تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ النساء: 78] .
﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾
﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ ۚ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾
[ سورة النساء: 78]
القول في تفسير قوله تعالى : أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة ..
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
التفسير الميسر : أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج
أينما تكونوا يلحقكم الموت في أي مكان كنتم فيه عند حلول آجالكم، ولو كنتم في حصون منيعة بعيدة عن ساحة المعارك والقتال. وإن يحصل لهم ما يسرُّهم من متاع هذه الحياة، ينسبوا حصوله إلى الله تعالى، وإن وقع عليهم ما يكرهونه ينسبوه إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم جهالة وتشاؤمًا، وما علموا أن ذلك كله من عند الله وحده، بقضائه وقدره، فما بالهم لا يقاربون فَهْمَ أيِّ حديث تحدثهم به؟
المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار
حيثما تكونوا يلحقكم الموت إذا حضر أجلكم، ولو كنتم في قصور منيعة بعيدة عن ساحة القتال، وإن يَنَلْ هؤلاء المنافقين ما يسرهم من ولد ورزق كثير قالوا: هذه من عند الله، وإن يَنَلْهم شدة في ولدٍ أو رزق تشاءموا من النبي صلى الله عليه وسلموقالوا: هذه السيئة بسببك، قل - أيها الرسول - ردًّا على هؤلاء: كل من السراء والضراء بقضاء الله وقدره، فما لهؤلاء الذين يصدر عنهم هذا القول لا يكادون يفهمون كلامك لهم؟!
تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 78
«أينما تكونوا يدرككُّم الموت ولو كنتم في بروج» حصون «مشيدة» مرتفعة فلا تخشوا القتال خوف الموت «وإن تصبهم» أي اليهود «حسنة» خصب وسعة «يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة» جدب وبلاء كما لهم عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة «يقولوا هذه من عندك» يا محمد أي بشؤمك «قل» لهم «كل» من الحسنة والسيئة «من عند الله» من قبله «فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون» أي لا يقاربون أن يفهموا «حديثا» يُلقى إليهم وما استفهام تعجب من فرط جهلهم ونفي مقاربة الفعل أشد من نفيه.
تفسير السعدي : أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج
ثم أخبر أنه لا يغني حذر عن قدر، وأن القاعد لا يدفع عنه قعوده شيئًا، فقال: { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ }- أي: في أي زمان وأي مكان.
{ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ }- أي: قصور منيعة ومنازل رفيعة، وكل هذا حث على الجهاد في سبيل الله تارة بالترغيب في فضله وثوابه، وتارة بالترهيب من عقوبة تركه، وتارة بالإخبار أنه لا ينفع القاعدين قعودُهم، وتارة بتسهيل الطريق في ذلك وقصرها.يخبر تعالى عن الذين لا يعلمون المعرضين عما جاءت به الرسل، المعارضين لهم أنهم إذا جاءتهم حسنة- أي: خصب وكثرة أموال، وتوفر أولاد وصحة، قالوا: { هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } وأنهم إن أصابتهم سيئة- أي: جدب وفقر، ومرض وموت أولاد وأحباب قالوا: { هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ }- أي: بسبب ما جئتنا به يا محمد، تطيروا برسول الله صلى الله عليه وسلم كما تطير أمثالهم برسل الله، كما أخبر الله عن قوم فرعون أنهم قالوا لموسى { فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ } وقال قوم صالح: { قالوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ } وقال قوم ياسين لرسلهم: { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ } الآية.
فلما تشابهت قلوبهم بالكفر تشابهت أقوالهم وأعمالهم.
وهكذا كل من نسب حصول الشر أو زوال الخير لما جاءت به الرسل أو لبعضه فهو داخل في هذا الذم الوخيم.
قال الله في جوابهم: { قُلْ كُلٌّ }- أي: من الحسنة والسيئة والخير والشر.
{ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ }- أي: بقضائه وقدره وخلقه.
{ فَمَا لهَؤُلَاءِ الْقَوْم }- أي: الصادر منهم تلك المقالة الباطلة.
{ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا }- أي: لا يفهمون حديثا بالكلية ولا يقربون من فهمه، أو لا يفهمون منه إلا فهمًا ضعيفًا، وعلى كل فهو ذم لهم وتوبيخ على عدم فهمهم وفقههم عن الله وعن رسوله، وذلك بسبب كفرهم وإعراضهم.
وفي ضمن ذلك مدْح من يفهم عن الله وعن رسوله، والحث على ذلك، وعلى الأسباب المعينة على ذلك، من الإقبال على كلامهما وتدبره، وسلوك الطرق الموصلة إليه.
فلو فقهوا عن الله لعلموا أن الخير والشر والحسنات والسيئات كلها بقضاء الله وقدره، لا يخرج منها شيء عن ذلك.
وأن الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يكونون سببا لشر يحدث، هم ولا ما جاءوا به لأنهم بعثوا بصلاح الدنيا والآخرة والدين.
تفسير البغوي : مضمون الآية 78 من سورة النساء
قوله عز وجل : ( أينما تكونوا يدرككم الموت ) أي : ينزل بكم الموت ، نزلت في المنافقين الذين قالوا في قتلى أحد : لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ، فرد الله عليهم بقوله : ( أينما تكونوا يدرككم الموت ) ، ( ولو كنتم في بروج مشيدة ) والبروج : الحصون والقلاع ، والمشيدة : المرفوعة المطولة ، قال قتادة : معناه في قصور محصنة ، وقال عكرمة : مجصصة ، والشيد : الجص ، ( وإن تصبهم حسنة ) نزلت في اليهود والمنافقين ، وذلك أنهم قالوا لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة : ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه .قال الله تعالى : ( وإن تصبهم ) يعني : اليهود ( حسنة ) أي خصب ورخص في السعر ، ( يقولوا هذه من عند الله ) لنا ، ( وإن تصبهم سيئة ) يعني : الجدب وغلاء الأسعار ( يقولوا هذه من عندك ) أي : من شؤم محمد وأصحابه ، وقيل: المراد بالحسنة الظفر والغنيمة يوم بدر ، وبالسيئة القتل والهزيمة يوم أحد ، يقولوا هذه من عندك أي : أنت الذي حملتنا عليه يا محمد ، فعلى هذا يكون هذا من قول المنافقين ، ( قل ) لهم يا محمد ، ( كل من عند الله ) أي : الحسنة والسيئة كلها من عند الله ، ثم عيرهم بالجهل فقال : ( فمال هؤلاء القوم ) يعني : المنافقين واليهود ، ( لا يكادون يفقهون حديثا ) أي : لا يفقهون قولا وقيل: الحديث هاهنا هو القرآن أي : لا يفقهون معاني القرآن .قوله : ( فمال هؤلاء ) قال الفراء : كثرت في الكلام هذه الكلمة حتى توهموا أن اللام متصلة بها وأنهما حرف واحد ، ففصلوا اللام مما بعدها في بعضه ، ووصلوها في بعضه ، والاتصال القراءة ، ولا يجوز الوقف على اللام لأنها لام خافضة .
التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية
ثم بين- سبحانه - أنه لا مفر لهم من الموت، وأنهم مهما فروا منه فإنه سيلقاهم آجلا أو عاجلا فقال-تبارك وتعالى-: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ.والبروج: جمع برج وهو الحصن المنيع الذي هو نهاية ما يصل إليه البشر في التحصن والمنعة. وأصل البروج من التبرج بمعنى الظهور. يقال: تبرجت المرأة، إذا أظهرت محاسنها.والمراد بها الحصون والقلاع الشاهقة المنيعة.والمشيدة: أى المحكمة البناء، والعظيمة الارتفاع من شاد القصر إذا رفعه، والمعنى: إنكم أيها الخائفون من القتال إن ظننتم أن هذا الخوف منه أو القعود عنه سينجيكم من الموت، فأنتم بهذا الظن مخطئون، لأن الموت حيثما كنتم سيدرككم، ولو كنتم في أقوى الحصون، وأمنعها وأحكمها بناء، وما دام الأمر كذلك فليكن موتكم وأنتم مقبلون بدل أن تموتوا وأنتم مدبرون.والجملة الكريمة لا محل لها من الإعراب، لأنها مسوقة على سبيل الاستئناف لتبكيت هؤلاء الكارهين للقتال، وتحريض غيرهم من المؤمنين على الإقدام عليه من أجل نصرة الحق.ويحتمل أنها في محل نصب، فتكون داخلة في حيز القول المأمور به الرسول صلى الله عليه وسلم أى: قل لهم يا محمد متاع الدنيا قليل. وقل لهم أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ.وأين: اسم شرط جازم ظرف مكان يجزم فعلين، و «ما» زائدة للتأكيد، وتكونوا فعل الشرط ويدرككم جوابه.والتعبير بقوله يُدْرِكْكُمُ للإشعار بأن الموت كأنه كائن حي يطلب الإنسان ويتبعه حيثما كان، وفي أى وقت كان، فهو طالب لا بد أن يدرك ما يطلبه ولا بد أن يصل إليه مهما تحصن منه، أو هرب من لقائه.وجواب {لو} محذوف اعتمادا على دلالة ما قبله عليه أى: ولو كنتم في بروج مشيدة لأدرككم الموت.وقريب في المعنى من هذه الآية قوله-تبارك وتعالى- قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وقوله-تبارك وتعالى-: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ.فالجملة الكريمة صريحه في بيان أن الموت أمر لا مفر منه، ولا مهرب عنه سواء أقاتل الإنسان أم لم يقاتل. وما أحسن قول زهير بن أبى سلمى:ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ... ولو رام أسباب السماء بسلمثم حكى- سبحانه - ما كان يتفوه به المنافقون وإخوانهم في الكفر من باطل وزور فقال- تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ، قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.أى: إن هؤلاء المنافقين وأشباههم، من ضعاف الإيمان وإخوانهم في الكفر بلغ بهم الفجور أنهم إذا أصابتهم حال حسنة من نعمة أو رخاء أو خصب أو غنيمة أو ظفر قالوا هذه الحال من عند الله، وإذا أصابتهم حال سيئة من جدب أو مصيبة أو هزيمة قالوا هذه الحال من عندك يا محمد بسبب شؤمك وسوء قيادتك- وحاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم-.وهذا القول منهم قريب من قول قوم فرعون لموسى- عليه السلام- كما حكاه القرآن عنهم في قوله: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ.قال القرطبي: نزلت هذه الآية في اليهود والمنافقين، وذلك أنهم لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عليهم قالوا: ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا منذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه. قال ابن عباس: ومعنى مِنْ عِنْدِكَ أى: بسوء تدبيرك. وقيل مِنْ عِنْدِكَ أى بشؤمك الذي لحقنا، قالوه على جهة التطير» .وقوله قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أمر من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يرد على مزاعمهم الباطلة. أى قل لهم يا محمد كل واحدة من النعمة والمصيبة هي من جهة الله- تعالى خلقا وإيجادا من غير أن يكون لي مدخل في وقوع شيء منها بوجه من الوجوه كما تزعمون:وقوله فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً جملة معترضة مسوقة لتعييرهم بالجهل والغباوة، والفاء في قوله فمال لترتيب ما بعدها على ما قبلها والمعنى. وإذا كان الأمر كذلك وهو أن كل شيء من عند الله، فمال هؤلاء القوم من المنافقين وإخوانهم في الكفر وضعف الإيمان لا يكادون- لانطماس بصيرتهم- يفقهون ما يلقى عليهم من مواعظ، ولا يفهمون معنى ما يسمعون وما يقولون، إذ لو فقهوا شيئا مما يوعظون به لعلموا أن الله هو القابض الباسط، وأنه المعطى المانع.قال-تبارك وتعالى- ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج: تفسير ابن كثير
وقوله : { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } أي: أنتم صائرون إلى الموت لا محالة ، ولا ينجو منه أحد منكم ، كما قال تعالى : { كل من عليها فان [ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ] } [ الرحمن : 26 ، 27 ] وقال تعالى { كل نفس ذائقة الموت } [ آل عمران : 185 ] وقال تعالى : { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } [ الأنبياء : 34 ] والمقصود : أن كل أحد صائر إلى الموت لا محالة ، ولا ينجيه من ذلك شيء ، وسواء عليه جاهد أو لم يجاهد ، فإن له أجلا محتوما ، وأمدا مقسوما ، كما قال خالد بن الوليد حين جاءه الموت على فراشه : لقد شهدت كذا وكذا موقفا ، وما من عضو من أعضائي إلا وفيه جرح من طعنة أو رمية ، وها أنا أموت على فراشي ، فلا نامت أعين الجبناء .
وقوله : { ولو كنتم في بروج مشيدة } أي: حصينة منيعة عالية رفيعة . وقيل : هي بروج في السماء . قاله السدي ، وهو ضعيف . والصحيح : أنها المنيعة . أي: لا يغني حذر وتحصن من الموت ، كما قال زهير بن أبي سلمى :
ومن خاف أسباب المنية يلقها ولو رام أسباب السماء بسلم
ثم قيل : " المشيدة " هي المشيدة كما قال : { وقصر مشيد } [ الحج : 45 ] وقيل : بل بينهما فرق ، وهو أن المشيدة بالتشديد ، هي : المطولة ، وبالتخفيف هي : المزينة بالشيد وهو الجص .
وقد ذكر ابن جرير ، وابن أبي حاتم هاهنا حكاية مطولة عن مجاهد : أنه ذكر أن امرأة فيمن كان قبلنا أخذها الطلق ، فأمرت أجيرها أن يأتيها بنار ، فخرج ، فإذا هو برجل واقف على الباب ، فقال : ما ولدت المرأة ؟ فقال : جارية ، فقال : أما إنها ستزني بمائة رجل ، ثم يتزوجها أجيرها ، ويكون موتها بالعنكبوت . قال : فكر راجعا ، فبعج الجارية بسكين في بطنها ، فشقه ، ثم ذهب هاربا ، وظن أنها قد ماتت ، فخاطت أمها بطنها ، فبرئت وشبت وترعرعت ، ونشأت أحسن امرأة ببلدتها فذهب ذاك [ الأجير ] ما ذهب ، ودخل البحور فاقتنى أموالا جزيلة ، ثم رجع إلى بلده وأراد التزويج ، فقال لعجوز : أريد أن أتزوج بأحسن امرأة بهذه البلدة . فقالت له : ليس هنا أحسن من فلانة . فقال : اخطبيها علي . فذهبت إليها فأجابت ، فدخل بها فأعجبته إعجابا شديدا ، فسألته عن أمره ومن أين مقدمه ؟ فأخبرها خبره ، وما كان من أمره في هربه . فقالت : أنا هي . وأرته مكان السكين ، فتحقق ذلك فقال : لئن كنت إياها فلقد أخبرتني باثنتين لا بد منهما ، إحداهما : أنك قد زنيت بمائة رجل . فقالت : لقد كان شيء من ذلك ، ولكن لا أدري ما عددهم ؟ فقال : هم مائة . والثانية : أنك تموتين بالعنكبوت . فاتخذ لها قصرا منيعا شاهقا ، ليحرزها من ذلك ، فبينا هم يوما إذا بالعنكبوت في السقف ، فأراها إياها ، فقالت : أهذه التي تحذرها علي ، والله لا يقتلها إلا أنا ، فأنزلوها من السقف فعمدت إليها فوطئتها بإبهام رجلها فقتلتها ، فطار من سمها شيء فوقع بين ظفرها ولحمها ، فاسودت رجلها وكان في ذلك أجلها .
ونذكر هاهنا قصة صاحب الحضر ، وهو " الساطرون " لما احتال عليه " سابور " حتى حصره فيه ، وقتل من فيه بعد محاصرة سنتين ، وقالت العرب في ذلك أشعارا منها :
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج لة تجبى إليه والخابور
شاده مرمرا وجلله كل سا فللطير في ذراه وكور
لم تهبه أيدي المنون فباد ال ملك عنه فبابه مهجور
ولما دخل على عثمان يقول : اللهم اجمع أمة محمد ، ثم تمثل بقول الشاعر :
أرى الموت لا يبقي عزيزا ولم يدع لعاد ملاذا في البلاد ومربعا
يبيت أهل الحصن والحصن مغلق ويأتي الجبال في شماريخها معا
وقوله : { وإن تصبهم حسنة } أي: خصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحو ذلك هذا معنى قول ابن عباس وأبي العالية والسدي { يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة } أي: قحط وجدب ونقص في الثمار والزروع أو موت أولاد أو نتاج أو غير ذلك . كما يقوله أبو العالية والسدي . { يقولوا هذه من عندك } أي: من قبلك وبسبب اتباعنا لك واقتدائنا بدينك . كما قال تعالى عن قوم فرعون : { فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } [ الأعراف : 131 ] وكما قال تعالى : { ومن الناس من يعبد الله على حرف [ فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ] } الآية [ الحج : 11 ] . وهكذا قال هؤلاء المنافقون الذين دخلوا في الإسلام ظاهرا وهم كارهون له في نفس الأمر ; ولهذا إذا أصابهم شر إنما يسندونه إلى اتباعهم للنبي صلى الله عليه وسلم وقال السدي : { وإن تصبهم حسنة } قال : والحسنة الخصب ، تنتج خيولهم وأنعامهم ومواشيهم ، ويحسن وتلد نساؤهم الغلمان قالوا : { هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة } والسيئة : الجدب والضرر في أموالهم ، تشاءموا بمحمد صلى الله عليه وسلم وقالوا : { هذه من عندك } يقولون : بتركنا واتباعنا محمدا أصابنا هذا البلاء ، فأنزل الله عز وجل : { قل كل من عند الله } فقوله { قل كل من عند الله } أي الجميع بقضاء الله وقدره ، وهو نافذ في البر والفاجر ، والمؤمن والكافر .
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { قل كل من عند الله } أي: الحسنة والسيئة . وكذا قال الحسن البصري .
ثم قال تعالى منكرا على هؤلاء القائلين هذه المقالة الصادرة عن شك وريب . وقلة فهم وعلم ، وكثرة جهل وظلم : { فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا }
ذكر حديث غريب يتعلق بقوله تعالى : { قل كل من عند الله }
قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا السكن بن سعيد ، حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا إسماعيل بن حماد ، عن مقاتل بن حيان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فأقبل أبو بكر وعمر في قبيلتين من الناس ، وقد ارتفعت أصواتهما ، فجلس أبو بكر قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ; وجلس عمر قريبا من أبي بكر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم ارتفعت أصواتكما ؟ " فقال رجل : يا رسول الله ، قال أبو بكر : الحسنات من الله والسيئات من أنفسنا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فما قلت يا عمر ؟ " قال : قلت : الحسنات والسيئات من الله تعالى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول من تكلم فيه جبريل وميكائيل ، فقال ميكائيل مقالتك يا أبا بكر ، وقال جبريل مقالتك يا عمر فقال : نختلف فيختلف أهل السماء وإن يختلف أهل السماء يختلف أهل الأرض . فتحاكما إلى إسرافيل ، فقضى بينهم أن الحسنات والسيئات من الله " . ثم أقبل على أبي بكر وعمر فقال " احفظا قضائي بينكما ، لو أراد الله ألا يعصى لم يخلق إبليس " .
قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية : هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة .
تفسير القرطبي : معنى الآية 78 من سورة النساء
قوله تعالى : أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثافيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : أينما تكونوا يدرككم الموت شرط ومجازاة ، و " ما " زائدة وهذا الخطاب عام وإن كان المراد المنافقين أو ضعفة المؤمنين الذين قالوا : لولا أخرتنا إلى أجل قريب أي إلى أن نموت بآجالنا ، وهو أشبه المنافقين كما ذكرنا ، لقولهم لما أصيب أهل أحد ، قالوا : لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فرد الله عليهم أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة قال ابن عباس في رواية أبي صالح عنه . وواحد البروج برج ، وهو البناء المرتفع والقصر العظيم . قال طرفة يصف ناقة :كأنها برج رومي تكففها بان بشيد وآجر وأحجاروقرأ طلحة بن سليمان " يدرككم " برفع الكاف على إضمار الفاء ، وهو قليل لم يأت إلا في الشعر نحو قوله :من يفعل الحسنات الله يشكرهاأراد فالله يشكرها .واختلف العلماء وأهل التأويل في المراد بهذه البروج ، فقال الأكثر وهو الأصح . إنه أراد البروج في الحصون التي في الأرض المبنية ، لأنها غاية البشر في التحصن والمنعة ، فمثل الله لهم بها . وقال قتادة : في قصور محصنة . وقاله ابن جريج والجمهور ، ومنه قول عامر بن الطفيل للنبي صلى الله عليه وسلم : هل لك في حصن حصين ومنعة ؟ وقال مجاهد : البروج القصور . ابن عباس : البروج الحصون والآطام والقلاع . ومعنى مشيدة مطولة ، قاله الزجاج والقتبي . عكرمة : المزينة بالشيد وهو الجص . قال قتادة : محصنة . والمشيد والمشيد سواء ، ومنه وقصر مشيد والتشديد للتكثير . وقيل المشيد المطول ، والمشيد المطلي بالشيد . يقال : شاد البنيان وأشاد بذكره . وقال السدي : المراد بالبروج بروج في السماء الدنيا مبنية . وحكى هذا القول مكي عن مالك وأنه قال ألا ترى إلى قوله تعالى : والسماء ذات البروج و جعل في السماء بروجا ولقد جعلنا في السماء بروجا . وحكاه ابن العربي أيضا عن ابن القاسم عن مالك . وحكى النقاش عن ابن عباس أنه قال : في بروج مشيدة معناه في قصور من حديد . قال ابن عطية : وهذا لا يعطيه ظاهر اللفظ .الثانية : هذه الآية ترد على القدرية في الآجال ، لقوله تعالى : أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة فعرفهم بذلك أن الآجال متى انقضت فلا بد من مفارقة الروح الجسد ، كان ذلك بقتل أو موت أو غير ذلك مما أجرى الله العادة بزهوقها به . وقالت المعتزلة : إن المقتول لو لم يقتله القاتل لعاش . وقد تقدم الرد عليهم في " آل عمران " ويأتي فوافقوا بقولهم هذا الكفار والمنافقين .الثالثة : اتخاذ البلاد وبناؤها ليمتنع بها في حفظ الأموال والنفوس ، وهي سنة الله في عباده . وفي ذلك أدل دليل على رد قول من يقول : التوكل ترك الأسباب ، فإن اتخاذ البلاد من أكبر الأسباب وأعظمها وقد أمرنا بها ، واتخذها الأنبياء وحفروا حولها الخنادق عدة وزيادة في التمنع . وقد قيل للأحنف : ما حكمة السور ؟ فقال : ليردع السفيه حتى يأتي الحكيم فيحميه .الرابعة : وإذا تنزلنا على قول مالك والسدي في أنها بروج السماء ، فبروج الفلك اثنا عشر برجا مشيدة من الرفع ، وهي الكواكب العظام . وقيل للكواكب بروج لظهورها ، من برج يبرج إذا ظهر وارتفع ؛ ومنه قوله : ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وخلقها الله تعالى منازل للشمس والقمر وقدره فيها ، ورتب الأزمنة عليها ، وجعلها جنوبية وشمالية دليلا على المصالح وعلما على القبلة ، وطريقا إلى تحصيل آناء الليل وآناء النهار لمعرفة أوقات التهجد وغير ذلك من أحوال المعاش .قوله تعالى : وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله أي إن يصب المنافقين خصب قالوا : هذا من عند الله . وإن تصبهم سيئة أي جدب ومحل قالوا : هذا من عندك ، أي أصابنا ذلك بشؤمك وشؤم أصحابك . وقيل : الحسنة : السلامة والأمن ، والسيئة : الأمراض والخوف . وقيل : الحسنة : الغنى ، والسيئة : الفقر . وقيل : الحسنة : النعمة والفتح والغنيمة يوم بدر ، والسيئة : البلية والشدة والقتل يوم أحد . وقيل : الحسنة : السراء ، والسيئة : الضراء . هذه أقوال المفسرين وعلماء التأويل - ابن عباس وغيره - في الآية . وأنها نزلت في اليهود والمنافقين ، وذلك أنها لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة عليهم قالوا : ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه . قال ابن عباس : ومعنى من عندك أي بسوء تدبيرك . وقيل : من عندك بشؤمك ، كما ذكرنا ، أي بشؤمك الذي لحقنا ، قالوه على جهة التطير . قال الله تعالى قل كل من عند الله أي الشدة والرخاء والظفر والهزيمة من عند الله ، أي بقضاء الله وقدره . فمال هؤلاء القوم يعني المنافقين لا يكادون يفقهون حديثا أي ما شأنهم لا يفقهون أن كلا من عند الله .
English | Türkçe | Indonesia |
Русский | Français | فارسی |
تفسير | انجليزي | اعراب |
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا
- تفسير: وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين
- تفسير: فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين
- تفسير: ياأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا
- تفسير: فأقبلوا إليه يزفون
- تفسير: فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم
- تفسير: إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم
- تفسير: فيهما من كل فاكهة زوجان
- تفسير: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا
- تفسير: وانتظروا إنا منتظرون
تحميل سورة النساء mp3 :
سورة النساء mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة النساء
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب