اختلعت على عهد النبي فأمرها أن تعتد بحيضة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي ذكر حديث صحيح، رواه الإمام مالك في "الموطأ"، والإمام البخاري في "صحيحه"، والإمام مسلم في "صحيحه"، وغيرهم، عن الصحابية الجليلة الربيع بنت معوذ بن عفراء رضي الله عنها، وهي أنصارية من الأنصار، وقد شهدت بيعة العقبة مع النبي صلى الله عليه وسلم.

---

1. شرح المفردات:

* الرَّبِيعُ بِنْتِ مُعَوِّذٍ: هي صحابية جليلة، أخت عباد بن معوذ، من الأنصار.
* اخْتَلَعَتْ: الخلع هو فسخ عقد النكاح بلفظ الخلع أو ما في معناه، وهو أن تدفع الزوجة لزوجها عوضاً (مالاً أو نحوه) مقابل أن يفارقها. وهو مباح لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229].
* أُمِرَتْ: صيغة مجهولة (نائب فاعل) للتحقيق والتحرز، لأن الراوي شك هل سمع الأمر مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغها ذلك.
* أَنْ تَعْتَدَّ: أي تتربص وتنتظر المدة التي حددها الشرع لتبين براءة رحمها.
* بِحَيْضَةٍ: أي بدم حيضة واحدة فقط.

---

2. شرح الحديث ومعناه الإجمالي:
يخبرنا هذا الحديث عن وقائع قصة الربيع بنت معوذ رضي الله عنها، حيث كانت في زواج لم تستطع الاستمرار فيه، فكرهت العيش مع زوجها وخشيت ألا تقيم حدود الله في هذا الزواج، فاختلعت منه، أي فادت نفسها منه بمال تدفعه له مقابل طلاقها.
فلما حصل الخلع وتم فسخ النكاح، جاءها الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم – سواء أبلغها مباشرة أو بلغها через آخر – بأن عدتها من هذا الخلع ليست عدة الطلاق (وهي ثلاثة قروء للتي تحيض)، بل عدتها هي حيضة واحدة فقط.

---

3. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:
هذا الحديث من الأسس الكبرى في باب الخلع والعِدَد، وقد استنبط منه العلماء والفقهاء أحكاماً عديدة:
* أولاً: مشروعية الخلع: الحديث دليل على جواز الخلع إذا كرهت المرأة زوجها وخشيت ألا تؤدي حقه.
* ثانياً: الفرق بين عدة الطلاق وعدة الخلع: هذه هي الفائدة العظمى من الحديث.
* عدة المطلقة طلاقاً رجعياً أو بائناً هي ثلاث حيضات لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228].
* أما عدة المختلعة (التي افتدت نفسها من زوجها) فهي حيضة واحدة فقط، كما في هذا الحديث. والحكمة من ذلك أن عدة الطلاق فيها إمكانية الرجعة، فجعلت ثلاثة قروء لإعطاء فرصة للمراجعة وإصلاح ذات البين. أما الخلع فهو انفصال تام وقطيعة، فاقتصرت العدة على الحيضة الواحدة لتحقق الغاية الأساسية من العدة، وهي الاطمئنان على براءة الرحم من الحمل فقط.
* ثالثاً: حكم المرأة التي لا تحيض: من خلال القياس على هذا الحديث وأدلة أخرى، ذهب جمهور العلماء إلى أن عدة المختلعة التي لا تحيض لصغر أو كبر أو مرض، هي ثلاثة أشهر، قياساً على عدة الآيسة في الطلاق.
* رابعاً: انقطاع الزوجية بالخلع: الخلع يفسخ النكاح فسخاً، فإذا حصل انتهت الزوجية بينهما في الحال، وليس للزوج حق الرجعة فيها كما في الطلاق الرجعي.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

* الخلع ليس طلاقاً، بل هو فسخ للنكاح. لذلك تختلف بعض أحكامه عن أحكام الطلاق.
* جمهور العلماء (المالكية والشافعية والحنابلة) على أن عدة الخلع حيضة واحدة، وهو مذهب الظاهرية، وبه قال كثير من التابعين. وهو الراجح لقوة هذا الحديث.
* ذهب الحنفية إلى أن عدة الخلع كعدة الطلاق (ثلاث حيضات)، ولكن القول الأول هو الأقوى دليلاً.
* هذا الحديث يظهر سماحة الإسلام ومرونته وعدالته، حيث راعى حالة المرأة التي لا تطيق العيش مع زوجها، وفتح لها باباً للخلاص مع حفظ حقوق جميع الأطراف.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، ويعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.