اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل

حصن المسلم | الدعاء قبل الطعام | اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل

اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ (1).

‘Whomever Allah feeds, should say: Allahumma barik lana feehi wa-atAAimna khayran minh.
‘O Allah, bless it for us and feed us better than it.’ ….and whomever Allah gives milk to drink should say: Allahumma barik lana feehi wazidna minh. ‘O Allah, bless it for usand give us more of it.


(1) (مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ الطَّعَامَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْراً مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَناً فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ) الترمذي، 5/ 506، برقم 3455، وانظر: صحيح الترمذي، 3/158.

شرح معنى اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

609- لفظ الترمذي: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ عَلَى مَيْمُونَةَ (1) ، فَجَاءَتْنَا بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا عَلَى يَمِينِهِ، وَخَالِدٌ عَلَى شِمَالِهِ، فَقَالَ لِي: «الشَّرْبَةُ لَكَ، فَإِنْ شِئْتَ آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا»، فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ أُوثِرُ عَلَى سُؤْرِكَ أَحَدًا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ الطَّعَامَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَزِدْنَا مِنْهُ».
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ شَيْءٌ يَجْزِي مَكَانَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ غَيْرُ اللَّبَنِ» (2) .
610- ولفظ أبي داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ ل فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، فَجَاؤُوا بِضَبَّيْنِ مَشْوِيَّيْنِ عَلَى ثُمَامَتَيْنِ، فَتَبَزَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ خَالِدٌ: إِخَالُكَ تَقْذُرُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَجَلْ»، ثُمَّ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَبَنٍ، فَشَرِبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَإِذَا سُقِيَ لَبَنًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلاَّ اللَّبَنُ» (3) .
611- ولفظ أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَلَى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ل، فَقَالَتْ: أَلا نُطْعِمُكُمْ مِنْ هَدِيَّةٍ أَهْدَتْهَا لَنَا أُمُّ عُفَيْقٍ؟ (4) ، قَالَ: فَجِيءَ بِضَبَّيْنِ مَشْوِيَّيْنِ، فَتَبَزَّقَ رَسُولُ اللَّهِ ث، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ رضي الله عنه: كَأَنَّكَ تَقْذَرُهُ ؟ قَالَ: «أَجَلْ»، قَالَتْ: أَلا أُسْقِيكُمْ مِنْ لَبَنٍ أَهْدَتْهُ لَنَا؟ فَقَالَ: بَلَى، قَالَ: فَجِيءَ بِإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَشَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَخَالِدٌ عَنْ شِمَالِهِ، فَقَالَ لِي: «الشَّرْبَةُ لَكَ، وَإِنْ شِئْتَ آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا»، فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِسُؤْرِكَ عَلَيَّ أَحَدًا، فَقَالَ: «مَنْ أَطْعَمَهُ اللَّهُ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ مَكَانَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ غَيْرَ اللَّبَنِ» (5) .

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «من أطعمه اللَّه طعاماً»: قال الشوكاني : «فإذا فرغ من الأكل والشرب» (6) .
2- قوله: «إذا أكل أحدكم طعاماً»: قال المباركفوري : «أَيْ: أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ طَعَامًا، أَيْ غَيْرَ لَبَنٍ» (7) .
3- قوله: «الشربة لك» أي: لكونك على يميني فأنت مستحق لها فلا تدفع لغيرك إلا بإذنك.
قال المباركفوري : «قَوْلُهُ الشَّرْبَةُ لَكَ أَيْ: أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ لَهَا لِأَنَّكَ عَلَى جِهَةِ يَمِينِي فَإِنْ شِئْتَ آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا أَيِ: اخْتَرْتَ بِالشَّرْبَةِ عَلَى نَفْسِكَ خَالِدًا» (7) .
4- قوله: «آثرت» أي: تركتها لخالد عن رغبة منك.
قال ابن منظور : «المأْثُرة، بِفَتْحِ الثَّاءِ، وَضَمِّهَا: الْمَكْرَمَةُ؛ لأَنها تُؤْثَر، أَي: تُذْكَرُ، ويأْثُرُها قَرْنٌ عَنْ قَرْنٍ يَتَحَدَّثُونَ بِهَا... مآثِرُ الْعَرَبِ: مكارِمُها، ومفاخِرُها الَّتِي تُؤْثَر عَنْهَا، أَي تُذْكَر وَتُرْوَى... وآثَرَه عَلَيْهِ: فَضَّلَهُ، وآثَرَ، كُلُّهُ: فَضّل وقَدّم.
وآثَرْتُ فُلَانًا عَلَى نَفْسِي: مِنَ الإِيثار، آثَرْتُك إِيثاراً أَي: فَضَّلْتُك
» (7) .
5- قوله: «سؤرك»: السؤر: هو البقية، والفضلة بعد الشرب، قال المباركفوري : «السُّؤْرُ - بِضَمِّ السِّينِ، وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ -: الْبَقِيَّةُ، وَالْفَضْلَةُ، وَالْمَعْنَى: مَا كُنْتُ لِأَخْتَارَ عَلَى نَفْسِي بِفَضْلٍ مِنْكَ أَحَدًا مِنْ أَطْعِمَةِ اللَّهِ» (8) .
6- قوله: «أطعمه اللَّه طعاماً» أي: ساق له هذا الطعام ليأكله.
قال ابن منظور : «الطَّعامُ: اسمٌ جامعٌ لِكُلِّ مَا يُؤكَلُ، وَقَدْ طَعِمَ يَطْعَمُ طُعْماً، فَهُوَ طاعِمٌ إِذَا أَكَلَ أَو ذاقَ... وقولُه تَعَالَى: (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (9) : مَعْنَاهُ: مَا أُريدُ أَن يَرْزُقُوا أَحداً مِنْ عِبَادِي، وَلَا يُطْعِمُوه لأَني أَنا الرَّزَّاقُ المُطْعمُ» (10) .
7- قوله: «فليقل: اللهم بارك لنا فيه» أي: اجعل هذا الخير في نماء دائمًا واجعله عونًا لنا على طاعتك.
قال المباركفوري : «بَارِكْ لَنَا فِيهِ: مِنَ الْبَرَكَةِ وَهِيَ زِيَادَةُ الْخَيْرِ وَنُمُوُّهُ، وَدَوَامُهُ، وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ، أَوْ أَعَمَّ» (7) .
8- قوله: «ومن سقاه اللَّه لبناً فليقل: اللهم بارك لنا فيه»: قال الشوكاني : «دليل على أن اللبن أرفع حالاً من الطعام، ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب أن يطعمه اللَّه ما هو خير من الطعام» (6) .
9- قوله: «وأطعمنا خيرًا منه» أي: من طعم الجنة العالية ذات القطوف الدانية، قال الشوكاني : «طلب أن يطعمه اللَّه ما هو خير من الطعام، ولم يطلب ذلك في اللبن، وإنما طلب الزيادة منه» (11) ، وقال المباركفوري : «وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ، أَوْ أَعَمَّ» (7) .
10- قوله: «وزدنا منه»: قال الصنعاني : «لا خير من اللبن في المشروب، فيسأل إنما يطلب الزيادة منه، وقد بين صلى الله عليه وسلم أخيريته بإغنائه، أي: إجزائه عن الطعام والشراب، فدل أن الخيرية في النفع والكفاية، لا في التلذذ والرفاهية» (12) .
11- قوله: «يجزئ »: أي: يكفي لدفع الجوع والعطش، قال المباركفوري : «لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ بَعْدَهَا هَمْزٌ أَيْ: يَكْفِي فِي دَفْعِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَعًا مَكَانَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَيْ: مَكَانَ جِنْسِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَبَدَلَهُمَا غَيْرُ اللَّبَنِ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُجْزِئُ» (7) .
12- قوله: «الضب»: قال ابن منظور: «الضَّبُّ: دُوَيْبَّة مِنَ الْحَشَرَاتِ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ يُشْبِهُ الوَرَلَ؛ وَالْجَمْعُ أَضُبٌّ مِثْلُ كَفٍّ وأَكُفٍّ، وضِبابٌ وضُبَّانٌ» (13) .
13- قوله: «مشوي»: قال ابن منظور : «والشَّيُّ: مَصْدَرُ شَوَيْتُ، والشِّوَاءُ الاسمُ.
وشَوَى اللَّحْمَ شَيًّا فانْشَوَى... واشْتَوَى القَوْمُ: اتَّخَذُوا شِواءً... وشَوَّاهُمْ وأَشْواهُمْ: أَطْعَمَهُم شِواءً.
وأَشْواهُ لَحْماً: أَطْعَمَه إِيَّاه
» (14) .
14- قوله: «ثمامتين»: قال الخطابي : «الثمامتان: عودان، واحدتهما ثمامة، والثمام شجر دقيق العود ضعيفه» (15) ، وقال ابن منظور : «والثُّمامُ: نَبْت مَعْرُوفٌ فِي الْبَادِيَةِ، وَلَا تَجْهَدُه النَّعَم: نَبْتٌ ضَعِيفٌ قَصِيرٌ لَا يَطُولُ... ومَا يَبِس مِنَ الأَغْصان الَّتِي توضَع تَحْتَ النَّضَدِ وبيتٌ مَثْمومٌ: مُغَطىًّ بالثُّمامِ» (16) .
15- قوله: «فتبزق»: تكرّهاً، قال ابن منظور : «بزق: البَزْقُ والبَصْق: لُغَتَانِ فِي البُزاق، والبُصاق، بَزَق يَبْزُق بَزْقاً» (17) .
16- قوله: «كأنك تقذره»:قال ابن منظور : «قذر: القَذَرُ: ضِدُّ النَّظَافَةِ؛ وَشَيْءٌ قَذِرٌ بَيِّنُ القَذارةِ... وَقَدْ قَذِرَه قَذَراً وتَقَذَّره واسْتَقْذره...والقاذورة الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا: الْفِعْلُ الْقَبِيحُ، وَاللَّفْظُ السيئ؛ ورجل قَذُرٌ قَذِرٌ وقَذْرٌ.
وَيُقَالُ: أَقْذَرْتَنا يَا فُلَانُ أَي: أَضْجَرْتَنا
» (18) .

ما يستفاد من الحديث:

1- الحث على إكرام الضيف وإن كان كثير الدخول على صاحب البيت لقرابته منه؛ لأن ميمونة هي أخت أم الفضل لبابة الكبرى الهلالية والدة ابن عباس، وأخت لبابة الصغرى الهلالية والدة خالد بن الوليد ش جميعًا (19) .
2- قال ابن عبد البر : «ولا يجوز عندي لأحد شرب ماءً، أو لبناً، أو غير ذلك من الأشربة الحلال، وحوله من يريد أن يشرب من ذلك معه ممن به الحاجة إليه، أوليس به حاجة إليه، إذا وسعهم ذلك الشراب أن يناول من على يساره البتة بحال، فاضلاً كان أو مفضولاً، حتى يشاور من على يمينه؛ فإنه حق له بالسنة الثابتة في هذا الحديث؛ فإن أذن له فعل، وإلا فهو أحق بالشراب من الذي على يساره، وهذا نص صحيح ثابت، لا يلتفت إلى ما خالفه من آراء الرجال، وباللَه التوفيق، وهو المستعان، والشراب المذكور في هذا الحديث كان لبناً» (20) .
3- استحباب التيامن في كافة الأمور هو هديه صلى الله عليه وسلم إلا ما استقذر، كاستنجاء أو نحوه، وإن كان من على اليسار فاضلًا، ومن كان على اليمين مفضولًا، دليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أنس رضي الله عنه في داره، فأعطاه لبنًا، فشرب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن يساره، وعمر أمامه، وأعرابي عن يمينه، فلما فرغ من شربه صلى الله عليه وسلم قال عمر: هذا أبو بكر يا رسول اللَّه يريه إياه، فأعطى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الأعرابي، وقال: «الأيمنون» ثلاثًا، قال أنس: فهي سنة، قالها ثلاثًا (21) .
4- قال العيني : «وفيه فضيلة اليمين على الشمال وقد أمروا بالشرب بها والمعاطاة دون الشمال وفيه أن من استحق شيئا من الأشياء لم يدفع عنه صغيرا كان أو كبيرا إذا كان ممن يجوز إذنه» (22) .
5- قال النووي : «وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ أَيْضًا بَيَان هَذِهِ السُّنَّة، وَهِيَ أَنَّ الْأَيْمَن أَحَقّ، وَلَا يُدْفَع إِلَى غَيْره إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَأَنَّهُ لَا بَأْس بِاسْتِئْذَانِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الْإِذْن، وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْضًا أَلَّا يَأْذَن إِنْ كَانَ فِيهِ تَفْوِيت فَضِيلَة أُخْرَوِيَّة، وَمَصْلَحَة دِينِيَّة كَهَذِهِ الصُّورَة» (23) .
6- واختُلف في الإيثار في الطاعات، فقيل: الإيثار المحمود إنما يكون في أمور الدنيا، وما كان فيه حظ للنفس، أما الإيثار المذموم فهو ما كان في الطاعات، فيكره أن يؤثر غيره بموضعه في الصف الأول، وكذلك نظائره (24) ، وقيل: بل الإيثار بالطاعات لا بأس به، وقد يحصل المؤثر غيره على أضعاف الثواب، قال ابن القيم : في زاد المعاد: «...يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْأَلَ أَخَاهُ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِقُرْبَةٍ مِنَ الْقُرَبِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُؤْثِرَ بِهَا أَخَاهُ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ الْفُقَهَاءِ: لَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ بِالْقُرَبِ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ آثَرَتْ عائشة عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بِدَفْنِهِ فِي بَيْتِهَا جِوَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَسَأَلَهَا عمر ذَلِكَ فَلَمْ تَكْرَهْ لَهُ السُّؤَالَ، وَلَا لَهَا الْبَذْلَ، وَعَلَى هَذَا فَإِذَا سَأَلَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِمَقَامِهِ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ، لَمْ يُكْرَهُ لَهُ السُّؤَالُ، وَلَا لِذَلِكَ الْبَذْلُ وَنَظَائِرُهُ، وَمَنْ تَأَمَّلَ سِيرَةَ الصَّحَابَةِ، وَجَدَهُمْ غَيْرَ كَارِهِينَ لِذَلِكَ، وَلَا مُمْتَنِعِينَ مِنْهُ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا كَرَمٌ وَسَخَاءٌ، وَإِيثَارٌ عَلَى النَّفْسِ، بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مَحْبُوبَاتِهَا، تَفْرِيحًا لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَتَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ، وَإِجَابَةً لَهُ إِلَى مَا سَأَلَهُ، وَتَرْغِيبًا لَهُ فِي الْخَيْرِ، وَقَدْ يَكُونُ ثَوَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ رَاجِحًا عَلَى ثَوَابِ تِلْكَ الْقُرْبَةِ، فَيَكُونُ الْمُؤْثِرُ بِهَا مِمَّنْ تَاجَرَ فَبَذَلَ قُرْبَةً، وَأَخَذَ أَضْعَافَهَا، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُؤْثِرَ صَاحِبُ الْمَاءِ بِمَائِهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ، وَيَتَيَمَّمَ هُوَ إِذَا كَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَيَمُّمِ أَحَدِهِمَا، فَآثَرَ أَخَاهُ، وَحَازَ فَضِيلَةَ الْإِيثَارِ، وَفَضِيلَةَ الطُّهْرِ بِالتُّرَابِ، وَلَا يَمْنَعُ هَذَا كِتَابٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا مَكَارِمُ أَخْلَاقٍ، وَعَلَى هَذَا، فَإِذَا اشْتَدَّ الْعَطَشُ بِجَمَاعَةٍ، وَعَايَنُوا التَّلَفَ، وَمَعَ بَعْضِهِمْ مَاءٌ، فَآثَرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَاسْتَسْلَمَ لِلْمَوْتِ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، وَلَمْ يُقَلْ إِنَّهُ قَاتِلٌ لِنَفْسِهِ، وَلَا أَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا، بَلْ هَذَا غَايَةُ الْجُودِ وَالسَّخَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) سورة الحشر، الآية: 9 ، وَقَدْ جَرَى هَذَا بِعَيْنِهِ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي فُتُوحِ الشَّامِ، وَعُدَّ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِمْ وَفَضَائِلِهِمْ، وَهَلْ إِهْدَاءُ الْقُرَبِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَالْمُتَنَازَعِ فِيهَا إِلَى الْمَيِّتِ إِلَّا إِيثَارٌ بِثَوَابِهَا، وَهُوَ عَيْنُ الْإِيثَارِ بِالْقُرَبِ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يُؤْثِرَهُ بِفِعْلِهَا لِيُحْرِزَ ثَوَابَهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ ثُمَّ يُؤْثِرَهُ بِثَوَابِهَا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ» (25) .
7- فعل ابن عباس ب دليل على فطنته، رغم أنه كان غلامًا، وإنما فعل ذلك ليشرب من المكان الذي شرب منه النبي صلى الله عليه وسلم تبركًا بريقه الشريف، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ولاتنسحب إلى أحد من الأمة، مهما علا قدره.
8- استحباب تقديم اللبن للضيف لفعل الصحابة ش ذلك كثيرًا، وإن قُدم غيره لا شيء في ذلك، إلا أن اللبن أنفع من غيره، قال الحافظ: وبه يشتد العظم، وينبت اللحم، وهو بمجرده قوت، ولا يدخل في السرف بوجه، وهو أقرب إلى الزهد (26) .
وهو إشارة إلى الفطرة، ولذلك اختاره النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج (27) ، لمَّا خير بين اللبن والعسل والخمر – أي خمر الجنة.
9- قال ابن عبد البر : «وفي هذا الحديث من الفقه أن من وجب له شيء من الأشياء، لم يدفع عنه، ولم يتسور عليه فيه إلا بإذنه، صغيراً كان أو كبيراً، إذا كان ممن يجوز له إذنه، وليس هذا موضع «كبّر، كبّر»؛ لأن السن إنما يراعى عند استواء المعاني والحقوق، وكل ذي حق أولى بحقه أبداً، والمناولة على اليمين من الحقوق الواجبة في آداب المجالسة (28) .
10- وفي هذا الحديث دليل على أن الجلساء شركاء في الهدية، وذلك على جهة: الأدب، والمروءة، والفضل، والأخوة، لا على الوجوب؛ لإجماعهم على أن المطالبة بذلك غير واجبة لأحد، وباللَّه التوفيق (28) .
11- استحباب قول: «اللَّهم بارك لنا فيه وزدنا منه» بعد شرب اللبن واستحباب المضمضة منه بعد شربه لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن له لدسمًا» (29) .
12- في قوله ﻷ: ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ سورة النحل، الآية: 66 ، قال الجزائري: «فسبحان ذي القدرة العجيبة، والعلم الواسع، والحكمة التي لا يقادر قدرها، اللبن يقع بين الفرث والدم، والفرث هو الروث الموجود في الكرش، فينقل الدم إلى الكبد، فيوزعه على العروق لبقاء حياة الحيوان، واللبن يساق إلى الضرع، والفرث يبقى أسفل الكرش، ويخرج اللبن خالصًا من شائبة الدم، وشائبة الفرث، فلا يرى ذلك في لون اللبن، ولا يشم في رائحته، ولا يوجد في طعمه، بدليل أنه سائغ للشاربين، حقًّا إنها عبرة من أجلّ العبر، تنقل صاحبها إلى نور العلم، والمعرفة باللَّه في جلاله وكماله، فتورثه محبة اللَّه، وتدفعه إلى طاعته، والتقرب إليه» (30) .

1 أم المؤمنين زوج النبي رضي اللع عنها ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية، أخت أم الفضل لبابة زوج العباس بن عبد المطلب رضي اللع عنها، كان اسم ميمونة برة فسماها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ميمونة، وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند حويطب بن عبد العزى، وفي رواية أنها هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم تزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبنى بها بسرف، وتوفيت في هذا الموضع الذي ابتنى بها فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وذلك سنة إحدى وخمسين، وقيل توفيت بسرف سنة ست وستين، وقيل توفيت سنة ثلاث وستين، وصلى عليها ابن عباس. انظر: الاستيعاب، لابن عبد البر، 4/ 1914، والإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر، 8/ 126]
2 الترمذي، برقم 3455، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي
3 أبو داود، برقم 3730، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 3730
4 أم عفيق: هي أم حفيد خالة ابن عباس، وخالة خالد بن الوليد ش، قَالَ أَبُو عُمَرَ ابن عبد البر :: «وَهَذِهِ الْأُخْتُ الْأَعْرَابِيَّةُ، هِيَ هُذَيْلَةُ أُمُّ حُفَيْدٍ، وَأَخَوَاتُ مَيْمُونَةَ لِأَبِيهَا: لُبَابَةُ الصُّغْرَى، وَعَصْمَاءُ، وَغَرَّاءُ، وَهُذَيْلَةُ أُمُّ حُفَيْدٍ ... ، وَهُنَّ تِسْعُ أَخَوَاتٍ ; مِنْهُنَّ سِتٌّ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَثَلَاثٌ لِأُمٍّ». الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، 27/ 186
5 أحمد، برقم 1978، وحسنه محققو المسند، 3/ 440. وهذه القصة أصلها في الصحيحين، البخاري، برقم 2575، ومسلم، برقم 1945، وأحد ألفاظ البخاري: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ب قَالَ: «أَهْدَتْ أُمُّ حُفَيْدٍ خَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَقِطًا وَسَمْنًا وَأَضُبًّا، فَأَكَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْأَقِطِ، وَالسَّمْنِ، وَتَرَكَ الضَّبَّ تَقَذُّرًا»، وتقدم تخريجه في تخريج حديث المتن
6 تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين للشوكاني، ص 224
7 تحفة الأحوذي، 9/ 296
8 لسان العرب، 4/ 6، مادة (أثر)
9 سورة الذاريات، الآية: 57
10 لسان العرب، 12/ 363، مادة (طعم)
11 تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين للشوكاني، ص 224، والتنوير شرح الجامع الصغير، 1/ 591
12 التنوير شرح الجامع الصغير، 1/ 591
13 لسان العرب، 1/ 538، مادة (ضبّ)
14 لسان العرب، 14/ 446، مادة (شوي)
15 معالم السنن، 4/ 276
16 لسان العرب، 12/ 79، مادة (ثمم)
17 لسان العرب، 10/ 19، مادة (بزق)
18 لسان العرب، 5/ 80، مادة (قذر)
19 الصواب أن أم خالد بن الوليد: لبابة الصغرى صحابية، وبه جزم الحافظ ابن حجر في الإصابة، 8/ 178
20 التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، 21/ 121
21 مسلم، كتاب الأشربة، باب استحباب إدارة الماء واللبن، ونحوهما، عن يمين المبتدئ، برقم 2030
22 عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 19/ 9
23 شرح النووي على صحيح مسلم، 13/ 201
24 انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 13/ 201
25 زاد المعاد في هدي خير العباد، 3/ 442
26 انظر: فتح الباري 10/ 87
27 البخاري، كتاب الأشربة، باب شرب اللبن، برقم 5610
28 التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد،ـ 21/ 123
29 البخاري، كتاب الوضوء، باب هل يمضمض من اللبن، برقم 211
30 تفسير الجزائري، ص 894


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Saturday, August 9, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب