1- قوله: «اللهم»: قال ابن منظور : «اللَّهُمَّ بِمَعْنَى: يَا أَلله، ... الْمِيمَ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ بِمَنْزِلَةِ يَا فِي أَولها، وَالضَّمَّةُ الَّتِي هِيَ فِي الْهَاءِ هِيَ ضَمَّةُ الِاسْمِ الْمُنَادَى الْمُفْرَدِ» (6) . 2- قوله: عالم أي: أن علم اللَّه محيط بالسرائر، والخفيات، والظواهر، والبواطن، وهذا معنى العليم، والعلاَّم، قال العلامة السعدي : «العالم بكل شيء، أخبره بمدة لبثهم، وأن علم ذلك عنده وحده، فإنه من غيب السموات والأرض، وغيبها مختص به، فما أخبر به عنها على ألسنة رسله، فهو الحق اليقين، الذي لا يشك فيه، وما لا يطلع رسله عليه، فإن أحداً من الخلق، لا يعلمه» (7) . 3- قوله: الغيب: هو كل ما غاب عن العباد مشاهدةً، وإدراكًا، قال العلامة السعدي : «التصديق التام بما أخبرت به الرسل، المتضمن لانقياد الجوارح، وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس، فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر، إنما الشأن في الإيمان بالغيب، الذي لم نره، ولم نشاهده، وإنما نؤمن به، لخبر اللَّه، وخبر رسوله، فهذا الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر؛ لأنه تصديق مجرد للَّه ورسله، فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر اللَّه به، أو أخبر به رسوله، سواء شاهده، أو لم يشاهده، وسواء فهمه وعقله، أو لم يهتد إليه عقله وفهمه... ويدخل في الإيمان بالغيب، الإيمان بـجميع ما أخبر اللَّه به من الغيوب الماضية، والمستقبلة، وأحوال الآخرة، وحقائق أوصاف اللَّه وكيفيتها، وما أخبرت به الرسل من ذلك، فيؤمنون بصفات اللَّه ووجودها، ويتيقنونها، وإن لم يفهموا كيفيتها» (8) . 4- قوله: والشهادة: كل ما شاهده العبد من الأمور المحسوسة، قال القرطبي : «عالم الغيب والشهادة: أي: هو عالم بما غاب عن الخلق، وبما شهدوه» (9) ، وقال العلامة السعدي : إنه يعلم ما غاب عن العباد من الجنود والمخلوقات التي لا يعلمها إلا هو وما يشاهدونه من المخلوقات (10) . 5- قوله: فاطر السموات والأرض أي: ابتدأ خلقهما، قال تعالى: ﴿قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾سورة الإسراء، الآية: 51، قال الطيبي : «وفاطر السموات والأرض»: أي مبدعهما ومخترعهما» (11) ، وقال الإمام ابن كثير : «أَيْ: خَلَقَهُمَا وَابْتَدَعَهُمَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ» (12) . 6- قوله: رب كل شيء: من إنس، وجن، وملائكة، وجمادات، وغير ذلك جميع المخلوقات؛ لأن كل مخلوق مربوب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «ولا وجود لشيء إلا بقدرته، ومشيئته، فهو إله الخلق كلهم، لا إله غيره، ولا صلاح للخلق إلا بأن يكون هو المعبود المقصود بالقصد الأول من جميع حركاتهم، فكما أن ما لا يريده ويشاؤه لا يكون، فما لا يراد لأجله ويقصد له؛ فإنه فاسد، لا صلاح فيه، فكل عمل باطل، إلا ما أريد به وجهه» (13) ، وقال الحافظ ابن حجر : «ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين، وَالْأَرْوَاحُ مَرْبُوبَةٌ، وَكُلُّ مَرْبُوبٍ مَخْلُوقُ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (14) . 7- قوله: ومليكه: أي: مالكه متصرف فيه على حسب إرادته، وحكمته، قال اللَّه تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾سورة الأعراف، الآية: 54 ، قال العيني : «الَّذِي بِيَدِهِ الْملك، والإحياء، والإماتة» (15) . 8- قوله: أشهد أن لا إله إلا أنت أي: أقر، وأعترف بتفردك بالألوهية الحق، و بالخلق، والرزق، والتدبير، وأن إليك المرجع والمآب؛ لأنه لا معبود بحق إلا أنت، وقال الإمام ابن القيم : «مَعْنَاهُ، أَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ،...وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الشَّهَادَةِ هُوَ تَيَقُّنُ الشَّيْءِ وَتَحَقُّقُهُ مِنْ شَهَادَةِ الشَّيْءِ أَيْ حُضُورِهِ (16) . 9- قوله: أعوذ بك أي: ألجأ إليك، وأستجير بك، وأتحصّن قال الراغب الأصفهاني : «والعوذ: الالتجاء إلى الغير، والتعلق به.... وأعذته باللَّه أعيذه، أي: ألتجئ إليه، وأستنصر به أن أفعل ذلك (17) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : «فَإِنَّ الْمُسْتَعَاذَ مِنْهُ نَوْعَانِ: فَنَوْعٌ مَوْجُودٌ يُسْتَعَاذُ مِنْ ضَرَرِهِ ... وَنَوْعٌ مَفْقُودٌ يُسْتَعَاذُ مِنْ وُجُودِهِ؛... ويُسْتَعَاذُ مِنْ الشَّرِّ الْمَوْجُودِ أَنْ لَا يُضَرَّ، وَيُسْتَعَاذُ مِنْ الشَّرِّ الضَّارِّ الْمَفْقُودِ أَنْ لَا يُوجَدَ» (18) . 10- قوله: من شر نفسي أي: إذا أمَرتَني بسوء، وجرَّتني إلى الشهوات والشبهات، قال ابن القيم : «استعاذ صلى الله عليه وسلم من شرها عموماً، ومن شر ما يتولد منها من الأعمال، ومن شر ما يترتب على ذلك من المكاره، والعقوبات، وجمع بين الاستعاذة من شر النفس، وسيئات الأعمال» (19) . 11- قوله: ومن شر الشيطان: اسم لإبليس الملعون، مأخوذ من شطن أي: بَعُدَ، وإنما سُمّي بذلك؛ لأنه بعيد عن رحمة اللَّه (20) ، قال الإمام ابن القيم : «أوقع الاستعاذة من شر الشيطان الموصوف بأنه الوسواس الخناس، الذي يوسوس في صدور الناس، ولم يقل: من شر وسوسته: لتعم الاستعاذة: شره جميعه» (21) . 12- قوله: وشركه: شِرْكه - بكسر الشين، وسكون الراء -: وسوسته للعبد للإشراك باللَّه، ويجوز أن تفتح الشين والراء، فيقال: وشَرَكه، أي حبائله، ومصايده، قال الصنعاني : «ما يدعو إليه، ويوسوس به من الإشراك باللَّه تعالى، وهذا على رواية كسر السين، وسكون الراء، ويروى بفتحهما، أي: حبائله، ومصائده، واحدها شركة، فإن قلت: لما قُدمت الاستعاذة من شر النفس على الاستعاذة من شر الشيطان، مع أن دفع كيده أهم؛ فإنه لا يأتي الشر للنفس إلا من وسوسته» (22) . 13- قوله: وأن أقترف على نفسي سوءًا: أي: ألمّ به، وأقع فيه، فأتردّى بسببه في النار، إن لم تتجاوزعني، قال العلامة ابن عثيمين : «أقترف: يعني أجرُّ على نفسي سوءاً، أو أجرُّه إلى مسلم» (23) . 14- قوله: أو أجره إلى مسلم: أي : أتسبب في جر الإيذاء لأي مسلم، فأحمل بذلك الأوزار المضاعفة، قال الإمام ابن القيم : «فذكر مصدري الشر، وهما: النفس، والشيطان، وذكر مورده، ونهايتيه، وهما: عوده على النفس، أو على أخيه المسلم، فجمع الحديث مصادر الشر، وموارده في أوجز لفظه، وأخصره، وأجمعه، وأبينه» (24) .
ما يستفاد من الحديث:
1- إثبات صفة العلم للَّه تعالى، وأن هذا العلم علم شامل محيط لجميع خلقه، بخلاف علم العبد القاصر، قال اللَّه تعالى: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾سورة الطلاق، الآية: 12 . قال ابن القيم : وهو العليم أحاط علـمًا بالذي في الكـون من سر ومن إعلان وبكل شيء علـــــمه ســــــــبحانه فهـــــو المحيط وليس ذا نسيان وكذاك يعلم ما يكون غدًا وما قد كان والمـوجود في ذا الآن وكذاك أمر لم يكـــــــن لو كان كيف يكون ذا الأمر ذا إمكان (25) 2- اختصاص اللَّه وحده بعلم الغيب، فالغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية، قال اللَّه تعالى: ﴿سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ﴾سورة الرعد، الآية: 10 ، والسارب هو من يمشي في طريق مكشوف. 3- من أسماء اللَّه: فاطر السموات والأرض، وهو الخالق على غير مثال سابق، والمراد بالسموات والأرض العالم كله، قال ابن عباس ب: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي استحدثت حفرها، وأصل الفطر الشق، وفطر ناب البعير إذا شق اللحم وطلع (26) . 4- إثبات ربوبية اللَّه لكل الخلق، وأن نواصيهم بيده، وأنهم في الحقيقة مربوبون، ولا غنى لهم عن ربهم طرفة عين، أو أقل من ذلك. 5- مشروعية التوسل إلى اللَّه تعالى بصفات الكمال، ونعوت الجلال، وأفعاله الدالة على عظيم خلقه قبل الشروع في سؤاله عز وجل. 6- نفس العبد إذا ألقت بزمامها إلى الشيطان، كان ذلك مصدر كل شر، وتولد عن ذلك المعاصي، والموبقات، التي تجر إلى نار جهنم، أما حديث: «أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك» فقد ضعفه بعض العلماء : (27) . 7- قال ابن القيم : معلقًا على هذا الحديث: «فذكر النبي صلى الله عليه وسلم مصدري الشر، وهما: النفس، والشيطان، وذكر مورديه ونهايته، وهما: عوده على النفس، أو على أخيه المسلم، وفيه تعوّذ النبي صلى الله عليه وسلم من أربعة شرور: الأول: شر النفس الذي يترتب عليه الذنوب والآثام. الثاني: شر الشيطان بتهييج الباطل في نفسه وقلبه. الثالث: اقتراف الإنسان السوء على نفسه، وهذه موبقة لنفس الإنسان. الرابع: جر السوء على المسلمين، وهذه شر من النفس عائد على الآخرين» (28) . قال الشاعر: وخالف النفس والشيطان واعصهما وإن هما محضاك النصح فاتهم 8- يدلّ الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول المسلم هذا الذكر المبارك في ثلاثة مواضع: الموضع الأول: إذا أصبح. الموضع الثاني: إذا أمسى. الموضع الثالث: إذا أخذ المسلم مضجعه عند النوم. لقوله صلى الله عليه وسلم: «قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك» (29) . 9- قال أبو هريرة راوي الحديث: إن أبا بكر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه شيئًا يقوله إذا أصبح، وإذا أمسى، فعلمه هذا الذكر النافع، وهذا فيه دليل على حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه، وأمته من بعده. 10- وأيضاً فيه دليل على حرص أبي بكر رضي الله عنه على تعلم الخير العظيم من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
1
الأدب المفرد، برقم 1204، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/142، وصحيح الأدب المفرد، برقم 1204
2
أبو داود، برقم 5067، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/142
3
الترمذي، برقم 3392، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 3/ 124
4
الترمذي، كتاب الدعوات، باب حدثنا الحسن بن عرفة، برقم 3529، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2798
5
مسند أحمد، 11/ 437، برقم 6851، واللفظ له، والبخاري في الأدب المفرد، ص 413، برقم 1204، وأبو يعلى، 1/78، برقم 77 ، والضياء المقدسي في المختارة، 1/113، وقال: إسناده صحيح، وصححه لغيره محققو المسند، 11/ 438، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص 489، برقم 918
29
أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، برقم 5067، والترمذي، كتاب الدعوات، باب من حدثنا محمود بن غيلان، برقم 3392، والضياء في المختارة، 1/113، برقم 30، وقال: إسناده صحيح، وابن أبي شيبة، 5/322، برقم 26523، والحاكم، 1/694، وقال: صحيح الإسناد، والبخاري في الأدب، المفرد، ص 412، برقم 1202، والدارمي، 2/378، برقم 2689، وابن حبان، 3/242، برقم 962، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 4402، والصحيحة، برقم 2753
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .