وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم
( وإذ تأذن ربك ) أي : آذن وأعلم ربك ، يقال : تأذن وآذن ، مثل : توعد وأوعد . وقال ابن عباس : تأذن ربك قال ربك . وقال مجاهد : أمر ربك . وقال عطاء : حكم ربك . ( ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة ) أي : على اليهود ، ( من يسومهم سوء العذاب ) بعث الله عليهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - وأمته يقاتلونهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ، ( إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم )
( ذلكم ) أي : هذا العذاب والضرب الذي عجلته لكم أيها الكفار ببدر ، ( فذوقوه ) عاجلا ( وأن للكافرين ) أي : واعلموا وأيقنوا أن للكافرين أجلا في المعاد ، ( عذاب النار )روى عكرمة عن ابن عباس قال : قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فرغ من بدر : عليك بالعير ليس دونها شيء ، فناداه العباس وهو أسير في وثاقه : لا يصلح ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لمه؟ قال : لأن الله تعالى وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك .
وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم
قوله تعالى : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ) الآية نزلت في النضر بن الحارث من بني عبد الدار .قال ابن عباس : لما قص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شأن القرون الماضية ، قال النضر : لو شئت لقلت مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين - أي : ما هذا إلا ما سطره الأولون في كتبهم - فقال له عثمان بن مظعون رضي الله عنه : اتق الله فإن محمدا يقول الحق ، قال : فأنا أقول الحق ، قال عثمان : فإن محمدا يقول لا إله إلا الله ، قال : وأنا أقول : لا إله إلا الله ، ولكن هذه بنات الله ، يعني الأصنام ، ثم قال : اللهم إن كان هذا الذي يقول محمد هو الحق من عندك - " والحق " نصب بخبر كان ، وهو عماد وصلة - ( فأمطر علينا حجارة من السماء ) كما أمطرتها على قوم لوط ، ( أو ائتنا بعذاب أليم ) أي : ببعض ما عذبت به الأمم ، وفيه نزل : " سأل سائل بعذاب واقع " . ( المعارج - 1 ) . .وقال عطاء : لقد نزل في النضر بن الحارث بضع عشرة آية فحاق به ما سأل من العذاب يوم بدر .قال سعيد بن جبير : قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ثلاثة صبرا من قريش : طعيمة بن عدي وعقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث .وروى أنس رضي الله عنه أن الذي قاله أبو جهل .أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، حدثنا محمد بن يوسف ، ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا محمد بن النضر ، ثنا عبيد الله بن معاذ ، ثنا أبي ، ثنا شعبة ، عن عبد الحميد صاحب الزيادي ، سمع أنس بن مالك قال : قال أبو جهل : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فنزلت :( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون وما لهم ألا يعذبهم الله ) .
وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون
قوله تعالى : ( وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية ) قال ابن عباس والحسن : المكاء : الصفير ، وهي في اللغة اسم طائر أبيض ، يكون بالحجاز له صفير ، كأنه قال : إلا صوت مكاء ، والتصدية التصفيق .قال ابن عباس : كانت قريش تطوف بالبيت وهم عراة يصفرون ويصفقون .قال مجاهد : كل نفر من بني عبد الدار يعارضون النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطواف ، ويستهزئون به ، ويدخلون أصابعهم في أفواههم ويصفرون . فالمكاء : جعل الأصابع في الشدق . والتصدية الصفير ، ومنه الصدى الذي يسمعه المصوت في الجبل .قال جعفر بن ربيعة : سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن قوله - عز وجل - " إلا مكاء وتصدية " فجمع كفيه ثم نفخ فيهما صفيرا .قال مقاتل : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى في المسجد قام رجلان عن يمينه فيصفران ورجلان عن شماله فيصفقان ليخلطوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته ، وهم من بني عبد الدار .قال سعيد بن جبير : التصدية صدهم المؤمنين عن المسجد الحرام ، وعن الدين ، والصلاة . وهي على هذا التأويل : التصددة بدالين ، فقلبت إحدى الدالين ياء ، كما يقال تظنيت من الظن ، وتقضى البازي إذا البازي كسر ، أي تقضض البازي . قال ابن الأنباري : إنما سماه صلاة لأنهم أمروا بالصلاة في المسجد فجعلوا ذلك صلاتهم . ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون )
ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق
ولو ترى ) يا محمد ، ( إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون ) أي : يقبضون أرواحهم . اختلفوا فيه ، قيل: هذا عند الموت ، تضرب الملائكة وجوه الكفار وأدبارهم بسياط النار .وقيل: أراد الذين قتلوا من المشركين ببدر كانت الملائكة يضربون ، ( وجوههم وأدبارهم ) قال سعيد بن جبير ومجاهد : يريد أستاههم ، ولكن الله حيي يكني . قال ابن عباس : كان المشركون إذا أقبلوا بوجوههم إلى المسلمين ضربت الملائكة وجوههم بالسيوف ، وإذا ولوا أدركتهم الملائكة فضربوا أدبارهم .وقال ابن جريج : يريد ما أقبل منهم وما أدبر ، أي : يضربون أجسادهم كلها ، والمراد بالتوفي : القتل . ( وذوقوا عذاب الحريق ) أي : وتقول لهم الملائكة : ذوقوا عذاب الحريق . وقيل: كان مع الملائكة مقامع من حديد يضربون بها الكفار ، فتلتهب النار في جراحاتهم ، فذلك قوله تعالى : " وذوقوا عذاب الحريق " . وقال الحسن : هذا يوم القيامة تقول لهم خزنة جهنم : ذوقوا عذاب الحريق . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : يقولون لهم ذلك بعد الموت .
قوله تعالى : ( لولا كتاب من الله سبق ) قال ابن عباس : كانت الغنائم حراما على الأنبياء والأمم فكانوا إذا أصابوا شيئا من الغنائم جعلوه للقربان ، فكانت تنزل نار من السماء فتأكله ، فلما كان يوم بدر أسرع المؤمنون في الغنائم وأخذوا الفداء ، فأنزل الله - عز وجل - : " لولا كتاب من الله سبق " يعني لولا قضاء من الله سبق في اللوح المحفوظ بأنه يحل لكم الغنائم .وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير : لولا كتاب من الله سبق أنه لا يعذب أحدا ممن شهد بدرا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - .وقال ابن جريج : لولا كتاب من الله سبق أنه لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ، وأنه لا يأخذ قوما فعلوا أشياء بجهالة ( لمسكم ) لنالكم وأصابكم ، ( فيما أخذتم ) من الفداء قبل أن تؤمروا به ، ( عذاب عظيم )قال ابن إسحاق : لم يكن من المؤمنين أحد ممن أحضر إلا حب الغنائم إلا عمر بن الخطاب فإنه أشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل الأسرى ، وسعد بن معاذ قال : يا رسول الله كان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ " .
وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم
قوله عز وجل : ( وأذان ) عطف على قوله : " براءة " أي : إعلام . ومنه الأذان بالصلاة ، يقال : آذنته فأذن ، أي : أعلمته . وأصله من الأذن ، أي : أوقعته في أذنه .( من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ) واختلفوا في يوم الحج الأكبر : روى عكرمة عن ابن عباس : أنه يوم عرفة ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن الزبير . وهو قول عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن المسيب .وقال جماعة : هو يوم النحر ، روي عن يحيى بن الجزار قال : خرج علي رضي الله عنه يوم النحر على بغلة بيضاء ، يريد الجبانة ، فجاءه رجل وأخذ بلجام دابته وسأله عن يوم الحج الأكبر؟ فقال : يومك هذا ، خل سبيلها . ويروى ذلك عن عبد الله بن أبي أوفى والمغيرة بن شعبة . وهو قول الشعبي والنخعي وسعيد بن جبير والسدي .وروى ابن جريج عن مجاهد : يوم الحج الأكبر حين الحج أيام منى كلها ، وكان سفيان الثوري يقول : يوم الحج الأكبر أيام منى كلها ، مثل : يوم صفين ويوم الجمل ويوم بعاث ، يراد به : الحين والزمان ، لأن هذه الحروب دامت أياما كثيرة .وقال عبد الله بن الحارث بن نوفل : يوم الحج الأكبر اليوم الذي حج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو قول ابن سيرين ، لأنه اجتمع فيه حج المسلمين وعيد اليهود والنصارى والمشركين ، ولم يجتمع قبله ولا بعده .واختلفوا في الحج الأكبر : فقال مجاهد : الحج الأكبر : القران ، والحج الأصغر : إفراد الحج .وقال الزهري والشعبي وعطاء : الحج الأكبر : الحج ، والحج الأصغر : العمرة؛ قيل لها الأصغر لنقصان أعمالها .قوله تعالى : ( أن الله بريء من المشركين ورسوله ) أي : ورسوله أيضا بريء من المشركين . وقرأ يعقوب " ورسوله " بنصب اللام أي : أن الله ورسوله بريء ، ( فإن تبتم ) رجعتم من كفركم وأخلصتم التوحيد ، ( فهو خير لكم وإن توليتم ) أعرضتم عن الإيمان ، ( فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم ) .
يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ) يعني ، العلماء والقراء من أهل الكتاب ، ( ليأكلون أموال الناس بالباطل ) يريد : ليأخذون الرشا في أحكامهم ، ويحرفون كتاب الله ، ويكتبون بأيديهم كتبا يقولون : هذه من عند الله ، ويأخذون بها ثمنا قليلا من سفلتهم ، وهي المآكل التي يصيبونها منهم على تغيير نعت النبي صلى الله عليه وسلم ، يخافون لو صدقوهم لذهبت عنهم تلك المآكل ، ( ويصدون ) ويصرفون الناس ، ( عن سبيل الله ) دين الله عز وجل .( والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) قال ابن عمر رضي الله عنهما : كل مال تؤدى زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا . وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز وإن لم يكن مدفونا . ومثله عن ابن عباس .أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني سويد بن سعيد ، حدثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم أن أبا صالح بن ذكوان أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار ، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جبينه ، وظهره ، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضي الله بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ، ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة ، بطح لها بقاع قرقر ، أوفر ما كانت ، لا يفقد منها فصيلا واحدا ، تطؤه بأخفافها ، وتعضه بأفواهها ، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضي الله بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، ولا صاحب بقر ولا غنم ، لا يؤدي منها حقها ، إلا إذا كان يوم القيامة ، بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ، ولا جلحاء ، ولا عضباء ، تنطحه بقرونها ، وتطؤه بأظلافها ، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضي الله بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار " .وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع ، له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ، فيأخذ بلهزمتيه ، يعني : شدقيه ، ثم يقول : أنا مالك ، أنا كنزك ، ثم تلا ( ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله ) الآية .وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : كل مال زاد على أربعة آلاف درهم فهو كنز أديت منه الزكاة أو لم تؤد ، وما دونها نفقة .وقيل: ما فضل عن الحاجة فهو كنز . أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد ، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال : انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة ، فلما رآني قال : " هم الأخسرون ورب الكعبة " ، قال : فجئت حتى جلست ، فلم أتقار أن قمت فقلت : يا رسول الله فداك أبي وأمي ، من هم؟ قال : " هم الأكثرون أموالا إلا من قال : هكذا وهكذا وهكذا ، من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، وقليل ما هم "وروي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقول : من ترك بيضاء ، أو حمراء ، كوي بها يوم القيامة . وروي عن أبي أمامة قال : مات رجل من أهل الصفة ، فوجد في مئزره دينار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " كية " ، ثم توفي آخر فوجد في مئزره ديناران ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كيتان " .والقول الأول أصح ؛ لأن الآية في منع الزكاة لا في جمع المال الحلال . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " نعم المال الصالح للرجل الصالح " .وروى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما نزلت هذه الآية ، كبر ذلك على المسلمين وقالوا : ما يستطيع أحد منا أن يدع لولده شيئا ، فذكر عمر ذلك لرسول الله فقال : " إن الله عز وجل لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم " .وسئل ابن عمر رضي الله عنهما عن هذه الآية؟ فقال : كان ذلك قبل أن تنزل الزكاة ، فلما أنزلت جعلها الله طهرا للأموال .وقال ابن عمر : ما أبالي لو أن لي مثل أحد ذهبا أعلم عدده أزكيه وأعمل بطاعة الله .قوله عز وجل : ( ولا ينفقونها في سبيل الله ) ولم يقل : ولا ينفقونهما ، وقد ذكر الذهب والفضة جميعا . قيل: أراد الكنوز وأعيان الذهب والفضة . وقيل: رد الكناية إلى الفضة لأنها أعم ، كما قال تعالى : " واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة " " البقرة - 45 " ، رد الكناية إلى الصلاة لأنها أعم ، وكقوله تعالى : " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها " ( الجمعة - 11 ) رد الكناية إلى التجارة لأنها أعم ، ( فبشرهم بعذاب أليم ) أي : أنذرهم .
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير
ثم أوعدهم على ترك الجهاد ، فقال تعالى : ( إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ) في الآخرة . وقيل: هو احتباس المطر عنهم في الدنيا . وسأل نجدة بن نفيع ابن عباس عن هذه الآية ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر حيا من أحياء العرب ، فتثاقلوا عليه ، فأمسك عنهم المطر ، فكان ذلك عذابهم ( ويستبدل قوما غيركم ) خيرا منكم وأطوع . قال سعيد بن جبير : هم أبناء فارس . وقيل: هم أهل اليمن ، ( ولا تضروه شيئا ) بترككم النفير . ( والله على كل شيء قدير )
قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون
قل هل تربصون بنا ) تنتظرون بنا أيها المنافقون ، ( إلا إحدى الحسنيين ) إما النصر والغنيمة أو الشهادة والمغفرة . وروينا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله ، وتصديق كلمته : أن يدخله الجنة ، أو يرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر أو غنيمة " .قوله عز وجل ( ونحن نتربص بكم ) إحدى السوأتين إما : ( أن يصيبكم الله بعذاب من عنده ) فيهلككم كما أهلك الأمم الخالية ، ( أو بأيدينا ) أي : بأيدي المؤمنين إن أظهرتم ما في قلوبكم ، ( فتربصوا إنا معكم متربصون ) قال الحسن : فتربصوا مواعيد الشيطان إنا متربصون مواعيد الله من إظهار دينه واستئصال من خالفه .