الأذان الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله

حصن المسلم | دعاء طرد الشيطان ووساوسه | الأذان الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله

الْأَذَانُ(1) : اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلاحِ اللَّهُ أَكْبَرُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.

The athan (call to prayer).


(1) مسلم، 1/ 291، برقم 389، والبخاري، 1/ 151، برقم 608.

شرح معنى الأذان الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

473- لفظ البخاري ومسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ، فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ، حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ، حَتَّى إِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا؛ لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى»(1) .
474- ولفظ أخر للبخاري: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ الْأَذَانَ، فَإِذَا قُضِيَ الْأَذَانُ أَقْبَلَ، فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ، فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ، حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ، يَقُولُ: اذْكُرْ كَذَا وَكَذَا، مَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ، حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ إِنْ يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ»(2) .
475- ورواية لمسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ أَحَالَ لَهُ ضُرَاطٌ، حَتَّى لَا يَسْمَعَ صَوْتَهُ، فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ، فَإِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ ذَهَبَ حَتَّى لَا يَسْمَعَ صَوْتَهُ، فَإِذَا سَكَتَ رَجَعَ فَوَسْوَسَ»(3) .
476- ورواية أخرى لمسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ حُصَاصٌ»(4) .
477- وفي رواية ثالثة لمسلم: عَنْ سُهَيْلٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبِي إِلَى بَنِي حَارِثَةَ، قَالَ: وَمَعِي غُلَامٌ لَنَا - أَوْ صَاحِبٌ لَنَا - فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ حَائِطٍ بِاسْمِهِ قَالَ: وَأَشْرَفَ الَّذِي مَعِي عَلَى الْحَائِطِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي فَقَالَ: لَوْ شَعَرْتُ أَنَّكَ تَلْقَ هَذَا لَمْ أُرْسِلْكَ، وَلَكِنْ إِذَا سَمِعْتَ صَوْتًا فَنَادِ بِالصَّلَاةِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ إِذَا نُودِيَ بِالصَّلَاةِ وَلَّى وَلَهُ حُصَاصٌ» (5) .

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «الأذان»: قال النووي : «أصل الأذان: الإعلام، والأذان للصلاة معروف... المؤذن: المُعلم بأوقات الصلاة...أذن المؤذن تأذيناً، وأذاناً، أي: أعلم الناس بوقت الصلاة... وأصله من الأُذُن، كأنه يلقي في آذان الناس بصوته ما يدعوهم الى الصلاة، قال القاضي عياض : «اعلم أن الأذان كلام جامع لعقيدة الإيمان، مشتمل على نوعه من التعليقات والسمعيات، فأوله إثبات الذات، وما يستحقه من الكمال، والتنزيه عن أضدادها، وذلك بقوله: «اللَّه أكبر»، وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالة على ما ذكرناه، ثم صرح بإثبات الوحدانية، ونفى ضدها من الشركة المستحيلة في حقه ، وهذه عمدة الإيمان، والتوحيد المقدمة على كل وظائف الدين، ثم صرح بإثبات النبوة والشهادة بالرسالة لنبينا صلى الله عليه وسلم، وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية، وموضعها بعد التوحيد؛ لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع، وتلك المقدمات من باب الواجبات، وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليات فيما يجب، ويستحيل، ويجوز في حقه سبحانه وتعالى، ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات، فدعا إلى الصلاة، وجعلها عقب إثبات النبوة؛ لأن معرفة وجوبها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، لا من جهة العقل، ثم دعا إلى الفلاح، وهو الفوز، والبقاء في النعيم المقيم، وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث، والجزاء، وهي آخر تراجم عقائد الإسلام، ثم كرر ذلك بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها، وهو متضمن لتأكيد الايمان وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلي فيها علي بينة من أمره وبصيرة من إيمانه ويستشعر عظيم ما دخل فيه، وعظمة حق من يعبده، وجزيل ثوابه: هذا آخر كلام القاضي، وهو من النفائس الجليلة، وباللَّه التوفيق»(6) .
2- قوله: «إذا نودي للصلاة» أي: بشروع المؤذن في أذانه، يريد إذا أذن لها فر الشيطان من ذكر اللَّه في الأذان(7) .
3- قوله: «أدبر الشيطان» أي: ابتعد مسرعًا موليًّا، فرّ الشيطان من ذكر اللَّه في الأذان، وأدبر وله ضراط من شدة ما لحقه من الخزي والذعر عند ذكر اللَّه، وذكر اللَّه في الأذان تفزع منه القلوب ما لا تفزع من شيء من الذكر؛ لما فيه من الجهر بالذكر، وتعظيم اللَّه فيه، وإقامة دينه، فيدبر الشيطان لشدة ذلك على قلبه، حتى لا يسمع النداء(7) .
4- قوله: «الشيطان»: والظاهر أن المراد به إبليس، ويحتمل أن المراد جنس شيطان الجن(8) .
5- قوله: «وله ضراط»: يمكن حمله على ظاهره؛ لأنه جسم متَغَذ يصح منه خروج الريح، ويحتمل أنها عبارة عن شدة نِفاره، وعند مسلم «حصاص» أي: ضراط(9) ، «له ضراط» جملة اسمية وقعت حالاً بدون واو؛ لحصول الارتباط بالضمير، وفي رواية للبخاري «وله» بالواو، وقال القاضي عياض: يمكن حمله على ظاهره؛ لأنه جسم منفذ، يصح منه خروج الريح، ويحتمل أنه عبارة عن شدة خوفه ونفاره، حتى لا يسمع النداء، أو يصنع ذلك استخفافاً، كما يفعله السفهاء، ويحتمل أنه لا يعمد ذلك، بل يحصل له عند سماع الأذان، ولشدة خوفه يحصل له ذلك الصوت بسببها، ويحتمل أن يتعمد ذلك ليناسب ما يقابل الصلاة من الطهارة بالحدث(8) .
6- قوله: «فإذا قضي النداء» أي: انتهى المؤذن من أذانه وفرغ منه، قال ابن عبد البر: «فإذا قضي النداء أقبل على طبعه وجبلته، يوسوس أيضاً، ويفعل ما يقدر مما قد سلط عليه»(7) .
7- قوله: «أقبل» أي: رجع مرة ثانية بعدما ولَّى ليوسوس، قال العيني : «إذا فُرغ من الأذان أقبل الشيطان، لزوال ما يلحقه من الشدة والداهية»(10) .
8- قوله: «ثُوِّب بالصلاة»: المراد بالتثويب هو إقامة الصلاة، وقوله: «ثوب: وأصله من ثاب إلى الشيء إذا رجَعَ، وإنما قيل لقوله: «الصلاة خير من النوم» تثويبًا ؛ لأنهُ راجعٌ إلى معنى ما تقدَّم من قوله: «حي على الصلاة، حي على الفلاح»، وقيل : لتكراره له مرتين، قال الخطابي: التثويب: الإعلام بالشيء، ووقوعه، وأصله: أن الرجل إذا جاء فزعًا لوح شوسِه(11) ، وقال ابن نافع: معناه: إذا نودي لها، وقال الهروي: التثويب - أيضاً - الإقامة، وقال عيسى بن دينار: معناه: أقيمت الصلاة، وهذا أصح التفسير؛ بدليل قوله في الأم في هذا الحديث من رواية ابن أبي شيبة: «فإذا سمع الإقامة ذهب»(12) ، وقوله: «حتى إذا ثُوِّب بالصلاة أدبر»؛ أي : أقيمت، وأصله: أنه رجع إلى ما يشبه الأذان؛ أو لأن الإقامة يُرجع إليها، وتُكرر على ما تقدم، وأصله: من ثاب إلى الشيء إذا رجع، ومنه قيل لقول المؤذن: «الصلاة خير من النوم» تثويب .
وقال الخطابي : التثويب: الإعلام بالشيء ووقوعه، وأصله: أن الرجل إذا جاء فَزِعًا لوّح بثوبه(13) ، «الْمُرَاد بِالتَّثْوِيبِ الْإِقَامَة، وَأَصْله مِنْ ثَابَ إِذَا رَجَعَ، وَمُقِيم الصَّلَاة رَاجِع إِلَى الدُّعَاء إِلَيْهَا، فَإِنَّ الْأَذَان دُعَاء إِلَى الصَّلَاة، وَالْإِقَامَة دُعَاء إِلَيْهَا(14) ، «وقال الطبري : قوله: «إذا ثُوبّ بالصلاة»، يعني صرخ بالإقامة مرة بعد مرة أخرى، ورجع، وكل مردد صوتًا فهو مثوِّب، ولذلك قيل للمرجع صوته في الأذان بقوله: «الصلاة خير من النوم»، مُثوِّب، وأصله من ثاب يثوب، إذا رجع إليه، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ﴾(15) ، يعني أنهم إذا انصرفوا منه رجعوا إليه، وجمهور العلماء على أن الإقامة للصلاة سنة، ولا خلاف بينهم أن قول المؤذن فى نداء الصبح «الصلاة خير من النوم»، يقال له: تثويب (16) ، وقال العراقي : «وأصل التثويب أن يجيء الرجل مستصرخاً، فيلوح بثوبه ليُرى، ويشتهر، فسمي الدعاء تثويباً لذلك، وكل داع مثوب، وقيل إنما سمي تثويباً من ثاب يثوب إذا رجع، فالمؤذن رجع بالإقامة إلى الدعاء للصلاة»(17) .
9- قوله: «يخطر» أي: بالوسوسة والتشويش، وأَصلُهُ مِن خَطَرَ البَعِير بِذَنَبِهِ إِذا حَرَّكَهُ فَضَرَبَ بِهِ فَخِذَيهِ(18) .
10- قوله: «حتى يخطر بين المرء ونفسه»: أي: بين المصلي وقلبه؛ ليذهب عنه الخشوع الذي هو لُب الصلاة.
قال الباجي: يمرّ فيحول بين المرء وما يريد من نفسه؛ من إقباله على صلاته، وإخلاصه، وهو على رواية أكثرهم بضم الطاء، وعن أبي بحر: يخطِر - بكسرها -؛ من قولهم: خطر البعير بذنبه: إذا حرّكه، فكأنه يريد حركته بوسوسة النفس، وشغل السِّرّ(13) ، وقال النووي : «حَتَّى يَخْطُر بَيْن الْمَرْء وَنَفْسه» هُوَ بِضَمِّ الطَّاء وَكَسْرهَا، حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاض فِي الْمَشَارِق، قَالَ: ضَبَطْنَاهُ عَنْ الْمُتْقِنِينَ بِالْكَسْرِ، وَسَمِعْنَاهُ مِنْ أَكْثَر الرُّوَاة بِالضَّمِّ، قَالَ: وَالْكَسْر هُوَ الْوَجْه، وَمَعْنَاهُ يُوَسْوِس، وَهُوَ مِنْ قَوْلهمْ: خَطَرَ الْفَحْل بِذَنَبِهِ، إِذَا حَرَّكَهُ فَضَرَبَ بِهِ فَخِذَيْهِ، وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَمَنْ السُّلُوك، وَالْمُرُور، رَأْي يَدْنُو مِنْهُ فَيَمُرّ بَيْنه وَبَيْن قَلْبه، فَيُشْغِلهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ، وَبِهَذَا فَسَّرَهُ الشَّارِحُونَ لِلْمُوَطَّأِ، وَبِالْأَوَّلِ فَسَّرَهُ الْخَلِيل(14) .
11- قوله: «المرء»: الإنسان، وفيه سبع لغات: فتح الميم، وضمها، وكسرها، وتغيرها باعتبار إعراب اللفظة، فإن كانت مرفوعة، فالميم مضمومة، وإن كانت منصوبة، فالميم مفتوحة، وإن كانت مجرورة فالميم مكسورة، والخامسة والسادسة والسابعة امرؤ بزيادة همزة الوصل، مع ضم الراء في سائر الأحوال، ومع فتحها في سائر الأحوال، ومع تغيرها باعتبار حركات الإعراب، حكاهن في الصحاح، إلا اللغة الثالثة والرابعة فحكاهما في المحكم(19) .
12- قوله: «للشيطان حصاص»: وهو الضراط لما بيَّناه من قبل، وذكرنا أنه جسم من الأجسام، مؤتلف من طعام وشراب، وفي بعض طرق الحديث: «إن الشيطان حساس، أو جساس، أو لحاس»(20) ، فلا يمتنع أن يكون له حصاص، لا سيما وهو أذلّ له في الفرار، وأبلغ لدخول الرعب في قلبه، حتى لا يملك نفسه من خوف ذكر اللَّه(21) .
وقال النووي: «وَلَهُ حُصَاص» هُوَ بِحَاءٍ مُهْمَلَة مَضْمُومَة، وَصَادَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، أَيْ ضُرَاط كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَقِيلَ: الْحُصَاص: شِدَّة الْعَدْو، قَالَهُمَا أَبُو عُبَيْد، وَالْأَئِمَّة مِنْ بَعْده(14) .
وقال عاصم بن أبي النَّجود: إذا ضرب بأذنيه، ومصع بذنبه وعدا، فذلك الْحُصاص، وهذا يصح حمله على ظاهره؛ إذ هو جسم مُغْتَذٍ يصح منه خروج الريح، وقيل: إنه عبارة عن شدة الغيظ والنّفار، وذلك لما يسمع من ظهور الإسلام، ودخولهم فيه، وامتثالهم أوامره، كما يعتريه يوم عرفة لما رأى من اجتماع الناس على البر والتقوى، ولما يتنزل عليهم من الرحمة(22) .
13- قوله: «إن يدري كم صلى» بالكسر، بمعنى: ما يدري، ويُروى: «أن يدري» بفتحها، وهي رواية أبي عمر بن عبد البر، وقال: هي رواية أكثرهم، قال: ومعناها: لا يدري، وكذا ضبطها الأصيلي، وفي كتاب البخاري: «أن» بالفتح، وليست هذه الرواية بشيء، إلا مع رواية الضاد، فتكون «أن» مع الفعل بتأويل المصدر، ومفعول «ضل»: «أن» بإسقاط حرف الجر؛ أي: يضل عن درايته، وينسى عدد ركعاته، وهذا أيضًا فيه بُعد(13) .
14- قوله: «إِذَا سَمِعَ الشَّيْطَان الْأَذَان أَحَالَ» هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة أَيْ ذَهَبَ هَارِبًا(14) .
15- قوله: «بني حارثة»- بالمهملة والمثلثة-: بطن من الأوس، وكانوا إذ ذاك غربي مشهد حمزة، وزاد الإسماعيلي: وهي في سند الحرة، أي في الجانب المرتفع منها(23) .
16- قوله: «وأشرف الذي معي»: الشَّرَفُ: العلو، وشرف، فهو شَرِيفٌ، وقوم أَشْرَافٌ، وشُرَفَاءُ، واسْتَشْرَفْتُ الشيء: رفعت البصر أنظر إليه، وأَشْرَفْتُ عليه بالألف: اطلعت عليه، وأَشْرَفَ الموضع ارتفع، فهو مُشْرِفٌ، وشُرْفَةُ القصر جمعها: شُرَفٌ، مثل غرفة، وغرف ومَشَارِفُ الأرض: أعاليها، الواحد مَشْرَفٌ بفتح الميم والراء(24) .
17- قوله: «على الحائط»: الحائط: الجدار، جمعه: حيطان، وحياط، والقياس: حوطان، وهو البستان أيضاً(25) ، وقال الفيومي: الحَائِطُ: البستان، وجمعه حَوَائِطٌ(26) .

ما يستفاد من الحديث:

1- مشروعية الأذان لطرد الشيطان، ولو في غير وقت الصلاة؛ لقول سهيل بن أبي صالح: أرسلني أبي إلى بني حارثة، ومعي غلام، فناداه منادٍ من حائط باسمه، فنظر الغلام إلى الحائط، فلم ير شيئًا، فذكرت ذلك لأبي، فقال: إذا سمعت صوتًا فناد بالصلاة، ثم ذكر له حديث أبي هريرة رضي الله عنه(27) .
2- فِيهِ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ النِّدَاءَ لَهَا.
قَالَ اللَّه تَعَالَى: ﴿وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا﴾(28) .
وَقَالَ اللَّه تَعَالَى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ﴾(29) ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي الْمِصْرِ عَلَى جَمَاعَتِهِ(30) .
3- وفي الْبَاب فَضِيلَة الْأَذَان وَالْمُؤَذِّن، وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الصَّحِيحَيْنِ مُصَرِّحَة بِعِظَمِ فَضْله، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا هَلْ الْأَفْضَل لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَرْصُد نَفْسه لِلْأَذَانِ، أَمْ لِلْإِمَامَةِ عَلَى أَوْجُه أَصَحّهَا الْأَذَان أَفْضَل(14) .
4- في هذا الحديث عظم فضل الأذان، وأن الشيطان ينافره ما لا ينافر سائر الذكر، ألا ترى أنه يقبل عند قراءة القرآن، ويدبر عند الأذان.
5- السبب في فرار الشيطان هو اشتمال الأذان على دعوة التوحيد، والإقرار برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، والدعوة إلى الصلاة المشتملة على السجود للَّه، والذي أباه عدو اللَّه، فأُخرج منها مذمومًا مدحورًا، وعلى الدعوة إلى الفلاح، والتكبير، وكلها أمور لا تناسب طبعه الخبيث.
6- اختلف العلماء في معنى هروبه عند الأذان، ولا يهرب من الصلاة وفيها قراءة القرآن، فقال المهلب: إنما يهرب، واللَّه أعلم، من اتفاق الكل على الإعلان بشهادة التوحيد، وإقامة الشريعة، كما يفعل يوم عرفة لما يرى من اتفاق الكل على شهادة التوحيد للَّه تعالى، وتنزل الرحمة عليهم، وييأس أن يردهم عما أعلنوا به من ذلك، وأيقن بالخيبة بما تفضل اللَّه عليهم من ثواب ذلك، ويذكر معصية اللَّه، ومضادته أمره، فلم يملك الحديث؛ لما استولى عليه من الخوف، وقال غيره: إنما ينفر عن التأذين لئلا يشهد لابن آدم بشهادة التوحيد؛ لقوله : «لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(31) ، وليس قول من قال: إنما ينفر من الأذان لأنه دعا إلى الصلاة التي فيها السجود الذي أباهُ بشيء؛ لأنه قد أخبر صلى الله عليه وسلم، أنه إذا قضى التثويب أقبل يُذَكِّرُه ما لم يَذْكُرْ، يخلط عليه صلاته، وكان فراره من الصلاة التي فيها السجود أولى لو كان كما زعموا(32) .
7- ذكر وسوستَهُ للمُصلي: وقد لا يلزم هذا الاعتراض، إذ لعل نفارَه إنما كان من سماع الأمر، والدعاء بذلك، لا برؤيته ليغالط نفسه، لأنه لم يسمع دعاءً، ولا خالف أمرًا، وقيل: بل ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان، وانقطاع طمعه أن يصرف عنه الناس، حتى إذا سكت رجع لحاله التي أقدره اللَّه عليها، من تشغيب خاطره ووسوسة قلبه، وقوله: «حتى إذا ثُوِب بالصلاة»: قال الطبري: ثُوِّبَ أي: صُرخ بالإقامة مرة بعد مرة(33) .
8- استحباب رفع الصوت بالأذان؛ لأن الشيطان يفر من الصوت «حتى لا يسمع»، وقد بوب البخاري رحمه الله بابًا بعد هذا الحديث، قال فيه: «باب رفع الصوت بالنداء»، وهذا من شدة فقهه، وحسن ترتيبه رحمه الله.
9- وقِيلَ: إِنَّمَا يُدْبِر الشَّيْطَان لِعَظْمِ أَمْر الْأَذَان؛ لِمَا اِشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ قَوَاعِد التَّوْحِيد، وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام، وَإِعْلَانه، وَقِيلَ: لِيَأْسِهِ مِنْ وَسْوَسَة الْإِنْسَان عِنْد الْإِعْلَان بِالتَّوْحِيدِ(34) .
11- قال الحافظ في الفتح: قال ابن بطال: يشبه أن يكون الزجر عن خروج المرء من المسجد بعد أن يؤذن المؤذن من هذا المعنى لئلا يكون متشبهًا بالشيطان الذي يفر عند سماع الأذان واللَّه أعلم(35) ، وهذا محمول على عدم الخروج لحاجة وقد ورد الزجر عن ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَهُ الأَذَانُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ، وَهُوَ لاَ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ، فَهُوَ مُنَافِقٌ»(36) ، وقول أبي هريرة رضي الله عنه لما كان جالسًا مع أصحابه في المسجد فأذن المؤذن فقام رجل فخرج فقال أبو هريرة: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ»(37) .

1 البخاري، برقم 608، ومسلم، برقم 19- (389)
2 البخاري، برقم 1231
3 مسلم، برقم 16-(389)
4 مسلم، برقم 17-(389).
5 مسلم، برقم 18-(389)
6 المجموع شرح المهذب، 3/ 75
7 التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، 18 / 308
8 تنوير الحوالك، للسيوطي، ص: 69
9 فتح الباري، 2/ 107
10 شرح أبي داود للعيني، 2/ 465
11 الشوس: الطوال، جمع أشوس. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 2 / 508، مادة (شوس)
12 المفهم، لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4 / 102141)
13 المفهم، لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 4 / 103
14 شرح النووي على صحيح مسلم، 4 / 91
15 سورة البقرة، الآية: 125
16 شرح صحيح البخاري، لابن بطال، 2 / 235
17 طرح التثريب في شرح التقريب، 2 / 174
18 فتح الباري، 2/ 86
19 طرح التثريب في شرح التقريب، 2/ 174
20 أخرجه الترمذي، برقم 1859، وقال: «غريب»، والحاكم، 4/132، وصححه، وقال الذهبي: «موضوع »، وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب، برقم 212: «موضوع».
21 المسالك في شرح موطأ مالك، 2 / 645
22 المفهم، لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، 4 / 102
23 شرح القسطلاني إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، 3 / 330
24 المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 1 / 310، مادة (شرف)
25 انظر: القاموس المحيط، ص 856، مادة (حوط)
26 المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 1 / 157، مادة (حوط)
27 مسلم، برقم 389
28 سورة الْمَائِدَةِ، الآية: 58
29 سورة الْجمعة، الآية: 9
30 الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، 4 / 49
31 البخاري، كتاب الأذان، باب رفع الصوت بالنداء، برقم 609
32 شرح صحيح البخاري، لابن بطال، 2 / 234
33 إكمال المعلم شرح صحيح مسلم، للقاضي عياض، 2 / 141
34 شرح النووي على صحيح مسلم، 2 / 113
35 فتح الباري، لابن حجر، 2/ 109
36 سنن ابن ماجه، كتاب الصلاة، باب إذا أذن وأنت في المسجد فلا تخرج، برقم 734، وصححه لغيره العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 263
37 مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب النهي عن الخروج من المسجد إذا أذن المؤذن، برقم 655


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, August 28, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب