إني صائم إني صائم

حصن المسلم | ما يقول الصائم إذا سابَّه أحد | إني صائم إني صائم

إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ (1).

Innee sa-im, innee sa-im.
‘I am fasting, I am fasting.


(1) البخاري مع الفتح، 4/ 103، برقم 1894، ومسلم، 2/ 806، برقم 1151.

شرح معنى إني صائم إني صائم

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

630- لفظ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ، أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ - مَرَّتَيْنِ - وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا» (1).
631- ولفظ مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ، أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ» (2).

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «الصوم»: قال ابن عبد البر : «الْإِمْسَاكُ مُطْلَقًا، وَكُلُّ مَنْ أَمْسَكَ عَنْ شَيْءٍ فَهُوَ صَائِمٌ مِنْهُ» (3) ، والمقصود بالصيام شرعاً: الإمساك عن جميع المفطرات ابتغاء وجه اللَّه تعالى من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
2- قوله: «إِنِّي صَائِمٌ»: قال أبو بكر بن العربي : «فيه وجهان من التَّأوِيل: أحدهما: أنّ تقول ذلك في نَفسِكَ، فلا تجاوبه بشَتْمٍ ولا غيره، الثّاني: أنّ تقولها مجاوبًا له: إنِّي صائمٌ فلا أُجَاوِبُكَ، والأوّلُ أوْلَى لنَفْيِ الرِّيَاءِ» (4).
3- وَقَوْلُهُ: «جُنَّةٌ»: قال ابن عبد البر : «فَهِيَ الْوِقَايَةُ وَالسِّتْرُ عَنِ النَّارِ، وَحَسْبُكَ بِهَذَا فَضْلًا لِلصَّائِمِ» (3).
4- قوله: «فلا يرفث»: أي: لا يتكلم بكلام فاحش، قال القاضي عياض : «الرفث: السخف والفحش من الكلام والجهل مثله» (5)، وقال ابن عبد البر : «فَالرَّفَثُ هُنَا الْكَلَامُ الْقَبِيحُ، وَالشَّتْمُ، وَالْخَنَا، وَالْغَيْبَةُ، وَالْجَفَاءُ، وَأَنْ تُغْضِبَ صَاحِبَكَ بِمَا يَسُوءُهُ، وَالْمِرَاءُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ كُلِّهِ» (3).
5- قوله: «لا يجهل» أي: لا يفعل أفعال أهل الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك، قال ابن عبد البر :«لَا يَجْهَلْ: قَرِيبٌ مِمَّا يُصِيبُنَا مِنَ الشَّتْمِ وَالسِّبَابِ وَالْقِبَاحِ» (3).
6- قوله: «فإن امرؤٌ شاتمه»: أي: سبه (6)، قال الإمام النووي : «قيل إنه يقول بلسانه ويُسمع الذي شاتمه لعلّه ينزجر، وقيل يقوله بقلبه لينكفّ عن المسافهة ويحافظ على صيانة صومه، والأوّل أظهر.
ومعنى شاتمه: شتمه متعرضاً لمشاتمته، واللّه أعلم
» (7).
7- قوله: «أو قاتله»: نازعه أو دافعه (8)، وقال القاضي عياض : «قاتله: أي: دافعه، ونازعه، وتكون بمعنى شاتمهُ، ولاعنه، وقد جاء القتل بمعنى اللعن» (9) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، 10/ 246.
(10) جامع الأصول، 9/ 453.
(11) جامع الأصول، 9/ 454.
(12) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، 10/ 249.
(13) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، 10/ 248.
(14) جامع الأصول، 9/ 453.
(15) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، 10/ 248.
/55.

ما يستفاد من الحديث:

1- الصيام تدريب للنفس، وترويض لها حتى يتحقق لها مقصود الصيام، وهو تقوى اللَّه، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (16).
2- الرفث يطلق على فاحش القول وبذيء العبارة ويطلق على الجماع ومقدماته لقول اللَّه عز وجل: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ (17).
3- نهي الصائم عن الرفث والجهل والمخاصمة والمشاتمة ليس مختصًّا بنهار رمضان فقط بل هو في كل الأوقات وإن كان ذلك يتأكد في حق الصائم.
4- قول الصائم: «إني صائم» يكون بكلام مسموع لينزجر من يعتدي عليه بالقول أو الفعل وهذا أولى من أن يقولها في نفسه؛ لأن القول المطلق هو قول اللسان وهو ظاهر الحديث واللَّه أعلم.
5- قال القاضي عياض : «جاء هنا لفظ المشاتمة والمقاتلة، وهي لا تكون إلا من اثنين؟ فقيل: معناه هنا: إن امرؤ أراد هذا منه فليمتنع، وأيضاً فإن المفاعله قد تجيء لفعل الواحد؛ كقوله: سافر، وعالج الأمر، وعافاه اللَّه، وأيضاً فقد يكون على وجهه، أي: إن بدا ذلك منهما فليرجع إلى نفسه، ويذكرها بصومه فتكف» (5).
6- قال ابن عبد البر : «أما الصيام في الشريعة فمعناه الإمساك عن الأكل والشرب ووطء النساء نهاراً، إذا كان تارك ذلك يريد به وجه اللَّه، وينويه، هذا معنى الصيام في الشريعة عند جميع علماء الأمة، وأما أصله في اللغة فالإمساك مطلقاً، وكل من أمسك عن شيء فقد صام عنه، ويسمى صائماً ألا ترى قول اللَّه عز وجل: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً﴾ (18)، فسمى الإمساك عن الكلام صوماً، وكل ممسك عن حركة أو عمل أو طعام أو شراب فهو صائم في أصل اللسان، لكن الاسم الشرعي ما قدمت لك وهو يقضي في المعنى على الاسم اللغوي وقد ذكرنا شواهد الشعر على الاسم اللغوي في الصيام» (19).
7- وقال ابن عبد البر : «وَفِي قَوْلِهِ: «الصَّوْمُ لِي» فَضْلٌ عَظِيمٌ لِلصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُضَافُ إِلَيْهِ إِلَّا أَكْرَمُ الْأُمُورِ، وَأَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، كَمَا قَالَ: «بَيْتُ اللَّهِ» فِي الْكَعْبَةِ» (20).
8- وقال ابن عبد البر : أيضاً: «الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ: مَعْنَاهُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَظْهَرُ مِنِ ابْنِ آدَمَ فِي قَوْلٍ وَلَا عَمَلٍ، وَإِنَّمَا هُوَ نِيَّةٌ يَنْطَوِي عَلَيْهَا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، وَلَيْسَتْ مِمَّا يَظْهَرُ، فَيَكْتُبُهَا الْحَفَظَةُ كَمَا تَكْتُبُ الذِّكْرَ وَالصَّلَاةَ وَالصَّدَقَةَ، وَسَائِرَ أَعْمَالِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الشَّرِيعَةِ لَيْسَ هُوَ بِالْإِمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ دُونَ اسْتِشْعَارِ النِّيَّةِ، وَاعْتِقَادِ النِّيَّةِ بِأَنَّ تَرْكَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالْجِمَاعَ ابْتِغَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ، وَرَغْبَتَهُ فِيمَا نَدَبَ إِلَيْهِ تَزَلُّفًا وَقُرْبَةً مِنْهُ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، لَا يُرِيدُ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ عز وجل، وَمَنْ لَمْ يَنْوِ بِصَوْمِهِ أَنَّهُ لِلَّهِ عز وجل فَلَيْسَ بِصِيَامٍ؛ فَلِهَذَا قُلْنَا: إِنَّهُ لَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْحَفَظَةُ؛ لِأَنَّ التَّارِكَ لِلْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَيْسَ بِصَائِمٍ فِي الشَّرْعِ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَرَضِيَهُ مِنْ تَرْكِهِ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيَكَ لَهُ، لَا لِأَحَدٍ سِوَاهُ» (19).
9- قال ابن القيم: فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الطعام والشراب، فكما أن الطعام والشراب يفسده، فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتصيره بمنزلة من لم يصم (21).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر» (22).

1 البخاري، برقم 1894، ومسلم، برقم 1151
2 مسلم، برقم 1151
3 الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، 10/ 244.
4 المسالك في شرح موطأ مالك، 4/ 237.
5 إكمال المعلم بفوائد مسلم، 4/ 109.
6 انظر: فتح الباري، 4/ 105.
7 الأذكار النووية للإمام النووي، 1/ 238.
8 شرح صحيح مسلم للنووي، 8/ 270.
9 ، وقال ابن عبد البر : «وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ، أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ " فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُولَ الَّذِي يُرِيدُ مُشَاتَمَتَهُ، وَمُقَاتَلَتَهُ: إِنِّي صَائِمٌ، وَصَوْمِي يَمْنَعُنِي مِنْ مُجَاوَبَتِكَ؛ لِأَنِّي أَصُونُ صَوْمِي عَنِ الْخَنَا وَالزُّورِ، وَالْمَعْنَى فِي الْمُقَاتَلَةِ: مُقَاتَلَتُهُ بِلِسَانِهِ، ... الْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ الصَّائِمَ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: إِنِّي صَائِمٌ يَا نَفْسِي، فَلَا سَبِيلَ إِلَى شِفَاءِ غَيْظِكِ بِالْمُشَاتَمَةِ، وَلَا يُعْلِنُ بِقَوْلِهِ: إِنِّي صَائِمٌ ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّيَاءِ وَاطِّلَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي لَا يَظْهَرُ، وَكَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الصَّائِمَ أَجْرَهُ بِغَيْرِ حساب»
10 . 8- قوله: «يصخب»: الصخب : الضجة والجلبة»
11 . 9- قوله: «الصوم لي وأنا أجزي به»: إنما خص الصوم والجزاء عليه بنفسه عز وجل، وإن كانت العبادات كلها له، قال ابن الأثير : «وجزاؤها منه؛ لأن جميع العبادات التي يتقرب بها العباد إلى اللَّه عز وجل، من صلاة، وحج، وصدقة، وتبتل، واعتكاف، ودعاء، وقربان وهدي، وغير ذلك من أنواع العبادات، قد عبد المشركون بها آلهتهم، وكانوا يتخذونه من دون اللَّه أنداداً، ولم يُسمَع أن طائفة من طوائف المشركين، وفي الأزمان المتقادمة عبدت آلهتها بالصوم، ولاتقربت إليها به، ولا دانتها به، ولا عُرف الصوم في العبادات إلا من جهة الشرائع، فلذلك قال اللَّه عز وجل: «الصوم لي» أي: لم يشاركني فيه أحد، ولا عبد به غيري، فأنا حينئذ أجزي به على قدر اختصاصه بي، وأنا أتولى الجزاء عليه بنفسي، لا أكِلُهُ إلى أحد غيري، من ملك مقرب أو غيره، وقد ذكر العلماء في معنى هذا الحديث وجوهاً من التأويل، لاتداني هذا القول، ولا تقاربه، إذ ما من قول منها إلا وباقي العبادات تشاركه فيه»
12 . وقال ابن عبد البر : «الصَّوْمُ لِي» - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - وَكُلُّ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ فَهُوَ لَهُ، لَكِنَّهُ ظَاهِرٌ، وَالصَّوْمُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ»
13 . 10- قَوْلُهُ: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ»: يَعْنِي مَا يَعْتَرِيهِ فِي آخِرِ النَّهَارِ مِنَ التَّغَيُّرِ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ»
14 ، وقال ابن الأثير : «ولخلوف»: خلف فم والصائم يخلف خلوفا : إذا تغيرت ريحه من ترك الأكل والشرب، والخلفة منه»
15 . 11- قَوْلُهُ: «أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»: قال ابن عبد البر : «يُرِيدُ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ، وَأَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ عِنْدَكُمْ، يَحُضُّهُمْ عَلَيْهِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهِ. وَهَذَا فِي فَضْلِ الطَّعَامِ، وَثَوَابِ الصَّائِمِ»
16 سورة البقرة، الاية: 183.
17 سورة البقرة، الآية: 187.
18 سورة مريم، الآية: 26.
19 الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، 10/ 248.
20 التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، 19/ 53.
21 الوابل الصيب، ص 43.
22 أخرجه ابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في الغيبة والرفث للصائم، برقم 1690، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب الصيام، ما ينهى عنه الصائم من قول الزور والغيبة برقم 3249، قال البوصيري في مصباح الزجاجة، 2/69: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات»، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 3488.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, August 10, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب