﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾
[ التوبة: 36]

سورة : التوبة - At-Tawbah  - الجزء : ( 10 )  -  الصفحة: ( 192 )

Verily, the number of months with Allah is twelve months (in a year), so was it ordained by Allah on the Day when He created the heavens and the earth; of them four are Sacred, (i.e. the 1st, the 7th, the 11th and the 12th months of the Islamic calendar). That is the right religion, so wrong not yourselves therein, and fight against the Mushrikun (polytheists, pagans, idolaters, disbelievers in the Oneness of Allah) collectively, as they fight against you collectively. But know that Allah is with those who are Al-Muttaqun (the pious - see V. 2:2).


أربعة حُرُم : رجب و ذو القعدة و ذو الحجة و المحرّم
الدّين القيّم : الدّين المستقيم دين إبراهيم صلى الله عليه و سلم

إنّ عدة الشهور في حكم الله وفيما كُتب في اللوح المحفوظ اثنا عشر شهرًا، يوم خلق السموات والأرض، منها أربعة حُرُم؛ حرَّم الله فيهنَّ القتال (هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب) ذلك هو الدين المستقيم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم؛ لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها، لا أنَّ الظلم في غيرها جائز. وقاتلوا المشركين جميعًا كما يقاتلونكم جميعًا، واعلموا أن الله مع أهل التقوى بتأييده ونصره.

إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم - تفسير السعدي

يقول تعالى ‏{‏إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ‏}‏ أي‏:‏ في قضائه وقدره‏.‏ ‏{‏اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا‏}‏ وهي هذه الشهور المعروفة ‏{‏فِي كِتَابِ اللَّهِ‏}‏ أي في حكمه القدري، ‏{‏يَوْمَ خَلَقَ السموات وَالْأَرْضَ‏}‏ وأجرى ليلها ونهارها، وقدر أوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثني عشر ‏[‏شهرًا‏]‏‏.‏‏{‏مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ‏}‏ وهي‏:‏ رجب الفرد، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وسميت حرما لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها‏.‏‏{‏فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ‏}‏ يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثنى عشر شهرا، وأن اللّه تعالى بين أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تعمر بطاعته، ويشكر اللّه تعالى على مِنَّتِهِ بها، وتقييضها لمصالح العباد، فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها‏.‏ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها‏.‏ومن ذلك النهي عن القتال فيها، على قول من قال‏:‏ إن القتال في الأشهر الحرام لم ينسخ تحريمه عملا بالنصوص العامة في تحريم القتال فيها‏.‏ومنهم من قال‏:‏ إن تحريم القتال فيها منسوخ، أخذا بعموم نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً‏}‏ أي‏:‏ قاتلوا جميع أنواع المشركين والكافرين برب العالمين‏.‏ولا تخصوا أحدًا منهم بالقتال دون أحد، بل اجعلوهم كلهم لكم أعداء كما كانوا هم معكم كذلك، قد اتخذوا أهل الإيمان أعداء لهم، لا يألونهم من الشر شيئًا‏.‏ويحتمل أن ‏{‏كَافَّةً‏}‏ حال من الواو فيكون معنى هذا‏:‏ وقاتلوا جميعكم المشركين، فيكون فيها وجوب النفير على جميع المؤمنين‏.‏وقد نسخت على هذا الاحتمال بقوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً‏}‏ الآية‏.‏ ‏{‏وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ‏}‏ بعونه ونصره وتأييده، فلتحرصوا على استعمال تقوى اللّه في سركم وعلنكم والقيام بطاعته، خصوصا عند قتال الكفار، فإنه في هذه الحال، ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين‏.‏

تفسير الآية 36 - سورة التوبة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر : الآية رقم 36 من سورة التوبة

 سورة التوبة الآية رقم 36

إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم - مكتوبة

الآية 36 من سورة التوبة بالرسم العثماني


﴿ إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثۡنَا عَشَرَ شَهۡرٗا فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ يَوۡمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ مِنۡهَآ أَرۡبَعَةٌ حُرُمٞۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُۚ فَلَا تَظۡلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمۡۚ وَقَٰتِلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ كَآفَّةٗ كَمَا يُقَٰتِلُونَكُمۡ كَآفَّةٗۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ  ﴾ [ التوبة: 36]


﴿ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ﴾ [ التوبة: 36]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة التوبة At-Tawbah الآية رقم 36 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 36 من التوبة صوت mp3


تدبر الآية: إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم

التأريخ الهجريُّ موافق لعِدَّة الشهور التي عند الله، وبها انتظمَت منذ القِدَم حياةُ البشرية، وهو تأريخٌ تُعرَف به الأوقاتُ الفاضلة، وأزمنةُ الأحكام الشرعيَّة.
فلنحافظ عليه.
لعل تخصيص الأشهر الحُرم باجتناب ظلم النفس فيها أشبه بالحمية المؤقته؛ ليحصل النفور عن المعصية شيئًا فشيئًا، ثم يؤول ذلك إلى خُلق دائم.
رُوعيَ في التشريع أن يأمنَ الناسُ في عباداتهم المشروعة، وأنساكهم الصالحة.
من لم يتلبَّس بالعبادة في الأشهر الحرُم فلا يتلبَّسنَّ بالمعاصي، فإنها في تلك الأوقات أعظمُ إثمًا، كما أن الصالحاتِ أعظمُ أجرًا.
العاصي إنما يجني على نفسه، وعائدةُ ظلمه عليها، فارحم نفسك في زمن المُهلة.
المشركون يتعاضدون في حرب الإسلام، فحريٌّ بالمسلمين أن تجتمعَ كلمتُهم للدفاع عنه، ونشره في العالم.
لا تدَع تقوى الله وطاعتَه ولو كنتَ في ساعة حرب الكفَّار، بل أنت مفتقرٌ إلى تقواه في تلك الساعة أكثرَ من غيرك.
إنما النصرُ لمَن يتَّقي حرُماتِ الله أن ينتهكَها، ونواميسَ الشرع أن يُحرِّفَها، ومَن كان الله معه كان النصر حليفَه.

قال صاحب المنار، هاتان الآيتان عود إلى الكلام في أحوال المشركين، وما يشرع من معاملاتهم بعد الفتح، وسقوط عصبية الشرك، وكان الكلام قبل هاتين الآيتين- في قتال أهل الكتاب وما يجب أن ينتهى به من إعطاء الجزية من قبيل الاستطراد، اقتضاه ما ذكر قبله من أحكام قتال المشركين ومعاملتهم، وقد ختم الكلام في أهل الكتاب ببيان حال كثير من رجال الدين الذين أفسدت عليهم دينهم المطامع المالية، التي هي وسيلة العظمة الدنيوية والشهوات الحيوانية، وإنذار من كانت هذه حالهم بالعذاب الشديد يوم القيامة وجعل هذا الإنذار موجها إلينا وإليهم جميعا..» .
والعدة- في قوله.
إن عدة الشهور-: على وزن فعله من العدد وهي بمعنى المعدود.
قال الراغب: العدة: هي الشيء المعدود، قال- تعالى وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً، وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا أى: وما جعلنا عددهم إلا فتنة للذين كفروا..والشهور: جمع شهر.
والمراد بها هنا: الشهور التي تتألف منها السنة القمرية وهي شهور.
المحرم.
وصفر.
وربيع الأول.. إلخ.
وهذه الشهور عليها مدار الأحكام الشرعية، وبها يعتد المسلمون في عبادتهم وأعيادهم وسائر أمورهم.
والمراد بقوله: يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ: الوقت الذي خلقهما فيه، وهو ستة أيام كما جاء في كثير من الآيات، ومن ذلك قوله-تبارك وتعالى- إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ.
والمعنى: إن عدد الشهور «عند الله» أى: في حكمه وقضائه اثْنا عَشَرَ شَهْراً هي الشهور القمرية التي عليها يدور فلك الأحكام الشرعية.
وقوله فِي كِتابِ اللَّهِ، أى: في اللوح المحفوظ.
قال القرطبي: وأعاده بعد أن قال عِنْدَ اللَّهِ لأن كثيرا من الأشياء يوصف بأنه عند الله، ولا يقال إنه مكتوب في كتاب الله، كقوله إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ.
وقيل معنى «في كتاب الله» أى فيما كتبه- سبحانه - وأثبته وأوجب على عباده العمل به منذ خلق السموات والأرض.
قال الجمل: وقوله.
فِي كِتابِ اللَّهِ صفة لاثنى عشر، وقوله: يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ متعلق بما تعلق به الظرف قبله من معنى الثبوت والاستقرار، أو بالكتاب، إن جعل مصدرا.
والمعنى: أن هذا أمر ثابت في نفس الأمر منذ خلق الله الأجرام والأزمنة أى: أن المقصود من هذه الآية الكريمة، بيان أن كون الشهور كذلك حكم أثبته- سبحانه - في اللوح المحفوظ منذ أوجد هذا العالم، وبينه لأنبيائه على هذا الوضع.. فمن الواجب اتباع ترتيب الله لهذه الشهور، والتزام أحكامها ونبذ ما كان يفعله أهل الجاهلية من تقديم بعض الشهور أو تأخيرها أو الزيادة عليها، أو انتهاك حرمة المحرم منها.
وقوله، حُرُمٌ جمع حرام- كسحب جمع سحاب- مأخوذ من الحرمة وذلك لأن الله تعالى- أوجب على الناس احترام هذه الشهور، ونهى عن القتال فيها:وقد أجمع العلماء على أن المراد بها ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب، وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد أخرج البخاري عن أبى بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في خطبة حجة الوداع: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم.
ثلاث متواليات: ذو القعدة وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» .
وسماه صلى الله عليه وسلم رجب مضر، لأن بنى ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجبا وكانت قبيلة مضر تحرم رجبا نفسه، لذا قال صلى الله عليه وسلم فيه «ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» .
قال ابن كثير.
وإنما كانت الأشهر المحرمة أربعة: ثلاثة سرد.
وواحد فرد لأجل أداء مناسك الحج والعمرة فحرم قبل الحج شهرا وهو ذو القعدة يقعدون فيه عن القتال وحرم شهر ذي الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج، ويشتغلون بأداء المناسك، وحرم بعده شهرا آخر هو المحرم، ليرجعوا فيه إلى أقصى بلادهم آمنين، وحرم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقصى جزيرة العرب، فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمنا.
واسم الإشارة في قوله: ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ يعود إلى ما شرعه الله- تعالى من أن عدة الشهور اثنا عشر شهرا، ومن أن منها أربعة حرم.
والقيم: القائم الثابت المستقيم الذي لا التواء فيه ولا اعوجاج أى: ذلك الذي شرعناه لكم من كون عدة الشهور كذلك، ومن كون منها أربعة حرم: هو الدين القويم، والشرع الثابت الحكيم، الذي لا يقبل التغيير أو التبديل.. لا ما شرعه أهل الجاهلية لأنفسهم من تقديم بعض الشهور وتأخير بعضها استجابة لأهوائهم وشهواتهم، وإرضاء لزعمائهم وسادتهم.
والضمير المؤنث في قوله فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ يرى ابن عباس أنه يعود على جميع الشهور أى: فلا تظلموا في الشهور الاثنى عشر أنفسكم، بأن تفعلوا فيها شيئا مما نهى الله عن فعله، ويدخل في هذا النهى هتك حرمة الأشهر الأربعة الحرم دخولا أوليا.
ويرى جمهور العلماء أن الضمير يعود إلى الأشهر الأربعة الحرم، لأنه إليها أقرب لأن الله تعالى قد خص هذه الأربعة بمزيد من الاحترام تشريفا لها.
وقد رجح ابن جرير ما ذهب إليه الجمهور فقال ما ملخصه: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: فلا تظلموا في الأشهر الأربعة أنفسكم باستحلال حرامها، فإن الله عظمها وعظم حرمتها.
وعن قتادة: إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلا، ومن الناس رسلا، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة واصطفى من الليالى ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم.. فإن قال قائل: فإن كان الأمر على ما وصفت، فقد يكون مباحا لنا ظلم أنفسنا في غيرهن من سائر شهور السنة.
قيل: ليس ذلك كذلك، بل ذلك حرام علينا في كل وقت ولكن الله عظم حرمة هؤلاء الأشهر وشرفهن على سائر شهور السنة: فخص الذنب فيهن، بالتعظيم كما خصهن بالتشريف، وذلك نظير قوله-تبارك وتعالى- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى، ولكنه تعالى- زادها تعظيما، وعلى المحافظة عليها توكيدا، وفي تضييعها تشديدا، فكذلك في قوله مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ.
وقد كانت الجاهلية تعظم هذه الأشهر الحرم وتحرم القتال فيهن، حتى لو لقى الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يهجه.
وقال القرطبي: لا يقال كيف جعلت بعض الأزمنة أعظم حرمة من بعض فإنا نقول:للباري-تبارك وتعالى- أن يفعل ما شاء، ويخص بالفضيلة ما يشاء ليس لعمله علة، ولا عليه حجر، بل يفعل ما يريد بحكمته، وقد تظهر فيه الحكمة وقد تخفى.
وقوله: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً تحريض للمؤمنين على قتال المشركين بقلوب مجتمعة، وعزيمة صادقة.
وكلمة كَافَّةً مصدر في موضع الحال من ضمير الفاعل في قاتِلُوا أو من المفعول وهو لفظ المشركين، ومعناها: جميعا.
وقالوا: وهذه الكلمة من الكلمات التي لا تثنى ولا تجمع ولا تدخلها أل ولا تعرب إلا حالا فهي ملتزمة للإفراد والتأنيث مثل: عامة وخاصة .
أى: قاتلوا- أيها المؤمنون- المشركين جميعا، كما يقاتلونكم هم جميعا، بأن تكونوا في قتالكم لهم مجتمعين متعاونين متناصرين، لا مختلفين ولا متخاذلين.
وقوله: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ تذييل قصد به إرشادهم إلى ما ينفعهم في قتالهم لأعدائهم بعد أمرهم به.
أى: واعلموا- أيها المؤمنون أن الله تعالى- مع عباده المتقين بالعون والنصر والتأييد، ومن كان الله معه فلن يغلبه شيء فكونوا- أيها المؤمنون من عباد الله المتقين الذين صانوا أنفسهم عن كل ما نهى عنه لتنالوا عونه وتأييده.
قوله تعالى إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقينقوله تعالى إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم فيه ثمان مسائل :الأولى : قوله تعالى إن عدة الشهور جمع شهر .
فإذا قال الرجل لأخيه : لا أكلمك الشهور ، وحلف على ذلك فلا يكلمه حولا ، قاله بعض العلماء .
وقيل : لا يكلمه أبدا .
ابن العربي : وأرى إن لم تكن له نية أن يقتضي ذلك ثلاثة أشهر لأنه أقل الجمع الذي يقتضيه صيغة فعول في جمع فعل .
عند الله أي في حكم الله وفيما كتب في اللوح المحفوظ .
اثنا عشر شهرا أعربت اثنا عشر شهرا دون نظائرها ؛ لأن فيها حرف الإعراب ودليله .
وقرأ العامة ( عشر ) بفتح العين والشين .
وقرأ أبو جعفر ( عشر ) بجزم الشين .
في كتاب الله يريد اللوح المحفوظ .
وأعاده بعد أن قال عند الله لأن كثيرا من الأشياء يوصف بأنه عند الله ، ولا يقال إنه مكتوب في كتاب الله ، كقوله : إن الله عنده علم الساعة .
الثانية : قوله تعالى يوم خلق السماوات والأرض إنما قال يوم خلق السماوات والأرض ليبين أن قضاءه وقدره كان قبل ذلك ، وأنه سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على ما رتبها عليه يوم خلق السماوات والأرض ، وأنزل ذلك على أنبيائه في كتبه المنزلة .
وهو معنى قوله تعالى : إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا .
وحكمها باق على ما كانت عليه لم يزلها عن ترتيبها تغيير المشركين لأسمائها ، وتقديم المقدم في الاسم منها .
والمقصود من ذلك اتباع أمر الله فيها ورفض ما كان عليه أهل الجاهلية من تأخير أسماء الشهور وتقديمها ، وتعليق الأحكام على الأسماء التي رتبوها عليه ، ولذلك قال عليه السلام في خطبته في حجة الوداع : أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ... على ما يأتي بيانه .
وأن الذي فعل أهل الجاهلية من جعل المحرم صفرا وصفر محرما ليس يتغير به ما وصفه الله تعالى .
والعامل في " يوم " المصدر الذي هو في كتاب الله وليس يعني به واحد الكتب ؛ لأن الأعيان لا تعمل في الظروف .
والتقدير : فيما كتب الله يوم خلق السماوات والأرض .
و ( عند ) متعلق بالمصدر الذي هو العدة ، وهو العامل فيه .
و ( في ) من قوله : في كتاب الله متعلقة بمحذوف ، هو صفة لقوله : ( اثنا عشر ) .
والتقدير : اثنا عشر شهرا معدودة أو مكتوبة في كتاب الله .
ولا يجوز أن تتعلق ب " عدة " لما فيه من التفرقة بين الصلة والموصول بخبر ( إن ) .
الثالثة : هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب ، دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقبط وإن لم تزد على اثني عشر شهرا ؛ لأنها مختلفة الأعداد ، منها ما يزيد على ثلاثين ومنها ما ينقص ، وشهور العرب لا تزيد على ثلاثين وإن كان منها ما ينقص ، والذي ينقص ليس يتعين له شهر ، وإنما تفاوتها في النقصان والتمام على حسب اختلاف سير القمر في البروج .
الرابعة : قوله تعالى منها أربعة حرم الأشهر الحرم المذكورة في هذه الآية ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الذي بين جمادى الآخرة وشعبان ، وهو رجب مضر ، وقيل له رجب مضر لأن ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجبا .
وكانت مضر تحرم رجبا نفسه ، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه : الذي بين جمادى وشعبان ورفع ما وقع في اسمه من الاختلال بالبيان .
وكانت العرب أيضا تسميه منصل الأسنة ، روى البخاري عن أبي رجاء العطاردي - واسمه عمران بن ملحان وقيل عمران بن تيم - قال : كنا نعبد الحجر ، فإذا وجدنا حجرا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر ، فإذا لم نجد حجرا جمعنا حثوة من تراب ثم جئنا بالشاء فحلبنا عليه ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا منصل الأسنة ، فلم ندع رمحا فيه حديدة ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناها فألقيناه .
الخامسة : قوله تعالى ذلك الدين القيم أي الحساب الصحيح والعدد المستوفى .
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : " ذلك الدين " أي ذلك القضاء .
مقاتل : الحق .
ابن عطية : والأصوب عندي أن يكون الدين هاهنا على أشهر وجوهه ، أي ذلك الشرع والطاعة .
" القيم " أي القائم المستقيم ، من قام يقوم .
بمنزلة سيد ، من ساد يسود .
أصله قيوم .
السادسة : قوله تعالى فلا تظلموا فيهن أنفسكم على قول ابن عباس راجع إلى جميع الشهور .
وعلى قول بعضهم إلى الأشهر الحرم خاصة ؛ لأنه إليها أقرب ولها مزية في تعظيم الظلم ، لقوله تعالى : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج لا أن الظلم في غير هذه الأيام جائز على ما نبينه .
ثم قيل : في الظلم قولان : أحدهما لا تظلموا فيهن أنفسكم بالقتال ، ثم نسخ بإباحة القتال في جميع الشهور ، قاله قتادة وعطاء الخراساني والزهري وسفيان الثوري .
وقال ابن جريج : حلف بالله عطاء بن أبي رباح أنه ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرم إلا أن يقاتلوا فيها ، وما نسخت .
والصحيح الأول ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين وثقيفا بالطائف ، وحاصرهم في شوال وبعض ذي القعدة .
وقد تقدم هذا المعنى في البقرة .
الثاني : لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب ؛ لأن الله سبحانه إذا عظم شيئا من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيئ كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح .
فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام .
ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال .
وقد أشار تعالى إلى هذا بقوله تعالى : يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين .
السابعة : وقد اختلف العلماء من هذا المعنى فيمن قتل في الشهر الحرام خطأ ، هل تغلظ عليه الدية أم لا ، فقال الأوزاعي : القتل في الشهر الحرام تغلظ فيه الدية فيما بلغنا وفي الحرم فتجعل دية وثلثا .
ويزاد في شبه العمد في أسنان الإبل .
قال الشافعي : تغلظ الدية في النفس وفي الجراح في الشهر الحرام وفي البلد الحرام وذوي الرحم .
وروي عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وابن شهاب وأبان بن عثمان : من قتل في الشهر الحرام أو في الحرم زيد على ديته مثل ثلثها .
وروي ذلك عن عثمان بن عفان أيضا .
وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وابن أبي ليلى : القتل في الحل والحرم سواء ، وفي الشهر الحرام وغيره سواء ، وهو قول جماعة من التابعين .
وهو الصحيح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سن الديات ولم يذكر فيها الحرم ولا الشهر الحرام .
وأجمعوا أن الكفارة على من قتل خطأ في الشهر الحرام وغيره سواء .
فالقياس أن تكون الدية كذلك .
والله أعلم .
الثامنة : خص الله تعالى الأربعة الأشهر الحرم بالذكر ، ونهى عن الظلم فيها تشريفا لها وإن كان منهيا عنه في كل الزمان .
كما قال : فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج على هذا أكثر أهل التأويل .
أي لا تظلموا في الأربعة الأشهر أنفسكم .
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : فلا تظلموا فيهن أنفسكم في الاثني عشر .
وروى قيس بن مسلم عن الحسن عن محمد ابن الحنفية قال : فيهن كلهن .
فإن قيل على القول الأول : لم قال فيهن ولم يقل فيها ؟ وذلك أن العرب يقولون لما بين الثلاثة إلى العشرة : هن وهؤلاء فإذا جاوزوا العشرة قالوا : هي وهذه ، إرادة أن تعرف تسمية القليل من الكثير .
وروي عن الكسائي أنه قال : إني لأتعجب من فعل العرب هذا .
وكذلك يقولون فيما دون العشرة من الليالي : خلون .
وفيما فوقها خلت .
لا يقال : كيف جعل بعض الأزمنة أعظم حرمة من بعض ، فإنا نقول : للبارئ تعالى أن يفعل ما يشاء ، ويخص بالفضيلة ما يشاء ، ليس لعمله علة ولا عليه حجر ، بل يفعل ما يريد بحكمته ، وقد تظهر فيه الحكمة وقد تخفى .
قوله تعالى وقاتلوا المشركين كافة فيه مسألة واحدة :قوله تعالى قاتلوا أمر بالقتال .
و ( كافة ) معناه جميعا ، وهو مصدر في موضع الحال .
أي محيطين بهم ومجتمعين .
قال الزجاج : مثل هذا من المصادر : عافاه الله عافية ، وعاقبه عاقبة .
ولا يثنى ولا يجمع ، وكذا عامة وخاصة .
قال بعض العلماء : كان الفرض بهذه الآية قد توجه على الأعيان ثم نسخ ذلك وجعل فرض كفاية .
قال ابن عطية : وهذا الذي قاله لم يعلم قط من شرع النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألزم الأمة جميعا النفر ، وإنما معنى هذه الآية الحض على قتالهم والتحزب عليهم وجمع الكلمة ثم قيدها بقوله : كما يقاتلونكم كافة فبحسب قتالهم واجتماعهم لنا يكون فرض اجتماعنا لهم .
والله أعلم .


شرح المفردات و معاني الكلمات : عدة , الشهور , الله , اثنا , عشر , شهرا , كتاب , الله , يوم , خلق , السماوات , الأرض , أربعة , حرم , الدين , القيم , تظلموا , فيهن , أنفسكم , وقاتلوا , المشركين , كافة , يقاتلونكم , كافة , واعلموا , الله , المتقين ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم


تحميل سورة التوبة mp3 :

سورة التوبة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة التوبة

سورة التوبة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة التوبة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة التوبة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة التوبة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة التوبة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة التوبة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة التوبة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة التوبة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة التوبة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة التوبة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, December 22, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب