تفسير الآية - القول في معنى قوله تعالى : إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها ..

  1. تفسير السعدي
  2. تفسير البغوي
  3. التفسير الوسيط
  4. تفسير ابن كثير
  5. تفسير الطبري
الفسير الوسيط | التفسير الوسيط للقرآن الكريم للطنطاوي | تأليف شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي (المتوفى: 1431هـ) : ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة و القيمة لطلاب العلم و الباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل و عبارة مفهومة, تفسير الآية 271 من سورةالبقرة - التفسير الوسيط .
  
   

﴿ إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
[ سورة البقرة: 271]

معنى و تفسير الآية 271 من سورة البقرة : إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها .


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

تفسير السعدي : إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها


أي: إن تبدوا الصدقات فتظهروها وتكون علانية حيث كان القصد بها وجه الله فنعما هي - أي: فنعم الشيء هي لحصول المقصود بها وإن تخفوها - أي: تسروها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ففي هذا أن صدقة السر على الفقير أفضل من صدقة العلانية، وأما إذا لم تؤت الصدقات الفقراء فمفهوم الآية أن السر ليس خيرا من العلانية، فيرجع في ذلك إلى المصلحة، فإن كان في إظهارها إظهار شعائر الدين وحصول الاقتداء ونحوه، فهو أفضل من الإسرار، ودل قوله: وتؤتوها الفقراء على أنه ينبغي للمتصدق أن يتحرى بصدقته المحتاجين، ولا يعطي محتاجا وغيره أحوج منه، ولما ذكر تعالى أن الصدقة خير للمتصدق ويتضمن ذلك حصول الثواب قال: ويكفر عنكم من سيئاتكم ففيه دفع العقاب والله بما تعملون خبير من خير وشر، قليل وكثير والمقصود من ذلك المجازاة.

تفسير البغوي : مضمون الآية 271 من سورة البقرة


قوله تعالى : ( إن تبدوا الصدقات ) أي تظهروها ( فنعما هي ) أي : نعمت الخصلة هي و " ما " في محل الرفع " وهي " في محل النصب كما تقول : نعم الرجل رجلا فإذا عرفت رفعت فقلت : نعم الرجل زيد وأصله " نعم ما " فوصلت قرأ أهل المدينة غير ورش وأبو عمرو وأبو بكر : فنعما بكسر النون وسكون العين وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي : بفتح النون وكسر العين وقرأ ابن كثير ونافع برواية ورش ويعقوب وحفص بكسرهما وكلها لغات صحيحة وكذلك في سورة النساء .
( وإن تخفوها ) تسروها ( وتؤتوها الفقراء ) أي تؤتوها الفقراء في السر ( فهو خير لكم ) وأفضل وكل مقبول إذا كانت النية صادقة ولكن صدقة السر أفضل وفي الحديث " صدقة السر تطفئ غضب الرب .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي سعيد الخدري أو عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " .
وقيل: الآية في صدقة التطوع أما الزكاة المفروضة فالإظهار فيها أفضل حتى يقتدي به الناس كالصلاة المكتوبة في الجماعة أفضل والنافلة في البيت [ أفضل ] وقيل: الآية في الزكاة المفروضة كان الإخفاء فيها خيرا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أما في زماننا فالإظهار أفضل حتى لا يساء به الظن .
قوله تعالى : ( ويكفر عنكم من سيئاتكم ) قرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو بكر بالنون ورفع الراء أي ونحن نكفر وقرأ ابن عامر وحفص بالياء ورفع الراء أي ويكفر الله وقرأ أهل المدينة وحمزة والكسائي بالنون والجزم نسقا على الفاء التي في قوله " فهو خير لكم " لأن موضعها جزم بالجزاء وقوله ومن سيئاتكم قيل " من " صلة تقديره : نكفر عنكم سيئاتكم وقيل: هو للتحقيق والتبعيض يعني : نكفر الصغائر من الذنوب ( والله بما تعملون خبير )

التفسير الوسيط : إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها


ثم بين- سبحانه - أن الصدقة متى صدرت عن المسلّم بالطريقة التي دعت إليها تعاليم الإسلام فإنها تكون مرجوة القبول عند الله-تبارك وتعالى- سواء أفعلها المسلّم في السر أم في العلن، فقال-تبارك وتعالى-: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ.
الصدقات: جمع صدقة وهي ما يخرجه المسلّم من ماله على جهة القربة، وتشمل الفرض والتطوع، وهي مأخوذة من الصدق بمعنى صدق النية وتخليصها من كل ما نهى الله عنه، وسمى- سبحانه - ما يخرجه المسلّم من ماله صدقة لأن المال بها يزكو وينمو يطهر.
والفاء في قوله: فَنِعِمَّا هِيَ واقعة في جواب الشرط، وفَنِعِمَّا أصلها نعم ما، فأدغمت إحدى الميمين في الأخرى، ونعم فعل ماض، وما نكرة تامة بمعنى شيء، وهي منصوبة على أنها تمييز، والفاعل ضمير مستتر في نعم.
والمعنى: إن تبدو صدقاتكم- أيها المؤمنون- وتظهروها فنعم شيئا إبداؤها وإعلانها، لأنه يرفع التهمة ويدعو أهل الخير إلى الاقتداء بهذا الفعل الحسن.
وجاء التعبير بمدح المعلنين صدقتهم بقوله «فنعما هي» للإشارة إلى أن المسلّم متى دفع صدقته لمستحقيها بنية خالصة، فإنه يكون ممدوحا من الله-تبارك وتعالى- وممدوحا من الناس الذين شاهدوا عمله الصالح.
هذه صدقة الجهر إذا خلصت من الرياء أما صدقة السر فقد أثنى الله على فاعلها بقوله:وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أى: وإن تحفوا الصدقات وتعطوها للفقراء سرا، دون أن يراكم أحد من الناس، فعملكم هذا خير لكم عند الله لأنكم بإخفائكم للصدقة ودفعها للفقير سرا تكونون قد ابتعدتم عن الرياء، وسترتم حال هذا الفقير المحتاج.
وقوله: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ أى أنه- سبحانه - يستر السيئات التي يرتكبها الشخص، ويخفيها ولا يظهرها عند إثابته إياه على فعله الحسن لأن ما فعله من حسنات مسح ما فعله من سيئات فهو كقوله-تبارك وتعالى-: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ ومِنْ في قوله: مِنْ سَيِّئاتِكُمْ بيانية بمعنى أن الصدقات تكفر السيئات لأن المسلّم إذا بذل ماله في سبيل الله بصدق وإخلاص، كان أهلا لمثوبة الله ومغفرته، ويجوز أن تكون للتبعيض أى يكفر عنكم بعض سيئاتكم بمقدار ما قدمتم من صدقات لأن الصدقات لا تكفر جميع السيئات.
ثم ختم- سبحانه - الآية بقوله: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أى أن الله-تبارك وتعالى- عليم علما دقيقا بكل ما تعملونه أيها المؤمنون، فعليكم أن تخلصوا له أعمالكم، وأن تراقبوه في سركم وجهركم، وأن تسارعوا في عمل الخيرات التي ترفع درجاتكم عند خالقكم.
وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد مدحت صدقتي الجهر والسر متى كان المتصدق متبعا آداب الإسلام وتوجيهاته، ومبتعدا عن كل ما يبطل الصدقات، ويحبط الأعمال.
ثم ختمت السورة حديثها عن النفقة والمنفقين ببيان حسن عاقبة من يبذل ماله في سبيل الله، وبيان صفات بعض المستحقين للصدقة، وببيان أن هداية البشر إنما هي بيد الله-تبارك وتعالى- وحده، فقال-تبارك وتعالى-:

تفسير ابن كثير : شرح الآية 271 من سورة البقرة


وقوله : ( إن تبدوا الصدقات فنعما هي ) أي : إن أظهرتموها فنعم شيء هي .وقوله : ( وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها ; لأنه أبعد عن الرياء ، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة ، من اقتداء الناس به ، فيكون أفضل من هذه الحيثية ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة " .والأصل أن الإسرار أفضل ، لهذه الآية ، ولما ثبت في الصحيحين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يرجع إليه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " .وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا العوام بن حوشب ، عن سليمان بن أبي سليمان ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : " لما خلق الله الأرض جعلت تميد ، فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت ، فتعجبت الملائكة من خلق الجبال ، فقالت : يا رب ، فهل من خلقك شيء أشد من الجبال ؟ قال : نعم ، الحديد . قالت : يا رب ، فهل من خلقك شيء أشد من الحديد ؟ قال : نعم ، النار . قالت : يا رب ، فهل من خلقك شيء أشد من النار ؟ قال : نعم ، الماء . قالت : يا رب ، فهل من خلقك شيء أشد من الماء ؟ قال : نعم ، الريح . قالت : يا رب ، فهل من خلقك شيء أشد من الريح ؟ قال : نعم ، ابن آدم يتصدق بيمينه فيخفيها من شماله " .وقد ذكرنا في فضل آية الكرسي ، عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ، أي الصدقة أفضل ؟ قال : " سر إلى فقير ، أو جهد من مقل " . رواه أحمد .ورواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن أبي ذر فذكره . وزاد : ثم نزع بهذه الآية : ( إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) الآية .وفي الحديث المروي : " صدقة السر تطفئ غضب الرب ، عز وجل " .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا الحسين بن زياد المحاربي مؤدب محارب ، أخبرنا موسى بن عمير ، عن عامر الشعبي في قوله : ( إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ) قال : أنزلت في أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، فأما عمر فجاء بنصف ماله حتى دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما خلفت وراءك لأهلك يا عمر ؟ " . قال : خلفت لهم نصف مالي ، وأما أبو بكر فجاء بماله كله يكاد أن يخفيه من نفسه ، حتى دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما خلفت وراءك لأهلك يا أبا بكر ؟ " . فقال : عدة الله وعدة رسوله . فبكى عمر ، رضي الله عنه ، وقال : بأبي أنت يا أبا بكر ، والله ما استبقنا إلى باب خير قط إلا كنت سابقا .وهذا الحديث مروي من وجه آخر ، عن عمر ، رضي الله عنه . وإنما أوردناه هاهنا لقول الشعبي : إن الآية نزلت في ذلك ، ثم إن الآية عامة في أن إخفاء الصدقة أفضل ، سواء كانت مفروضة أو مندوبة . لكن روى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، في تفسير هذه الآية ، قال : جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها ، فقال : بسبعين ضعفا . وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها ، فقال : بخمسة وعشرين ضعفا .وقوله : ( ويكفر عنكم من سيئاتكم ) أي : بدل الصدقات ، ولا سيما إذا كانت سرا يحصل لكم الخير في رفع الدرجات ويكفر عنكم السيئات ، وقد قرئ : " ويكفر عنكم " بالضم ، وقرئ : " ونكفر " بالجزم ، عطفا على جواب الشرط ، وهو قوله : ( فنعما هي ) كقوله : " فأصدق وأكون " ( وأكن ) .وقوله ( والله بما تعملون خبير ) أي : لا يخفى عليه من ذلك شيء ، وسيجزيكم عليه [ سبحانه وبحمده ] .

تفسير الطبري : معنى الآية 271 من سورة البقرة


القول في تأويل قوله : إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْقال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: " إن تبدوا الصدقات "، إن تعلنوا الصدقات فتعطوها من تصدقتم بها عليه=" فنعما هي"، يقول: فنعم الشيء هي=" وإن تخفوها "، يقول: وإن تستروها فلم تعلنوها= (6) " وتؤتوها الفقراء "، يعني: وتعطوها الفقراء في السر= (7) " فهو خير لكم "، يقول: فإخفاؤكم إياها خير لكم من إعلانها.
وذلك في صدقة التطوع، كما:-6195 - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم "، كل مقبول إذا كانت النية صادقة، وصدقة السر أفضل.
وذكر لنا أن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.
6196 - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، في قوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم "، قال: كل مقبول إذا كانت النية صادقة، والصدقة في السر أفضل.
وكان يقول: إن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار.
6197 - حدثني المثنى، قال: حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم "، فجعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا، وجعل صدقة الفريضة: علانيتها أفضل من سرها، يقال بخمسة وعشرين ضعفا، وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها.
(8) .
6198 - حدثني عبد الله بن محمد الحنفي، قال: حدثنا عبد الله بن عثمان، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، قال: سمعت سفيان يقول في قوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم "، قال: يقول: هو سوى الزكاة.
(9) .
* * *وقال آخرون: إنما عنى الله عز وجل بقوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي"، إن تبدوا الصدقات على أهل الكتابين من اليهود والنصارى فنعما هي، وإن تخفوها وتؤتوها فقراءهم فهو خير لكم.
قالوا: وأما ما أعطى فقراء المسلمين من زكاة وصدقة تطوع، فإخفاؤه أفضل من علانيته.
* ذكر من قال ذلك:6199 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عبد الرحمن بن شريح، أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يقول: إنما نزلت هذه الآية: (10) " إن تبدوا الصدقات فنعما هي"، في الصدقة على اليهود والنصارى.
(11) .
6200 - حدثني عبد الله بن محمد الحنفي، قال: أخبرنا عبد الله بن عثمان، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: أخبرنا ابن لهيعة، قال: كان يزيد بن أبي حبيب يأمر بقسم الزكاة في السر= قال عبد الله: أحب أن تعطى في العلانية= يعني الزكاة.
* * *قال أبو جعفر: ولم يخصص الله من قوله: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي" [ شيئا دون شيء]، فذلك على العموم إلا ما كان من زكاة واجبة، (12) فإن الواجب من الفرائض قد أجمع الجميع على أن الفضل في إعلانه وإظهاره سوى الزكاة التي ذكرنا اختلاف المختلفين فيها مع إجماع جميعهم على أنها واجبة، فحكمها في أن الفضل في أدائها علانية، حكم سائر الفرائض غيرها.
* * *القول في تأويل قوله : وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْقال أبو جعفر: اختلف القراء في قراءة ذلك.
فروي عن ابن عباس أنه كان يقرؤه: ( وتكفر عنكم ) بالتاء.
ومن قرأه كذلك.
فإنه يعني به: وتكفر الصدقات عنكم من سيئاتكم.
* * *وقرأ آخرون: ( وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ ) بالياء، بمعنى: ويكفر الله عنكم بصدقاتكم، على ما ذكر في الآية من سيئاتكم.
* * *وقرأ ذلك بعد عامة قراء أهل المدينة والكوفة والبصرة، ( ونكفر عنكم ) بالنون وجزم الحرف، يعني: وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء نكفر عنكم من سيئاتكم= بمعنى: مجازاة الله عز وجل مخفي الصدقة بتكفير بعض سيئاته بصدقته التي أخفاها.
* * *قال أبو جعفر: وأولى القراءات في ذلك عندنا بالصواب قراءة من قرأ: ( ونكفر عنكم ) بالنون وجزم الحرف، على معنى الخبر من الله عن نفسه أنه يجازي المخفي صدقته من التطوع ابتغاء وجهه من صدقته، بتكفير سيئاته.
وإذا قرئ كذلك، فهو مجزوم على موضع " الفاء " في قوله: " فهو خير لكم ".
لأن " الفاء " هنالك حلت محل جواب الجزاء.
* * *فإن قال لنا قائل: وكيف اخترت الجزم على النسق على موضع " الفاء "، وتركت اختيار نسقه على ما بعد الفاء، وقد علمت أن الأفصح من الكلام في النسق على جواب الجزاء الرفع، وإنما الجزم تجويزه ؟ (13) .
قيل: اخترنا ذلك ليؤذن بجزمه أن التكفير- أعني تكفير الله من سيئات المصدق= لا محالة داخل فيما وعد الله المصدق أن يجازيه به على صدقته.
لأن ذلك إذا جزم، مؤذن بما قلنا لا محالة، ولو رفع كان قد يحتمل أن يكون داخلا فيما وعده الله أن يجازيه به، وأن يكون خبرا مستأنفا أنه يكفر من سيئات عباده المؤمنين، على غير المجازاة لهم بذلك على صدقاتهم، لأن ما بعد " الفاء " في جواب الجزاء استئناف، فالمعطوف على الخبر المستأنف في حكم المعطوف عليه، في أنه غير داخل في الجزاء، ولذلك من العلة، اخترنا جزم " نكفر " عطفا به على موضع الفاء من قوله: " فهو خير لكم " وقراءته بالنون.
(14) .
* * *فإن قال قائل: وما وجه دخول " من " في قوله: " ونكفر عنكم من سيئاتكم " قيل: وجه دخولها في ذلك بمعنى: ونكفر عنكم من سيئاتكم ما نشاء تكفيره منها دون جميعها، ليكون العباد على وجل من الله فلا يتكلوا على وعده ما وعد على الصدقات التي يخفيها المتصدق فيجترئوا على حدوده ومعاصيه.
* * *وقال بعض نحويي البصرة: معنى " من " الإسقاط من هذا الموضع، (15) ويتأول معنى ذلك: ونكفر عنكم سيئاتكم.
* * *القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: " والله بما تعملون " في صدقاتكم، من إخفائها، وإعلان وإسرار بها وجهار، (16) وفي غير ذلك من أعمالكم=" خبير " يعني بذلك ذو خبرة وعلم، (17) لا يخفى عليه شيء من ذلك، فهو بجميعه محيط، ولكله محص على أهله، حتى يوفيهم ثواب جميعه، وجزاء قليله وكثيره.
-----------------الهوامش :(6) في المخطوطة والمطبوعة : "فلن تعلنوها" ، وهو فاسد السياق ، والصواب ما أثبت,(7) انظر معنى"الإيتاء" ، في مادة "أتى" من فهارس اللغة فيما سلف .
(8) في المطبوعة : "في الأشياء كلها" ، وأثبت ما في المخطوطة .
(9) الأثر 6198 -مضى رجال هذا الإسناد برقم : 5000 ، 5009 ، ويأتي برقم : 6200 .
(10) في المطبوعة : "هذه آية" وهو خطأ ، والصواب من المخطوطة .
(11) الأثر : 6199 -"عبد الرحمن بن شريح بن عبد الله بن محمود بن المعافري" ، أبو شريح الاسكندراني .
قال أحمد : ثقة : توفي بالإسكندرية سنة 167 ، وكانت له عبادة وفضل .
مترجم في التهذيب .
(12) هكذا جاءت الجملة في المخطوطة والمطبوعة ، فزدت ما بين القوسين لتستقيم العبارة بعض الاستقامة ، ولا أشك أنه كان في الكلام سقط من ناسخ ، فأتمته بأقل الألفاظ دلالة على المعنى .
وقد مضى كثير من سهو الناسخ في القسم من التفسير ، وسيأتي في هذا القسم من التفسير ، وسيأتي بعد قليل دليل على ذلك في رقم : 6209 .
(13) في المطبوعة : "تجويز" بغير إضافة ، وأثبت ما في المخطوطة .
(14) هذا من دقيق نظر أبي جعفر في معاني التأويل ، ووجوده اختيار القراءات .
ولو قد وصلنا كتابه في القراءات ، الذي ذكره في الجزء الأول : 148 ، وذكر فيه اختياره من القراءة ، والعلل الموجبة صحة ما اختاره - لجاءنا كتاب لطيف المداخل والمخارج ، فيما نستظهر .
(15) "الإسقاط" يعنى به : الزيادة ، والحذف ، وهو الذي يسمى أيضًا"صلة" ، كما مضى مرارا ، واطلبه في فهرس المصطلحات .
(16) في المطبوعة : "وإجهار" ، والصواب من المخطوطة .
(17) انظر تفسير"خبير"فيما سلف 1 : 496 /ثم 5 : 94 .

إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير

سورة : البقرة - الأية : ( 271 )  - الجزء : ( 3 )  -  الصفحة: ( 46 ) - عدد الأيات : ( 286 )

تفسير آيات من القرآن الكريم

  1. تفسير: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنـزل السكينة
  2. تفسير: ألم تر كيف فعل ربك بعاد
  3. تفسير: ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا
  4. تفسير: فقال إن هذا إلا سحر يؤثر
  5. تفسير: إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس
  6. تفسير: وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنـزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره
  7. تفسير: فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين
  8. تفسير: وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب
  9. تفسير: وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون
  10. تفسير: ذواتا أفنان

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب