الله الله في قبط مصر فإنكم ستظهرون عليهم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم فيه وصية نبوية كريمة تتعلق ببلد مصر وأهلها، وسأشرحه لك جزءًا جزءًا وفق ما ورد في كتب أهل السنة والجماعة.
الحديث:
عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ أوصى عند وفاته فقال: «الله الله في قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم، ويكون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله».
رواية الحديث ومصادره:
هذا الحديث رواه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي. وهو حديث حسن بشواهده.

---

1. شرح المفردات:

● الله الله:
كلمة تكرير للتنبيه والتأكيد على عظم الأمر والتحذير من التفريط فيه، أي: "اتقوا الله، احذروا الله، أو الزموا حق الله فيهم".
● قبط مصر:
"القبط" هم أهل مصر الأصليون من غير العرب، وكانوا غالب سكان مصر وقت الفتح الإسلامي. والمقصود هنا عموم أهل مصر.
● ستظهرون عليهم:
أي ستفتحون مصر وتغلبونهم وتصيرون حاكمين لهم.
● عدة وأعوانا في سبيل الله:
"العدة": القوة والمنعة والعتاد.
"أعوانا": مساعدين وأنصارًا.
أي: سيكون أهل مصر قوة ومنعة ونصرة للمسلمين في جهادهم ودعوتهم.

---

2. شرح الحديث:

في هذا الحديث النبوي الشريف، يوصي النبي ﷺ أمته في آخر لحظات حياته -وهي وصية تظهر أهمية ما أوصى به- بأهل مصر خيرًا، ويأمرهم بتقوى الله في معاملتهم، والرفق بهم، والعدل معهم.
ويبشر النبي ﷺ بأن المسلمين سيفتحون مصر (وهذا ما تحقق في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد عمرو بن العاص)، ولكنه لا يقتصر على مجرد الخبر بالفتح، بل يوجه إلى كيفية التعامل بعد الفتح.
ثم يبشر ﷺ بخصلة عظيمة لأهل مصر، وهي أنهم سيكونون عونًا للمسلمين وقوة لهم ينصرون بهم دين الله، ويقاتلون في سبيله. وقد تحققت هذه البشارة النبوية عبر العصور، فكانت مصر دارًا للعلم والإيمان، ومنارةً للجهاد، وانطلق منها الكثير من الفتوحات الإسلامية، وكان جنودها من أعظم جنود الإسلام.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- الرفق بالرعية والعدل معهم:
وصية النبي ﷺ "الله الله في قبط مصر" تأكيد على مبدأ الرحمة والعدل في معاملة غير المسلمين الذين يعيشون تحت حكم الإسلام (أهل الذمة)، وعدم ظلمهم أو الاعتداء عليهم.
2- صدق نبوة محمد ﷺ:
الحديث من معجزاته ﷺ التي أخبر فيها عن غيب مستقبلي، فقد تحقق فتح مصر، وتحقق أن أصبح أهلها عدة وأعوانًا للمسلمين.
3- مكانة مصر وأهلها في الإسلام:
الحديث يشير إلى المكانة الخاصة لمصر وأهلها، وأن لهم دورًا عظيمًا في نصر هذا الدين. وقد كان كذلك عبر التاريخ، فمصر كانت حصناً من حصون الإسلام، ومنارة للعلم والعلماء.
4- الحكمة في سياسة الأمم:
النبي ﷺ يعلم أمته أن القوة ليست في القهر والاستبداد، بل في العدل والرحمة، مما يجعل الشعوب المحكومة تحب حكامها وتناصرهم، وهذا أعظم للقوة وأبقى للدولة.
5- التخطيط للمستقبل:
الوصية النبوية ترسم منهجًا للمسلمين في تعاملهم مع البلاد المفتوحة، وهو منهج قائم على التوحيد والعدل، لا على الاستعمار والاستغلال.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- تحققت بشارة النبي ﷺ في فتح مصر سنة 20 هـ في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
- كان لعلماء مصر ودورها العلمي (كالأزهر الشريف) أثر كبير في حفظ علوم الإسلام ونشرها.
- عبر التاريخ، كان لجنود مصر دور بارز في صد العدوان عن ديار الإسلام، كحملات الصليبيين والتتار.
- يجب التفريق بين "القبط" كمصطلح تاريخي لأهل مصر، وبين الطوائف القبطية الحديثة. الوصية النبوية تشمل جميع أهل مصر بالعدل والرحمة.
نسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يرد مصر وأهلها إلى دينهم ردًا جميلاً.
والله أعلم.