1- قوله: «يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ»: قال الشيخ عطية محمد سالم : «السنة بعد أن ينتهي سامع الأذان من حكاية المؤذن أن يصلي، ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم سراً، كما حكى ألفاظ المؤذن، وكذلك المؤذن حينما يفرغ من الأذان بصوته العالي الذي ينادي به الناس، يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم سراً ليكون ممتثلاً، وكما يقول السامع للأذان ذلك، كذلك أيضاً المؤذن» (2) . 2- قوله: «إذا سمعتم المؤذن»: السمع: قوة في الأذن به يدرك الأصوات، وفعله يقال له السمع أيضا (3) ، والمؤذن: كل من يعلم بشيء نداءً (4) . 3- قوله: «يقول مثل ما يقول المؤذن»، والمثلية هنا ليست في الهيئة والكيف، ولكن في اللفظ فقط؛ لأن المؤذن يقول بصوت مرتفع ليسمع الآخرين، ولكن نحن إذا كنا في المسجد أو في الطريق أو في البيت أو في أي مكان إنما نحكي قول المؤذن لأنفسنا لا للغير؛ لأننا لا ننادي أحداً يأتي إلينا (5) . 4- «ثم صلوا عليّ» أي: بقولكم: اللَّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللَّهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (6) . 5- قوله: «فإنه من صلّى عليَّ»: قال القاضي عياض : «هو - واللَّه أعلم - لمن صلَّى عليه مُحتسباً، مخلصاً، قاضياً حقه بذلك، إجلالاً لمكانه، وحُباً فيه، لا لمن قصد بقوله ودعائه ذلك مجرد الثواب، أو رجاء الإجابة لدعائه بصلاته عليه، والحظ لنفسه، وهذا فيه عندي نظر» (7) . 6- قوله: «صلى اللَّه عليه بها عشرًا»: والصواب كما قال أبو العالية: «صَلَاةُ اللَّهِ: ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ، وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الدُّعَاءُ» (8) ، وقال العلامة السخاوي : «ثواب الصلاة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لمن صلَّى عليه من صلاة اللَّه عز وجل، وملائكته، ورسوله، وتكفير الخطايا، وتزكية قيراط مثل أحد من الأجر، والكيل بالمكيال الأوفى، وكفاية أمر الدنيا والآخرة؛ لمن جعل صلاته كلها صلاة عليه، ومحو الخطايا، وفضلها على عتق الرقاب، والنجاة بها من الأهوال وشهادة الرسول بها» (9) . 7- قوله: «الوسيلة»: قال القاضي عياض : «فسَّرها في الحديث أنها منزلةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم فى الجنة، قال أهل اللغة: الوسيلة: المنزلة عند الملك، وهي مشتقة - واللَّه أعلم - من القرب، توسَّل الرجلُ للرجل بكذا إذا تقَرَّب إليه، وتوسَّل إلى ربه بطاعته تقَرَّب إليه بها» (10) . 8- قوله: «فإنها منزلة في الجنة»: قال الطيبي : «لأن الواصل إليها يكون قريباً من اللَّه تعالى، فائزاً بلقائه، مخصوصاً من بين سائر الدرجات بأنواع المكرمات» (11) . 9- قوله: «أرجو أن أكون أنا هو»: قال ذلك تواضعًا، وتذللًا لربه عز وجل، قال المناوي : «أي أنا ذلك العبد، وذكره على طريق الترجي، تأدباً، وتشريعاً؛ لأنه إذا كان أفضل الأنام، فلمن يكون ذلك المقام، قال الطيبي: قيل إن هو: خبر كان وضع بدل إياه، ويحتمل أن لا يكون أنا للتأكيد؛ بل مبتدأ، وهو خبر والجملة خبر أكون، ويمكن أن هذا الضمير وضع موضع اسم الإشارة: أي أن أكون أنا ذلك العبد» (12) . 10- قوله: «حلت» أي: وجبت من غير إلزام على اللَّه ﻷ، قال ابن الأثير : «هِيَ بِمَعْنَى غَشِيَتْه ونَزَلت بِهِ» (13) . 11- قوله: «ثم سلوا اللَّه لي الوسيلة»: قال ابن الملقن : «قيل: إنها الشفاعة، وقيل: القرب من اللَّه تعالى» (14) ،. وقال العيني : «سلوا اللّه لأجلي الوسيلة؛ الوسيلة: فعيلة؛ وهو في اللغة: ما يتقرب به إلى الغير؛ وجمعها: وسُل ووسائلُ؛ يقال: وَسَل فلان إلى ربّه وَسيلةً وتوسل إليه بوَسيلة إذا تقرب إليه بعملِ» (15) . 12- قوله: «لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللَّه»: قال العيني : «تَنبغي، ويَنبغى من أفعال المُطاوعة يقولُ: بغَيته فانبغى، من بغيتُ الشيء طلبتُه، ويقال: انبغى لك أن تفعل كذا، أي: طاوعك وانقادَ لك فعلُ كذا، ...لا يَنبَغي... أي: لا يحصل ولا يتأتى؛ ولا يُستعملُ فيه غيرُ هذين الَلفظين، ويُقال: معنى لا ينبغي: لا يَسهلُ ولا يكون» (15) .
ما يستفاد من الحديث:
1- استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد متابعة ألفاظ الأذان مع المؤذن . 2- صلاة العبد على نبيه تشريف وتعظيم لشأنه، ويدخل في ذلك نصر سنته بعد موته وإظهارها في زمن الغربة. 3- مضاعفة الحسنات بالأعمال اليسيرة التي يصاحبها الإخلاص والمتابعة. 4- إثبات شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للخلق، والرد على من أنكرها من أهل الزيغ والأهواء والبدع. 5- قول بعض المؤذنين أشهد أن سيدنا محمد رسول اللَّه، وكذا قول بعضهم حي على خير العمل مرتين بعد الحيعلتين، كل هذا لا أصل له، وهو من المحدثات والبدع. 6- صلاة اللَّه على نبيه: هي ثناؤه ورضوانه عليه، وصلاة الملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم: هي دعاء له ورفع لذكره. 7- صلاة المسلم على نبيه: اقتداءً باللَّه وملائكته (16) ، وجزاء له على بعض حقوقه على المسلمين، وتكميلاً لإيمانهم، وزيادة في حسناتهم، وتكفيراً لسيئاتهم (17) . 8- بصلاة اللَّه وملائكته على النبي صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى، وبصلاة أهل التوفيق من المسلمين والمؤمنين في الأرض يجتمع للنبي صلى الله عليه وسلم الثناء عليه في العالَمَيْن: السفلي والعلوي، وقال العلامة السخاوي : «فيظهر أن المراد به الملأ الأعلى، وهم الملائكة؛ لأنهم يسكنون السموات، والجن هو الملأ الأسفل؛ لأنهم سكان الأرض، وأما المصطفين... فهم المختارون من أبناء جنسهم، فعلى هذا هم من الرسل أربعة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، أولوا العزم، وهو أعني محمداً صلى الله عليه وسلم سيدهم ومن الملائكة جماعة كثيرون كحملة العرش، وجبرئيل، وميكائيل، ومن شهد بدراً وغيرهم. وقيل: المصطفون هم الذين اتخذهم صفوة، فصفّاهم من الأدناس، وقيل: هم الذين وحّدوه، وآمنوا به، قاله ابن عباس، وقيل: هم أصحابه، وقيل: هم أمته، أما المقربون فالمراد بهم: الملائكة، واختلف فيهم، فعن ابن عباس هم حملة العرش... وقيل: هم السابقون إلى الإسلام، وعن مقاتل: السابقون هم من سبق إلى الأنبياء بالإيمان، وقيل: هم الصديقون، واللَّه أعلم» (18) ، والسابقون من أمة النبي صلى الله عليه وسلم هم الذين قاموا بالواجبات، وابتعدوا عن المحرمات، وعملوا المستحبات، وتركوا المكروهات (19) .
6
البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: ﴿إنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ... ﴾، برقم 4797، وهذه هي أفضل الصيغ وتعرف بالصلاة الإبراهيمية وهي التي تقال في النصف الثاني من التشهد الأخير وتجزئ صيغ أخرى، راجع ذلك في موطنه مثل جلاء الأفهام لابن القيم وغيره
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .