والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم
قوله تعالى : ( والقواعد من النساء ) يعني اللاتي قعدن عن الولد والحيض من الكبر ، لا يلدن ولا يحضن ، واحدتها " قاعد " بلا هاء . وقيل: قعدن عن الأزواج ، وهذا معنى قوله : ( اللاتي لا يرجون نكاحا ) أي : لا يردن الرجال لكبرهن ، قال ابن قتيبة : سميت المرأة قاعدا إذا كبرت ، لأنها تكثر القعود . وقال ربيعة الرأي : هن العجز ، اللائي إذا رآهن الرجال استقذروهن ، فأما من كانت فيها بقية من جمال ، وهي محل الشهوة ، فلا تدخل في هذه الآية ، ( فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ) عند الرجال ، يعني : يضعن بعض ثيابهن ، وهي الجلباب والرداء الذي فوق الثياب ، والقناع الذي فوق الخمار ، فأما الخمار فلا يجوز وضعه ، وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه وأبي بن كعب : " أن يضعن من ثيابهن " ، ( غير متبرجات بزينة ) أي : من غير أن يردن بوضع الجلباب ، والرداء إظهار زينتهن ، والتبرج هو أن تظهر المرأة من محاسنها ما ينبغي لها أن تتنزه عنه . ) ( وأن يستعففن ) فلا يلقين الجلباب والرداء ، ( خير لهن والله سميع عليم )
ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون
قوله تعالى : ( ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ) الآية ، اختلف العلماء في هذه الآية ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما لما أنزل الله - عز وجل - قوله : ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( النساء - 29 ) ، تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعمي والعرج ، وقالوا الطعام أفضل الأموال ، وقد نهانا الله عن أكل المال بالباطل . والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب ، والأعرج لا يتمكن من الجلوس ، ولا يستطيع المزاحمة على الطعام ، والمريض يضعف عن التناول فلا يستوفي الطعام ، فأنزل الله هذه الآية وعلى هذا التأويل يكون " على " بمعنى " في " أي : ليس في الأعمى ، يعني : ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض .وقال سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما كان العرجان والعميان والمرضى يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء ، لأن الناس يتقذرون منهم ويكرهون مؤاكلتهم ، ويقول الأعمى : ربما أكل أكثر ، ويقول الأعرج : ربما أخذ مكان الاثنين ، فنزلت هذه الآية . وقال مجاهد : نزلت الآية ترخيصا لهؤلاء في الأكل من بيوت من سمى الله في هذه الآية ، وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون على الرجل لطلب الطعام فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم أو بعض من سمى الله في هذه الآية ، فكان أهل الزمانة يتحرجون من ذلك الطعام ويقولون ذهب بنا إلى بيت غيره ؟ فأنزل الله هذه الآية وقال سعيد بن المسيب : كان المسلمون إذا غزوا خلفوا زمناهم ويدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا ، فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون لا ندخلها وهم غيب ، فأنزل الله هذه الآية رخصة لهم قال الحسن : نزلت هذه الآية رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد . قال : تم الكلام عند قوله : " ولا على المريض حرج " ، وقوله تعالى : ) ( ولا على أنفسكم ) كلام منقطع عما قبلهوقيل: لما نزل قوله : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( النساء - 29 ) ، قالوا : لا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد ، فأنزل الله - عز وجل - ( ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم ) أي : لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم . قيل: أراد من أموال عيالكم وأزواجكم وبيت المرأة كبيت الزوج . وقال ابن قتيبة : أراد من بيوت أولادكم ، نسب بيوت الأولاد إلى الآباء كما جاء في الحديث : " أنت ومالك لأبيك " ، ( أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : عني بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته ، لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته ، ويشرب من لبن ماشيته ، ولا يحمل ولا يدخر . وقال الضحاك : يعني في بيوت عبيدكم ومماليككم ، وذلك أن السيد يملك منزل عبده ، والمفاتيح الخزائن ، لقوله تعالى : وعنده مفاتح الغيب ( الأنعام - 59 ) ويجوز أن يكون الذي يفتح به . قال عكرمة : إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن ، فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير . وقال السدي : الرجل يولي طعامه غيره يقوم عليه فلا بأس أن يأكل منه وقال قوم : " ما ملكتم مفاتحه " ما خزنتموه عندكم قال مجاهد وقتادة : من بيوت أنفسكم مما أحرزتم وملكتم .) ( أو صديقكم ) الصديق الذي صدقك في المودة . قال ابن عباس : نزلت في الحارث بن عمرو رضي الله عنه ، خرج غازيا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلف مالك بن زيد على أهله ، فلما رجع وجده مجهودا فسأله عن حاله ، فقال : تحرجت أن آكل طعامك بغير إذنك فأنزل الله هذه الآية . وكان الحسن وقتادة يريان دخول الرجل بيت صديقه والتحرم بطعامه من غير استئذان منه في الأكل بهذه الآية . والمعنى : ( ليس عليكم جناح أن تأكلوا ) من منازل هؤلاء إذا دخلتموها وإن لم يحضروا ، من غير أن تتزودوا وتحملوا .قوله : ( ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا ) نزلت في بني ليث بن عمرو ، وهم حي من بني كنانة كان الرجل منهم لا يأكل وحده حتى يجد ضيفا يأكل معه ، فربما قعد الرجل والطعام ، بين يديه من الصباح إلى الرواح ، وربما كانت معه الإبل الحفل ، فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه ، فإذا أمسى ولم يجد أحدا أكل ، هذا قول قتادة والضحاك وابن جريج وقال عطاء الخراساني عن ابن عباس رضي الله عنهما : كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصداقته فيدعوه إلى طعامه ، فيقول : والله إني لأجنح ، أي : أتحرج أن آكل معك وأنا غني وأنت فقير ، فنزلت هذه الآية . وقال عكرمة وأبو صالح : نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم ، فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاءوا ، جميعا أو أشتاتا متفرقين .( فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ) أي : يسلم بعضكم على بعض ، هذا في دخول الرجل بيت نفسه يسلم على أهله ومن في بيته ، وهو قول جابر وطاوس والزهري وقتادة والضحاك وعمرو بن دينار . وقال قتادة : إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك فهو أحق من سلمت عليه ، وإذا دخلت بيتا لا أحد فيه فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . حدثنا أن الملائكة ترد عليه وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن لم يكن في البيت أحد فليقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، السلام على أهل البيت ورحمة الله . وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : ( فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ) قال : إذا دخلت المسجد فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ( تحية من عند الله ) نصب على المصدر ، أي : تحيون أنفسكم تحية ، ) ( مباركة طيبة ) وقال ابن عباس رضي الله عنهما : حسنة جميلة . وقيل: ذكر البركة والطيبة هاهنا لما فيه من الثواب والأجر ( كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون )
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم
قوله - عز وجل - : ( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه ) أي : مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ( على أمر جامع ) يجمعهم من حرب حضرت ، أو صلاة أو جمعة أو عيد أو جماعة أو تشاور في أمر نزل ، ) ( لم يذهبوا ) يتفرقوا عنه ، لم ينصرفوا عما اجتمعوا له من الأمر ، ) ( حتى يستأذنوه ) قال المفسرون : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صعد المنبر يوم الجمعة وأراد الرجل أن يخرج من المسجد ، لحاجة أو عذر ، لم يخرج حتى يقوم بحيال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث يراه ، فيعرف أنه إنما قام يستأذن ، فيأذن لمن شاء منهم . قال مجاهد : وإذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده .قال أهل العلم : وكذلك كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلا بإذن ، وإذا استأذن فللإمام إن شاء أذن له وإن شاء لم يأذن ، وهذا إذا لم يكن له سبب يمنعه من المقام ، فإن حدث سبب يمنعه من المقام بأن يكون في المسجد فتحيض منهم امرأة ، أو يجنب رجل ، أو يعرض له مرض ، فلا يحتاج إلى الاستئذان . ( إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم ) أي : أمرهم ، ( فأذن لمن شئت منهم ) في الانصراف ، معناه إن شئت فأذن وإن شئت فلا تأذن ، ( واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم )
لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم
( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : يقول احذروا دعاء الرسول عليكم إذا أسخطتموه ، فإن دعاءه موجب لنزول البلاء بكم ليس كدعاء غيره وقال مجاهد وقتادة : لا تدعوه باسمه كما يدعو بعضكم بعضا : يا محمد ، يا عبد الله ، ولكن فخموه وشرفوه ، فقولوا : يا نبي الله ، يا رسول الله ، في لين وتواضع .( قد يعلم الله الذين يتسللون ) أي : يخرجون ) ( منكم لواذا ) أي : يستر بعضهم بعضا ويروغ في خيفة ، فيذهب " واللواذ " مصدر لاوذ يلاوذ ، ملاوذة ، ولواذا .قيل: كان هذا في حفر الخندق ، فكان المنافقون ينصرفون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مختفين . قال ابن عباس رضي الله عنهما : " لواذا " أي : يلوذ بعضهم ببعض ، وذلك أن المنافقين كان يثقل عليهم المقام في المسجد يوم الجمعة واستماع خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا يلوذون ببعض أصحابه فيخرجون من المسجد في استتار . ومعنى قوله : ) ( قد يعلم الله ) للتهديد بالمجازاة . ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره ) أي : أمره و " عن " صلة . وقيل: معناه يعرضون عن أمره وينصرفون عنه بغير إذنه . ( أن تصيبهم فتنة ) أي لئلا تصيبهم فتنة ، قال مجاهد : بلاء في الدنيا ، ( أو يصيبهم عذاب أليم ) وجيع في الآخرة . وقيل: عذاب أليم عاجل في الدنيا . ثم عظم نفسه فقال :
ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم
( ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض ) ملكا وعبيدا ، ( قد يعلم ما أنتم عليه ) من الإيمان والنفاق أي : يعلم ، و " قد " صلة ( ويوم يرجعون إليه ) يعني : يوم البعث ، ( فينبئهم بما عملوا ) من الخير والشر ، ( والله بكل شيء عليم ) أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه ، حدثنا عبد الله بن محمد بن شيبة ، حدثنا محمد بن إبراهيم الكرابيسي ، حدثنا سليمان بن توبة ، حدثنا أبو داود الأنصاري ، أخبرنا محمد بن إبراهيم الشامي ، حدثنا شعيب بن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تنزلوا النساء الغرف ، ولا تعلموهن الكتابة ، وعلموهن الغزل ، وسورة النور " .
ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل
( ويوم يحشرهم ) قرأ ابن كثير ، وأبو جعفر ، ويعقوب ، وحفص : " يحشرهم " بالياء ، وقرأ الباقون بالنون ، ( وما يعبدون من دون الله ) قال مجاهد : من الملائكة والجن والإنس وعيسى وعزير . وقال عكرمة والضحاك والكلبي : يعني الأصنام ، ثم يخاطبهم ) ( فيقول ) قرأ ابن عامر بالنون والآخرون بالياء ، ( أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلوا السبيل ) أخطأوا الطريق . )
وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا
قوله - عز وجل - : ( وإذا رأوك إن يتخذونك ) يعني : ما يتخذونك ، ) ( إلا هزوا ) أي : مهزوءا به ، نزلت في أبي جهل ، كان إذ مر بأصحابه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال مستهزئا : ( أهذا الذي بعث الله رسولا ) ؟ ! )
ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا
( ويعبدون من دون الله ) يعني : هؤلاء المشركين ، ) ( ما لا ينفعهم ) إن عبدوه ، ) ( ولا يضرهم ) إن تركوه ، ( وكان الكافر على ربه ظهيرا ) أي : معينا للشيطان على ربه بالمعاصي . قال الزجاج : أي : يعاون الشيطان على معصية الله لأن عبادتهم الأصنام معاونة للشيطان . وقيل: معناه وكان الكافر على ربه ظهيرا ، أي : هينا ذليلا كما يقال الرجل : جعلني بظهير ، أي : جعلني هينا . ويقال : ظهرت به ، إذا جعله خلف ظهره فلم يلتفت إليه .
والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما
قوله - عز وجل - : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) الآية . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا إبراهيم بن موسى ، أخبرنا هشام بن يوسف بن جريج أخبرهم قال : قال يعلى وهو يعلى بن مسلم ، أن سعيد بن جبير ، أخبره عن ابن عباس أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة ، فنزلت : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ( ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ) ونزل : قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ( الزمر - 53 ) .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا جرير عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عمرو بن شرحبيل قال : قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله أي الذنب أكبر عند الله ؟ قال : " أن تدعو لله ندا وهو خلقك " قال " ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " ، قال : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " ، فأنزل الله تصديقها : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما قوله - عز وجل - : ( ومن يفعل ذلك ) أي : شيئا من هذه الأفعال ) ( يلق أثاما ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : إنما يريد جزاء الإثم . وقال أبو عبيدة : " الآثام " : العقوبة . وقال مجاهد : " الآثام " : واد في جهنم ، يروى ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص ويروى في الحديث : " الغي والآثام بئران يسيل فيهما صديد أهل النار " .
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما
( إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا ) قال قتادة : إلا من تاب من ذنبه ، وآمن بربه ، وعمل عملا صالحا فيما بينه وبين ربه . أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله ، حدثنا موسى بن محمد ، حدثنا موسى بن هارون الحمال ، حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ، حدثنا عبد الله بن رجاء عن عبيد الله بن عمر ، عن علي بن يزيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : قرأناها على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنتين : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ) الآية ، ثم نزلت : ) ( إلا من تاب ) فما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فرح بشيء قط كفرحه بها وفرحه ب : إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ( الفتح 1 - 2 ) ( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) فذهب جماعة إلى أن هذا التبديل في الدنيا; قال ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، ومجاهد ، والسدي ، والضحاك : يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام ، فيبدلهم بالشرك إيمانا ، وبقتل المؤمنين قتل المشركين ، وبالزنا عفة وإحصانا . وقال قوم : يبدل الله سيئاتهم التي عملوها في الإسلام حسنات يوم القيامة وهو قول سعيد بن المسيب ، ومكحول ، يدل عليه ما : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني ، أخبرنا أبو القاسم علي بن أبي أحمد الخزاعي ، أخبرنا الهيثم بن كليب ، أخبرنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا أبو عمار الحسين بن خريت ، حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش ، عن المعرور بن سويد ، عن أبي ذر قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إني لأعلم آخر رجل يخرج من النار ، يؤتى به يوم القيامة فيقال : اعرضوا عليه صغار ذنوبه ، ويخبأ عنه كبارها ، فيقال له عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا ، وهو مقر لا ينكر ، وهو مشفق من كبارها ، فيقال : أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة ، فيقول : رب إن لي ذنوبا ما أراها هاهنا ، قال أبو ذر : لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحك حتى بدت نواجذه . وقال بعضهم : إن الله - عز وجل - يمحو بالندم جميع السيئات ، ثم يثبت مكان كل سيئة حسنة .