اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك وألجأت ظهري

حصن المسلم | أذكار النوم | اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك وألجأت ظهري

اللَّهُمَّ (1) أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ (1).

Allahumma aslamtu nafsee ilayk, wafawwadtu amree ilayk, wawajjahtu wajhee ilayk, wa-alja/tu thahree ilayk, raghbatan warahbatan ilayk, la maljaa wala manja minka illa ilayk, amantu bikitabikal-lathee anzalt, wabinabiyyikal-lathee arsalt.
‘O Allah, I submit my soul unto You, and I entrust my affair unto You, and I turn my face towards You, and I totally rely on You, in hope and fear of You.Verily there is no refuge nor safe haven from You except with You. I believe in Your Book which You have revealed and in Your Prophet whom You have sent.’ …If you then die, you will die upon the fitrah.’ fitrah: the religion of Islam, the way of Ibraheem .


(1) (إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: ...) الحديث.
(2) قال صلى الله عليه وسلم لمن قال ذلك: (فإن مُتَّ مُتَّ على الفطرة). البخاري مع الفتح، 11/ 113، برقم 6313، ومسلم، 4، 2081، برقم 2710.

شرح معنى اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك وألجأت ظهري

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

377- عنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْصَى رَجُلًا، فَقَالَ: «إِذَا أَرَدْتَ مَضْجَعَكَ، فَقُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَا وَلاَ مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ.
فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الفِطْرَةِ
»(1) .
378- وفي رواية للبخاري: «إِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الفِطْرَةِ، فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ»(2) .
379- وفي رواية للبخاري أيضاً: «فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ»(3) 380- وفي لفظ للبخاري: «يَا فُلاَنُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَقُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ، وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ فِي لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ أَجْرًا»(4) .
381- ولفظ مسلم: عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ب، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَى مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، وَاجْعَلْهُنَّ مِنْ آخِرِ كَلَامِكَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، مُتَّ وَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ» قَالَ: فَرَدَّدْتُهُنَّ لِأَسْتَذْكِرَهُنَّ فَقُلْتُ: آمَنْتُ بِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، قَالَ: «قُلْ: آمَنْتُ بِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ».
وفي رواية: «يَا فُلَانُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ» بِمِثْلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنْ أَصْبَحْتَ، أَصَبْتَ خَيْرًا»، وفي رواية زاد: «وَإِنْ أَصْبَحَ أَصَابَ خَيْرًا»(5) .
382- وفي لفظ للنسائي: عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ب، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَقُولُ يَا بَرَاءُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ طَاهِرًا فَتَوَسَّدْ يَمِينَكَ ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَى مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»، فَقُلْتُ كَمَا قَالَ، إِلاَّ أَنِّي قُلْتُ: وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ قَالَهَا مِنْ لَيْلَتِهِ ثُمَّ مَاتَ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ»(6) .

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «اللَّهم أسلمت نفسي إليك»(7) : أي: جعلت نفسي مُسَلَّمة لك منقادة لأمرك ونهيك؛ لأنني ليس لي طاقة على معرفة ما يصلحها ويزكيها، قال النووي : «أَيْ: اسْتَسْلَمْتُ، وَجَعَلْتُ نَفْسِي مُنْقَادَةً لَكَ، طائعة لحكمك، قال العلماء: الوجه، وَالنَّفْسُ هُنَا بِمَعْنَى الذَّاتِ كُلِّهَا، يُقَالُ: سَلَّمَ، وَأَسْلَمَ، وَاسْتَسْلَمَ بِمَعْنًى»(8) .
2- قوله: «ووجهت وجهي إليك»: قال القرطبي : «أي: صوَّبت وجهي، وأخلصت في عبادتي»(9) ، وقال الرافعي : «وجهت وجهي: أي: قصدت بعبادتي وتوحيدي... ويقال: وجهي إليه أي: قصدي إليه»(10) .
3- قوله: «وفوضت أمري إليك»: أي: توكلت عليك في أمري كله، قال ابن الأثير : «أَيْ: رَدَدْتُه، يُقَالُ: فَوَّضَ إِلَيْهِ الأمْر تَفْوِيضاً إِذَا رَدّه إِلَيْهِ، وَجَعَلَهُ الْحَاكِمَ فِيهِ»(11) .
4- قوله: «وألجأت ظهري إليك»: أي: اعتمدت في أموري عليك، وإنما خص الظهر؛ لأن العادة جرت أن الإنسان يعتمد بظهره إلى ما يستند إليه.
قال الطيبي : «أي: بعد تفويض أموره- التي هو مفتقر إليها، وبها معاشه، وعليها مدار أمره- يلتجئ إليه مما يضره، ويؤذيه من الأسباب الداخلة والخارجة»(12) .
5- قوله: «رغبة ورهبة إليك»: أي: رغبة في ثوابك، ورهبة من عقابك، قال الشوكاني : «رَغْبَة ورهبه إِلَيْك، الرَّغْبَة فِي ثوابك ومغفرتك، والرهبة من عقابك وسخطك»(13) .
6- قوله: «لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك»: أي: لا مفر، ولا مهرب من عذابك، وعقابك إذا وقع علينا بما كسبت أيدينا، إلا بالفزع، واللجوء إليك, وهذا كقوله: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾(14) ، وقوله: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾(15) ، قال العلامة ابن قيم الجوزية : «فمنه المنجى، وإليه الملجأ، وبه الاستعاذة من شر ما هو كائن بمشيئته، وقدرته، فالإعاذة فعله، والمستعاذ منه فعله، أو مفعوله الذي خلقه بمشيئته»(16) .
7- قوله: «آمنت بكتابك الذي أنزلت»: أي: القرآن، وقد يكون المراد جنس ما أنزل اللَّه من الكتب السابقة(17) .
8- قوله: «وبنبيِّك الذي أرسلت»: أي: محمد صلى الله عليه وسلم آمنت به، وبكل ما صحّ عنه، وأنه لا ينطق عن الهوى، فهو أمين من في السماء، قال الإمام النووي : «اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَبَبِ إِنْكَارِهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَدِّهِ اللَّفْظَ فَقِيلَ إِنَّمَا رَدَّهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ آمَنْتُ بِرَسُولِكَ يَحْتَمِلُ غَيْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ، وَاخْتَارَ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ سَبَبَ الْإِنْكَارِ أَنَّ هَذَا ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ، فَيَنْبَغِي فِيهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى اللَّفْظِ الْوَارِد بِحُرُوفِهِ، وَقَدْ يَتَعَلَّق الْجَزَاء بِتِلْكَ الْحُرُوف، وَلَعَلَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ الْكَلِمَات، فَيَتَعَيَّن أَدَاؤُهَا بِحُرُوفِهَا، وَهَذَا الْقَوْل حَسَن، وَقِيلَ: لِأَنَّ قَوْله: «وَنَبِيّك الَّذِي أَرْسَلْت» فِيهِ جَزَالَة مِنْ حَيْثُ صَنْعَة الْكَلَام، وَفِيهِ جَمْع النُّبُوَّة وَالرِّسَالَة، فَإِذَا قَالَ رَسُولك الَّذِي أَرْسَلْت، فَإِنَّ هَذَا الْأَمْر مَعَ مَا فِيهِ مِنْ تَكْرِير لَفْظ (رَسُول وَأَرْسَلْت) أَهْل الْبَلَاغَة يَعِيبُونَهُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّل شَرْح خُطْبَة هَذَا الْكِتَاب [يقصد الإمام النووي شرحه على صحيح مسلم] أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ الرِّسَالَة النُّبُوَّة، وَلَا عَكْسه، وَاحْتَجَّ بَعْض الْعُلَمَاء بِهَذَا الْحَدِيث لِمَنْعِ الرِّوَايَة بِالْمَعْنَى، وَجُمْهُورهمْ عَلَى جَوَازهَا مِنَ الْعَارِف، وَيُجِيبُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيث بِأَنَّ الْمَعْنَى هُنَا مُخْتَلِف، وَلَا خِلَاف فِي الْمَنْع إِذَا اِخْتَلَفَ الْمَعْنَى»(8) .
9- قوله: «إذا أخذت مضجعك»: وفي رواية أردت: أي أردت أن تنام، قال الإمام النووي : «مَعْنَاهُ: إِذَا أَرَدْتَ النَّوْمَ فِي مَضْجَعِكَ، فَتَوَضَّا وَالْمَضْجَعُ بِفَتْحِ الْمِيمِ»(8) .
10- قوله: «فتوضا وضوءك للصلاة»: وهذا على سبيل الاستحباب، وليس الوجوب، والمراد بالوضوء هو الوضوء الكامل بأركانه وشروطه(18) ، ويتأكد الوضوء للجنب، وقد يكون هذا الوضوء وأفعاله إلى الغسل، فينام وهو على طهارة تامة، وفي رواية لأبي داود، والنسائي: «إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ طَاهِرًا فَتَوَسَّدْ يَمِينَكَ»(19) .
11- قوله: «اضطجع على شقك الأيمن»: أي: نم على جانبك الأيمن، قال الإمام النووي : «النَّوْمُ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ إلى الانتباه»(8) .
12- قوله: «فإن مت»: أي: في ليلتك هذه، قال ابن الأثير : «الْمَوْتُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُطلق عَلَى السُّكُونِ... والْمَوْتُ يقعُ علَى أَنْوَاعٍ بحَسَب أنواعِ الحياةِ، فَمِنْهَا مَا هُوَ بإزَاءِ القُوّةِ النَّامِيَةِ الموجودة فى الحيوان والنّبات...ومنها زوالُ القُوَّةِ الحِسِّيَّةِ... وَمِنْهَا زوالُ القُوَّةِ الْعَاقِلَةِ، وَهِيَ الجَهالة... وَمِنْهَا الحُزْنُ، والخَوْف المكَدِّرُ للحياةِ... وَمِنْهَا المنَام... وَقَدْ قِيلَ: المنامُ: المَوْتُ الخفيفُ، والمَوْتُ: النَّومُ الثَّقيل»(20) ، وقال الصنعاني : «ولما كان النوم أخاً للموت، حسن النوم على أكمل براءة من الشرك»(21) .
13- قوله: «مت على الفطرة»: أي: دين الإسلام الذي ارتضاه اللَّه لنفسه؛ ولمن اصطفى من خلقه، قال الحافظ ابن حجر : «أي: عَلَى الدِّين القَوِيم مِلَّة إِبراهِيم ، فَإِنَّهُ عليه السلام أَسلَمَ واستَسلَمَ ، قالَ الله تَعالَى عَنهُ: ﴿إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾(22) ، وقالَ عَنهُ: ﴿أَسلَمت لِرَبِّ العالَمِينَ﴾(23) ، وقالَ: ﴿فَلَمّا أَسلَما﴾(24) ، وقالَ ابن بَطّال وجَماعَة: المُراد بِالفِطرَةِ هُنا دِين الإِسلام ، وهُو بِمَعنَى الحَدِيث الآخَر: «مَن كانَ آخِر كَلامه لا إِلَه إِلاَّ الله دَخَلَ الجَنَّة(25) »(26) ، وقال القرطبي صاحب المفهم: «أي: على دين الإسلام، كما قال في الحديث الاخر: «من كان آخر كلامه: لا إله إلا اللَّه دخل الجنة»(27) ، هكذا قال الشيوخ في هذا الحديث، وفيه نظر؛ لأنَّه: إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرناها من التوحيد، والتسليم، والرضا إلى أن يموت على الفطرة، كما يموت من قال: لا إله إلا الله، ولم يخطر له شيء من تلك الأمور، فأين فائدة تلك الكلمات العظيمة، وتلك المقامات الشريفة؟.
فالجواب: أن كلاً منهما -وإن مات على فطرة الإسلام - فبين الفطرتين ما بين الحالتين، ففطرة الطائفة الأولى: فطرة المقرَّبين والصديقين، وفطرة الثانية: فطرة أصحاب اليمين»(28) .
14- قوله: «وإن أصبحت أصبت أجرًا»: أصبح: أي: دخل في الصباح، أو كاد، قال الباجي : «أَصْبَحْت: بِمَعْنَى: أَنَّك قَارَبْت الصَّبَاحَ، وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى تَمَكُّنِ الصَّبَاحِ»(29) ، والإصابة الموافقة، والأخذ، فمن أصاب شيئاً ناله وأخذه، قال القاضي عياض : «وأصل الإصابة: الأخذ، يقال: أصاب من الطعام إذا أكل منه، ... وقوله في حديث الإسراء: «فاخترت اللبن»، فقال: أصبت أصاب اللَّه بك»(30) ، أي: قصدت طريق الهدى، ووجهه، ووجدته، وفعلت الصواب، أو أصبت الفطرة ... أو الملة، قال ثعلب: والإصابة الموافقة»(31) ، وقال القسطلاني : «بالجيم الساكنة بعد الهمزة أي أجرًا عظيمًا فالتنكير للتعظيم»(32) .
15- قوله: «وإِن أَصبَحَ أَصابَ خَيرًا»: أَي: صَلاحًا فِي المال وزِيادَة فِي الأَعمال»(26) ، وقال القرطبي صاحب المفهم : «أي: صلاحاً في ذلك، وزيادة في أجرك، وأعمالك»(33) ، وقال الإمام النووي : «أي: حصل لك ثواب هذه السنن، واهتمامك بالخير، ومتابعتك أمر اللَّه ورسوله»(8) .

ما يستفاد من الحديث:

1- اشتمل هذا الحديث على سنن ثلاث: أ – الوضوء عند إرادة النوم، ولذلك مقاصد: - الاستعداد للموت بكونه طاهر البدن، وهذا يدفعه لطهارة القلب.
- يرجى له أن تكون رؤياه أصدق من غيره.
- الأمن من تلاعب الشيطان به أثناء نومه.
ب – النوم على الشق الأيمن وله فوائد منها: - أنه أسرع للانتباه، وقال الحافظ ابن حجر: «وخص الأيمن؛ لفوائد، منها: أنه أسرع إلى الانتباه، ومنها أن القلب متعلق إلى جهة اليمين، فلا يثقل بالنوم، ومنها: قال ابن الجوزي: هذه الهيئة نص الأطباء على أنها أصلح للبدن، قالوا: يبدأ بالاضطجاع على الجانب الأيمن ساعة، ثم ينقلب إلى الأيسر؛ لأن الأول سبب لانحدار الطعام، والنوم على اليسار يهضم لاشتمال الكبد على المعدة»(34) .
قال الإمام العيني : «الحكمة على الجانب الأيمن، وهي أن القلب في جهة اليسار، فإذا نام على اليسار استغرق في النوم لاستراحته بذلك، وإذا نام على جهة اليمين تعلق في نومه، فلا يستغرق»(35) .
- أن ذلك سبب لانحدار الطعام.
- الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يحب التيامن في أمره كله.
جـ - ذكر اللَّه ليكون ختامًا لعمل خلط فيه الصالح بالطالح(36) .
2- العبد محتاج إلى ربه في كل أحواله، مفتقر إلى رحمته حتى بعد الموت.
3- المسلم في حياته يكون بين الرغبة والرهبة، وهذا هو هدي الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه، قال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾(37) .
4- استحباب كون هذا الذكر هو آخر ما يتكلم به المسلم، ويجعله ختامًا لأذكار النوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للبراء رضي الله عنه: «واجعلهن آخر ما تتكلم به»(38) .
5- قال الحافظ ابن حجر : وقد ختم البخاري كتاب الوضوء بهذا الحديث؛ لأنه هو آخر وضوء يتوضؤه المكلف في اليقظة؛ ولقوله: «واجعلهن آخر ما تقول»، فأشعر بذلك بختم الكتاب(39) .
6- مما ورد في فضل النوم على وضوء غير حديث الباب ما يلي: أ – قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ بَاتَ طَاهِرًا بَاتَ فِي شِعَارِهِ مَلَكٌ, فَلاَ يَسْتَيْقِظُ إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِفُلاَنٍ, فَإِنَّهُ بَاتَ طَاهِرًا»(40) ، والشعار هو ما يلي بدن الإنسان من ثوب وغيره.
ب – قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَبِيتُ طَاهِرًا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ، فَيَتَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»(41) ، والمراد بالتعارِّ هنا هو الاستيقاظ.
7- جاء عند البخاري ومسلم زيادة فضل لقائل هذا الذكر المبارك وهي قوله صلى الله عليه وسلم: «وإن أصبحت أصبت أجرًا»(42) ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «وإن أصبح أصاب خيرًا»(43) ، والمعنى أن قائله إن لم يمت في نومته هذه فإنه قد أصاب أجر اتباع السنة، والاتباع للسنة كله خير وبركة.
8- لمَّا علم النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب ب هذه الكلمات قال البراء: فرددتهن لأستذكرهن – أي أمام النبي صلى الله عليه وسلم - فقال الذكر تامًّا إلا أنه قال: وبرسولك الذي أرسلت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا، ونبيك الذي أرسلت».
قال الحافظ في الفتح: وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال بالقياس فيستحب المحافظة على اللفظ الذي وردت به وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله أُوحي إليه بهذه الكلمات فيتعين أداؤها بحروفها(44) .
9- مما يسن فعله، إضافة إلى ما مضى من أذكار النوم، هو جعل السواك عند رأس النائم؛ لرواية ابْنِ عُمَرَ ب، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَنَامُ إِلَّا وَالسِّوَاكُ عِنْدَهُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ»(45) ؛ وفي رواية أخرى: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَنَامُ إِلَّا وَالسِّوَاكُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ»(46) .
لأن السواك من أسباب رضا اللَّه عن العبد؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب»(47) .

1 البخاري، برقم 6313، ومسلم، برقم 2710
2 البخاري، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا نام، برقم 6310
3 البخاري، كتاب الغسل، باب فضل من مات على الوضوء، برقم 247
4 البخاري، كتاب التوحيد، باب قول اللَّه تعالى: ﴿أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ﴾ النساء: 166، برقم 7488
5 مسلم، برقم 2710
6 سنن النسائي الكبرى، كتاب عمل اليوم والليلة، وما يقول من يفزع من منامه، برقم 10619
7 هذا لفظ البخاري في «الدعوات»، برقم 6313
8 شرح النووي على صحيح مسلم، 17/ 33
9 المفهم ، لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 7/ 34
10 شرح مسند الشافعي، 1/ 314
11 النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 479، مادة (فوض)
12 شرح المشكاة للطيبي: الكاشف عن حقائق السنن، 6/ 1874
13 تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين، ص 135
14 سورة التكوير، الآية: 26
15 سورة الذاريات، الآية: 50
16 إغاثة اللهفان، 1/ 27
17 انظر فتح الباري، 11/ 111
18 العلم الهيب، ص 183
19 أبو داود، برقم 5047، والنسائي في الكبرى، برقم 10619، وصححه الألباني في صحيح الكلم الطيب، ص 25
20 النهاية في غريب الحديث والأثر، 4/ 369، مادة (موت)
21 التنوير شرح الجامع الصغير، 1/ 511
22 سورة الصافات، الآية: 84
23 سورة البقرة، الآية: 131
24 سورة الصافات، الآية: 103
25 أخرجه أبو داود، برقم 3116، وأحمد، برقم 22034، وصححه محققو المسند، 36/ 363، والألباني في صحيح الجامع، 5/432
26 فتح الباري، 11/ 111
27 أخرجه أحمد، برقم 22034، وأبو داود برقم 2945، والحاكم، 1/ 351، وقال: «صحيح الإسناد ولم يخرجاه»، وصححه محققو المسند، 36، 363، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، 6379
28 المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 2/ 400
29 المنتقى شرح الموطأ، للباجي، 1/ 103
30 مسلم، كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول اللَّه  السموات وفرض الصلوات، برقم 164
31 مشارق الأنوار على صحاح الآثار، 2/ 51
32 إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، 10/ 432
33 المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 2/ 94
34 انظر: فتح الباري، 11/ 110
35 عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 11/ 370
36 انظر: فتح الباري لابن حجر، 11/ 109 وما بعدها، وشرح النووي على صحيح مسلم، 18/ 33
37 سورة الأنبياء، الآية: 90
38 البخاري، برقم 247
39 انظر: فتح الباري، 1/ 358
40 السنن الكبرى للنسائي، كتاب عمل اليوم والليلة، ثواب من أوى طاهراً إلى فراشه يذكر اللَّه تعالى حتى تغلبه عيناه، برقم 10644، واللفظ له، وصحيح ابن حبان، 3/ 328، برقم 1051، وأبو داود، كتاب الأدب، باب في النوم على طهارة، برقم 5042، والبيهقي في الدعوات الكبير، 1/ 446، وقال محقق صحيح ابن حبان: «رجاله رجال الصحيح»، وصححه الألباني في التعليقات الحسان، برقم 1048، والسلسلة الصحيحة، برقم 2539
41 السنن الكبرى للنسائي، كتاب عمل اليوم والليلة، ثواب من أوى طاهرا إلى فراشه يذكر اللَّه تعالى حتى تغلبه عيناه، برقم 10644، وصححه الألباني في صحيح الترهيب والترغيب، برقم 598
42 البخاري، كتاب التوحيد، باب قول اللَّه تعالى: ﴿أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ﴾ ، برقم 7488
43 مسلم، برقم 3710
44 فتح الباري، 11/ 112
45 مسند أحمد، 10/ 187، برقم 5979، وأبو يعلى، 10/ 121، برقم 5749، وحسنه محققو المسند، ومحقق أبي يعلى، والألباني في السلسلة الصحيحة، برقم 2111
46 مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر، ص 110، وحسنه العلامة الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته،برقم 4872
47 البخاري موقوفاً، كتاب الصوم، باب السواك الرطب واليابس للصائم، قبل الحديث رقم 1934، وابن ماجه، كتاب الطهارة وسننها، باب ثواب الطهور، برقم 289، والنسائي، كتاب الطهارة، باب الترغيب في السواك، برقم 5، وصححه الألباني، في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 209

قم بقراءة المزيد من الأذكار والأدعية




قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Saturday, August 9, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب