النهي عن سب الشيطان

حصن المسلم | الدعاء إذا تعس المركوب | النهي عن سب الشيطان

بِسْمِ اللَّهِ (1).

Bismil-lah.
‘In the name of Allah.


(1) أبو داود، 4/ 296، برقم 4982، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 3/941 .

شرح معنى النهي عن سب الشيطان

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

733- لفظ أبي داود عَنْ رَجُلٍ (1)، قَالَ كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَعَثَرَتْ دَابَّتهٌ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ: «لَا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَعَاظَمَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الْبَيْتِ، وَيَقُولُ: بِقُوَّتِي، وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ تَصَاغَرَ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبَابِ» (2).
734- ولفظ الإمام أحمد عَمَّنْ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَهُ عَلَى حِمَارٍ، فَعَثَرَ الْحِمَارُ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ: «لَا تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، تَعَاظَمَ الشَّيْطَانُ فِي نَفْسِهِ، وَقَالَ: صَرَعْتُهُ بِقُوَّتِي، فَإِذَا قُلْتَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَصَاغَرَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ حَتَّى يَكُونَ أَصْغَرَ مِنْ ذُبَابٍ» (3).
735- ولفظ الضياء المقدسي عن ردْفِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم عَثَرَتْ بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الناقة، قَالَ: فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، قال: «لاَ تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ فَإِنَّهُ يَتَعَاظَمُ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الْجَبَلْ، وَيَقُولُ: بِقُوَّتِي صَرَعْتُ، وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَتَصَاغَرُ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الذُّبَابِ» (4).

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «رديف»: أي: راكب خلفه على الدابة، قال ابن منظور : «الرِّدْفُ ما تَبِعَ الشيءَ وكل شيء تَبِع شيئاً فهو رِدْفُه...ورَدْفُ كل شيء مؤخَّرُه، والرِّدْفُ الكَفَلُ والعجُزُ، ... ورَدِفَ الرجلَ وأَرْدَفَه رَكِبَ خَلْفَه، وارْتَدَفَه خَلْفَه على الدابة» (5)، وقال ابن الملقن : «الردف والرديف: هو الراكب خلف الراكب، وأصله من ركوبه على الردف، وهو العجز» (6).
2- قوله: «عثرت»: أي: زلقت، وتعثرت في مشيتها، قال ابن منظور : «عَثَر، يعثِرُ، ويَعْثُرُ عَثْراً وعِثَاراً، وتَعَثَّرَ: كَبا... والعَثْرةُ: الزلَّةُ، ويقال: عَثَرَ به فرسُهُ فسقط... والعَثْرة المرة من العِثار في المشي» (7).
3- قوله: «تعس»: أي: هلك، قال ابن الأثير : «تعس: أي: خاب وخسر» (8)، وقال النووي : «تَعَس، فقيل معناه: هلك، وقيل سقط، وقيل عثر، وقيل لزمه الشرّ، وهو بكسر العين وفتحها» (9)، وقال ابن الأثير : أيضاً: «وَهُوَ دُعاء عَلَيْهِ بِالْهَلَاكِ» (10)، وقال ابن الملقن : «التَّعْسُ: الكَبُّ، أي: عثر فسقط لوجهه... التعس... وقيل: هو البعد» (11).
4- قوله: «تعاظم»: أي: ظن في نفسه أنه كبير، قال ابن الأثير : «التَّعَظُّم فِي النَّفس: هُوَ الكِبْر والنَّخْوة أَوِ الزَّهْوُ، وَفِيهِ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَتَعَاظَمُنِي ذَنْبٌ أَنْ أغْفِرَه» (12) أَيْ: لَا يَعْظُمُ عليَّ وَعِنْدِي» (13)، وقال العظيم أبادي : «تَعَاظَمَ: أَيْ: صَارَ عَظِيمًا، وَكَبِيرًا» (14)، وقال الشنقيطي: «انتفخ الشيطان، وتعاظم» (15).
5- قوله: «فَقَالَ: لَا تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ»: قال العظيم أبادي : «فِي الْقَامُوسِ: التَّعِسُ: الْهَلَاكُ، وَالْعِثَارُ، وَالسُّقُوطُ، وَالشَّرُّ، وَالْبُعْدُ...: أَكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَفِي الدُّعَاءِ تَعْسًا» (14).
6- قوله: «بقوتي»: أي أنا الذي فعلت ذلك، وقال العظيم أبادي : «وَيَقُولُ: بِقُوَّتِي: أَيْ: حَدَثَ ذَلِكَ الْأَمْرُ بِقُوَّتِي» (14).
7- قوله: «ولكن قل بسم اللَّه»: قال الدمياطي : «من أراد أن يحيا سعيداً، ويموت شهيداً، فليقل عند ابتداء كل شيء بسم اللَّه الرحمن الرحيم، أي: كل شيء ذي بال، بدليل الحديث» (16).
8- قوله: «فإنك إذا قلت ذلك تصاغر»: أي: عاد إلى حجمه، وحقارته، قال ابن الملقن : «تصاغر: من الصغار، وهو الذل والهوان، أو هو من الصغر، أي : صار صغيراً بعد عظمه» (11)، وقال العظيم أبادي : «تَصَاغَرَ: أَيْ صَارَ صَغِيرًا، وَحَقِيرًا» (14).
9- قوله: «حَتَّى يَكُونَ مثلَ الذُّباب»: قال البكري : «يصغر حتى يصير أقل من ذبابة (17)، وقال الشنقيطي: «إذا ذكر الله انخنس الشيطان، فذهب كالخردلة حقيراً مدحوراً بذكر الله جل جلاله» (15)، وقال الحافظ ابن حجر : «الحِكمَة فِي تَشبِيهِ ذُنُوب الفاجِر بِالذُّبابِ كَون الذُّباب أَخَفّ الطَّير وأَحقَره ، وهُو مِمّا يُعايَن ويُدفَع بِأَقَلّ الأَشياء» (18)، وقال: ابن الأثير : «يَعْنِي الشَّيطَان: أَيْ: ذَلَّ وامحَّقَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يكونَ مِنَ الصُّغْر والصَّغَار، وَهُوَ الذُّل والهَوان
» (19)، وقال الدميري : في تعليقه على الآية الكريمة: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) (20): «وهذا المثل من أبلغ ما أنزل اللَّه تعالى في تجهيل قريش، واستركاك عقولهم، ... وأدل من ذلك على عجزهم، وانتفاء قدرتهم، أن هذا الخلق الأذلّ الأقلّ، لو اختطف منهم شيئاً، فاجتمعوا على أن يستخلصوه منه، لم يقدروا... فجعلت مثلاً وقالوا: «أجرأ من ذبابة»، و«أهون من ذبابة»، و«أطيش وأخطأ من الذباب»؛ لأنه يلقي نفسه في الشيء الحار، والشيء الذي يلتصق به، ولا يمكنه التخلص» (21).

ما يستفاد من الحديث:

1- ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع مع أصحابه رضي الله عنهم فقد أردف خلفه مرة معاذ بن جبل (22)، وأخرى أسامة بن زيد (23)، وثالثة أردف أغيلمة من بني عبد المطلب واحدًا بين يديه والآخر خلفه (24).
2- النهي عن سب الشيطان بقول القائل: يا ابن كذا وكذا؛ لأن ذلك يوهم السامع أن الشيطان له دخلًا فيما يقع، والحق أن الكل بتقدير اللَّه،والجائز هو لعنه كما قال اللَّه: ﴿لَعَنَهُ اللَّهُ﴾ (25) والاستعاذة باللَّه منه.
3- الشيطان يكلم إخوانه من الشياطين ويفتخر عليهم بأمثال هذه الأمور ولكنه يخسأ ويتضاءل ويذهب كيده بذكر اسم اللَّه، قال اللَّه تعالى: ﴿فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً﴾ (26)، وتعاظمه، وكونه مثل البيت وفي رواية مثل: الجبل قد يكون على الحقيقة، أو كناية عن فرحه، وكذلك تصاغره قد يكون على الحقيقة، وقد يكون كناية عن ذله وقهره.
4- قال الإمام ابن القيم : «وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ: أَخْزَى اللَّهُ الشَّيْطَانَ، وَقَبَّحَ اللَّهُ الشَّيْطَانَ، فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يُفْرِحُهُ، وَيَقُولُ عَلِمَ ابْنُ آدَمَ أَنِّي قَدْ نِلْتُهُ بِقُوَّتِي، وَذَلِكَ مِمَّا يُعِينُهُ عَلَى إِغْوَائِهِ، وَلَا يُفِيدُهُ شَيْئًا، فَأَرْشَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ مَسَّهُ شَيْءٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَذْكُرَ اسْمَهُ وَيَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُ وَأَغْيَظُ لِلشَّيْطَانِ» (27).
5- إنما أمروا بالاستعاذة من الشيطان فيما جعل له سلطان عليهم، وهي الوسوسة؛ لتحبيب الشر، وتكريه الخير، وإنساء ما يذكرون، وتذكير ما ينسون، وأما إعثار دوابهم وإهلاك أموالهم فلا سبب له فيها، فنهوا عن الدعاء عليه، وعند ذلك؛ لأنه يوهم أن الفعل كان منه ببعيره حتى سقط، والواقع بخلافه» (28).

1 رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: الجهالة باسم الصحابي لا تضر؛ لأنهم كلهم عدول بتعديل اللَّه، لهم في قوله: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة: 100]، وقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: 29]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني» [البخاري، برقم 3651، [وقال الإمام النووي في الأذكار، ص 383: «فإن الرجل المجهول في رواية أبي داود صحابي، والصحابة رضي الله عنهم كلُّهم عدولٌ، لا تضرُّ الجَهَالةُ بأعيانهم»]، أما من دونهم من التابعين ومن جاء بعدهم فيلزم البحث عن عدالتهم، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة.[ وجاء عند ابن السني [تعيين] اسم هذا الصحابي الذي أُبهم عند أبي داود، وأنه هو: أسامة بن عمير الهذلي: بصري، له صحبة ورواية، وهو والد أبي المليح الهذلي، واسم أبي المليح عامر بن أسامة رضي الله عنه، ولم يرو عن أسامة هذا إلا ابنه [أبو] المليح الهذلي. انظر: الاستيعاب، لابن عبد البر، 1/ 78، والإصابة، لابن حجر، 1/ 50.
2 أبو داود، برقم 4982، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 3/941، وفي صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3128، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن
3 مسند أحمد، برقم 20591، والحاكم، 4/292، وصححه النووي في الأذكار، ص 383، والصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد، 7/ 380، وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد، 10/132، وصححه محققو المسند، 34/ 198
4 الضياء المقدسي في المختارة، 4/196، برقم 1412، ورقم 1413، وقال: «إسناده صحيح»، وأبو يعلى في المعجم، 1/83، برقم 71، وصححه النووي في الأذكار، ص 383
5 لسان العرب، 9/ 114، مادة (ردف).
6 التوضيح لشرح الجامع الصحيح، 28/ 227.
7 لسان العرب، 4/ 539، مادة (عثر).
8 جامع الأصول، 6/ 635.
9 الأذكار النووية للإمام النووي، 383.
10 النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 190، مادة (تعس).
11 التوضيح لشرح الجامع الصحيح، 17/ 582.
12 أخرجه الإمام أحمد في الزهد، ص 72، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول في أحاديث الرسول، 4/ 55، وأبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، 8/ 195، واستشهد به الإمام ابن القيم في مدارج السالكين، 3/ 152.
13 النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 260، مادة (عظم)
14 عون المعبود، 13/ 223.
15 شرح زاد المستقنع للشنقيطي، 14/ 299.
16 حاشية إعانة الطالبين، 1/ 10
17 إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين، 1/ 10.
18 فتح الباري، 11/ 105.
19 النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 32، مادة (صغر).
20 سورة الحج، الآية 73.
21 حياة الحيوان الكبرى، 1/ 493، وانظر: إعراب القرآن وبيانه، لمحيي الدين درويش، 6/ 482.
22 البخاري، برقم 5967.
23 البخاري، برقم 5964.
24 البخاري، برقم 5965.
25 سورة النساء، الآية: 118.
26 سورة النساء، الآية: 76.
27 زاد المعاد في هدي خير العباد، 2/ 324.
28 المعتصر من المختصر من مشكل الآثار، لأبي المحاسن يوسف بن موسى بن محمد الملطي الحنفي، 2/ 122.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Saturday, August 9, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب