقول، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ، الآية, كان نبي الله إذا غزا بنفسه لم يحلَّ لأحد من المسلمين أن يتخلف عنه، إلا أهل العذر.
وكان إذا أقام فأسرت السرايا، لم يحلّ لهم أن ينطلقوا إلا بإذنه.
فكان الرجل إذا أسرى فنزل بعده قرآن، تلاه نبي الله على أصحابه القاعدين معه.
فإذا رجعت السرية، قال لهم الذين أقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله أنزل بعدكم على نبيه قرآنا "، فيقرئونهم ويفقهونهم في الدين، وهو قوله: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ، يقول: إذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم =( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) ، يعني بذلك: أنه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعًا ونبيُّ الله قاعد, ولكن إذا قعد نبيُّ الله، تسرَّت السرايا، وقعد معه عُظْمُ الناس.
* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما هؤلاء الذين نفروا بمؤمنين, ولو كانوا مؤمنين لم ينفر جميعهم، ولكنهم منافقون.
ولو كانوا صادقين أنهم مؤمنون، لنفر بعضٌ ليتفقه في الدين، ولينذر قومه إذا رجع إليهم.
* ذكر من قال ذلك:17474- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس قوله: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ، فإنها ليست في الجهاد, ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مُضَر بالسِّنين أجدبت بلادهم, وكانت القبيلة منهم تُقْبل بأسرها حتى يحلُّوا بالمدينة من الجهْد, ويعتلُّوا بالإسلام وهم كاذبون, فضيَّقوا على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم، وأنزل الله يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا مؤمنين, فردّهم رسول الله عشائرهم, وحذّر قومهم أن يفعلوا فعلهم، فذلك قوله: ( ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ).
* * *وقد روي عن ابن عباس في ذلك قول ثالثٌ, وهو ما:-17475- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ، إلى قوله: ( لعلهم يحذرون ) ، قال: كان ينطلق من كل حيّ من العرب عصابةٌ، فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم، فيسألونه عما يريدونه من دينهم، ويتفقهون في دينهم, ويقولون لنبي الله: ما تأمرنا أن نفعله، وأخبرنا ما نقول لعشائرنا إذا انطلقنا إليهم؟ قال: فيأمرهم نبيّ الله بطاعة الله وطاعة رسوله, ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة.
وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا: " إن من أسلم فهو منَّا "، وينذرونهم, حتى إن الرجل ليعرِّف أباه وأمه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم وينذرون قومهم.
( 72 ) فإذا رجعوا إليهم، يدعونهم إلى الإسلام، وينذرونهم النار، ويبشرونهم بالجنة.
* * *وقال آخرون: إنما هذا تكذيب من الله لمنافقين أزرَوْا بأعراب المسلمين وغيرهم، ( 73 ) في تخلُّفهم خِلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم ممن قد عذره الله بالتخلف.
* ذكر من قال ذلك:17476- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان بن عيينة, عن سليمان الأحول, عن عكرمة قال: لما نزلت هذه الآية: مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، إلى: إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ، قال ناس من المنافقين: هلك من تخلف! فنزلت: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ، إلى: ( لعلهم يحذرون ) ، ونزلت: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ ، الآية [ سورة الشورى: 16 ].
17477- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير, عن ابن عيينة قال، حدثنا سليمان الأحول، عن عكرمة, قال: سمعته يقول: لما نزلت: إِلا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [ سورة التوبة: 39 ]، و مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ ، إلى قوله: لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، قال المنافقون: هلك أصحاب البدو الذين تخلفوا عن محمد ولم ينفروا معه! وقد كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا إلى البدو، إلى قومهم يفقهونهم, فأنزل الله: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) ، إلى قوله: ( لعلهم يحذرون ) ، ونزلت: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ ، الآية.
* * *واختلف الذين قالوا: " عُنى بذلك النهيُ عن نَفْر الجميع في السرية، وترك النبيّ عليه السلام وحده " في المعنيِّين بقوله: ( ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ) .
فقال بعضهم: عُنى به الجماعة المتخلفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقالوا: معنى الكلام: فهلا نفر من كل فرقة طائفة للجهاد، ليتفقه المتخلفون في الدين، ولينذروا قومهم الذين نفروا في السرية إذا رجعوا إليهم من غزوهم؟ وذلك قول قتاده, وقد ذكرنا رواية ذلك عنه، من رواية سعيد بن أبي عروبة، ( 74 ) وقد:-17478- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) الآية, قال: ليتفقه الذين قعدوا مع نبي الله =( ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ) ، يقول: لينذروا الذين خرجوا إذا رجعوا إليهم.
17479- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن وقتادة: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ، قالا كافة, ويَدَعوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
* * *وقال آخرون منهم: بل معنى ذلك: لتتفقه الطائفة النافرة دون المتخلفة، وتحذر النافرةُ المتخلفةَ.
* ذكر من قال ذلك:17480- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن الحسن: ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) ، قال: ليتفقه الذين خرجوا، بما يُريهم الله من الظهور على المشركين والنصرة, وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: تأويلُه: وما كان المؤمنون لينفروا جميعًا ويتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده, وأن الله نهى بهذه الآية المؤمنين به أن يخرجوا في غزو وجهادٍ وغير ذلك من أمورهم، ويدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحيدًا.
ولكن عليهم إذا سَرَّى رسول الله سرية أن ينفر معها من كل قبيلة من قبائل العرب = وهي الفرقة ( 75 ) =( طائفة ) ، وذلك من الواحد إلى ما بلغ من العدد, ( 76 ) كما قال الله جل ثناؤه: ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ) ، يقول: فهلا نفر من كل فرقةٍ منهم طائفة؟ ( 77 ) وهذا إلى هاهنا، على أحد الأقوال التي رويت عن ابن عباس, وهو قول الضحاك وقتادة.
وإنما قلنا: هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب, لأن الله تعالى ذكره حظر التخلف خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المؤمنين به من أهل المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم, ومن الأعراب، لغير عذر يُعذرون به، إذا خرج رسول الله لغزوٍ وجهادِ عدوٍّ قبل هذه الآية بقوله: مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، ثم عقب ذلك جل ثناؤه بقوله: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة ) ، فكان معلومًا بذلك = إذْ كان قد عرّفهم في الآية التي قبلها اللازمَ لهم من فرض النَّفْر، والمباحَ لهم من تركه في حال غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشخوصه عن مدينته لجهاد عدوّ, وأعلمهم أنه لا يسعهم التخلف خِلافه إلا لعذر، بعد استنهاضه بعضهم وتخليفه بعضهم = أن يكون عَقِيب تعريفهم ذلك، تعريفُهم الواجبَ عليهم عند مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدينته، وإشخاص غيره عنها, كما كان الابتداءُ بتعريفهم الواجب عند شخوصه وتخليفه بعضهم.
* * *وأما قوله: ( ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ) ، ( 78 ) فإن أولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال: ليتفقه الطائفة النافرة بما تعاين من نصر الله أهلَ دينه وأصحابَ رسوله، على أهل عداوته والكفر به, فيفقه بذلك من مُعاينته حقيقةَ علم أمر الإسلام وظهوره على الأديان، من لم يكن فقهه, ولينذروا قومهم فيحذروهم أن ينزل بهم من بأس الله مثل الذي نزل بمن شاهدوا وعاينوا ممن ظفر بهم المسلمون من أهل الشرك = إذا هم رجعوا إليهم من غزوهم =( لعلهم يحذرون ) ، ( 79 ) يقول: لعل قومهم، إذا هم حذروهم ما عاينوا من ذلك، يحذرون فيؤمنون بالله ورسوله, حذرًا أن ينزل بهم ما نزل بالذين أخبِروا خبرَهم.
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب, وهو قول الحسن البصري الذي رويناه عنه، ( 80 ) لأن " النفر " قد بينا فيما مضى، أنه إذا كان مطلقًا بغير صلة بشيء، أنَّ الأغلب من استعمال العرب إياه في الجهاد والغزو.
( 81 ) فإذا كان ذلك هو الأغلب من المعاني فيه, وكان جل ثناؤه قال: ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) ، علم أن قوله: ( ليتفقهوا )، إنما هو شرط للنفر لا لغيره, إذْ كان يليه دون غيره من الكلام.
* * *فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون معناه: ليتفقه المتخلِّفون في الدين؟قيل: ننكر ذلك لاستحالته.
وذلك أن نَفْر الطائفة النافرة، لو كان سببًا لتفقه المتخلفة, وجب أن يكون مقامها معهم سببًا لجهلهم وترك التفقه، وقد علمنا أن مقامهم لو أقاموا ولم ينفروا لم يكن سببًا لمنعهم من التفقه.
* * *وبعدُ, فإنه قال جل ثناؤه: ( ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم ) ، عطفًا به على قوله: ( ليتفقهوا في الدين ) ، ولا شك أن الطائفة النافرة لم ينفروا إلا والإنذار قد تقدّم من الله إليها, وللإنذار وخوف الوعيد نَفرتْ, فما وجْهُ إنذار الطائفة المتخلفة الطائفةَ النافرةَ، وقد تساوتا في المعرفة بإنذار الله إياهما؟ ولو كانت إحداهما جائزٌ أن توصف بإنذار الأخرى, لكان أحقَّهما بأن يوصف به، الطائفة النافرة, لأنها قد عاينت من قدرة الله ونصرة المؤمنين على أهل الكفر به، ما لم تعاين المقيمة.
ولكن ذلك إن شاء الله كما قلنا، من أنها تنذر من حَيِّها وقبيلتها من لم يؤمن بالله إذا رجعت إليه: أن ينزل به ما أنزل بمن عاينته ممن أظفر الله به المؤمنين من نُظَرائه من أهل الشرك.
الهوامش:( 68 ) انظر تفسير " النفر " فيما سلف 8 : 536 / 14 : 254 ، 399 .
( 69 ) انظر تفسير " الكافة " فيما سلف 4 : 257 ، 258 / 14: 242 .
( 70 ) ما بين القوسين ، ليس في المخطوطة ، وزاده ناشر المطبوعة من الدر المنثور 3 : 292 ، فيما أرجح .
( 71 ) كان في المطبوعة : " ويعلمونه " ، وفي الدر : " ويعلموه " ، وفي المخطوطة : " ويعلموا " عطفا على قوله : " ليفقهوا " .
( 72 ) هكذا جاءت هذه الجملة في المخطوطة والمطبوعة ، وهي جملة غريبة التركيب ، أخشى أن يكون سقط منها شيء( 73 ) في المطبوعة : " بأعراب المسلمين وعزروهم " ، والصواب ما في المخطوطة .
( 74 ) انظر ما سلف رقم : 17472 .
( 75 ) انظر تفسير " الفريق " و " الفرقة " فيما سلف : ص : 539 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
( 76 ) انظر تفسير " طائفة " فيما سلف : ص : 403 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
( 77 ) انظر تفسير " لولا " فيما سلف 11 : 356 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
( 78 ) انظر تفسير " التفقه " فيما سلف ص : 413 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .
( 79 ) انظر تفسير " الحذر " فيما سلف 10 : 575 / 14 : 331 .
( 80 ) انظر ما سلف رقم : 17480 .
( 81 ) انظر ما سلف ص : 251 - 256 .

وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون

سورة : التوبة - الأية : ( 122 )  - الجزء : ( 11 )  -  الصفحة: ( 206 ) - عدد الأيات : ( 129 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون
  2. تفسير: تنـزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم
  3. تفسير: وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين
  4. تفسير: إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين
  5. تفسير: ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون
  6. تفسير: وكذلك أنـزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما
  7. تفسير: ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون
  8. تفسير: إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون
  9. تفسير: قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون
  10. تفسير: لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون

تحميل سورة التوبة mp3 :

سورة التوبة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة التوبة

سورة التوبة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة التوبة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة التوبة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة التوبة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة التوبة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة التوبة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة التوبة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة التوبة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة التوبة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة التوبة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب