﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
[ البقرة: 231]

سورة : البقرة - Al-Baqarah  - الجزء : ( 2 )  -  الصفحة: ( 37 )

And when you have divorced women and they have fulfilled the term of their prescribed period, either take them back on reasonable basis or set them free on reasonable basis. But do not take them back to hurt them, and whoever does that, then he has wronged himself. And treat not the Verses (Laws) of Allah as a jest, but remember Allah's Favours on you (i.e. Islam), and that which He has sent down to you of the Book (i.e. the Quran) and Al-Hikmah (the Prophet's Sunnah - legal ways - Islamic jurisprudence, etc.) whereby He instructs you. And fear Allah, and know that Allah is All-Aware of everything.


فبلغن أجلهنّ : شارفن انقضاء عدّتهنّ
و لا تمسكوهنّ ضرارا : مضارّة لهنّ
آيات الله هزوا : سخريّة بالتّهاون في المحافظة عليها
الكتاب و الحكمة : القرآن و السّنّة

وإذا طَلَّقتم النساء فقاربن انتهاء عدتهن، فراجعوهن، ونيتكم القيام بحقوقهن على الوجه المستحسن شرعًا وعرفًا، أو اتركوهن حتى تنقضي عدتهن. واحذروا أن تكون مراجعتهن بقصد الإضرار بهن لأجل الاعتداء على حقوقهن. ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه باستحقاقه العقوبة، ولا تتخذوا آيات الله وأحكامه لعبًا ولهوًا. واذكروا نعمة الله عليكم بالإسلام وتفصيل الأحكام. واذكروا ما أنزل الله عليكم من القرآن والسنة، واشكروا له سبحانه على هذه النعم الجليلة، يُذكِّركم الله بهذا، ويخوفكم من المخالفة، فخافوا الله وراقبوه، واعلموا أن الله عليم بكل شيء، لا يخفى عليه شيء، وسيجازي كلا بما يستحق.

وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن - تفسير السعدي

ثم قال تعالى: { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ }- أي: طلاقا رجعيا بواحدة أو ثنتين.
{ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ }- أي: قاربن انقضاء عدتهن.
{ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }- أي: إما أن تراجعوهن, ونيتكم القيام بحقوقهن, أو تتركوهن بلا رجعة ولا إضرار, ولهذا قال: { وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا }- أي: مضارة بهن { لِتَعْتَدُوا } في فعلكم هذا الحلال, إلى الحرام، فالحلال: الإمساك بمعروف والحرام: المضارة، { وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } ولو كان الحق يعود للمخلوق فالضرر عائد إلى من أراد الضرار.
{ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا } لما بين تعالى حدوده غاية التبيين, وكان المقصود, العلم بها والعمل, والوقوف معها, وعدم مجاوزتها, لأنه تعالى لم ينزلها عبثا, بل أنزلها بالحق والصدق والجد, نهى عن اتخاذها هزوا,- أي: لعبا بها, وهو التجرؤ عليها, وعدم الامتثال لواجبها، مثل استعمال المضارة في الإمساك, أو الفراق, أو كثرة الطلاق, أو جمع الثلات، والله من رحمته جعل له واحدة بعد واحدة, رفقا به وسعيا في مصلحته.
{ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } عموما باللسان ثناء وحمدا، وبالقلب اعترافا وإقرارا, وبالأركان بصرفها في طاعة الله، { وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ }- أي: السنة اللذين بيّن لكم بهما طرق الخير ورغبكم فيها, وطرق الشر وحذركم إياها, وعرفكم نفسه ووقائعه في أوليائه وأعدائه, وعلمكم ما لم تكونوا تعلمون.
وقيل: المراد بالحكمة أسرار الشريعة, فالكتاب فيه, الحكم، والحكمة فيها, بيان حكمة الله في أوامره ونواهيه، وكلا المعنيين صحيح، ولهذا قال { يَعِظُكُمْ بِهِ }- أي: بما أنزل عليكم, وهذا مما يقوي أن المراد بالحكمة, أسرار الشريعة, لأن الموعظة ببيان الحكم والحكمة, والترغيب, أو الترهيب, فالحكم به, يزول الجهل، والحكمة مع الترغيب, يوجب الرغبة، والحكمة مع الترهيب يوجب الرهبة.
{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } في جميع أموركم { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } فلهذا بيّن لكم هذه الأحكام بغاية الإحكام والإتقان التي هي جارية مع المصالح في كل زمان ومكان, [فله الحمد والمنة].

تفسير الآية 231 - سورة البقرة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف : الآية رقم 231 من سورة البقرة

 سورة البقرة الآية رقم 231

وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن - مكتوبة

الآية 231 من سورة البقرة بالرسم العثماني


﴿ وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖۚ وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارٗا لِّتَعۡتَدُواْۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوٗاۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ يَعِظُكُم بِهِۦۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ  ﴾ [ البقرة: 231]


﴿ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنـزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم ﴾ [ البقرة: 231]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة البقرة Al-Baqarah الآية رقم 231 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 231 من البقرة صوت mp3


تدبر الآية: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن

إن المعروف والجميل والحسنى خلالٌ كريمةٌ يجب أن تسودَ الحياة الزوجيَّة، سواءٌ اتصلَت حبالها أو انفصمَت عُراها، ولا يجوز أن تُداخلَها نيَّة الإيذاء والإعنات.
مَن يمسك المطلَّقةَ اعتداءً وظلمًا فإنما يظلم نفسَه بإيراده إيَّاها موردَ الهلكة، وإشاعته سلوكًا سيِّئًا في المجتمع.
من الاستهزاء بآيات الله التلاعبُ بها، وارتكابُ خلاف مقاصدها، فارعَها أيها المؤمنُ حقَّ رعايتها، وإيَّاك والتهاونَ في تعظيمها.
استشعار مِنَن الله تعالى في حِكَمه السَّديدة وشريعته العادلة خيرُ باعثٍ على امتثالها والاستقامة على نهجها، والاتِّعاظ بمواعظها.
نِعَم الله كثيرةٌ جليلة، ومن أجلِّها أن جعل لك واعظًا في قلبك من كتاب ربِّك وسنَّة نبيِّك، يُلزمك الكتابَ والحكمة، ويحجُزك عمَّا يضرُّك.
يستثير القرآنُ في المؤمن شعورَ الخوف والحذر من المنعِم، بعد شعور الحياء والخَفَر بتذكُّر النِّعَم، ويأخذ النفسَ من أقطارها؛ ليقودَها في طريق السماحة والرِّفق والتجمُّل.

قال-تبارك وتعالى-: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ، وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ.
قال الراغب: الأجل: المدة المضروبة للشيء.
قال-تبارك وتعالى- لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى..- أى مدة معينة- والبلوغ والبلاغ الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى مكانا كان أو زمانا أو أمرا من الأمور المقدرة، وربما يعبر به عن المشارفة عليه وإن لم يننه.
فمن الانتهاء قوله-تبارك وتعالى-:حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.. وأما قوله: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فللمشارفة فإنها إذا انتهت إلى أقصى الأجل لا يصح للزوج مراجعتها وإمساكها» .
والمراد بالأجل هنا عدة المرأة.
وببلوغها قرب انتهائها.
والضرار- كما يقول الرازي- هو المضارة.
قال-تبارك وتعالى-: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً أى اتخذوا المسجد ضررا ليضاروا المؤمنين، ومعناه يرجع إلى إثارة العداوة، وإزالة الألفة، وإيقاع الوحشة، وموجبات النفرة» .
والمعنى: وإذا طلقتم- أيها المؤمنون- نساءكم طلاقا رجعيا، فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ أى فشارفت عدتهن على الانتهاء، وقاربت الانقضاء، فعليكم أن تتدبروا مليا في أمركم، فإن رأيتم الأصلح في بقائهن معكم فنفذوا ذلك وأمسكوهن بمعروف.
أى بما هو المعروف من شرع الله الحكيم، وبما تقره الأخلاق الحسنة والعقول السليمة.
وإن رأيتم أنه لا رغبة لكم في البقاء معهن فسرحوهن بمعروف أى فأمضوا الطلاق، وتفارقوا بالطريقة التي يرضاها الحق- سبحانه - بأن تؤدوا لهن حقوقهن.
ولا تذكروهن بسوء بعد انفصالكم عنهن، فهذا شأن الأتقياء الصالحين فقد سئل بعضهم، لم طلقت امرأتك؟ فقال: إن العاقل لا يذكر ما بينه وبين أهله.
قال القرطبي: معنى فَبَلَغْنَ قاربن بإجماع من العلماء، ولأن المعنى يضطر إلى ذلك، لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك، وهو في الآية التي بعدها بمعنى الانتهاء، لأن المعنى يقتضى ذلك، فهو حقيقة في الثانية، مجاز في الأولى- أى التي معنا-» .
ثم نهى- سبحانه - عن الإمساك الذي يكون معه الضرر فقال.
وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا أى لا تراجعوهن إرادة الضرر بهن والإيذاء لهن لتعتدوا عليهن، والجملة الكريمة تأكيد للأمر بالإمساك بمعروف، وتوضيح لمعناه، وزجر صريح عما كان يفعله يعضهم من مراجعته لامرأته قبل انتهاء عدتها لا لقصد الإبقاء على الزوجية وإنما القصد إطالة عدة الزوجة، أو لقصد أن تفتدى نفسها منه بالمال: وضِراراً منصوب على الحال في تمسكوهن أو على أنه مفعول لأجله.
واللام في قوله: لِتَعْتَدُوا هي لام العاقبة أى لتكون عاقبة أمركم الاعتداء.
وحذف متعلق «لتعتدوا» ليتناول الاعتداء عليهن وعلى أحكام الله-تبارك وتعالى-.
وقوله: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وعيد شديد لمن يقدم على ما نهى الله عنه.
أى:ومن يراجع مطلقته بقصد الإضرار بها والاعتداء عليها فقد ظلم نفسه ظلما مؤكدا، لأنه سيعرضها لعقاب الله وسخط الناس.
وجعل ظلمهم لنسائهم ظلما لأنفسهم، لأن عملهم هذا سيؤدي إلى اختلال المعاشرة الزوجية واضطرابها، وشيوع العداوة والبغضاء بين الزوجين وبين أهلهما.
ثم كرر- سبحانه - تحذير المخالفين لشريعته، وذكرهم بألوان نعمه عليهم ليستجيبوا لأمره فقال: وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً، وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ.
آيات الله: أحكامه التي شرعها في شأن الطلاق وغيره.
والهزء- بضمتين- مصدر هزا به إذا سخر ولعب وهو هنا مصدر بمعنى اسم المفعول أى:مهزوءا بها.
وقوله هُزُواً مفعول ثان لتتخذوا.
والمراد بالحكمة هنا.
السنة النبوية المطهرة.
والموعظة والعظة: النصح والتذكير بالخير.
بما يرقق القلوب، ويحذر النفوس مما نهى الله عنه.
أى: ولا تتخذوا- أيها الناس- آيات الله التي شرعها لكم في شأن الطلاق وغيره مهزوءا بها بأن تعرضوا عنها، وتتهاونوا في المحافظة عليها، والتمسك بتعاليمها، ومن مظاهر ذلك أن بعض الناس كان يكثر من التلفظ بالطلاق متوهما أن ذلك لا يضر، أو كان يتخذ المراجعة وسيلة لإيذاء المرأة.
قال القرطبي: وفي موطأ مالك أنه بلغه أن رجلا قال لابن عباس: «إنى طلقت امرأتى مائة مرة فماذا ترى على؟ فقال ابن عباس: طلقت منك بثلاث، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا» .
والجملة الكريمة نهى أريد به الأمر بضده، أى جدوا في العمل بأوامر الله وآياته، وارعوها حق رعايتها.
وقوله: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.
إلخ أى تذكروها في هدايتكم إلى الإسلام، وفي مشروعية الزوجية وفي غير ذلك مما لا يحصى من النعم وتدبروا نعم الله عليكم فقابلوها بالشكر، واستعملوها فيما خلقت له، وتذكروا كذلك ما أنزل الله عليكم بواسطة رسولكم محمد صلّى الله عليه وسلّم من الكتاب وهو القرآن الذي يهدى للتي هي أقوم، ومن الحكمة وهي السنة النبوية المطهرة، بما جاء فيهما من توجيهات سامية، وآداب عالية.
و «ما» في قوله: وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ موصولة والعائد محذوف أى ما أنزله و «من» في قوله: مِنَ الْكِتابِ بيانية، وجملة يَعِظُكُمْ بِهِ حال من فاعل أنزل أو من مفعوله، والضمير في بِهِ يعود على الكتاب والحكمة بعد تأويلهما بالمذكور.
وجعل ضميرهما واحدا لأنهما في مؤداهما وغايتهما شيء واحد، فالسنة ليست نابعة إلا من الكتاب ومنه أخذت قوتها وسلطانها.
وقوله- سبحانه -: في ختام الآية وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ تذكير لهم بتقوى الله وخشيته ومراقبته، وتحذير لهم من مخالفة أمره.
أى: صونوا أنفسكم عن كل ما يغضب الله-تبارك وتعالى- فيما يتعلق بأمور الزوجية وفي غيرها مما شرعه لكم، واعلموا أنه- سبحانه - عليم بكل شيء، عليم بما تسرونه وما تعلنونه، وسيحاسب كل إنسان بما قدمت يداه يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ.
وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليمفيه ست مسائل :الأولى : قوله تعالى : فبلغن أجلهن معنى " بلغن " قاربن ، بإجماع من العلماء ، ولأن المعنى يضطر إلى ذلك ؛ لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك ، وهو في الآية التي بعدها بمعنى التناهي ؛ لأن المعنى يقتضي ذلك ، فهو حقيقة في الثانية مجاز في الأولى .
الثانية : قوله تعالى : فأمسكوهن بمعروف الإمساك بالمعروف هو القيام بما يجب لها من حق على زوجها ، ولذلك قال جماعة من العلماء : إن من الإمساك بالمعروف أن الزوج إذا لم يجد ما ينفق على الزوجة أن يطلقها ، فإن لم يفعل خرج عن حد المعروف ، فيطلق عليه الحاكم من أجل الضرر اللاحق لها من بقائها عند من لا يقدر على نفقتها ، والجوع لا صبر عليه ، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد ويحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ، وقاله من الصحابة عمر وعلي وأبو هريرة ، ومن التابعين سعيد بن المسيب وقال : إن ذلك سنة .
ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقالت طائفة : لا يفرق بينهما ، ويلزمها الصبر عليه ، وتتعلق النفقة بذمته بحكم الحاكم ، وهذا قول عطاء والزهري ، وإليه ذهب الكوفيون والثوري ، واحتجوا بقوله تعالى : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ، وقال : وأنكحوا الأيامى منكم الآية ، فندب تعالى إلى إنكاح الفقير ، فلا يجوز أن يكون الفقر سببا للفرقة ، وهو مندوب معه إلى النكاح .
وأيضا فإن النكاح بين الزوجين قد انعقد بإجماع فلا يفرق بينهما إلا بإجماع مثله ، أو بسنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا معارض لها .
والحجة للأول قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري : تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني فهذا نص في موضع الخلاف .
والفرقة بالإعسار عندنا طلقة رجعية خلافا للشافعي في قوله : إنها طلقة بائنة ؛ لأن هذه فرقة بعد البناء لم يستكمل بها عدد الطلاق ولا كانت لعوض ولا لضرر بالزوج فكانت رجعية ، أصله طلاق المولي .
الثالثة : قوله تعالى : أو سرحوهن بمعروف يعني فطلقوهن ، وقد تقدم .
ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا روى مالك عن ثور بن زيد الديلي : أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ولا حاجة له بها ولا يريد إمساكها ، كيما يطول بذلك العدة عليها وليضارها ، فأنزل الله تعالى : ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه يعظهم الله به .
وقال الزجاج : فقد ظلم نفسه يعني عرض نفسه للعذاب ؛ لأن إتيان ما نهى الله عنه تعرض لعذاب الله .
وهذا الخبر موافق للخبر الذي نزل بترك ما كان عليه أهل الجاهلية من الطلاق والارتجاع حسب ما تقدم بيانه عند قوله تعالى : الطلاق مرتان .
فأفادنا هذان الخبران أن نزول الآيتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب وذلك حبس الرجل المرأة ومراجعته لها قاصدا إلى الإضرار بها ، وهذا ظاهر .
الرابعة : قوله تعالى : ولا تتخذوا آيات الله هزوا معناه لا تتخذوا أحكام الله تعالى في طريق الهزو بالهزو فإنها جد كلها ، فمن هزل فيها لزمته .
قال أبو الدرداء : كان الرجل يطلق في الجاهلية ويقول : إنما طلقت وأنا لاعب ، وكان يعتق وينكح ويقول : كنت لاعبا ، فنزلت هذه الآية ، فقال عليه السلام : من طلق أو حرر أو نكح أو أنكح فزعم أنه لاعب فهو جد .
رواه معمر قال : حدثنا عيسى بن يونس عن عمرو عن الحسن عن أبي الدرداء فذكره بمعناه .
وفي موطإ مالك أنه بلغه أن رجلا قال لابن عباس : إني طلقت امرأتي مائة مرة فماذا ترى علي ؟ فقال ابن عباس : ( طلقت منك بثلاث ، وسبع وتسعون اتخذت بها آيات الله هزوا ) .
وخرج الدارقطني من حديث إسماعيل بن أمية القرشي عن علي قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا طلق البتة فغضب وقال : تتخذون آيات الله هزوا - أو دين الله هزوا ولعبا من طلق البتة ألزمناه ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .
إسماعيل بن أمية هذا كوفي ضعيف الحديث .
وروي عن عائشة : ( أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يقول : والله لا أورثك ولا أدعك .
قالت : وكيف ذاك ؟ قال : إذا كدت تقضين عدتك راجعتك ) ، فنزلت : ولا تتخذوا آيات الله هزوا .
قال علماؤنا : والأقوال كلها داخلة في معنى الآية ؛ لأنه يقال لمن سخر من آيات الله : اتخذها هزوا .
ويقال ذلك لمن كفر بها ، ويقال ذلك لمن طرحها ولم يأخذ بها وعمل بغيرها ، فعلى هذا تدخل هذه الأقوال في الآية .
و " آيات الله " : دلائله وأمره ونهيه .
الخامسة : ولا خلاف بين العلماء أن من طلق هازلا أن الطلاق يلزمه ، واختلفوا في غيره على ما يأتي بيانه في " براءة " إن شاء الله تعالى .
وخرج أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة .
وروي عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وأبي الدرداء كلهم قالوا : ( ثلاث لا لعب فيهن واللاعب فيهن جاد : النكاح والطلاق والعتاق ) .
وقيل : المعنى لا تتركوا أوامر الله فتكونوا مقصرين لاعبين .
ويدخل في هذه الآية الاستغفار من الذنب قولا مع الإصرار فعلا ، وكذا كل ما كان في هذا المعنى فاعلمه .
السادسة : قوله تعالى : واذكروا نعمة الله عليكم أي بالإسلام وبيان الأحكام .
( والحكمة ) : هي السنة المبينة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم مراد الله فيما لم ينص عليه في الكتاب .
يعظكم به أي يخوفكم .
واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم تقدم .


شرح المفردات و معاني الكلمات : طلقتم , النساء , فبلغن , أجلهن , فأمسكوهن , معروف , سرحوهن , معروف , تمسكوهن , ضرارا , لتعتدوا , يفعل , ظلم , نفسه , تتخذوا , آيات , الله , هزوا , اذكروا , نعمت , الله , أنزل , الكتاب , الحكمة , يعظكم , واتقوا , الله , واعلموا , الله , شيء , عليم , طلقتم+النساء , بلغن+أجلهن , أمسكوهن+بمعروف , سرحوهن+بمعروف , ومن+يفعل+ذلك+فقد+ظلم+نفسه , آيات+الله , يعظكم+به , واتقوا+الله+واعلموا+أن+الله+بكل+شيء+عليم , اتقوا+الله , الله+بكل+شيء+عليم ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. هدى وذكرى لأولي الألباب
  2. إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى
  3. فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين
  4. واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون
  5. قتل أصحاب الأخدود
  6. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نـزلا
  7. أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين
  8. والبحر المسجور
  9. وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما
  10. بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنـزل الله بغيا أن ينـزل الله من فضله

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Friday, March 29, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب