أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر

حصن المسلم | ما يقول لرد كيد مردة الشياطين | أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر

أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَبَرَأَ وَذَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ (1).

aAAoothu bikalimatil-lahit-tammat, allatee la yujawizuhunna barrun wala fajir min sharri ma khalaq, wabaraa watharaa, wamin sharri ma yanzilu minas-sama/, wamin sharri ma yaAAruju feeha, wamin sharri ma tharaa fil-ard, wamin sharri ma yakhruju minha, wamin sharri fitnanil-layli wannahar, wamin sharri kulli tariqin illa tariqan yatruqu bikhayrin ya Rahman.
‘I take refuge within Allah’s perfect words which no righteous or unrighteous person can transgress, from all the evil that He has created, made and originated. (I take refuge) from the evil that descends from the sky and the evil that rises up to it. (I take refuge) from the evil that is spread on Earth and the evil that springs from her, and I take refuge from the evil of the tribulations of night and day, and the evil of one who visits at night except the one who brings good, O Merciful One.


(1) أحمد، 3/ 419، برقم 15461، بإسناد صحيح، وابن السني، برقم 637، وصحح إسناده الأرناؤوط في تخريجه للطحاوية، ص133، وانظر: مجمع الزوائد، 10/127 .

شرح معنى أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

976- لفظ أحمد: قال أَبُو التَّيَّاحِ: قُلْتُ: لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَنْبَشٍ التَّمِيمِيِّ رضي الله عنه (1)، وَكَانَ كَبِيرًا، أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ، فَقَالَ: إِنَّ الشَّيَاطِينَ تَحَدَّرَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْأَوْدِيَةِ، وَالشِّعَابِ، وَفِيهِمْ شَيْطَانٌ بِيَدِهِ شُعْلَةُ نَارٍ، يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ بِهَا وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهَبَطَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قُلْ، قَالَ: «مَا أَقُولُ؟» قَالَ: «قُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، وَذَرَأَ وَبَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ، يَا رَحْمَنُ»، قَالَ: فَطَفِئَتْ نَارُهُمْ، وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (2).
977- ولفظ ابن السني: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَنْبَشٍ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، فَقَالَ: يَا ابْنَ خُنَيْسٍ، كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ؟ فَقَالَ: انْحَدَرَتِ الشَّيَاطِينُ مِنَ الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ، يُرِيدُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهَمَّ شَيْطَانٌ مَعَهُ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ أَنْ يَحْرِقَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَآهُمْ فَزِعَ، فَجَاءَهُ جَبْرَئِيلُ ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْ: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، مِنْ شَرِّ مَا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَمَنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا فِي الْأَرْضِ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمَنْ شَرِّ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ، إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ، يَا رَحْمَنُ قَالَ: فَطُفِئَتْ نَارُ الشَّيْطَانِ، وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عز وجل» (3).

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «وكان شيخاً كبيراً»: قال الفيروزأبادي : «الشيخ: مَنِ اسْتَبَانَتْ فيه السِّنُّ، أو من خَمْسِينَ، أو إحْدَى وخَمْسِينَ إلى آخِرِ عُمُرِهِ، أو إلى الثمانينَ» (4).
2- قوله: «كادته»: أي: مكرت به لإيذائه صلى الله عليه وسلم، وقال ابن الأثير : «كادها بارئها: أَيْ: أرادَها بِسُوء، يَقَال: كِدْت الرجُل أَكِيده، والكَيْد: الاحْتِيال، والاجْتِهَاد، وَبه سُمِّيت الحَرْب كَيْداً» (5)ـ وقال الفيومي : «كَادَهُ كَيْدًا مِنْ بَابِ بَاعَ: خَدَعَهُ، وَمَكَرَ بِهِ، وَالِاسْمُ الْمَكِيدَةُ» (6).
3- قوله: «الشياطين»: أي: الجنِّيَّة، وقال ابن الأثير : «الشيطان: من الشطن: البعد، أي: بَعُد عن الخير، أو من الحبل الطويل، كأنه طال في الشر، أو من شاط يشيط إذا هلك، أو من استشاط غضباً إذا احتدّ في غضبه، والتهب، والأول أصح» (7).
4- قوله: «انحدرت، تحدّرت»: قال ابن منظور : «الحَدْرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ تَحْدُرُه مِنْ عُلْوٍ إِلى سُفْلٍ، ...وَكُلُّ شَيْءٍ أَرسلته إِلى أَسفل، فَقَدْ حَدَرْتَه حَدْراً وحُدُوراً» (8).
5- قوله: «الأودية والشعاب»: قال الفيومي : «الْوَادِي: وَهُوَ كُلُّ مُنْفَرَجٍ بَيْنَ جِبَالٍ، أَوْ آكَامٍ يَكُونُ مَنْفَذًا لِلسَّيْلِ، وَالْجَمْعُ أَوْدِيَةٌ» (9)، وأما «الشعاب» فيقول الفيومي : « الشِّعْبُ بِالْكَسْرِ: الطَّرِيقُ، وَقِيلَ: الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ، وَالْجَمْعُ شِعَابٌ» (10).
6- قوله: «فزع»: أي: أصابه الخوف والهلع، قال ابن فارس : «الْفَزَعُ، يُقَالُ فَزِعَ يَفْزَعُ فَزَعًا، إِذَا ذُعِرَ.
وَأَفْزَعْتُهُ أَنَا.
وَهَذَا مَفْزَعُ الْقَوْمِ، إِذَا فَزِعُوا إِلَيْهِ فِيمَا يَدْهَمُهُمْ
» (11)، وقال ابن الأثير : « أَيْ: هَبَّ وانْتَبه.
يُقَالُ: فَزِعَ مِنْ نَوْمِهِ، وأَفْزَعْتُه أَنَا، وَكَأَنَّهُ مِنَ الفَزَع: الخَوْفِ، لِأَنَّ الَّذِي يُنَبَّه لَا يَخْلُو مِنْ فَزَعٍ مَا
» (12).
7- قوله: «فهمَّ شيطان»: قال الفيروزأبادي : «هَمَّ بِالْأَمْرِ يَهُمُّ، إِذَا عَزَم عَلَيْهِ» (13).
8- قوله: «شعلة نار»: الشُّعْلَةُ، بالضم: ما أشْعَلْتَ فيه من الحَطَبِ، ولَهَبُ النارِ» (14).
9- قوله: «هبط جبريل»: قال ابن منظور : «نقِيضُ الصُّعُود، هبطَ يهْبِط ويهبُطُ هُبُوطاً إِذا انْهَبط فِي هَبُوط مِنْ صَعُود، وهَبَطَ هُبوطاً: نَزَلَ، وهَبَطْته وأَهْبَطْتُه فانْهَبطَ؛ ... وهَبَطه أَي: أَنزله» (15).
10- قوله: «فجاء جبريل»: أي: نزل عليه بأمر من اللَّه عز وجل، و«جبريل»: من الملائكة، قال الفيومي : «جبريل: : هو اسم مركب من (جبر)، وهو العبد، و(إِيل)، وهو اللَّه تعالى » (16).
11- قوله: «أعوذ»: أي: ألتجئ، وأتحصن، وأعتصم، وأستجير، العوذ: الالتجاء إلى الغير، والتعلق به.
يقال: عاذ فلان بفلان، ... وأعذته باللَّه أعيذه، أي: ألتجئ إليه، وأستنصر به أن أفعل ذلك (17)، وقال العلامة السعدي : «أعوذ»: أي: ألجأ، وألوذ، وأعتصم» (18)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : «يَسْتَعِيذَ بِالْعُوَذِ الشَّرْعِيَّةِ؛ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ تَعْرِضُ لِلْأَنْبِيَاءِ فِي حَيَاتِهِمْ، وَتُرِيدُ أَنْ تُؤْذِيَهُمْ، وَتُفْسِدَ عِبَادَتَهُمْ، كَمَا جَاءَتْ الْجِنُّ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشُعْلَةِ مِنْ النَّارِ تُرِيدُ أَنْ تُحْرِقَهُ» (19).
12- قوله: «كلمات اللَّه»: الكاملة الشاملة الفاضلة، وهي أسماؤه وصفاته، وآيات كتبه (20)، والكلمات ههنا محمولة على أسماء اللَّه الحسنى، وكتبه المنزلة؛ لأن الاستعاذة إنما تكون بها (21).
13- قوله: «التامات»: وصفها بالتامة لخلوها عن النواقص، والعوارض، بخلاف كلمات الناس؛ فإنهم متفاوتون في كلامهم على حسب تفاوتهم في العلم، واللهجة، وأساليب القول ... ، وكلمات اللَّه تعالى متعالية عن هذه القوادح، فهي لا يسعها نقص، ولا يعتريها اختلال، واحتجّ الإمام أحمد بها على القائلين بخلق القرآن، فقال: لو كانت كلمات اللَّه مخلوقة، لم يعذبها اللَّه؛ إذ لا يجوز الاستعاذة بمخلوق» (21).
14- قوله: «من شر ما خلق» أي: من مخلوقات اللَّه - عز وجل -، قال البعلي : «فَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِهِ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي فِي الْمَخْلُوقِ، فَهُوَ الَّذِي يُعِيذُ مِنْهُ، وَيُنْجِي مِنْهُ» (22).
15- قوله: «لا يجاوزهن»: أي: لا يتعداهن، وقال ابن الأثير : «جَازَه يَجُوزُه إِذَا تَعدّاه وعَبَر عَلَيْهِ» (23)، وقال ابن الجزري : «لَا يجاوزهن»: أَي: لَا يحيد عَنْهُن وَلَا يمِيل» (24)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : «فلا يخرج بَرٌّ، ولا فاجر عن تكوينه، ومشيئته، وقدرته» (25).
16- قوله: «بَرٌّ»: البار هو المطيع للَّه ورسوله صلى الله عليه وسلم صادقًا في ذلك، قال ابن الأثير : « بَرَّ يَبَرُّ فَهُوَ بَارّ، وَجَمْعُهُ بَرَرَة، وَجَمْعُ البَرّ أَبْرَار، وَهُوَ كَثِيرًا مَا يُخَص بِالْأَوْلِيَاءِ وَالزُّهَّادِ والعبَّاد» (26).
17- قوله: «ولا فاجر»: أي: شديد الظلم لنفسه، ولغيره، قال ابن الأثير : «الفَاجِر، وَهُوَ المُنْبَعِث فِي المَعاصِي، والمحَارِم، وَقَدْ فَجَرَ يَفْجُرُ فُجُوراً... وَ«مِن أَفْجَرِ الفُجُور» أَيْ: مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ» (27).
18- قوله: «وبرأ»: أي: أوجد، وأبدع لأن من أسمائه البارئ عز وجل، قال ابن الأثير : «بَرَأَ: فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى: «الْبارِئُ»: هُوَ الَّذِي خلَق الخلْق لَا عَنْ مِثَالٍ؛ وَلِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مِنَ الِاخْتِصَاصِ بخَلْق الْحَيَوَانِ مَا لَيْسَ لَهَا بِغَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، وقلَّما تَستَعمل فِي غَيْرِ الحيوان، فيقال: بَرَأَ الله النسَمَة، وخلَق السموات وَالْأَرْضَ» (28).
19- قوله: «ذرأ»: أي خلق على ظهرها من كل ما يخاف شره، قال ابن الأثير : «ذَرَأَ اللهُ الخلقَ يَذْرَؤُهُمْ ذَرْءاً إِذَا خَلَقَهُمْ، وكأنَّ الذَّرْءَ مُختصٌّ بخلْق الذُّرِّيَّة» (29)، وقال الباجي : «وَقَوْلُهُ: وَشَرِّ مَا ذَرَأَ مِنْ الْأَرْضِ يُرِيدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا خَلَقَهُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ» (30).
20- قوله: «ومن شر ما ينزل من السماء»: أي: من أنواع العقوبات، كالصواعق، والأمطار الضارة، والريح الشديدة، قال الباجي : «وَقَوْلُهُ مِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَشَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا يَحْتَمِلُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ فَيُصِيبُ أَهْلَ الْأَرْضِ» (30).
21- قوله: «ومن شر ما يعرج فيها»: أي: يصعد إليها من الأعمال والأقوال الفاسدة التي تغضب الرب وتوجب العقوبة، قال الباجي : «أَوْ يَعْرُجُ بِهِ إلَيْهَا يُرِيدُ يَعْرُجُ بِسَبَبِهِ فَيُعَاقِبُ أَهْلَ الْأَرْضِ، أَوْ بَعْضَهُمْ مِنْ أَجْلِهِ بِالشَّرِّ» (30).
22- قوله: «ومن شر ما ذرأ في الأرض»: قال النفراوي المالكي : «... خَلَقَ، وَذَرَأَ، وَبَرَأَ: وَمَعْنَى الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَهُوَ الْإِيجَادُ مِنْ الْعَدَمِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ﴾ (31)، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ (32)، وَقَالَ: ﴿فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ (33)، أَيْ: خَالِقُكُمْ، فَلَعَلَّهُ ذَكَرَهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى اتِّحَادِ مَعْنَاهَا» (34).
23- قوله: «وَمن شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا»: قال الباجي : «مِمَّا خَلَقَهُ فِي بَاطِنِهَا، ثُمَّ يُخْرِجُهُ مِنْهَا لِيُصِيبَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ» (30)، وقال النفراوي المالكي : «وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ» (34).
24- قوله: «ومن شر فتن الليل والنهار»: أي: ما يتعرض له العبد من الفتن آناء الليل وأطراف النهار، قال الشوكاني : «قَالَ الْعُلَمَاءُ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْفِتْنَةُ: الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ , وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ وَالتُّهْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ» (35)، وقال الباجي : «وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الَّتِي تُصِيبُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، أَوْ تُخْلَقُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْفِتَنَ الَّتِي سَبَبُهَا اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، مِمَّا يَسْتَعِينُ أَهْلُ الْفِتَنِ عَلَيْهَا بِاللَّيْلِ، فَيَسْتَتِرُونَ بِهَا وَيَتَوَصَّلُونَ فِيهِ إلَيْهَا وَكَذَلِكَ النَّهَارُ » (30).
25- قوله: «ومن شر كل طارق»: أي: واقع وحادث أثناء الليل بعلم اللَّه عز وجل، قال الباجي : «الطَّارِقُ: مَا جَاءَك لَيْلًا، وَوَصْفَ مَا يَأْتِي بِالنَّهَارِ طَارِقًا عَلَى سَبِيلِ الْإِتْبَاعِ» (30)، وقال ابن الجزري : «طوارق: جمع طَارق، وَهُوَ من الطّرق، وَقيل: أَصله من الدق، وَسمي الْآتِي بِاللَّيْلِ طَارِقًا لاحتياجه إِلَى الدق» (24).
26- قوله: «إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ»: قال النفراوي : «وَالطَّارِقُ هُوَ الَّذِي يَأْتِي بَغْتَةً... عَلَى أَنَّ الطَّارِقَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللَّيْلِ» (36)، وقال الراغب الأصفهاني : «الخَيْرُ: ما يرغب فيه الكلّ، كالعقل مثلاً، والعدل، والفضل، والشيء النافع» (37).
27- قوله: «يا رحمن»: قال ابن كثير : «وَرَحْمَنُ: أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنْ رَحِيمٍ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ جَرِيرٍ مَا يُفْهِم حِكَايَةَ الِاتِّفَاقِ عَلَى هَذَا، وَفِي تَفْسِيرِ بَعْضِ السَّلَفِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَثَرِ، عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّهُ قَالَ: وَالرَّحْمَنُ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، ... الرَّحْمَنُ: اسْمٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ يَخْتَصُّ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى» (38)، وقال السعدي : «واعلم أن من القواعد المتفق عليها بين سلف الأمة، وأئمتها، الإيمان بأسماء اللَّه، وصفاته، وأحكام الصفات، فيؤمنون مثلاً بأنه رحمن رحيم، ذو الرحمة التي اتصف بها، المتعلقة بالمرحوم، فالنعم كلها، أثر من آثار رحمته» (39).
28- قوله: «هزمهم اللَّه»: هزم العَدُوَّ: كسَرَهُمْ، وفَلَّهُم، والاسمُ: الهَزِيمَةُ والهِزِّيمَى، كخِلِّيفى، وهزم البِئْرَ: حَفَرَها (40).

ما يستفاد من الحديث:

1- حرص السلف الصالح على معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كافة أحواله، حتى يكون العلم قبل العمل، وهذا هو طريق السداد؛ لقول اللَّه تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ (41)، فقدم العلم على العمل.
2- حفظ اللَّه لنبيه صلى الله عليه وسلم من مكر الماكرين، ومن الشياطين كافة، حتى يبلغ الدعوة، ويقيم به اللَّه الملة.
3- صدق اللجوء إلى اللَّه، والتوكل عليه، مع عدم إغفال الأسباب التي أمر بها الشرع فإنها سند متين، يكشف اللَّه به الكرب.
4- بيان عظيم قدرة اللَّه تعالى وإحاطته بجميع مخلوقاته ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (42).
5- يجب على المسلم أن يتخير الطيب من القول والعمل لعلمه أن الأعمال تعرض على اللَّه ولا يكون من الذين تعرض صحائفهم على اللَّه بسيئ العمل، قال النبي صلى الله عليه وسلم في يومي الإثنين والخميس عندما سُئل: «إِنَّكَ تَصُومُ حَتَّى لَا تَكَادَ تُفْطِرُ، وَتُفْطِرُ حَتَّى لَا تَكَادَ أَنْ تَصُومَ، إِلَّا يَوْمَيْنِ إِنْ دَخَلَا فِي صِيَامِكَ وَإِلَّا صُمْتَهُمَا، قَالَ: «أَيُّ يَوْمَيْنِ؟» قُلْتُ: يَوْمَ الإثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، قَالَ: «ذَانِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» (43).
والذي يقوم بعرض الأعمال هم الملائكة.
6- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «وكَلِمَاتُ اللَّهِ التَّامَّاتُ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ: هِيَ الَّتِي كَوَّنَ بِهَا الْكَائِنَاتِ، فَلَا يَخْرُجُ بَرٌّ، وَلَا فَاجِرٌ عَنْ تَكْوِينِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، وَقُدْرَتِهِ، وَأَمَّا كَلِمَاتُهُ الدِّينِيَّةُ: وَهِيَ كُتُبُهُ الْمُنَزَّلَةُ، وَمَا فِيهَا مِنْ أَمْرِهِ، وَنَهْيِهِ، فَأَطَاعَهَا الْأَبْرَارُ، وَعَصَاهَا الْفُجَّارُ، وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الْمُطِيعُونَ لِكَلِمَاتِهِ الدِّينِيَّةِ، وَجَعْلِهِ الدِّينِيِّ، وَإِذْنِهِ الدِّينِيِّ، وَإِرَادَتِهِ الدِّينِيَّةِ، وَأَمَّا كَلِمَاتُهُ الْكَوْنِيَّةُ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهَا بَرٌّ، وَلَا فَاجِرٌ؛ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَهَا جَمِيعُ الْخَلْقِ حَتَّى إبْلِيسَ وَجُنُودَهُ، وَجَمِيعَ الْكُفَّارِ، وَسَائِرَ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ، فَالْخَلْقُ، وَإِنْ اجْتَمَعُوا فِي شُمُولِ الْخَلْقِ، وَالْمَشِيئَةِ، وَالْقُدْرَةِ، وَالْقَدَرِ لَهُمْ، فَقَدْ افْتَرَقُوا فِي الْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَالْمَحَبَّةِ، وَالرِّضَا، وَالْغَضَبِ، وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الَّذِينَ فَعَلُوا الْمَأْمُورَ، وَتَرَكُوا الْمَحْظُورَ، وَصَبَرُوا عَلَى الْمَقْدُورِ، فَأَحَبَّهُمْ، وَأَحَبُّوهُ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ، وَرَضُوا عَنْهُ، وَأَعْدَاؤُهُ أَوْلِيَاءُ الشَّيَاطِينِ، وَإِنْ كَانُوا تَحْتَ قُدْرَتِهِ، فَهُوَ يُبْغِضُهُمْ، وَيَغْضَبُ عَلَيْهِمْ، وَيَلْعَنُهُمْ، وَيُعَادِيهِمْ، وَبَسْطُ هَذِهِ الْجُمَلِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ، وَإِنَّمَا كَتَبْت هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى مَجَامِعِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ، وَجَمْعُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا اعْتِبَارُهُمْ بِمُوَافَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ السُّعَدَاءِ، وَأَعْدَائِهِ الْأَشْقِيَاءِ، وَبَيْنَ أَوْلِيَائِهِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَعْدَائِهِ أَهْلِ النَّارِ، وَبَيْنَ أَوْلِيَائِهِ أَهْلِ الْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ أَهْلِ الْغَيِّ وَالضَّلَالِ، وَالْفَسَادِ، وَأَعْدَائِهِ حِزْبِ الشَّيْطَانِ، وَأَوْلِيَائِهِ الَّذِينَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ، وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحِ مِنْه» (44).

1 عبد الرحمن بن خنبش رضي الله عنه التميمي، قال ابن حبان: له صحبة، سكن البصرة، وبعضهم شك في صحبته، والمعتمد على من جزم بأن له صحبة. انظر: الاستيعاب، 2/ 831، والإصابة في تمييز الصحابة، 4/ 300.
2 مسند أحمد، برقم 15460، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، 2/ 495
3 عمل اليوم والليلة، لابن السني، برقم 637، وحسنه بشواهده سليم الهلالي في عجالة الراغب المتمني في تخريج كتاب عمل اليوم والليلة، لابن السني، 2/ 727
4 القاموس المحيط، ص 254، مادة (شيخ).
5 النهاية في غريب الحديث والأثر، 4/ 217، مادة (كيد).
6 لمصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 2/ 545، مادة (كيد).
7 انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 474، مادة (شطن)
8 لسان العرب، 4/ 172، مادة (حدر)
9 المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 2/ 655، مادة (ودي).
10 المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، 1/ 313، مادة (شعب).
11 مقاييس اللغة، 4/ 501، مادة (فزع).
12 النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 444، مادة (فزع).
13 النهاية في غريب الحديث والأثر، 5/ 274، مادة (همّ).
14 لقاموس المحيط، ص 1018، مادة (شعل).
15 لسان العرب، 7/ 421، مادة (هبط
16 انظر: المصباح المنير، 1/ 90، مادة (جبر)
17 انظر: مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني، 2/ 136.
18 تفسير السعدي، ص 937
19 مجموع الفتاوى، لابن تيمية، 1/ 169.
20 مرقاة المفاتيح، 1/ 402.
21 مرقاة المفاتيح، 2/ 266
22 مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، ص 259
23 النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 314، مادة (جوز).
24 تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين، ص 141.
25 أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ص 116.
26 لنهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 116، مادة (برر).
27 النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 413، مادة (فجر).
28 النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 111، مادة (برأ).
29 النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 156، مادة (ذرأ).
30 المنتقى شرح الموطأ، 7/ 271.
31 سورة البقرة، الآية: 29.
32 سورة المؤمنون، الآية: 79.
33 سورة البقرة، الآية: 54.
34 الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، 2/ 334.
35 نيل الأوطار، 6/ 313
36 لفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، 2/ 334.
37 المفردات في غريب القرآن، 1/ 300، مادة (خير).
38 تفسير ابن كثير، 1/ 124.
39 تفسير السعدي، ص 39.
40 القاموس المحيط، ص 1169، مادة (هزم).
41 سورة محمد، الآية: 19.
42 سورة الحديد، الآية: 4.
43 النسائي، كتاب الصيام، صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي وذكر اختلاف الناقلين للخبر في ذلك، برقم 2357، وأبو داود، كتاب الصيام، باب في صوم الإثنين، برقم 2436، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 78، وقال في صحيح سنن النسائي، 2/ 154: «حسن صحيح»، وانظر: إرواء الغليل للألباني، برقم 919.
44 مجموع الفتاوى لابن تيمية، 11/ 271.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Sunday, August 10, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب