قدر الله وما شاء فعل

حصن المسلم | الدعاء حينما يقع ما لا يرضاه أو غلب على أمره | قدر الله وما شاء فعل

قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ (1).

‘The strong believer is better and more beloved to Allah, than the weak believer and there is goodness in both. Strive for that which will benefit you ,seek help from Allah and do not despair. If a mishap should happen to befall you then do not say ‘If only I had acted…such and such would have happened’. Rather, say: Qaddaral-lah, wama shaa faAAal.
‘Allah has decreed and what He wills, He does.’ …for verily ‘If’ lets in the work of the devil.


(1) (المؤمن القوي خير وأحبّ إلى اللَّه من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن باللَّهِ ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل قدَرُ اللَّه وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان). مسلم، 4/ 2052، برقم 2664.

شرح معنى قدر الله وما شاء فعل

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

489- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»(1) .
490- ولفظ أحمد وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ، أَوْ أَفْضَلُ، وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَلَا تَعْجَزْ، فَإِنْ غَلَبَكَ أَمْرٌ، فَقُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ صَنَعَ، وَإِيَّاكَ وَاللَّوَّ، فَإِنَّ اللَّوَّ تُفْتَحُ مِنَ الشَّيْطَانِ»(2) .
491- ولفظ ابن حبان: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ الْخَيْرُ، فَاحْرِصْ عَلَى مَا تَنْتَفِعُ بِهِ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ، فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ: قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ اللَّوَّ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»(3) .
492- ولفظ النسائي في الكبرى: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَلاَ تَعْجَزْ، فَإِنْ غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ صَنَعَ، وَإِيَّاكَ وَاللَّوْ، فَإِنَّ اللَّوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»(4) .

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «قدر اللَّه وما شاء فعل»: لأنه عليم ببواطن الأمور؛ ولأن ما قدره اللَّه كائن لا محالة، والشقي التعيس من لام حاله، أي اعترض على أقدار اللَّه عز وجل، فلا يعجز المؤمن عن مأمور، ولا يجزع عن مقدور، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: «قدر اللَّه أي: هذا قدر اللَّه، أي تقدير اللَّه وقضاؤه، وما شاء اللَّه عز وجل فعله: إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُريدُ، لا أحد يمنعه في ملكه ما يشاء، ما شاء فعل عز وجل، ولكن يجب أن نعلم أنه سبحانه وتعالى لا يفعل شيئاً إلا لحكمة خفيت علينا، أو ظهرت لنا، والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾(5) ، فبين أن مشيئته مقرونة بالحكمة والعلم، وكم من شيء كره الإنسان وقوعه فصار في العاقبة خيراً له، كما قال تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾(6) ، ولقد جرت حوادث كثيرة تدل على عظم حكمة اللَّه تعالى، وعلمه، وعلى مكانة هذه الآية، من ذلك قبل عدة سنوات أقلعت طائرة من الرياض متجهة إلى جدة، وفيها ركاب كثيرون، يزيدون عن ثلاثمائة راكب، وكان أحد الركاب الذين سجلوا في هذه الطائرة في قاعة الانتظار حتى نام، وأعلن عن إقلاع الطائرة، وذهب الركاب وركبوا، فإذا بالرجل يستيقظ بعد أن أغلق الباب، فندم ندامة شديدة، كيف فاتته الطائرة؟ ثم إن اللَّه قدر بحكمته أن تحترق الطائرة وركابها، فسبحان اللَّه كيف نجا هذا الرجل ؟ كره أنه فاتته الطائرة، ولكن كان ذلك خيراً له، فأنت إذا بذلت الجهد، واستعنت باللَّه، وصار الأمر على خلاف ما تريد لا تندم(7) .
2- قوله: «المؤمن القوي
»: يشمل قوة الإيمان وقوة البدن.
قال النووي : «وَالْمُرَاد بِالْقُوَّةِ هُنَا عَزِيمَة النَّفْس وَالْقَرِيحَة فِي أُمُور الْآخِرَة، فَيَكُون صَاحِب هَذَا الْوَصْف أَكْثَر إِقْدَامًا عَلَى الْعَدُوّ فِي الْجِهَاد، وَأَسْرَع خُرُوجًا إِلَيْهِ، وَذَهَابًا فِي طَلَبه، وَأَشَدُّ عَزِيمَة فِي الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر، وَالصَّبْر عَلَى الْأَذَى فِي كُلّ ذَلِكَ، وَاحْتِمَال الْمَشَاقّ فِي ذَات اللَّه تَعَالَى، وَأَرْغَب فِي الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْأَذْكَار وَسَائِر الْعِبَادَات، وَأَنْشَط طَلَبًا لَهَا، وَمُحَافَظَة عَلَيْهَا، وَنَحْو ذَلِكَ»(8) .
3- قوله: «وفي كلٍّ خير»: لاشتراكهما في أصل الإيمان باللَّه عز وجل.
ويرى النووي: أن فِي كُلّ مِنْ الْقَوِيّ وَالضَّعِيف خَيْر لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِيمَان، مَعَ مَا يَأْتِي بِهِ الضَّعِيف مِنْ الْعِبَادَات(8) ، وقال القاضي عياض: «وفي كلٍّ خير، للإيمان الذى هو صفتهم، لكن اللَّه قد باين بين خلقه في داره، ورفع بعضهم فوق بعض درجات»(9) .
4- وقوله: «احرص على ما ينفعك» أي: من طاعة اللَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وكل أمر حلال يترتب عليه منفعة لك؛ لأن الحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع مع الرضا بالمقدور، وقال النووي رحمه الله: «(اِحْرِصْ) بِكَسْرِ الرَّاء، (وَتَعْجِز) بِكَسْرِ الْجِيم، وَحُكِيَ فَتْحهمَا جَمِيعًا، وَمَعْنَاهُ اِحْرِصْ عَلَى طَاعَة اللَّه تَعَالَى، وَالرَّغْبَة فِيمَا عِنْده، وَاطْلُبْ الْإِعَانَة مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ(10) .
5- قوله: «استعن باللَّه
» أي: اطلب العون من اللَّه فهو خير معين، أي: توكل على الله وإذا استعنت بالله وتوكلت عليه ودخلت فيما يرضيه عز وجل فأبشر بالخير وأن الله تعالى سيعينك(11) ، واستعن باللَّه: ما أروع هذه الكلمة بعد قوله: «احرص على ما ينفعك» لأن الإنسان إذا كان عاقلاً ذكياً؛ فإنه يتتبع المنافع، ويأخذ بالأنفع، وربما تغره نفسه حتى يعتمد على نفسه، وينسى الاستعانة باللَّه، وهذا يقع لكثير من الناس، حيث يعجب بنفسه، ولا يذكر اللَّه عز وجل، ويستعين به؛ فإذا رأى من نفسه قوة على الأعمال، وحرصاً على النافع، وفعلاً له، أعجب بنفسه، ونسي الاستعانة باللَّه؛ ولهذا قال: «احرص على ما ينفعك، واستعن باللَّه» أي: لا تنس الاستعانة باللَّه، ولو على الشيء اليسير، وفي الحديث: «لِيَسْألْ أَحَدكمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا ، حتى يسأَلَ شِسْعَ نَعلِهِ ، إذَا انْقَطَعَ»(12) ، يعني: حتى الشيء اليسير لا تنس اللَّه، حتى ولو أردت أن تتوضأ، أو تصلي، أو تذهب يميناً أو شمالاً، أو تضع شيئاً، فاستحضر أنك مستعين باللَّه عز وجل، وأنه لولا عون اللَّه ما حصل لك هذا الشيء(11) .
6- قوله: «ولا تعجز» أي: عن طلب الإعانة منه، وسبيل ذلك الجد في الطاعة.
فاستعمل الحرص، والاجتهاد في تحصيل ما تنتفع به في أمر دينك ودنياك التي تستعين بها على صيانة دينك، وصيانة عيالك، ومكارم أخلاقك، ولا تفرط في طلب ذلك، ولا تتعاجز عنه معتذراً، وتتحجج بالقدر، فتنسب للتقصير، وتلام على التفريط شرعاً وعادة، ومع إنهاء الاجتهاد نهايته، وإبلاغ الحرص غايته، فلا بد من الاستعانة باللَّه، والتوكل عليه، والالتجاء في كل الأمور إليه، فمن سلك هذين الطريقين حصل على خير الدارين(13) .
«ونهاه عن العجز، وهو التساهل في الطاعات، وقد استعاذ منه صلى اللَّه تعالى عليه وآله وسلم بقوله: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن؛ ومن العجز والكسل»(14) (15) ، فقوله: «ولا تعجز» يعني استمر في العمل، ولا تعجز وتتأخر، وتقول إن المدى طويل، والشغل كثير، فما دمت قد صممت في أول الأمر أن هذا هو الأنفع لك، واستعنت باللَّه، وشرعت فيه فلا تعجز، وهذا الحديث في الحقيقة يحتاج إلى مجلدات يتكلم عليه فيها الإنسان؛ لأن له من الصور والمسائل ما لا يُحصى، منها مثلاً: طالب العلم الذي يشرع في كتاب يرى أنه منفعة، وفيه مصلحة له، ثم بعد أسبوع، أو شهر يمل، وينتقل إلى كتاب آخر، هذا نقول استعان باللَّه، وحرص على ما نفعه، ولكنه عجز، كيف عجز ؟ بكونه لم يستمر؛ لأن معنى قوله: «لا تعجز» أي: لا تترك العمل، بل مادمت دخلت فيه على أنه نافع فاستمر فيه(16) .
7- وقوله: «وإن أصابك شيء» أي: مما تكرهه نفسك، وإن أصابك شيء أي من أمر دينك أو دنياك(17) .
8- قوله: «فإذا غلبك أمر»: وقعت في الأمر المكروه بعد الاحتياط ولم تجد إلى الدفع سبيلاً(18) .
9- قوله: «فلا تقل»: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، قل: قدر اللَّه، وما شاء فعل، يعني: إن الذي يتعيَّن بعد وقوع المقدور التسليم لأمر اللَّه، والرضا بما قدره اللَّه تعالى، وإعراض عن الالتفات لما مضى وفات(19) .
10- قوله: «لو أني فعلت كذا وكذا»: قال العلامة ابن عثيمين : «إذا قدر أنه اجتهد في أمر ينفعه، ثم فات الأمر، ولم يكن على ما توقع تجده يندم، ويقول: ليتني ما فعلت كذا، ولو أني فعلت كذا لكان كذا، وهذا ليس بصحيح، فأنت أدِّ ما عليك، ثم بعد هذا فوض الأمر لله عز وجل»(16) .
11- قَوله: «وإِيّاكَ واللَّو»، نقل العلامة ابن حجر : عن السبكي قوله: «وقَد تَأَمَّلت اقتِران قَولُه صلى الله عليه وسلم: «احرِص عَلَى ما يَنفَعك» بِقَولِهِ: «وإِيّاكَ واللَّو»، فَوجَدت الإِشارَة إِلَى مَحَلّ (لَو) المَذمُومَة، وهِيَ نَوعانِ: أَحَدهما فِي الحال ما دامَ فِعل الخَير مُمكِنًا، فَلا يُترَك لأَجلِ فَقد شَيء آخَرَ ، فَلا تَقُول: لَو أَنَّ كَذا كانَ مَوجُودًا لَفَعَلت كَذا، مَعَ قُدرَته عَلَى فِعله، ولَو لَم يُوجَد ذاكَ، بَل يَفعَل الخَير، ويَحرِص عَلَى عَدَم فَواته.
والثّانِي: مَن فاتَهُ أَمر مِن أُمُور الدُّنيا، فَلا يَشغَل نَفسه بِالتَّلَهُّفِ عَلَيهِ؛ لِما فِي ذَلِكَ مِنَ الاعتِراض عَلَى المَقادِير»(20) .
12- قوله: «فإن لو تفتح عمل الشيطان» أي: بالتذمر والاعتراض على ما وقع من غير جدوى وقد يجره هذا إلى إساءة الظن بخالقه عز وجل ثم الكفر به عياذًا باللَّه من ذلك، «ولا تقل لو أني فعلت لكان كذا»، إذا قلت هذا انفتح عليك من الوساوس والندم والأحزان ما يكدر عليك الصفو، فقد انتهى الأمر وراح، وعليك أن تسلم الأمر للجبار عز وجل، قل: قدر اللَّه وما شاء فعل، واللَّه لو أننا سرنا على هدي هذا الحديث لاسترحنا كثيراً، لكن تجد الإنسان أولاً: لا يحرص على ما ينفعه، بل تمضي أوقاته ليلاً ونهاراً بدون فائدة، تضيع عليه سدى.
ثانياً: إذا قُدِّر أنه اجتهد في أمر ينفعه، ثم فات الأمر، ولم يكن على ما توقع تجده يندم، ويقول: ليتني ما فعلت كذا، ولو أني فعلت كذا لكان كذا، وهذا ليس بصحيح، فأنت أدّ ما عليك ثم بعد هذا فوض الأمر للَّه عز وجل(21) .

ما يستفاد من الحديث:

1- حث الإسلام على: القوة، والنشاط، والعمل، والاجتهاد، والكسب من عمل اليد، وعدم الاعتماد على الغير، فكل ذلك داخل في معنى «المؤمن القوي».
2- قال النووي رحمه الله: والمراد بالقوة عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى في ذات اللَّه عز وجل، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات ونحو ذلك(8) ، وفي كل خير لئلا يتوهم أحد من الناس أن المؤمن الضعيف لا خير فيه، بل المؤمن الضعيف فيه خير، فهو خير من الكافر لاشك، وهذا الأسلوب يسميه البلاغيون الاحتراز، وهو أن تكلم الإنسان كلاماً يوهم معنى لا يقصده، فيأتي بجملة تبين أنه يقصد المعنى المعين(21) .
3- وفي الحديث: الأمر بفعل الأسباب والاستعانة باللَّه، وفيه: التسليم لأمر اللَّه، والرضا بقدر الله(22) .
4- الإيمان بالقضاء والقدر: حلوه ومره، أحد أركان الإيمان الستة، والواجب على المسلم الإيمان بذلك؛ لأنه لا يتم الإيمان إلا به .
5- فوائد الإيمان بالقدر: أ – أنه من تمام الإيمان بالربوبية.
ب – أن الإنسان يَرُدّ كل أموره إلى خالقه لمعرفته أنه هو الذي قضاها وقدَّرها.
ج – تهوين المصائب على العبد.
د – إضافة النعم إلى مسديها لا لمن باشر إيصالها إلى العبد.
هـ – معرفة الإنسان قدر نفسه فلا يفخر بفعل خير أو عمل صالح.
و – الحرص على فعل كل سبب ينفع العبد في الدارين من: الأسباب الواجبة، والمستحبة، والمباحة، مستعينًا باللَّه في ذلك، عالمًا أن السبب لا يعمل إلا بأمر خالق السبب والمسبب.
6- الفرق بين القضاء والقدر: أن القدر في اللغة بمعنى التقدير، أما القضاء فهو بمعنى الحكم؛ ولذلك فالقضاء والقدر متباينان إذا اجتمعا، ومترادفان إذا افترقا، فالتقدير هو ما قدره اللَّه في الأزل أن يكون في خلقه، والقضاء هو ما قضى به اللَّه في خلقه، وعلى هذا فيكون التقدير سابقاً للقضاء(22) .
7- فيما جاء في «اللوْ» تستخدم هذه الكلمة على وجهين: أ – على وجه الحزن على ما فات، والجزع على ما وقع من المقدور، وهذا منهي عنه لقول اللَّه عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا﴾(23) ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «وإياك واللو، فإن اللو تفتح عمل الشيطان»(24) .
ب – أن يقول لو؛ لبيان علم نافع كقول اللَّه تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾(25) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْيَ»(26) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لو أوتيت مثل ما أوتي هذا لفعلت كما يفعل»(27) ؛ وهذا لبيان محبة الخير وإرادته وقوله صلى الله عليه وسلم: «وددنا أن موسى كان صبر فقص اللَّه علينا من أمرهما»(28) لأن هذا القصص فيه منفعة وليس في ذلك وأمثاله جزع ولا حزن على ما مضى(29) ، ولذلك بوب البخاري باب قال فيه: «ما يجوز من اللو»(30) .
قَالَ النَّوَوِيُّ : «وَقَدْ جَاءَ مِنْ اِسْتِعْمَال (لَوْ) فِي الْمَاضِي قَوْله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ اِسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اِسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْي»، وَغَيْر ذَلِكَ، فَالظَّاهِر أَنَّ النَّهْي إِنَّمَا هُوَ عَنْ إِطْلَاق ذَلِكَ فِيمَا لَا فَائِدَة فِيهِ، فَيَكُون نَهْيَ تَنْزِيه لَا تَحْرِيم، فَأَمَّا مَنْ قَالَهُ تَأَسُّفًا عَلَى مَا فَاتَ مِنْ طَاعَة اللَّه تَعَالَى، أَوْ مَا هُوَ مُتَعَذَّر عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَنَحْو هَذَا، فَلَا بَأْس بِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَل أَكْثَر الِاسْتِعْمَال الْمَوْجُود فِي الْأَحَادِيث»(31) .
8- وقال القسطلاني رحمه الله: فإن اللّو تفتح عمل الشيطان، أي تلقي في القلب معارضة القدر، فيوسوس به الشيطان، ولا معارضة بين ما ورد من الأحاديث الدالّة على الجواز، والدالّة على النهي؛ لأن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع، فالمعنى لا تقل لشيء لم يقع: لو أني فعلت كذا لوقع قاضيًا بتحتم ذلك غير مضمر في نفسك شرط مشيئة اللَّه، وما ورد من قول «لو» محمول على ما إذا كان قائله موقنًا بالشرط المذكور، وهو أنه لا يقع شيء إلا بمشيئة اللَّه وإرادته، قاله الطبري.
وقال غيره: الظاهر أن النهي عن إطلاق ذلك فيما لا فائدة فيه، أما من قاله تأسفًا على ما فاته من طاعة اللَّه فلا بأس به(32) .
9- نقل العلامة ابن حجر : عن السبكي قوله: «... الإِشارَة إِلَى مَحَلّ (لَو) المَذمُومَة، وهِيَ نَوعانِ: أَحَدهما: فِي الحال ما دامَ فِعل الخَير مُمكِنًا، فَلا يُترَك لأَجلِ فَقد شَيء آخَرَ ، فَلا تَقُول: لَو أَنَّ كَذا كانَ مَوجُودًا لَفَعَلت كَذا، مَعَ قُدرَته عَلَى فِعله، ولَو لَم يُوجَد ذاكَ، بَل يَفعَل الخَير، ويَحرِص عَلَى عَدَم فَواته.
والثّانِي: مَن فاتَهُ أَمر مِن أُمُور الدُّنيا، فَلا يَشغَل نَفسه بِالتَّلَهُّفِ عَلَيهِ؛ لِما فِي ذَلِكَ مِنَ الاعتِراض عَلَى المَقادِير، وتَعجِيل تَحَسُّر لا يُغنِي شَيئًا، ويَشتَغِل بِهِ عَن استِدراك ما لَعَلَّهُ يُجدِي ، فالذَّمّ راجِع فِيما يَؤُول فِي الحال إِلَى التَّفرِيط، وفِيما يَؤُول فِي الماضِي إِلَى الاعتِراض عَلَى القَدر، وهُو أَقبَح مِنَ الأَوَّل، فَإِن انضَمَّ إِلَيهِ الكَذِب فَهُو أَقبَح، مِثل قَول المُنافِقِينَ: ﴿لَو استَطَعنا لَخَرَجنا مَعَكُم﴾(33) ، وقَولهم: ﴿لَو نَعلَم قِتالاً لاتَّبَعناكُم﴾(34) ، وكَذا قَولهم: ﴿لَو أَطاعُونا ما قُتِلُوا﴾(35) ، ثُمَّ قالَ: وكُلّ ما فِي القُرآن مِن (لَو) الَّتِي مِن كَلام اللَّه تَعالَى كَقَولِهِ تَعالَى: ﴿قُل لَو كُنتُم فِي بُيُوتكُم﴾(36) ، ﴿ولَو كُنتُم فِي بُرُوج مُشِيدَة﴾(37) ، ونَحوهما فَهُو صَحِيح لأَنَّهُ تَعالَى عالِم بِهِ، وأَمّا الَّتِي لِلرَّبطِ فَلَيسَ الكَلام فِيها، ولا المَصدَرِيَّة، إِلاَّ إِن كانَ مُتَعَلَّقها مَذمُومًا، كَقَولِهِ تَعالَى: ﴿ودَّ كَثِير مِن أَهل الكِتاب لَو يَرُدُّونَكُم مِن بَعد إِيمانكُم كُفّارًا﴾(38) ؛ لأَنَّ الَّذِي ودُّوهُ وقَعَ خِلافه
»(20) .
10- قال ابن القيم رحمه الله معلقًا على هذا الحديث: فتضمن هذا الحديث أصولًا عظيمة من أصول الإيمان منها: أ – أن اللَّه تعالى موصوف بالمحبة وأنه يحب حقيقة.
ب – أنه يحب مقتضى أسمائه وما يوافقها فهو القوي ويحب المؤمن القوي، وعليم ويحب العلماء وهكذا.
ج – أن محبته للمؤمنين تتفاضل فيحب بعضهم أكثر من بعض.
د – أن الخير كله في الحرص على ما ينفع الإنسان في الدارين.
هـ – أن هذا الحديث تضمن: إثبات القدر، والكسب، والاختيار، والقيام بالعبودية: ظاهرًا وباطنًا في حالتي المطلوب وعدمه.
و – أن هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدًا(39) .

1 مسلم، برقم 2664
2 مسند أحمد، 1/ 400، برقم 8791، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب التوكل واليقين، برقم 4168، وأبو يعلى، 11/ 230، برقم 6346، وحسنه محققو المسند، ومحقق أبي يعلى، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، برقم 3361
3 صحيح ابن حبان، 13/ 29، برقم 5722، وحسنه محقق ابن حبان، وصححه الألباني في التعليقات الحسان، 8/ 226
4 النسائي في الكبرى، كتاب عمل اليوم والليلة، ما يقول إذا غلبه أمر، برقم 10495، ومسند أحمد، 14/ 395، برقم 8791، وحسنه محققو المسند
5 سورة الإنسان، الآية: 30
6 سورة البقرة، الآية: 216
7 شرح رياض الصالحين، ح: 100، قلت: وهذا الحادث بعد عام 1400هـ إما عام 1401، أو 1402، أو 1403، أو بعد ذلك بقليل؛ لأن القصة اشتهرت في ذاك الزمن
8 شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 215
9 إكمال المعلم شرح صحيح مسلم، للقاضي عياض، 8/ 77
10 شرح النووي على مسلم، 16/ 215
11 شرح رياض الصالحين، للعلامة ابن عثيمين، ح: 91
12 أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، ليسأل حاجته مهما صغرت، برقم 3604، وابن حبان (3/76 ، وأبو يعلى، 6/130، برقم 3403، والبيهقي في شعب الإيمان، 2/40، والضياء 5/9، وقال: «رجاله موثقون والصواب أنه مرسل»، والبزار، 2/ 317، برقم 6876، وقال في مجمع الزوائد، 10/ 150 عن رواية البزار: «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير سيار بن حاتم وهو ثقة»، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح، 2/ 7
13 سبل السلام شرح بلوغ المرام، للإمام الصنعاني، 3/ 331
14 البخاري، برقم 2893
15 سبل السلام شرح بلوغ المرام، 3/ 331
16 شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين، شرح الحديث رقم 100
17 مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 15/ 214
18 انظر: فيض القدير شرح الجامع الصغير، 2 / 400
19 انظر: شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين، شرح الحديث رقم 100
20 فتح الباري، 13/ 230
21 شرح رياض الصالحين، للعلامة ابن عثيمين، شرح الحديث رقم 100
22 تطريز رياض الصالحين، لفيصل بن عبد العزيز المبارك، ص 91
23 سورة آل عمران، الآية: 156
24 سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب التوكل واليقين، برقم 4168، وابن حبان، 13/ 28، برقم 5721، وحسن إسناده محقق ابن حبان، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، برقم 3361
25 سورة الأنبياء، الآية: 22
26 البخاري، كتاب التمني، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت»، برقم 7229، ومسلم، برقم 1211 بلفظ: عَنْ عَائِشَةَ ل، أَنَّهَا قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَرْبَعٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، أَوْ خَمْسٍ، فَدَخَلَ عَلَيَّ وَهُوَ غَضْبَانُ فَقُلْتُ: مَنْ أَغْضَبَكَ، يَا رَسُولَ اللهِ؟ أَدْخَلَهُ اللهُ النَّارَ، قَالَ: «أَوَمَا شَعَرْتِ أَنِّي أَمَرْتُ النَّاسَ بِأَمْرٍ، فَإِذَا هُمْ يَتَرَدَّدُونَ؟» قَالَ الْحَكَمُ: كَأَنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ أَحْسِبُ «وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، مَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي حَتَّى أَشْتَرِيَهُ، ثُمَّ أَحِلُّ كَمَا حَلُّوا»
27 البخاري، كتاب التمني، باب تمني القرآنة والعلم، برقم 7232
28 البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام، برقم 3401
29 انظر: المفيد على كتاب التوحيد للشيخ/ عبد اللَّه القصير، 289، 290
30 كتاب التمني، باب ما يجوز في اللو، قبل الحديث رقم 7238
31 شرح النووي على صحيح مسلم، 16/ 216
32 إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، للقسطلاني، 10/ 282
33 سورة التوبة، الآية: 42
34 سورة آل عمران، الآية: 167
35 سورة آل عمران، الآية: 168
36 سورة آل عمران، الآية: 154
37 سورة النساء، الآية: 78
38 سورة البقرة، الآية: 109
39 شفاء العليل، ص 18، ونقله في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد الشيخ/ عبد الرحمن آل شيخ ص 404


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, August 10, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب