تفسير الطبري تفسير الصفحة 524 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 524
525
523
 الآية : 15-16
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَفَسِحْرٌ هَـَذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوَاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عما يقول لهؤلاء المكذّبين الذين وصف صفتهم إذا وردوا جهنم يوم القيامة: أفسحر أيها القوم هذا الذي وردتموه الاَن أم أنتم لا تعاينونه ولا تبصرونه؟ وقيل هذا لهم توبيخا لا استفهاما.
وقوله: اصْلَوْها يقول: ذوقوا حرّ هذه النار التي كنتم بها تكذّبون, وَرِدُوها فاصبروا على ألمها وشدتها, أو لا تصبروا على ذلك, سواء عليكم صبرتم أو لم تصبروا إنّمَا تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول: ما تجزون إلا أعمالكم: أي لا تعاقبون إلا على معصيتكم في الدنيا ربكم وكفركم.
الآية : 17-18
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }.
يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه في جنات: يقول في بساتين ونعيم فيها, وذلك في الاَخرة.
وقوله: فاكِهِينَ يقول: عندهم فاكهة كثيرة, وذلك نظير قول العرب للرجل يكون عنده تمر كثير: رجل تامر, أو يكون عنده لبن كثير, فيقال: هو لابن, كما قال الحُطَيئة:
أغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَأنّكَ لابِنٌ في الصّيْفِ تامِرْ
وقوله: بِما آتاهُمْ رَبّهُمْ يقول: عندهم فاكهة كثيرة بإعطاء الله إياهم ذلك وَوَقاهُمْ رَبّهُم عَذَابَ الجَحِيمِ يقول: ورفع عنهم ربهم عقابه الذي عذّب به أهل الجحيم.
الآية : 19-20
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتّكِئِينَ عَلَىَ سُرُرٍ مّصْفُوفَةٍ وَزَوّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ }.
يقول تعالى ذكره: كلوا واشربوا, يقال لهؤلاء المتقين في الجنات: كلوا أيها القوم مما آتاكم ربكم, واشربوا من شرابها هنيئا, لا تخافون مما تأكلون وتشربون فيها أذًى ولا غائلة بما كنتم تعملون في الدنيا لله من الأعمال.
وقوله: مُتّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ قد جعلت صفوفا, وترك قوله: على نمارق, اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه.
وقوله: وَزَوّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يقول تعالى ذكره: وزوّجنا الذكور من هؤلاء المتقين أزواجا بحور عين من النساء, يقول الرجل: زوّج هذا الخلف الفرد أو النعل الفرد بهذا الفرد, بمعنى: اجعلهما زوجا. وقد بيّنا معنى الزوج فيما مضى بما أغنى عن إعادته ها هنا, والحُور: جمع حَوْراء, وهي الشديدة بياض مقلة العين في شدّة سواد الحدقة.
وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في ذلك, وبيّنت الصواب فيه عندنا بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع, والعِين: جمع عَيْناء, وهي العظيمة العَيْن في حُسن وسعة.
الآية : 21
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالّذِينَ آمَنُواْ وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَيْءٍ كُلّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ }.
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: معناه: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرّياتهم بإيمان, ألحقنا بهم ذرّياتهم المؤمنين في الجنة, وإن كانوا لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم, تكرمة لاَبائهم المؤمنين, وما ألتنا آباءهم المؤمنين من أجور أعمالهم من شيء. ذكر من قال ذلك:
25028ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرّة, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, في هذه الاَية: «وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهمْ بإِيمانٍ» فقال: إن الله تبارك وتعالى يرفع للمؤمن ذرّيته, وإن كانوا دونه في العمل, ليقرّ الله بهم عينه.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفيان, عن عمرو بن مرّة, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, قال: إن الله تبارك وتعالى ليرفع ذرّية المؤمن في درجته, وإن كانوا دونه في العمل, ليقرّ بهم عينه, ثم قرأ «وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّياتِهِم وَما أَلَتْناهمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ».
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن عمرو بن مرّة الجملي, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, قال: إن الله تبارك وتعالى ليرفع ذرّيّة المؤمن معه في درجته, ثم ذكر نحوه, غير أنه قرأ «وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ».
حدثني موسى بن بعد الرحمن المسروقي, قال: حدثنا محمد بن بشر, قال: حدثنا سفيان بن سعيد, عن سماعة, عن عمرو بن مرّة, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, نحوه.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرّة, عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس, أنه قال في هذه الاَية «وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ» قال: المؤمن ترفع له ذرّيته, فيلحقون به, وإن كانوا دونه في العمل.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرّيّاتهم التي بلغت الإيمان بإيمان, ألحقنا بهم ذرياتهم الصغار التي لم تبلغ الإيمان, وما ألتنا الاَباء من عملهم من شيء. ذكر من قال ذلك:
25029ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: «وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ» يقول: الذين أدرك ذرّيتهم الإيمان, فعملوا بطاعتي, ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة, وأولادهم الصغار نلحقهم بهم.
25030ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: «وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ» يقول: من أدرك ذريته الإيمان, فعملوا بطاعتي ألحقتهم بآبائهم في الجنة, وأولادهم الصغار أيضا على ذلك.
وقال آخرون نحو هذا القول, غير أنهم جعلوا الهاء والميم في قوله: أَلْحَقْنا بِهِمْ من ذكر الذرّية, والهاء والميم في قوله: ذرّيتهم الثانية من ذكر الذين. وقالوا: معنى الكلام: والذين آمنوا واتبعتهم ذرّيتهم الصغار, وما ألتنا الكبار من عملهم من شيء. ذكر من قال ذلك:
25031ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: «وَالّذِينَ آمَنُوا وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ» قال: أدرك أبناؤهم الأعمال التي عملوا, فاتبعوهم عليها واتبعتهم ذرّياتهم التي لم يدركوا الأعمال, فقال الله جلّ ثناؤه وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: يقول: لم نظلمهم من عملهم من شيء فننقصهم, فنعطيه ذرّياتهم الذين ألحقناهم بهم, الذين لم يبلغوا الأعمال ألحقتهم بالذين قد بلغوا الأعمال.
وقال آخرون: بل معنى ذلك وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِم ذُرّيّتَهُمْ فأدخلناهم الجنة بعمل آبائهم, وما ألتنا الاَباء من عملهم من شيء. ذكر من قال ذلك:
25032ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, قال: سمعت داود يحدّث عن عامر, أنه قال في هذه الاَية «وَالّذِينَ آمَنُوا وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ ألحقنا بهم ذرياتهم وَما أَلَتْناهُمْ مِنَ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ» فأدخل الله الذرّية بعمل الاَباء الجنة, ولم ينقص الله الاَباء من عملهم شيئا, قال: فهو قوله: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ.
25033ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا ابن أبي عديّ, عن داود, عن سعيد بن جُبَير أنه قال في قول الله: «ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ» قال: ألحق الله ذرّياتهم بآبائهم, ولم ينقص الاَباء من أعمالهم, فيردّه على أبنائهم.
وقال آخرون: إنما عنى بقوله: «ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ»: أعطيناهم من الثواب ما أعطينا الاَباء. ذكر من قال ذلك:
25034ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن قيس بن مسلم, قال: سمعت إبراهيم في قوله: «وأتْبَعْناهُمْ ذرّيّاتِهمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ» قال: أعطوا مثل أجور آبائهم, ولم ينقص من أجورهم شيئا.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن قيس بن مسلم, عن إبراهيم «وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِم» قال: أعطوا مثل أجورهم, ولم ينقص من أجورهم.
25035ـ قال: ثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع «وأتْبَعْناهُمْ ذُرّياتِهِمْ بإِيمَانٍ» يقول: أعطيناهم من الثواب ما أعطيناهم وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: ما نقصنا آباءهم شيئا.
25036ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: «وَالّذِينَ آمَنُوا وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّياتِهِمْ» كذلك قالها يزيد «ذُرّياتِهمْ بإِيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ» قال: عملوا بطاعة الله فألحقهم الله بآبائهم.
وأولى هذه الأقوال بالصواب وأشبهها بما دلّ عليه ظاهر التنزيل, القول الذي ذكرنا عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, وهو: والذين آمنوا بالله ورسوله, وأتبعناهم ذرياتهم الذين أدركوا الإيمان بإيمان, وآمنوا بالله ورسوله, ألحقنا بالذين آمنوا ذريتهم الذين أدركوا الإيمان فآمنوا, في الجنة فجعلناهم معهم في درجاتهم, وإن قصرت أعمالهم عن أعمالهم تكرمة منا لاَبائهم, وما ألتناهم من أجور عملهم شيئا.
وإنما قلت: ذلك أولى التأويلات به, لأن ذلك الأغلب من معانيه, وإن كان للأقوال الاَخر وجوه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: «وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ» فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ على التوحيد بإيمان «ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ» على الجمع, وقرأته قراء الكوفة وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّتَهُم كلتيهما بإفراد. وقرأ بعض قرّاء البصرة وهو أبو عمرو «وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ».
والصواب من القول في ذلك أن جميع ذلك قراءات معروفات مستفيضات في قرأة الأمصار, متقاربات المعاني, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
وقوله: وما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول تعالى ذكره: وما ألتنا الاَباء, يعني بقوله: وَما ألَتْناهُمْ: وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا, فنأخذه منهم, فنجعله لأبنائهم الذين ألحقناهم بهم, ولكنا وفّيناهم أجور أعمالهم, وألحقنا أبناءهم بدرجاتهم, تفضلاً منا عليهم. والألت في كلام العرب: النقص والبخس, وفيه لغة أخرى, ولم يقرأ بها أحد نعلمه, ومن الألت قول الشاعر:
أبْلِغْ بني ثُعَلٍ عَنّي مُغَلْغَلَةًجَهْدَ الرّسالَةِ لا ألْتا وَلا كَذِبا
يعني: لا نُقصان ولا زيادة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25037ـ حدثنا ابن بشار قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا سفيان, عن عمرو بن مرّة, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس, وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: ما نقصناهم.
حدثني علي قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن ابن عباس قوله: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: ما نقصناهم.
وحدثني موسى بن عبد الرحمن, قال: حدثنا موسى بن بشر, قال: حدثنا سفيان بن سعيد, عن سماعة عن عمرو بن مرّة, عن سعيد بن جُبَير, عن ابن عباس وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: وما نقصناهم.
25038ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: ما نقصنا الاَباء للأبناء.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: ما نقصنا الاَباء للأبناء, وَما ألَتْناهُمْ قال: وما نقصناهم.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: نقصناهم.
25039ـ حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا حكام, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس وَما ألَتنْاهُمْ مِنْ عَمَلِهمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: ما نقصنا آباءهم شيئا.
قال ثنا مهران, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس, مثله.
25040ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي المعلى, عن سعيد بن جُبَير وَما أَلَتْناهُمْ قال: وما ظلمناهم.
25041ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: وما ظلمناهم من عملهم من شيء.
حدثني محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة وَما أَلَتَنْاهُمْ مِنْ عَمَلِهمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: وما ظلمناهم.
25042ـ وحُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَما أَلَتْناهُمْ يقول: وما ظلمناهم.
25043ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ قال: يقول: لم نظلمهم من عملهم من شيء: لم ننتقصهم فنعطيه ذرّياتهم الذين ألحقناهم بهم لم يبلغوا الأعمال ألحقهم بالذين قد بلغوا الأعمال وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: لم يأخذ عمل الكبار فيجزيه الصغار, وأدخلهم برحمته, والكبار عملوا فدخلوا بأعمالهم.
وقوله: كُل امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ يقول: كلّ نفس بما كسبت وعملت من خير وشرّ مرتهنة لا يؤاخذ أحد منهم بذنب غيره, وإنما يعاقب بذنب نفسه.
الآية : 22-23
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مّمّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ }.
يقول تعالى ذكره: وأمددنا هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله, واتبعتهم ذريتهم بإيمان في الجنة, بفاكهة ولحم مما يشتهون من اللحمان.
وقوله: يَتَنازَعُونَ فِيها كأسا يقول: يتعاطون فيها كأس الشراب, ويتداولونها بينهم, كما قال الأخطل:
نازَعْتُهُ طَيّبَ الرّاحِ الشّمُولِ وَقَدْصَاحَ الدّجاجُ وَحانَتْ وَقْعَةُ السّارِي
وقوله: لا لَغْوٌ فِيها يقول: لا باطل في الجنة, والهاء في قوله «فيها» من ذكر الكأس, ويكون المعنى لما فيها الشراب بمعنى: أن أهلها لا لغو عندهم فيها ولا تأثيم, واللغو: الباطل.
وقوله: وَلا تَأْثِيمٌ يقول: ولا فعل فيها يُؤثم صاحبه. وقيل: عنى بالتأثيم: الكذب. ذكر من قال ذلك:
25044ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: لا لَغْوٌ فِيها يقول: لا باطل فيها.
وقوله: وَلا تَأثِيمٌ يقول: لا كذب.
25045ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: لا لَغْوٌ فِيها قال: لا يستبون وَلا تَأْثِيمٌ يقول: ولا يؤثمون.
25046ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ: أي لا لغو فيها ولا باطل, إنما كان الباطل في الدنيا مع الشيطان.
وحدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ قال: ليس فيها لغو ولا باطل, إنما كان اللغو والباطل في الدنيا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ بالرفع والتنوين على وجه الخبر, على أنه ليس في الكأس لغو ولا تأثيم. وقرأه بعض قرّاء البصرة «لا لَغْوَ فِيها وَلا تَأْثِيمَ» نصبا غير منوّن على وجه التبرئة.
والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب, وإن كان الرفع والتنوين أعجب القراءتين إليّ لكثرة القرأة بها, وأنها أصحّ المعنيين.
الآية : 24-25
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لّهُمْ كَأَنّهُمْ لُؤْلُؤٌ مّكْنُونٌ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ }.
يقول تعالى ذكره: ويطوف على هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في الجنة غلمان لهم, كأنهم لؤلؤ في بياضه وصفائه مكنون, يعني: مصون في كنّ, فهو أنقى له, وأصفى لبياضه. وإنما عنى بذلك أن هؤلاء الغلمان يطوفون على هؤلاء المؤمنين في الجنة بكؤوس الشراب التي وصف جلّ ثناؤه صفتها. وقد:
25047ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمان لَهُمْ كأنّهُمْ لُؤلؤٌ مَكْنُونٌ ذُكر لنا أن رجلاً قال: يا نبيّ الله هذا الخادم, فكيف المخدوم؟ قال: «والذي نفس محمد بيده, إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».
وحدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: كأنّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ قال: بلغني أنه قيل: يا رسول الله هذا الخادم مثل اللؤلؤ, فكيف المخدوم؟ قال: «وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّ فَضْلَ ما بَيْنَهُمَا كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ على النجوم».
وقوله: وأقْبَلَ بَعَضُهُمْ عَلى بَعْضٍ... الاَية, يقول تعالى ذكره: وأقبل بعض هؤلاء المؤمنين في الجنة على بعض, يسأل بعضهم بعضا. وقد قيل: إن ذلك يكون منهم عند البعث من قبورهم. ذكر من قال ذلك:
25048ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس في قوله: وأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قال: إذا بعثوا في النفخة الثانية.
الآية : 26-28
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قَالُوَاْ إِنّا كُنّا قَبْلُ فِيَ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنّ اللّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السّمُومِ * إِنّا كُنّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنّهُ هُوَ الْبَرّ الرّحِيمُ }.
يقول تعالى ذكره: قال بعضهم لبعض: إنا أيها القوم كنا في أهلنا في الدنيا مُشفقين خائفين من عذاب الله وجلين أن يعذّبنا ربنا اليوم فَمَنّ اللّهُ عَلَيْنا بفضله وَوَقانا عَذَابَ السّمُومِ يعني: عذاب النار, يعني فنجّانا من النار, وأدخلنا الجنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
25049ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: عَذَابَ السّمُومِ قال: عذاب النار.
وقوله: إنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ يقول: إنا كنا في الدنيا من قبل يومنا هذا ندعوه: نعبده مخلصين له الدين, لا نُشرك به شيئا إنّهُ هُوَ البَرّ يعني: اللطيف بعباده. كما:
25050ـ حدثنا عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: إنّه هُوَ البَرّ يقول: اللطيف.
وقوله: الرّحِيمُ يقول: الرحيم بخلقه أن يعذّبهم بعد توبتهم.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: إنّهُ هُوَ البَرّ فقرأته عامة قرّاء المدينة «أنّهُ» بفتح الألف, بمعنى: إنا كنا من قبل ندعوه لأنه هو البرّ, أو بأنه هو البرّ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بالكسر على الابتداء.
والصواب من القول في ذلك, أنهما قراءتان معروفتان, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.
الآية : 29-31
القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَذَكّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نّتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبّصُواْ فَإِنّي مَعَكُمْ مّنَ الْمُتَرَبّصِينَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: فذكر يا محمد من أرسلت إليه من قومك وغيرهم, وعظهم بنعم الله عندهم فَما أنْتَ بنِعْمَةِ رَبّكَ بكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ يقول فلست بنعمة الله عليك بكاهن تتكهَن, ولا مجنون له رئيّ يخبر عنه قومه ما أخبره به, ولكنك رسول الله, والله لا يخذلك, ولكنه ينصرك.
وقوله: أمْ يَقُولُونَ شاعِر نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ يقول جلّ ثناؤه: بل يقول المشركون: يا محمد لك: هو شاعر نتربص به حوادث الدهر, يكفيناه بموت أو حادثة متلفة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت عباراتهم عنه, فقال بعضهم فيه كالذي قلنا. وقال بعضهم: هو الموت. ذكر من قال: عنى بقوله: رَيْبَ المَنُونِ: حوادث الدهر.
25051ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, وحدثني الحارث, قال: حدثنا الحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: رَيْبَ المَنُون قال: حوادث الدهر.
حدثنا ابن حُمَيد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, قال: قال مجاهد رَيْبَ المَنُونِ حوادث الدهر. ذكر من قال: عنى به الموت.
25052ـ حدثني عليّ, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: رَيْبَ المَنُونِ يقول: الموت.
حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: نَتَرَبَصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ قال: يتربصون به الموت.
25053ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ قال: قال ذلك قائلون من الناس تربصوا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم, الموت يكفيكموه, كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة, في قوله: رَيْبَ المَنُونِ قال: هو الموت, نتربص به الموت, كما مات شاعر بني فلان, وشاعر بني فلان.
25054ـ وحدثني سعيد بن يحيى الأموي, قال: ثني أبي, قال: حدثنا محمد بن إسحاق, عن عبد الله بن أبي نجيح, عن مجاهد, عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم: احبسوه في وثاق, ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك مَن قبله من الشّعراء زُهير والنابغة, إنما هو كأحدهم, فأنزل الله في ذلك من قولهم: أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ.
25055ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ الموت, وقال الشاعر:
تَرَبّصْ بِها رَيْبَ المَنُونِ لَعَلّهاسَيَهْلِكُ عَنْها بَعُلُها أو «تُسَرّحُ»
وقال آخرون: معنى ذلك: ريب الدنيا, وقالوا: المنون: الموت. ذكر من قال ذلك:
25056ـ حدثنا ابن حُميد, قال: حدثنا مهران, عن أبي سنان رَيْبَ المَنُونِ قال: ريب الدنيا, والمنون: الموت.
وقوله: قُلْ تَرَبّصُوا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يقولون لك: إنك شاعر نتربص بك ريب المنون, تربصوا: أي انتظروا وتمهَلوا فيّ ريب المنون, فإني معكم من المتربصين بكم, حتى يأتي أمر الله فيكم