لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم له دلالات مهمة، وإليك شرحه الوافي:

---

الحديث ومصدره:

هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الفضائل، باب فضل أهل عُمان. وهو حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

---

١. شرح المفردات:

● بعث: أرسل.
● حي من أحياء العرب: قبيلة من القبائل العربية.
● سبوه: شتموه وآذوه بالكلام.
● ضربوه: آذوه جسدياً.
● أهل عُمان: سكان منطقة عُمان (في جنوب شرق الجزيرة العربية).
● ما سبوك ولا ضربوك: لن يسبوك أو يضربوك.

---

٢. شرح الحديث:

يخبر الصحابي الجليل أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أحد الدعاة إلى قبيلة من القبائل العربية ليدعوهم إلى الإسلام، فقابلوه بالإيذاء اللفظي (السب) والجسدي (الضرب) بدلاً من الاستجابة لدعوته.
فلما عاد هذا الداعية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بما حدث، قال له النبي عليه الصلاة والسلام مواسياً ومعلماً: «لو أن أهل عُمان أتيت، ما سبوك ولا ضربوك».
وهذا الكلام النبوي يحمل معنيين:
● المواساة والتعزية: لتخفيف ألم ما تعرض له الداعية من إيذاء.
● الثناء على أهل عُمان: وإبراز صفة حميدة فيهم، وهي حسن الاستماع والرد بالمعروف، وعدم الاعتداء على من جاءهم داعياً إلى الخير، حتى لو لم يقبلوا دعوته.

---

٣. الدروس المستفادة والعبر:

1- صبر الدعاة إلى الله: الدعوة إلى الله تحتاج إلى صبر عظيم على ما قد يلاقيه الداعية من أذى وصدود.
2- تقدير جهود الدعاة: من واجب القادة والعلماء تقدير جهود الدعاة وتثبيتهم عند المواقف الصعبة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
3- تفاضل الناس في الأخلاق: الناس يختلفون في أخلاقهم واستجابتهم للحق، فمنهم من يقابلك بالإيذاء، ومنهم من يقابلك بالحلم والكرم، كأهل عُمان.
4- الثناء على الفضائل: ينبغي الثناء على الجماعات والأمم التي تتسم بصفات حسنة، لتحفيز الآخرين على الاقتداء بهم.
5- فضيلة أهل عُمان: اشتهر أهل عُمان منذ القدم بحسن الخلق والكرم والحلم، وقد أسلموا طواعية دون حرب، وكانوا مثالاً للتعايش السلمي وقبول الآخر.

---

٤. معلومات إضافية مفيدة:

- كان هذا الثناء النبوي سبباً في حرص العديد من علماء المسلمين على زيارة عُمان والاختلاط بأهلها، ووجدوا فيها أرضاً خصبة للدعوة والعلم.
- يستفاد من الحديث أهمية اختيار الدعاة الذين يحملون أخلاق الدعوة ويسيرون فيها بحكمة وصبر.
- الحديث يزرع في نفس الداعية الأمل، فليس كل الناس سيئي الاستقبال، وهناك من يقدر الرسالة والداعية.
نسأل الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يعين دعاة الإسلام في كل مكان.
والله أعلم.