اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا

حصن المسلم | من أدعية الاستسقاء | اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا

اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا (1).

Allahumma aghithna, allahumma aghithna, allahumma aghithna.
‘O Allah, relieve us, O Allah, relieve us, O Allah, relieve us.


(1) البخاري، 1/ 224، برقم 1014، ومسلم، 2/ 613، برقم 897.

شرح معنى اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

581- لفظ البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا»، قَالَ أَنَسٌ: وَلَا وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ، وَلَا قَزَعَةً، وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ، قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ، فَلَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ المقبلة، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ، وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا عَنَّا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ، وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَر»، قَالَ: فَأَقْلَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ، قَالَ شَرِيكٌ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَهُوَ الرَّجُلُ الْأَوَّلُ؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي» (1) .
582- وفي رواية للبخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَبَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم، فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ، وَمِن الْغَدِ، وَبَعْدَ الْغَدِ، وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ، أَوْ قَالَ غَيْرُهُ: فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ، وَغَرِقَ الْمَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلَا عَلَيْنَا»، فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِن السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ، وَصَارَتْ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ، وَسَالَ الْوَادِي قَنَاة شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ» (2) .
583- وفي رواية لمسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إِذْ قَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ، وَفِيهِ: قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا»، قَالَ: فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ إِلاَّ تَفَرَّجَتْ، حَتَّى رَأَيْتُ الْمَدِينَةَ فِي مِثْلِ الْجَوْبَةِ، وَسَالَ وَادِي قَنَاةَ شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلاَّ أَخْبَرَ بِجَوْدٍ» (3) .
584- وفي رواية لمسلم أيضاً: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَامَ إِلَيْهِ النَّاسُ فَصَاحُوا، وَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَحَطَ الْمَطَرُ، وَاحْمَرَّ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الأَعْلَى: فَتَقَشَّعَتْ عَنِ الْمَدِينَةِ، فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوَالَيْهَا، وَمَا تُمْطِرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الإِكْلِيلِ (4) .

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «هلكت الأموال»: المراد بالأموال الماشية والمراد بهلاكهم عدم ما يعيشون عليه من الأقوات المفقودة بحبس المطر، ويدخل في ذلك الناس كما جاءت في روايات أخرى، وقال القرطبي: «قوله: «هلكت الأموال»؛ أي: المواشي، وأصل المال: كل ما يُتَمَوَّل، وعُرْفُه عند العرب: الإبل؛ لأنها معظم أموالهم» (5) .
2- قوله: «وانقطعت السبل»: والمراد بذلك أن الإبل ضعفت لقلة القوت، وقيل: نفاد ما عندهم من الطعام أو قلته، وقال القرطبي: «وقوله: و«انقطعت السبل»؛ أي : الطرق ؛ لهلاك الإبل ، ولعدم ما يؤكل في الطرق» (5) .
3- قوله: «اللهم أغثنا» - بالهمزة رباعيًا، هكذا رويناه- ومعناه: هب لنا غيثًا ، والهمزة فيه للتعدية ، وقال بعضهم : صوابه : غِثْنا ؛ لأنه من غاث.
قال: وأما أغثنا: فإنه من الإغاثة، وليس من طلب الغيث، والأول الصواب، واللَّه أعلم» (6) .
4- قوله: «أن يغيثنا»: غاث اللَّه عباده غيثًا، وغياثًا أي: سقاهم المطر وأغاثهم أي: أجاب دعاءهم.
قال ابن الأثير : «يُقَالُ: غِيثَتِ الْأَرْضُ، فَهِيَ مَغِيثَة، وغَاثَ الغَيْثُ الأرضَ إِذَا أَصَابَهَا، وغَاثَ اللَّهُ البِلاد يَغِيثُها، والسُّؤالُ مِنْهُ: غِثْنَا، ومِن الإِغَاثَة بِمَعْنَى الْإِعَانَةِ: أَغِثْنَا» (7) .
5- قوله: «فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يديه» أي: للدعاء ورفع الناس أيديهم ونظروا إلى السماء.
قال الحافظ ابن حجر : «قَوله: «فَرَفَعَ يَدَيهِ»؛ زادَ النَّسائِيُّ فِي رِوايَة سَعِيد، عَن يَحيَى بن سَعِيد: «ورَفَعَ النّاس أَيدِيهم مَعَ رَسُول اللَّه ث يَدعُونَ»، وزادَ فِي رِوايَة شَرِيك: «حِذاء وجهه»، ولابنِ خُزَيمَةَ مِن رِوايَة حُمَيدٍ عَن أَنَس: «حَتَّى رَأَيت بَياض إِبطَيهِ»، وتَقَدَّمَ فِي الجُمُعَة بِلَفظِ: «فَمَدَّ يَدَيهِ ودَعا»، زادَ فِي رِوايَة قَتادَة فِي الأَدَب: «فَنَظَرَ إِلَى السَّماء» (8) .
6- قوله: «قحط المطر»؛ قال القرطبي : «أي: امتنع وانقطع، وفي البارع (9) : قَحَطَ المطر: بفتح القاف والحاء، وقحط الناسُ: بفتح الحاء وكسرها، وفي الأفعال بالوجهين في المطر، وحُكي: قُحِط الناسِ - بضم القاف وكسر الحاء -، يُقحطون، قحطًا وقحوطًا» (10) .
7- قوله: «لا واللَّه!»: هذا قسم مثل وايم اللَّه، قال القسطلاني : «فلا واللَّه، أي: فلا نرى واللَّه» (11) ، وقال السيوطي : «وكقوله: «إي واللَّه»، و«إنِّي واللَّه، إنَّ شَاءَ اللَّه»، وأمّا تأكيد اليمين في يمينه في موضع، وقوله في آخَر: «وَالَّذي نَفسِي بِيَدِهِ» فإنّما هو ليتعلّم الخَلق التَّصرُّف في ذلك بذكر اللَّه بجميع صفاته العُلَا، وأسمائه الحُسْنَى» (12) .
8- قوله: «من سحاب ولا قزعة»: السحاب أي: المجتمع والقزعة، أي: المتفرق، قال القاضي عياض : «ما في السماء من سحابة، ولا قَزَعَة»، قال الإمام: معناه: قطعة سحاب، وجمعه قَزعٌ، قال أبو عبيد: وأكثر ما يكون في الخريف» (13) .
9- قوله: «سلع»: جبل معروف بالمدينة.
10- قوله: «من بيت ولا دار» أي: يحجبنا عن رؤية السحاب.
قال القاضي عياض : «ما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار»: ويحتمل - واللَّه أعلم - لتحمل الناس عن تلك الجهة، لشدة الجدب، وحزونة الموضع، وطلب الكلأ، والخصب، وسلْع: جبل مشهور بقرب المدينة، بفتح السين وسكون اللام قال في البخارى: هو الجبل الذى بالسوق» (14) .
11- قوله: «رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لحيَتِه» أَيْ: ينزِل ويَقْطُر، وَهُوَ يَتَفَاعَل، من الحُدُور» (15) .
وقال القسطلاني : «الأليق به هنا أن يكون بمعنى مواصلة العمل في مهلة، نحو: تفكّر، وكأن المؤلّف أراد أن يبين أن تحادر المطر على لحيته عليه الصلاة والسلام، لم يكن اتفاقًا إذ كان يمكنه التوقي منه بثوب ونحوه، كما قاله في المصابيح، أو بنزوله عن المنبر أول ما وكف السقف، لكنه تمادى في خطبته حتى كثر نزوله بحيث تحادر على لحيته، كما قاله في الفتح، فترك فعل ذلك قصدًا للتمطر، وتعقبه العيني: بأن، يأتي لمعان: للتكلف، كتشجع لأن معناه كلف نفسه الشجاعة، وللاتخاذ: نحو: توسدت التراب، أي: اتخذته وسادة.
وللتجنب: نحو، تأثم، أي: جانب الإثم، وللعمل: يعني: فيدل على أن أصل الفعل حصل مرة بعد مرة نحو: تجرعته، أي: شربته جرعة بعد جرعة، قال ولا دليل في قوله: حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته، على التمطر الذي هو من التفعل الدال على التكلف، ودعوى أنه قصد التمطر لا برهان عليها، وليس في الحديث ما يدل لها
» (16) .
12- قوله: «مثل الترس» أي: سحابة مستديرة، قال القاضي عياض : «فطلعت سحابة مثل الترس: قال ثابت: لم يرد - واللَّه أعلم - في قدره، لكن في مرحاها واستدارتها، وهو أحمد السحاب عند العرب» (14) .
13- قوله: «فما جعل يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا تفرجت» قال الإمام النحوي ابن مالك : في تعليقه على شواهد الصحيح: «تضمن هذا الكلام وقوع خبر «جعل» الإنشائيةِ جملة فعليه مصدرة بـ(كلما)، وحقه أن يكون فعلاً مضارعًا كغيرها من أفعال باب المقاربة، فيقال: جعلت أفعل كذ, ولا يقال: جعلت كلما شئت فعلت، ولا نحو ذلك» (17) .
14- قوله: «فلما توسطت السماء»: لكي تمطر وتعم الأرض كلها.
15- وقوله: «ثم أمطرت»: من فرق بين مطرت في الرحمة، وأمطرت في العذاب، ومن سوَّى في ذلك، وهو المعروف في كلام العرب، وقد قال اللَّه تعالى: (هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرنَا) (18) ، وإنما زعموا مطر الرحمة» (14) .
16- قوله: «سبتًا» أي: أسبوعًا (19) ، قال القاضي عياض : «السبت: القطعة من الدهر، قال ثابت: والثاني يحملونه على أنه أراد من سبت إلى سبت، وإنما هو القطعة من الزمان، يقال: سَبت من الدهر، وسَبْتَةٌ وَسَنْبَتَة، وقد رواه الداودي: «ستاً»، وفسره: أي ستة أيام من الدهر، أي من الجمعة إلى الجمعة، وهو تصحيف» (14) ، وقال أيضاً: «وأصل السبت القطع، ومنه سُمِّي يوم السبت، قالوا: لأن اللَّه تعالى أمر فيه بني إسرائيل بقطع الأعمال، وقيل: لأن فيه قطع اللَّه بعض خلف الأرض» (14) .
17- قوله: «فما أشار بيده إلى ناحية إلا انفرجت»: أي: انقطعت السحاب، وبان بعضها من بعض، والفرجة - بالضمِّ - الخلل بين الشيئين، وهو معنى قوله في الحديث الآخر: «فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس»: وفيه وشبهه من الأحاديث جواز الاستصحاء إذا احتيج إليه، وأضرَّ المطر بالناس، ولكن ليس فيه بروز ولا صلاة، وفيه إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في الموطنين، وكرامته على ربّه» (20) .
18- قوله: «الآكام»: قال الإمام النووي : «قَالَ أَهْل اللُّغَة: (الْإِكَام) بِكَسْرِ الْهَمْزَة جَمْع أَكَمَة، وَيُقَال فِي جَمْعهَا: آكَام بِالْفَتْحِ وَالْمَدّ، وَيُقَال: أَكَم بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْكَاف، وَأُكُم بِضَمِّهِمَا، وَهِيَ دُون الْجَبَل وَأَعْلَى مِنَ الرَّابِيَة، وَقِيلَ : دُون الرَّابِيَة» (21) .
19- قوله: «والظِّرابُ»: «الروابي الصغار، واحدها ظَرِبٌ، ومنه الحديث: «فإذا حوت مثل الظِّرِبُ» (20) ، وقال الإمام النووي : «وَأَمَّا الظِّرَاب فَبِكَسْرِ الظَّاء الْمُعْجَمَة وَاحِدهَا ظَرْب بِفَتْحِ الظَّاء وَكَسْر الرَّاء، وَهِيَ الرَّوَابِي الصِّغَار» (21) .
20- وقوله: «الإكليل»: «قال أبو عبيد: هو ما أحاط بالظفر من اللحم، والإكليل أيضًا: العصابة» (6) .
21- و قوله: «الجوبة»: «هي الفجوة بين البيوت، والفجوة أيضًاً: المكان المتسع من الأرض، والمعنى: أن السحاب تقطّع حول المدينة مستديرًا، وانكشف عنها حتى باينت ما جاورها مباينة الجوبة لما حولها، وقال الداودي : هي كالحوض المستدير، ومنه قوله: (وَجِفَانٍ كَالجَوَابِ) (22) ، وواحدة الجوابي: جابية» (6) .
22- وقوله: «قناة»: اسم وادٍ من أودية المدينة، وكأنه سمّي مكانه قناة، وقد جاء في غير الكتاب: وسال الوادي قناة شهرًا على البدل» (6) .
23- قوله: «الجَوْد»: «الْمَطَرُ الواسِع الغَزِير، جَادَهُمُ الْمَطَرُ يَجُودُهم جَوْداً، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «تركْتُ أهلَ مَكَّةَ وَقَدْ جِيدُوا»، أَيْ: مُطِرُوا مَطَراً جَوْدًا» (23) .

ما يستفاد من الحديث:

1- «قال المهلب: رفع اليدين في الاستسقاء وغيره مستحب؛ لأنه خضوع وتذلل، وتضرع إلى اللَّه تعالى، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إن اللَّه حيي ، يستحيي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفرًا» (24) ، وذكر ابن حبيب قال: كان مالك يرى رفع اليدين في الاستسقاء للناس والإمام، وبطونهما إلى الأرض، وذلك العمل عند الاستكانة والخوف والتضرع، وهو الرَّهَبُ، وأما الرغبة والمسألة فتبسط الأيدي ، وهو الرَّغَبُ، وهو معنى قول اللَّه ، تعالى: (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا) سورة الأنبياء، الآية: 92 ، خوفًا وطمعًا، وروي عن مالك في المجموعة أنه استحسن رفع الأيدي في الاستسقاء، والحجة له قول أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء» (25) .
2- قوْله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» هَكَذَا هُوَ مُكَرَّر ثَلَاثًا فَفِيهِ اِسْتِحْبَاب تَكَرُّر الدُّعَاء ثَلَاثًا» (26) .
.
3- فِي هَذَا الْفَصْل فَوَائِد مِنْهَا الْمُعْجِزَة الظَّاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي إِجَابَة دُعَائِهِ مُتَّصِلًا بِهِ حَتَّى خَرَجُوا فِي الشَّمْس، وَفِيهِ أَدَبه صلى الله عليه وسلم فِي الدُّعَاء، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْأَل رَفْع الْمَطَر مِنْ أَصْله، بَلْ سَأَلَ رَفْع ضَرَره، وَكَشْفه عَن الْبُيُوت وَالْمَرَافِق، وَالطُّرُق بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّر بِهِ سَاكِن، وَلَا ابْن سَبِيل، وَسَأَلَ بَقَاءَهُ فِي مَوَاضِع الْحَاجَة بِحَيْثُ يَبْقَى نَفْعه، وَخِصْبه، وَهِيَ بُطُون الْأَوْدِيَة، وَغَيْرهَا مِنْ الْمَذْكُور ... وَفِي هَذَا الْحَدِيث اِسْتِحْبَاب طَلَب اِنْقِطَاع الْمَطَر عَلَى الْمَنَازِل وَالْمَرَافِق إِذَا كَثُرَ وَتَضَرَّرُوا بِهِ ، وَلَكِنْ لَا تُشْرَع لَهُ صَلَاة وَلَا اِجْتِمَاع فِي الصَّحْرَاء» (26) .
4- قال الحافظ ابن حجر : «وفِيهِ الأَدَب فِي الدُّعاء، حَيثُ لَم يَدعُ بِرَفعِ المَطَر مُطلَقًا لاحتِمالِ الاحتِياج إِلَى استِمراره، فاحتَرَزَ فِيهِ بِما يَقتَضِي رَفع الضَّرَر، وبَقاء النَّفع، ويُستَنبَط مِنهُ أَنَّ مَن أَنعَمَ اللَّه عَلَيهِ بِنِعمَةٍ لا يَنبَغِي لَهُ أَن يَتَسَخَّطها لِعارِضٍ يَعرِض فِيها، بَل يَسأَل اللَّه رَفع ذَلِكَ العارِض وإِبقاء النِّعمَة» (27) .
5- وقال أيضاً: «وفِيهِ أَنَّ الدُّعاء بِرَفعِ الضَّرَر لا يُنافِي التَّوكُّل، وإِن كانَ مَقام الأَفضَل التَّفوِيض؛ لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كانَ عالِمًا بِما وقَعَ لَهُم مِنَ الجَدب، وأَخَّرَ السُّؤال فِي ذَلِكَ تَفوِيضًا لِرَبِّهِ، ثُمَّ أَجابَهُم إِلَى الدُّعاء لَمّا سَأَلُوهُ فِي ذَلِكَ بَيانًا لِلجَوازِ، وتَقرِير السُّنَّة فِي هَذِهِ العِبادَة الخاصَّة، أَشارَ إِلَى ذَلِكَ ابن أَبِي جَمرَة نَفَعَ اللَّه بِهِ» (27) .
6- جواز سؤال الإمام في الخطبة للحاجة، وأنها لا تنقطع بالكلام.
7- مشروعية تكرار الدعاء ثلاثًا.
8- إدخال دعاء الاستسقاء في خطبة الجمعة والدعاء به على المنبر ولا تحويل فيه ولا استقبال.
9- الاجتزاء بصلاة الجمعة عن صلاة الاستسقاء.
10- علم من أعلام النبوة في إجابة دعائه عقبه أو معه.
11- الدعاء برفع الضرر لا ينافي التوكل على اللَّه ﻷ.
12- جواز رفع الصوت في المسجد بسبب الحاجة المقتضية لذلك.
13- جواز اليمين لتأكيد الكلام، ويحتمل أن يكون ذلك جرى على لسان أنس رضي الله عنه بغير قصد اليمين.
14- جواز الشكوى من غير تسخط، ولا تبرم على القدر، وإنما يكون القصد هو إظهار الحال، ولذلك لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل قوله.
15- الأسباب لا تعمل إلا بأمر اللَّه، وكذلك المسببات؛ لأن المطر ما حُبس إلا بأمره، وما نزل إلا بفضله (28) .
16- قال القاضي عياض : «وفي إجابة النبي صلى الله عليه وسلم لهذا السائل، ودعائه له، جواز الاستسقاء في خطبة الجمعة، والدعاء بذلك، وعلى غير سنة الاستسقاء، وليس في هذا تحويل عن القبلة، ولا تحويل رداء، وإنما هو دعاء مجرد بالسقي، كسائر الأدعية للمسلمين في الخطبة، كما جاء في هذه الأحاديث الأخر المختصة بالسائل يوم الجمعة، وإنما تختص تلك الهيئات والسنن لمن برز لها، وبهذا اعتبر الحنفي في أنه لا صلاة للاستسقاء، وفاته معرفة تلك السنن المتقدمة والثابتة، وفيه جواز الاقتصار على الاستسقاء يوم الجمعة بالدعاء المجرد في خطبتها دون البروز، وهو معنى قول الشافعي: ومن أجازه بغير صلاة ممن عرف مذهبه أنه لا يبرز لها إلا بصلاة، وبه أيضاً احتج بعض السلف أن الخروج إليها عند الزوال، إذ كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر يوم الجمعة، والناس كلهم على خلافه أنها بكرة كصلاة العيدين» (29) .
17- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «الْغِيَاثُ هُوَ الْمُغِيثُ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ: غِيَاثُ الْمُسْتَغِيثِينَ، وَمَعْنَاهُ الْمُدْرِكُ عِبَادَهُ فِي الشَّدَائِدِ إذَا دَعَوْهُ، وَمُجِيبُهُمْ، وَمُخَلِّصُهُمْ، وَفِي خَبَرِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» يُقَالُ: أَغَاثَهُ إغَاثَةً وَغِيَاثًا وَغَوْثًا، وَهَذَا الِاسْمُ فِي مَعْنَى الْمُجِيبِ وَالْمُسْتَجِيبِ، قَالَ تَعَالَى: (إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) سورة الأنفال، الآية: 9 .
إلَّا أَنَّ الْإِغَاثَةَ أَحَقُّ بِالْأَفْعَالِ وَالِاسْتِجَابَةَ أَحَقُّ بِالْأَقْوَالِ وَقَدْ يَقَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَوْقِعَ الْآخَرِ، قَالُوا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَغِيثِ وَالدَّاعِي أَنَّ الْمُسْتَغِيثَ يُنَادِي بِالْغَوْثِ، وَالدَّاعِيَ يُنَادِي بِالْمَدْعُوِّ وَالْمُغِيثِ، وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مِنْ صِيغَةِ الِاسْتِغَاثَةِ يَا لَلَّهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِي أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ وَا غَوْثَاهُ وَيَقُولَ إنِّي سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ : (إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) سورة الأنفال، الآية: 9 ، وَفِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ: «يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، بِرَحْمَتِك أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلَا إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِك» (30) ، وَالِاسْتِغَاثَةُ بِرَحْمَتِهِ اسْتِغَاثَةٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ، كَمَا أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ بِصِفَاتِهِ اسْتِعَاذَةٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ، وَكَمَا أَنَّ الْقَسَمَ بِصِفَاتِهِ قَسَمٌ بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ، فَفِي الْحَدِيثِ: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ»، وَفِيهِ: «أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك، وَبِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» (31) » (32) .
18- دعا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «اللَّهم أغثنا»، ولم يقل: اللَّهم أمطرنا؛ لأن المطر ما جاء ذكره في القرآن إلا عذابًا (33) ، لقوله تعالى: أ- (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) سورة الأنفال، الآية: 32 ، قيل: إن قائل هذا هو أبو جهل، أو النضر بن الحارث، وقيل: إنهم كفار مكة ومشركوها.
ب- وقوله تعالى: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) سورة الشعراء، الآية: 173 ، والمراد بذلك الحجارة التي أنزلها اللَّه على قوم لوط.
جـ- وقوله: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) سورة النساء، الآية: 102 .
أما الغيث فهو الذي يأتي بالخير لقول اللَّه سبحانه تعالى: أ - (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) سورة الشورى، الآية: 28 .
ب - (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ) سورة الحديد، الآية: 20 ، ومعنى الكفار أي: الزُرَّاع.

1 البخاري، برقم 1014، ومسلم، برقم 8- (897)
2 البخاري، برقم 933
3 مسلم، 9-(897)
4 مسلم، برقم 10- (897)
5 المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 8/ 20
6 المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 8/ 22
7 النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 400، مادة (غيث)
8 فتح الباري، 2/ 503
9 كتاب مشهور عند أهل اللغة، وقد ذكره صاحب معجم المصباح المنير، 2/ 712 أثناء ذكره للكتب التي رجع إليها في تأليفه، فقال: «كتاب البارع لأبي علي إسماعيل بن القاسم البغدادي المعروف بالقالي» وقال الزبيدي في تاج العروس، 1/ 36: «أصح ما أُلف في اللغة على حروف المعجم: كتاب البارع لأبي علي البغدادي»
10 المفهم، 2/ 162
11 شرح القسطلاني (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)، 2/ 241
12 المسالك في شرح موطأ مالك، للسيوطي، 6/ 308
13 إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض، 3/ 320
14 إكمال المعلم بفوائد مسلم، 3/ 320
15 النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 353، مادة (حدر)
16 شرح القسطلاني (إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري)، 2/ 253
17 شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح، للإمام ابن مالك النحوي، ص 135
18 سورة الأحقاف، الآية: 24
19 انظر: فتح الباري، 2/ 620 – 624
20 إكمال المعلم بفوائد مسلم، 3/ 321
21 شرح النووي على مسلم، 6/ 192
22 سورة سبأ، الآية: 13
23 النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 312، مادة (جيد)
24 أخرجه أبو داود، كتاب الوتر، باب الدعاء، برقم 1490، وعبد الرزاق، 2/251، برقم 3250، واللفظ له، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 1320
25 شرح صحيح البخاري، لابن بطال، 3/ 21
26 شرح النووي على صحيح مسلم، 6/ 192
27 فتح الباري، 2/ 507
28 انظر: شرح حصن المسلم، لأسامة بن عبد الفتاح، ص 500
29 إكمال المعلم بفوائد مسلم، 3/ 319
30 أخرجه الحاكم وصححه، 1/545، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 1/273
31 مسلم، برقم 486، ومسند أحمد، برقم 24312
32 مجموع الفتاوى، 1/ 111
33 وقد أشار إلى هذا المعنى ابن عيينة : وانظر ما علقه البخاري قبل الحديث (4648) «صحيح البخاري»


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, August 10, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب