(1) أبو داود، برقم 2041، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/383 .
شرح معنى ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه
لفظ الحديث الذي ورد فيه:
863- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» (1) . 864- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» (2) . 865- وعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَيْتُ - وَفِي رِوَايَةِ هَدَّابٍ: مَرَرْتُ - عَلَى مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عِنْدَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ» (3) .
شرح مفردات الحديث:
1- قوله: «ما من أحد»: أي: من المسلمين، قال ابن علان : «أي: من مكلفي الإنس والجن، ويحتمل قصره على الأول» (4) . 2- قوله: «يسلم علي»: قال الخطيب الشربيني : «وَأَقَلُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ تَأَدُّبًا مَعَهُ صلى الله عليه وسلم، كَمَا فِي حَيَاتِهِ» (5) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : «وَهَذَا السَّلَامُ مَشْرُوعٌ لِمَنْ كَانَ يَدْخُلُ الْحُجْرَةَ، وَهَذَا السَّلَامُ هُوَ الْقَرِيبُ الَّذِي يَرُدُّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى صَاحِبِهِ، وَأَمَّا السَّلَامُ الْمُطْلَقُ الَّذِي يُفْعَلُ خَارِجَ الْحُجْرَةِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ فَهُوَ مِثْلُ السَّلَامِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ» (6) . 3- قوله: «إلاَّ ردّ اللَّه عليّ روحي حتى أردّ عليه السلام»: أي: أعادها عليَّ حتى أردّ السلام، فأحدث اللَّه عودًا على بدء (7) ، وقال الشوكاني : «وَالْمرَاد برد الرّوح النُّطْق؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم حَيّ فِي قَبره، وروحه لَا تُفَارِقهُ؛ لما صَحَّ أَن الْأَنْبِيَاء أَحيَاء فِي قُبُورهم، كَذَا قَالَ ابْن الملقن وَغَيره، وَقَالَ ابْن حجر: الْأَحْسَن أَن يؤول رد الرّوح بِحُصُول الْفِكر، كَمَا قَالُوهُ فِي خبر: «يغان على قلبِي»، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ مَعْنَاهُ: أَنَّهَا تكون روحه القدسية فِي الحضرة الإلهية؛ فَإِن بلغه السَّلَام من أحد من الْأمة، رد اللَّه روحه فِي تِلْكَ الْحَالة إِلَى رد سَلام من يسلم عَلَيْه» (8) .
ما يستفاد من الحديث:
1- الترغيب في كثرة الصلاة والسلام على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى ينال المسلم هذا الشرف العظيم برد الرسول صلى الله عليه وسلم السلام عليه، وهذا يتضمن سلامة العبد في الدنيا، والبرزخ، ويوم القيامة. 2- قال الحافظ ابن حجر : «ظَاهِرَهُ أَنَّ عَوْدَ الرُّوحِ إِلَى الْجَسَدِ يَقْتَضِي انْفِصَالَهَا عَنْهُ، وَهُوَ الْمَوْتُ، وَقَدْ أَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ: أَحَدِهَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: «رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي» أَنَّ رَدَّ رُوحِهِ كَانَتْ سَابِقَةً عَقِبَ دَفْنِهِ، لَا أَنَّهَا تُعَادُ، ثُمَّ تُنْزَعُ، ثُمَّ تُعَادُ. الثَّانِي: سَلَّمْنَا، لَكِنْ لَيْسَ هُوَ نَزْعَ مَوْتٍ، بَلْ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّوحِ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِذَلِكَ. الرَّابِعُ: الْمُرَادُ بِالرُّوحِ النُّطْقُ، فَتَجُوزُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ خِطَابِنَا بِمَا نَفْهَمُهُ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ يَسْتَغْرِقُ فِي أُمُورِ الْمَلَإِ الْأَعْلَى، فَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهْمُهُ؛ لِيُجِيبَ مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ، وَقَدِ اسْتُشْكِلَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اسْتِغْرَاقَ الزَّمَانِ كُلِّهِ فِي ذَلِكَ؛ لِاتِّصَالِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، مِمَّنْ لَا يُحْصَى كَثْرَةً، وَأُجِيبَ بِأَنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ لَا تُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَأَحْوَالُ الْبَرْزَخِ أَشْبَهُ بِأَحْوَالِ الْآخِرَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ» (9) . 3- الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لهم أحوال خاصة في حياتهم البرزخية؛ كما تقدم في حديث أنس رضي الله عنه. 4- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وأما كونه رأى موسى قائمًا يصلي في قبره ورآه في السماء فلا منافاة بينهما؛ فإن أمر الأرواح من جنس أمر الملائكة في اللحظة الواحدة تصعد وتهبط كالملك ليست في ذلك كالبدن ويشهد لذلك أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله الصحابة رضي الله عنهم، كما روي عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ» قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ - يَقُولُونَ: بَلِيتَ -؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» (10) . 5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «وَعَلَى هَذَا الْحَدِيثِ اعْتَمَدَ الْأَئِمَّةُ فِي السَّلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ قَبْرِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ» (11) . 6- وقال أيضاً: : «سَلَام التَّحِيَّةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ فِي الْمَحْيَا وَفِي الْمَمَاتِ إذَا زَارَ قَبْرَ الْمُسْلِمِ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُسْلِمٍ، لِكُلِّ مَنْ لَقِيَهُ حَيًّا، أَوْ زَارَ قَبْرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ، فَالصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَنَّ هَذَا السَّلَامَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَبْرِهِ الَّذِي قَالَ فِيهِ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» (12) لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَلَا فِيهِ فَضِيلَةٌ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُسْلِمٍ: حَيٍّ، وَمَيِّتٍ، وَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَرُدُّ السَّلَامَ عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ، وَهَذَا لَيْسَ مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ؛ بَلْ إذَا لَقِيَهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا إذَا زَارَ الْقَبْرَ يُسَلِّمُ عَلَى الْمَيِّتِ، لَا أَنَّهُ يَتَكَلَّفُ قَطْعَ الْمَسَافَةِ وَاللِّقَاءِ لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ هُوَ مِنَ السَّلَامِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ يُسَلِّمُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا، كَمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ إذَا صَلَّى عَلَيْهِ عَشْرًا، فَهُوَ الْمَشْرُوعُ الْمَأْمُورُ بِهِ، الْأَفْضَلُ، الْأَنْفَعُ، الْأَكْمَلُ الَّذِي لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَذَاكَ جَهْدٌ لَا يَخْتَصُّ بِهِ، وَلَا يُؤْمَرُ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ لِمُجَرَّدِهِ؛ بَلْ قَصْدُ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَالدُّعَاءِ هُوَ اتِّخَاذٌ لَهُ عِيدًا وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَتَّخِذُوا بَيْتِي عِيدًا» (13) ، فَلِهَذَا كَانَ الْعَمَلُ الشَّائِعُ فِي الصَّحَابَةِ - الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مَسْجِدَهُ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ» (14) .
1
أبو داود، برقم 2041، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/383
2
أخرجه أبو يعلى، 6/ 147، برقم 3425، والبزار، 13/ 299، برقم 6888، وصحح إسناده محقق أبي يعلى، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 2791
3
مسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم، برقم 2375
10
سنن أبي دود، كتاب الوتر، باب في الاستغفار، برقم 1531، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 925، وانظر: الحديث رقم 98، والحديث رقم 219، من أحاديث المتن، فإن فيهما طرفًا من فوائد الصلاة والسلام على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
13
أخرجه عبد الرزاق، 3/ 71، برقم 4839، وأبو يعلى، 12/131، برقم 6761، قال الهيثمى (2/247: «فيه عبد اللَّه بن نافع، وهو ضعيف»، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، برقم 3785
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .