اختلعت من زوجي فسألت عثمان عن العدة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث نبوي شريف يروي قصة امرأة اختلعت من زوجها، واستفتت أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه في شأن عدتها، فأفتاها بناءً على قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في قصة مماثلة. وإليك الشرح الوافي للحديث:

---

1. شرح المفردات:

● الرَّبيع بنت معوذ بن عفراء: صحابية جليلة، وهي من الأنصار، وأخت معاذ بن عفراء الذي شهد بدرًا.
● اخْتَلَعْتُ من زوجي: الاختلاع هو أن تفتدي المرأة نفسها من زوجها بمال تدفعه له مقابل طلاقها، وهو نوع من الطلاق الذي تتمInitيه المرأة.
● عِدَّة: المدة التي تتربصها المرأة بعد الطلاق أو الوفاة، ولا تتزوج فيها، لمعرفة براءة الرحم.
● حَدِيث عَهْدٍ بِك: أي أن يكون الطلاق حديثًا، وكان قد دخل بها فعلاً.
● تَمْكُثِينَ عِنْدَهُ: أي تبقين في مكان إقامتك (بيت الزوجية) حتى تنقضي العدة.
● مَرْيَم الْمُغَالِيَة: هي امرأة من الصحابة، وكانت تحت ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، واختلعت منه.

---

2. شرح الحديث:

تروي الصحابية الجليلة الربيع بنت معوذ رضي الله عنها أنها اختلعت من زوجها (أي فدت نفسها منه بمال ليفارقها)، ثم ذهبت إلى الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه تسأله عن العدة التي يجب عليها أن تعتدها بعد هذا الاختلاع. فأجابها عثمان رضي الله عنه بأنه لا عدة عليها إلا إذا كان الطلاق حديث عهد بها، أي إذا كان الزوج قد دخل بها فعلاً وكان الاختلاع بعد الدخول، ففي هذه الحالة يجب عليها أن تعتد بعدة الطلاق، وهي أن تمكث في بيتها حتى تحيض حيضة واحدة كاملة، فإذا حاضت وانقضت حيضتها فقد انتهت عدتها.
ثم بينت الربيع رضي الله أنها علمت أن هذا الحكم الذي أفتاها به عثمان رضي الله عنه إنما هو تبعًا لقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة مريم المغالية، التي كانت زوجة لثابت بن قيس رضي الله عنه، واختلعت منه، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بأن عليها العدة إذا كان الزوج قد دخل بها.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● مشروعية الخلع: الحديث دليل على جواز الخلع إذا كرهت المرأة زوجها وخافت ألا تقيم حدود الله معه، لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229].
● حكم عدة المختلعة: المرأة المختلعة إذا كان الزوج قد دخل بها، فإن عليها العدة كالمطلقة طلاقًا رجعيًا، وهي حيضة واحدة. وهذا مذهب جمهور العلماء (الحنفية والشافعية والحنابلة).
● العدة واجبة لمعرفة براءة الرحم: حتى لا يختلط النسب، ولاحتمال وجود حمل.
● اجتهاد الصحابة في تطبيق سنة النبي صلى الله عليه وسلم: حيث إن عثمان رضي الله عنه لم يفتِ برأيه، بل بناءً على حكم النبي صلى الله عليه وسلم في الواقعة المشابهة.
● حرص الصحابة على التعلم والسؤال عن أحكام الدين: وهذا من حسن فهمهم واتباعهم.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- الخلع يكون بطلب من المرأة، وتدفع للزوج مالاً (الفداء) مقابل طلاقها.
- العدة في الخلع مثل عدة الطلاق البائن (إذا كان قد دخل بها) عند الجمهور، وهي ثلاث حيضات، لكن في هذا الحديث جاءت العدة حيضة واحدة، وهذا مما اختلف فيه العلماء؛ فمنهم من قال إن العدة في الخلع حيضة واحدة (وهو قول عند المالكية وبعض العلماء)، والجمهور على أنها ثلاث حيضات. والحديث يدل على أن قضاء النبي صلى الله عليه وسلم في مريم المغالية كان بأن عدتها حيضة واحدة، وهذا خاص بمن لم يطل اجتماعها بزوجها، أو يكون منسوخًا، أو له خصوصية. والأحوط للمرأة المختلعة أن تعتد ثلاث حيضات.
- قصة مريم المغالية وثابت بن قيس مشهورة، وكان سبب الخلع أنها كرهت سوء خلقه، فاختلعت منه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.