1- قوله: أمسينا » أي: دَخَلَنا فِي المساء... أَيْ أمسينا مُتلَبِسِينَ بِحِفْظِكَ، أَوْ مَغْمُورِينَ بِنِعْمَتِكَ، أَوْ مُشْتَغِلِينَ بِذِكْرِكَ، أَوْ مُسْتَعِينِينَ بِاسْمِكَ، أَوْ مَشْمُولِينَ بِتَوْفِيَتِكَ، أَوْ مُتَحَرِّكِينَ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ، أَوْ مُتَقَلِّبِينَ بِإِرَادَتِكَ، وقدرتك (4) . 2- قوله: «وأمسى الملك للَّه (5) : قال ابن هبيرة : «في هذا الحديث خيرٌ، وبركةٌ، وتعليمٌ لهذه الكلمات، وهي تشتمل على معانٍ، منها: أنه إذا أمسى، وإذا أصبح يُقرُّ بأنّ الملك للَّه ... والمُلك حقيقةً للَّه عز وجل، وأن المُلْك للَّه عز وجل ملكًا، وولايةً، واستحقاقًا، فإذا قال العبد ذلك، واعتقده بقلبه، خرج من قلبه تعظيمُ ملوك الدنيا، ثم أتبع ذلك بالحمد للَّه، وذلك على نعمه الكثيرة التي لا تُحصَى، منها: انفراد اللَّه تعالى بالمُلك، فإن المَلِكَ يغار من أن يكون المُلْك إلاّ له وحده، فإذا قضى سبحانه وتعالى بما يوافق محبة المؤمن، تعيَّن على المؤمن أن يحمد اللَّه تعالى على ذلك القضاء (6) . 3- قوله: والحمد للَّه أي: الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما فله الحمد وحده على ذلك، قال الإمام ابن القيم : «الحمد، هو: الإخبار بمحاسن المحمود على وجه المحبة له» (7) . 4- قوله: لا إله إلا اللَّه أي: لا معبود بحق إلا اللَّه، وفيها نفي لجميع المعبودات، وهي لا إله، ثم إثبات العبادة لله وحده، من قوله إلا اللَّه، قال العلامة ابن عثيمين : «يعني: لا معبود بحق إلا اللَّه سبحانه وتعالى، وألوهية اللَّه فرع عن ربوبيته؛ لأن من تأله للَّه فقد أقر بالربوبية؛ إذ إن المعبود لابد أن يكون رباً، ولا بد أن يكون كامل الصفات... أي: تعبّدوا له، وتوسّلوا بأسمائه إلى مطلوبكم» (8) . 5- قوله: «وحده لا شريك له»، قال المناوي: «لا إله منفرد إلا هو وحده، لا شريك له عقلاً ونقلاً، ... وهو تأكيد لقوله: «وحده»؛ لأن المتصف بالوحدانية لا شريك له» (9) . 6- قَوْلُهُ: «لَهُ الْمُلْكُ»: تَخْصِيصٌ لَهُ بِالْمُلْكِ، وَالْحَمْدِ، لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْجِنْسِ، فَجُعِلَ جِنْسُ الْمُلْكِ، وَهُوَ جَمِيعُهُ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا مُلْكَ لِأَحَدٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلَّا لَهُ» (10) . 7- قوله: «وله الحمد»: أي الحمد المطلق، فهو محمود في السراء حمد شكر، وفي الضراء حمد تفويض». 8- قوله: «وهو على كل شيء قدير»: قال ابن جرير : «وهو على إحيائكم بعد مماتكم، وعقابكم على إشراككم به الأوثانَ وغير ذلك مما أراد بكم، وبغيركم قادرٌ» (11) ، وقال الإمام ابن القيم : «... فأزمّة الأمور كلها بيده، ومدار تدبير الممالك كلها عليه، وهذا مقصود الدعوة، وزبدة الرسالة» (12) . 9- قوله: رب أسألك خير ما في هذا اليوم» ،وقوله: «مِنْ خَيْرِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ: الخير هنا يشمل كل نفع في الدين، والذي يترتب عليه زيادة الإيمان، ويشمل كذلك كل نفع دنيوي يكسبه العبد، قال الطيبي : «(من خير هذه الليلة) أي: من خير ما ينشأ فيها، و(خير ما فيها)، أي: خير ما سكن فيها، قال اللَّه تعالى: ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾سورة الأنعام، الآية: 13 » (13) . وقال القاري : «أَيْ: ذَاتِهَا عَيْنِهَا «وَخَيْرِ مَا فِيهَا» قَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ: مِنْ خَيْرِ مَا يَنْشَأُ فِيهَا، وَخَيْرِ مَا يَسْكُنُ فِيهَا... وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ مِمَّا أَرَدْتَ وُقُوعَهُ فِيهَا لِخَوَاصِّ خَلْقِكَ مِنَ الْكَمَالَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَخَيْرُ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أُمِرْنَا بِهَا فِيهَا، أَوِ الْمُرَادُ خَيْرُ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي قَارَنَ وَجُودُهَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَخَيْرُ كُلِّ مَوْجُودٍ الْآنَ» (14) . 10- قوله: وخير ما بعده (15) أي: من الأيام التالية، كي يتحقق لي السلامة والتوفيق، قال ابن منظور : «بَعْدَ: كَلِمَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الشَّيْءِ الأَخير، تَقُولُ: هَذَا بَعْدَ هَذَا...بَعْدَ نَقِيضُ قَبْلَ» (16) . 11- قوله: وأعوذ بك من شر هذا اليوم أي: ألتجئ إليك، وأعتصم بك من طوارق الليل والنهار، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «وَالِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِه،ِ وَسَيِّئَاتِ عَمَلِهِ، وَالدُّعَاءُ بِذَلِك فِي الصَّبَاحِ وَالْمُسَاءِ، وَعِنْدَ الْمَنَامِ» (17) ، وقال في موضع آخر: «وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِهِ، وَسَيِّئَاتِ عَمَلِهِ، وَيَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى طَاعَتِهِ، فَبِذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ كُلُّ خَيْرٍ، وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ كُلُّ شَرٍّ» (18) . قوله: «شَرِّ مَا بَعْدَهُ»: قال القاري : «إِشْعَارًا بِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ أَهَمُّ مِنْ جَلْبِ الْمَنَافِعِ» (19) . 12- قوله: «والهرم»: «الهَرَم: الكِبَر، وقَد هَرِم يَهْرَم فهُو هَرِم، جَعَل الْهَرَمَ داءً تَشْبِيهاً به؛ لأنَّ المَوْتَ يَتَعَقَّبه كالأدْوَاء» (20) ، وقال الطيبي : «الهرم: كِبَرُ السن الذي يؤدي إلى تماوت الأعضاء، وتساقط القوى، وإنما استعاذ منه؛ لكونه من الأدواء التي لا دواء لها» (13) . 13- قوله: ربَّ أعوذ بك من الكسل: التواني عن فعل الطاعات مع القدرة على ذلك، قال الطيبي : «الكسل: التثاقل عما لا ينبغي التثاقل عنه، ويكون ذلك لعدم انبعاث النفس للخير، مع ظهور الاستطاعة» (13) . 14- قوله: وسوء الكبر أي: ما يترتب على الكبر من ذهابٍ للعقل، أو خفةٍ فيه، أو عدم سدادٍ في الرأي، ونحو ذلك مما يكرهه الإنسان، قال الطيبي : «الكبر: يُروى بسكون الباء وفتحها، فالسكون بمعنى البَطَر، والفتح بمعنى الهَرَم، والفتح أصح، أقول [القائل الطيبي]: والدراية أيضاً تساعد الرواية؛ لأن الجمع بين البَطَر والهَرَم بالعطف، كالجمع بين الضبِّ والنُّون» (13) ، وقال أيضاً : «والمراد بسوء الكبر: ما يورثه كبر السن من ذهاب العقل، والتخابط في الرأي، وغير ذلك مما يسوء به الحال، أقول [القائل الطيبي]: يمكن أن يُراد بالفقرات كلِّها معنى الترقي، استعاذ أولاً من الكسل، أي أعوذ أن أتثاقل في الطاعة مع استطاعتي، ثم من الهرم الذي فيه سقوط بعض الاستطاعة، فيقوم ببعض وظائف العبادات، ثم من سوء الكِبَر الذي يصير فيه كالحِلْسِ المُلقَى على الأرض، لا يصدر منه شيء من الخيرات» (13) . 15- قوله: «وفتنة الدنيا»: قال القاضي عياض : «وأصل الفتنة الاختبار والامتحان، يقال: فتنت الفضة على النار: إذا خلّصتها، ثم استعمل فيما أخرجه الاختبار للمكروه، ثم كثر استعماله في أبواب المكروه، ... ومنه أعوذ بك من فتنة النار، وقيل: إنها هنا على أصلها، من التصفية... وتكون بمعنى الإزالة والصرف عن الشيء» (21) . 16- قوله: من عذابٍ في النار أي: أيُّ عذابٍ، ولو كان لمدة يسيرة؛ لأنه عذاب أليم، وقال الطيبي : «والتنكير في (عذابٍ) للتهويل والتفخيم» (13) ، وقال ابن هبيرة : «أي: من عذاب النار، ويجوز أن يكون: أي من عذابٍ يكون فيها زيادة على عذابها» (22) . 17- قوله: وعذاب في القبر: لأن القبر هو أول منازل الآخرة، فمن سلم من عذابه سلم هناك وسلم بعده، قال النووي : «الدُّعَاءَ بِالنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَنَحْوِهِمَا عِبَادَةٌ وَقَدْ أَمَرَ الشَّرْعُ بِالْعِبَادَاتِ» (23) . 18- قوله: «أمسينا وأمسى الملك للَّه»: قال الطيبي : «وأمسى: إذا دخل في المساء، وأمسى إذا صار، يعني دخلنا في المساء، وصرنا نحن، وجميع الملك، وجميع الحمدللَّه، أقول [القائل الطيبي]: الظاهر أنه عطفٌ على قوله: (الملك للَّه)، ويدل عليه قوله بعد: (له الملك، وله الحمد)، وقوله: (وأمسى الملك للَّه) حال من (أمسينا)، إذا قلنا: إنه فعل تام، ومعطوف على (أمسينا) إذا قلنا: إنه ناقص، والخبر محذوف لدلالة الثاني عليه، والواو فيه كما في قول الحماسي: فأمسى وهو عريان، قال أبو البقاء: (أمسى) هاهنا الناقصة، والجملة بعدها خبر لها، فإن قلت: خبر كان مثل خبر المبتدأ، لا يجوز أن تدخل عليه الواو، قيل: الواو إنما دخلت في خبر كان؛ لأن اسم كان يشبه الفاعل، وخبرها يشبه الحال، وقوله: (ولا إله إلا اللَّه) عطف على (الحمدللَّه) على تأويل، و(أمسى) الفردانية والوحدإنية مختصين باللَّه، فإن قلتَ: ما معنى (أمسى الملك للَّه) والملك له أبداً، وكذلك الحمد؟ قلتُ: هو بيان حال القائل، أي عرفنا أن الملك، والحمد للَّه لا لغيره، فالتجأنا إليه، واستعنّا به، وخصصناه بالعبادة، والثناء عليه، والشكر له، ثم طلب استمرار ذلك بدخوله في الليل» (24) ، وقال المباركفوري : «أَيْ: دَخَلْنَا فِي الْمَسَاءِ، وَدَخَلَ فِيهِ الْمُلْكُ كَائِنًا لِلَّهِ، وَمُخْتَصًّا بِهِ، أَوِ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ، أَوْ بِدُونِهِ، أَيْ: أَمْسَيْنَا، وَقَدْ صَارَ بِمَعْنَى كَانَ، وَدَامَ الْمُلْكُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: عَطْفٌ عَلَى أَمْسَيْنَا، وَأَمْسَى الْمُلْكُ، أَيْ صِرْنَا نَحْنُ وَجَمِيعُ الْمُلْكِ وجميع الحمد للَّه» (25) .
ما يستفاد من الحديث:
1- المواظبة على هذه الأذكار مع تدبر ما فيها من مقاصد، يجعل قلب المسلم متعلقًا بربه، راجيًا مغفرته، وطامعًا في جنته. 2- تعاقب الليل والنهار من أعظم آيات اللَّه في هذا الكون، وهما مطيتان يجب إحسان السير عليهما إلى اللَّه تعالى. 3- الملك الحقيقي هو مالك الأملاك وخالقها، أما مُلك العبد، فإما أن يزول هو عنه بوفاته، وإما أن يزول الملك عنه بضياعه، أو بانتزاعه. 4- إثبات عذاب القبر، وهو أمر له أدلته من الكتاب والسنة. 5-قال العلامة ابن عثيمين : أما الأنبياء، فلا تشملهم فتنة القبر، ولا يُسألون، وذلك لوجهين: أ – أنهم أفضل من الشهداء، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشهيد يوقى فتنة القبر، وقال: «كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة» (26) . ب – أن الأنبياء يُسأل عنهم، فيقال: من نبيك؟ جـ - والصدّيقون لا تشملهم هذه الفتنة؛ لأنهم أعلى درجة من الشهداء، وهو صدّيق لا يُختبر؛ لأن الاختبار لمن يشك فيه، وقد ذهب بعض العلماء إلى سؤاله لعموم الأدلة. د – والمرابطون لا يسألون لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه وأمن الفتان» (27) . هـ - الصغار والمجانين لا يُسألون؛ لأنهم غير مكلفين، ولا حساب عليهم، وقد قال بعض العلماء: إنهم يفتنون لعموم الأدلة (28) . 6- مما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في معنى هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: أَصْبَحْتُ أُثْنِيَ عَلَيْكَ حَمْدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ثَلَاثًا، وَإِذَا أَمْسَى فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ» (29) .
6
الإفصاح عن معاني الصحاح، 2/ 112، وانظر: شرح معنى أمسينا وأمسى الملك للَّه، في المفردة رقم 18 من هذا الحديث، ففيه زيادة توضيح لمعنى «أصبحنا وأصبح الملك للَّه»
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .