تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ الأنعام: 52] .
﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾
﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾
[ سورة الأنعام: 52]
القول في تفسير قوله تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من ..
تفسير الجلالين | التفسير الميسر | تفسير السعدي |
تفسير البغوي | التفسير الوسيط | تفسير ابن كثير |
تفسير الطبري | تفسير القرطبي | إعراب الآية |
التفسير الميسر : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون
ولا تُبْعد -أيها النبي- عن مجالستك ضعفاء المسلمين الذين يعبدون ربهم أول النهار وآخره، يريدون بأعمالهم الصالحة وجه الله، ما عليك من حساب هؤلاء الفقراء من شيء، إنما حسابهم على الله، وليس عليهم شيء من حسابك، فإن أبعدتهم فإنك تكون من المتجاوزين حدود الله، الذين يضعون الشيء في غير موضعه.
المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار
ولا تُبْعِدْ - أيها الرسول - عن مجلسك فقراء المسلمين الذين هم في عبادة دائمة لله في أول النهار وآخره مخلصين له العبادة، لا تبعدهم لتستميل أكابر المشركين، ليس عليك من حساب هؤلاء الفقراء شيء، إنما حسابهم عند ربهم، وما عليهم من حسابك شيء، إنك إن أبعدتهم عن مجلسك فإنك تكون من المتجاوزين لحدود الله.
تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 52
«ولا تطرد الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشي يريدون» بعبادتهم «وجهه» تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء، وكان المشركون طعنوا فيهم وطلبوا أن يطردهم ليجالسوه وأراد النبي صلي الله عليه وسلم ذلك طمعا في إسلامهم «ما عليك من حسابهم من» زائدة «شيء» إن كان باطنهم غير مرضي «وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم» جواب النفي «فتكون من الظالمين» إن فعلت ذلك.
تفسير السعدي : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون
{ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }- أي: لا تطرد عنك، وعن مجالستك، أهل العبادة والإخلاص، رغبة في مجالسة غيرهم، من الملازمين لدعاء ربهم، دعاء العبادة بالذكر والصلاة ونحوها، ودعاء المسألة، في أول النهار وآخره، وهم قاصدون بذلك وجه الله، ليس لهم من الأغراض سوى ذلك الغرض الجليل، فهؤلاء ليسوا مستحقين للطرد والإعراض عنهم، بل مستحقون لموالاتهم ومحبتهم، وإدنائهم، وتقريبهم، لأنهم الصفوة من الخلق وإن كانوا فقراء، والأعزاء في الحقيقة وإن كانوا عند الناس أذلاء.
{ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ }- أي: كلٌّ له حسابه، وله عمله الحسن، وعمله القبيح.
{ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ } وقد امتثل صلى الله عليه وسلم هذا الأمر، أشد امتثال، فكان إذا جلس الفقراء من المؤمنين صبر نفسَه معهم، وأحسن معاملتهم، وألان لهم جانبه، وحسن خلقَه، وقربهم منه، بل كانوا هم أكثر أهل مجلسه رضي الله عنهم.
وكان سبب نزول هذه الآيات، أن أناسا [من قريش، أو] من أجلاف العرب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أردت أن نؤمن لك ونتبعك، فاطرد فلانا وفلانا، أناسا من فقراء الصحابة، فإنا نستحيي أن ترانا العرب جالسين مع هؤلاء الفقراء، فحمله حبه لإسلامهم، واتباعهم له، فحدثته نفسه بذلك.
فعاتبه الله بهذه الآية ونحوها.
تفسير البغوي : مضمون الآية 52 من سورة الأنعام
( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) قرأ ابن عامر " بالغدوة " بضم الغين وسكون الدال وواو بعدها ، هاهنا وفي سورة الكهف ، وقرأ الآخرون : بفتح العين والدال وألف بعدها .قال سلمان وخباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية ، جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري وذووهم من المؤلفة قلوبهم ، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا مع بلال وصهيب وعمار وخباب في ناس من ضعفاء المؤمنين ، فلما رأوهم حوله حقروهم ، فأتوه فقالوا : يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم - وكان عليهم جباب صوف لم يكن عليهم غيرها - لجالسناك وأخذنا عنك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم : " ما أنا بطارد المؤمنين " قالوا فإنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا ، فإذا فرغنا فاقعد معهم إن شئت ، قال : نعم ، قالوا : اكتب لنا عليك بذلك كتابا ، قال : فدعا بالصحيفة ودعا عليا ليكتب ، قالوا ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل بقوله : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) إلى قوله : ( بالشاكرين ) فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده ، ثم دعانا فأثبته ، وهو يقول : ( سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) ، فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله عز وجل : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) ( الكهف ، 28 ) ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد وندنو منه حتى كادت ركبنا تمس ركبته ، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم ، وقال لنا : " الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات " .وقال الكلبي : قالوا له اجعل لنا يوما ولهم يوما ، فقال : لا أفعل ، قالوا : فاجعل المجلس واحدا فأقبل إلينا وول ظهرك عليهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي )قال مجاهد : قالت قريش : لولا بلال وابن أم عبد لبايعنا محمدا ، فأنزل الله هذه الآية : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) قال ابن عباس : يعني يعبدون ربهم بالغداة والعشي ، يعني : صلاة الصبح وصلاة العصر ، ويروى عنه : أن المراد منه الصلوات الخمس ، وذلك أن أناسا من الفقراء كانوا مع النبي عليه السلام ، فقال ناس من الأشراف : إذا صلينا فأخر هؤلاء فليصلوا خلفنا ، فنزلت الآية . وقال مجاهد : صليت الصبح مع سعيد بن المسيب ، فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاص ، فقال سعيد : ما أسرع الناس إلى هذا المجلس! قال مجاهد : فقلت يتأولون قوله تعالى ( يدعون ربهم بالغداة والعشي ) قال : أفي هذا هو ، إنما ذلك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن ، وقال إبراهيم النخعي : يعني يذكرون ربهم ، وقيل المراد منه : حقيقة الدعاء ، ( يريدون وجهه ) أي : يريدون الله بطاعتهم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يطلبون ثواب الله فقال : ( ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء ) أي : لا تكلف أمرهم ولا يتكلفون أمرك ، وقيل: ليس رزقهم عليك فتملهم ، ( فتطردهم ) ولا رزقك عليهم ، قوله ( فتطردهم ) جواب لقوله ( ما عليك من حسابهم من شيء ) وقوله : ( فتكون من الظالمين ) جواب لقوله ( ولا تطرد ) أحدهما جواب النفي والآخر جواب النهي .
التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية
ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقرب فقراء المسلمين من مجلسه لأنهم مع فقرهم أفضل عند الله من كثير من الأغنياء. فقال تعالى:وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ.أى: لا تبعد أيها الرسول الكريم عن مجالسك هؤلاء المؤمنين الفقراء الذين يدعون ربهم صباح مساء، ويريدون بعملهم وعبادتهم وجه الله وحده بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك فهم أفضل عند الله من الأغنياء المتغطرسين والأقوياء الجاهلين.وقد روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما جاء عن ابن مسعود قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نصير تبعا لهؤلاء؟لا.. اطردهم فلعلك إن طردتهم نتبعك. فنزلت هذه الآية :ففي الآية الكريمة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يطرد هؤلاء الضعفاء من مجلسه. لأنه وإن كان صلى الله عليه وسلم يميل إلى تأليف قلوب الأقوياء للإسلام لينال بقوتهم قوة، إلا أن الله تعالى بين له أن القوة في الإيمان والعمل الصالح، وأن هؤلاء الضعفاء من المؤمنين قد وصفهم خالقهم بأنهم يتضرعون إليه في كل أوقاتهم ولا يقصدون بعبادتهم إلا وجه الله، فكيف يطردون من مجالس الخير؟.ثم قال تعالى: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ.أى: إن الله تعالى هو الذي سيتولى حسابهم وجزاءهم ولن يعود عليك من حسابهم شيء، كما أنه لا يعود عليهم من حسابك شيء، فهم مجزيون بأعمالهم، كما أنك أنت يا محمد مجزى بعملك، فإن طردتهم استجابة لرضى غيرهم كنت من الظالمين. إذ أنهم لم يصدر عنهم ما يستوجب ذلك، وحاشا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يطرد قوما تلك هي صفاتهم.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أما كفى قوله ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى ضم إليه وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قلت: قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة وقصد بهما مؤدى واحد وهو المعنى في قوله: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعا كأنه قيل: لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه.وقيل: الضمير للمشركين. والمعنى: لا يؤاخذون بحسابك ولا أنت بحسابهم حتى يهمك إيمانهم ويحركك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين} .وهنا تخريج آخر لقوله: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ بأن المعنى: ما عليك شيء من حساب رزقهم ان كانوا فقراء، وما من حسابك في الفقر والغنى عليهم من شيء، أى أنت مبشر ومنذر ومبلغ للناس جميعا سواء منهم الفقير والغنى، فكيف تطرد فقيرا لفقره، وتقرب غنيا لغناه؟ إنك إن فعلت ذلك كنت من الظالمين، ومعاذ الله أن يكون ذلك منك.وقوله فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ جواب للنهى عن الطرد، وقوله فَتَطْرُدَهُمْ جواب لنفى الحساب.
ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون: تفسير ابن كثير
وقوله : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } أي: لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفة عنك ، بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك ، كما قال : { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا } [ الكهف : 28 ] .
وقوله { يدعون ربهم } أي: يعبدونه ويسألونه { بالغداة والعشي } قال سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وقتادة : المراد بذلك الصلوات المكتوبات .
وهذا كقوله [ تعالى ] { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } [ غافر : 60 ] أي: أتقبل منكم .
وقوله : { يريدون وجهه } أي: يبتغون بذلك العمل وجه الله الكريم ، فهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات .
وقوله : { ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء } كما قال نوح ، - عليه السلام - ، في جواب الذين قالوا : { أنؤمن لك واتبعك الأرذلون } [ قال ] { وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون } [ الشعراء : 112 ، 113 ] ، أي: إنما حسابهم على الله ، عز وجل ، وليس علي من حسابهم من شيء ، كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء .
وقوله : { فتطردهم فتكون من الظالمين } أي: إن فعلت هذا والحالة هذه .
قال الإمام أحمد : حدثنا أسباط - هو ابن محمد - حدثنا أشعث ، عن كردوس ، عن ابن مسعود قال : مر الملأ من قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعنده : خباب وصهيب وبلال وعمار . فقالوا : يا محمد ، أرضيت بهؤلاء؟ فنزل فيهم القرآن : { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم } إلى قوله : { أليس الله بأعلم بالشاكرين }
ورواه ابن جرير ، من طريق أشعث ، عن كردوس ، عن ابن مسعود قال : مر الملأ من قريش برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعنده : صهيب وبلال وعمار وخباب ، وغيرهم من ضعفاء المسلمين ، فقالوا : يا محمد ، أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا؟ ونحن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك ، فلعلك إن طردتهم أن نتبعك ، فنزلت هذه الآية : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } { وكذلك فتنا بعضهم ببعض } إلى آخر الآية
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي ، عن أبي سعيد الأزدي - وكان قارئ الأزد - عن أبي الكنود ، عن خباب في قول الله ، عز وجل : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } قال : جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري ، فوجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم - حقروهم ، فأتوه فخلوا به ، وقالوا : إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا ، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت . قال : " نعم " . قالوا : فاكتب لنا عليك كتابا ، قال : فدعا بالصحيفة ودعا عليا ليكتب ، ونحن قعود في ناحية ، فنزل جبريل فقال : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم [ بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ] } فرمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصحيفة ، ثم دعانا فأتيناه .
ورواه ابن جرير ، من حديث أسباط ، به .
وهذا حديث غريب ، فإن هذه الآية مكية والأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر .
وقال سفيان الثوري ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه قال : قال سعد : نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، منهم ابن مسعود ، قال : كنا نسبق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وندنو منه ونسمع منه ، فقالت قريش : يدني هؤلاء دوننا ، فنزلت : { ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي }
رواه الحاكم في مستدركه من طريق سفيان ، وقال : على شرط الشيخين . وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق المقدام بن شريح ، به
تفسير القرطبي : معنى الآية 52 من سورة الأنعام
قوله تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين .قوله تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم الآية . قال المشركون : ولا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء - يعنون سلمان وصهيبا وبلالا وخبابا - فاطردهم عنك ; وطلبوا أن يكتب لهم بذلك ، فهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، ودعا عليا ليكتب ; فقام الفقراء وجلسوا ناحية ; فأنزل الله الآية . ولهذا أشار سعد بقوله في الحديث الصحيح : فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ; وسيأتي ذكره . وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعا في إسلامهم ، وإسلام قومهم ، ورأى أن ذلك لا يفوت أصحابه شيئا ، ولا ينقص لهم قدرا ، فمال إليه فأنزل الله الآية ، فنهاه عما هم به من الطرد لا أنه أوقع الطرد . روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر ، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء عنك لا يجترئون علينا ; قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما ، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ، فحدث نفسه ، فأنزل الله عز وجل ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه . قيل : المراد بالدعاء المحافظة على الصلاة المكتوبة في الجماعة ; قاله ابن عباس ومجاهد والحسن . وقيل : الذكر وقراءة القرآن . ويحتمل أن يريد الدعاء في أول النهار وآخره ; ليستفتحوا يومهم بالدعاء رغبة في التوفيق . ويختموه بالدعاء طلبا للمغفرة . يريدون وجهه أي : طاعته ، والإخلاص فيها ، أي : يخلصون في عبادتهم وأعمالهم لله ، ويتوجهون بذلك إليه لا لغيره . وقيل : يريدون الله الموصوف بأن له الوجه كما قال : ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وهو كقوله : والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم . وخص الغداة والعشي بالذكر ; لأن الشغل غالب فيهما على الناس ، ومن كان في وقت الشغل مقبلا على العبادة كان في وقت الفراغ من الشغل أعمل . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يصبر نفسه معهم كما أمره الله في قوله : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم ، فكان لا يقوم حتى يكونوا هم الذين يبتدئون القيام ، وقد أخرج هذا المعنى مبينا مكملا ابن ماجه في سننه عن خباب في قول الله عز وجل : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي إلى قوله : فتكون من الظالمين قال : جاء الأقرع بن حابس التميمي ، وعيينة بن حصن الفزاري فوجدا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب ، قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين ; فلما رأوهم حول النبي صلى الله عليه وسلم حقروهم ; فأتوه فخلوا به وقالوا : إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك ، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت ; قال : ( نعم ) قالوا : فاكتب لنا عليك كتابا ; قال : فدعا بصحيفة ودعا عليا - رضي الله عنه - ليكتب ونحن قعود في ناحية ; فنزل جبريل عليه السلام فقال : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ثم ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن ; فقال : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ثم قال : وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة قال : فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته ; وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا ; فأنزل الله عز وجل واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تجالس الأشراف ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا يعني عيينة والأقرع ، واتبع هواه وكان أمره فرطا ، أي : هلاكا . قال : أمر عيينة والأقرع ; ثم ضرب لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا . قال خباب : فكنا نقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم ; رواه عن أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن أبي سعيد الأزدي ، وكان قارئ الأزد ، عن أبي الكنود ، عن خباب ; وأخرجه أيضا عن سعد ، قال : نزلت هذه الآية فينا ستة ، في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال ; قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا لا نرضى أن نكون أتباعا لهم فاطردهم ، قال : فدخل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل ; فأنزل الله عز وجل : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي الآية . وقرئ ( بالغدوة ) وسيأتي بيانه في ( الكهف ) إن شاء الله .قوله تعالى : ما عليك من حسابهم من شيء أي : من جزائهم ولا كفاية أرزاقهم ، أي : جزاؤهم ورزقهم على الله ، وجزاؤك ورزقك على الله لا على غيره . من الأولى للتبعيض ، والثانية زائدة للتوكيد . وكذا وما من حسابك عليهم من شيء المعنى وإذا كان الأمر كذلك فأقبل عليهم وجالسهم ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدين والفضل ; فإن فعلت كنت ظالما . وحاشاه من وقوع ذلك منه ، وإنما هذا بيان للأحكام ، ولئلا يقع مثل ذلك من غيره من أهل السلام ; وهذا مثل قوله : لئن أشركت ليحبطن عملك وقد علم الله منه أنه لا يشرك ولا يحبط عمله . فتطردهم جواب النفي . فتكون من الظالمين نصب بالفاء في جواب النهي ; المعنى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين ، وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم ، على التقديم والتأخير . والظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه . وقد تقدم في البقرة مستوفى ، وقد حصل من قوة الآية والحديث النهي عن أن يعظم أحد لجاهه ولثوبه ، وعن أن يحتقر أحد لخموله ولرثاثة ثوبيه .
English | Türkçe | Indonesia |
Русский | Français | فارسی |
تفسير | انجليزي | اعراب |
تفسير آيات من القرآن الكريم
- تفسير: إني لكم رسول أمين
- تفسير: من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله
- تفسير: أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين
- تفسير: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير
- تفسير: الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون
- تفسير: إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين
- تفسير: ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين
- تفسير: قالوا ياأيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين
- تفسير: قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار
- تفسير: ويل لكل أفاك أثيم
تحميل سورة الأنعام mp3 :
سورة الأنعام mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة الأنعام
ماهر المعيقلي
سعد الغامدي
عبد الباسط
أحمد العجمي
المنشاوي
الحصري
مشاري العفاسي
ناصر القطامي
فارس عباد
ياسر الدوسري
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب