وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين
وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا أي استجيبوا وأطيعوا.سُمِيت الطاعة والإجابة سمعاً على المجاورة لأنه سبب للطاعة والإجابة.قالوا سمعنا قولك.وعصينا أمرك، وقيل: سمعنا بالأذن وعصينا بالقلوب، قال أهل المعاني: إنهم لم يقولوا هذا بألسنتهم ولكن لما سمعوا وتلقوه بالعصيان فنسب ذلك إلى القول اتساعاً.وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم أي حب العجل، أي معناه: أدخل في قلوبهم حب العجل وخالطها، كإشراب اللون لشدة الملازمة يقال: فلان مشرب اللون إذا اختلط بياضه بالحمرة.وفي القصص: أن موسى أمر أن يبرد العجل بالمبرد ثم يذره في النهر وأمرهم بالشرب منه فمن بقي في قلبه شيء من حب العجل ظهرت سحالة الذهب على شاربه.قوله عز وجل: قل بئسما يأمركم به إيمانكم أن تعبدوا العجل من دون الله أي بئس إيمان يأمركم بعبادة العجل.إن كنتم مؤمنين بزعمكم، وذلك أنهم قالوا: (نؤمن بما أنزل علينا) فكذبهم الله عز وجل.
ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم
قوله تعالى: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب وذلك أن المسلمين كانوا إذا قالوا لحلفاؤهم من اليهود: آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قالوا: ما هذا الذي تدعوننا إليه بخير مما نحنه فيه ولوددنا لو كان خيراً، فأنزل الله تكذيباً لهم: ما يود الذين أي ما يحب ويتمنى الذين كفروا من أهل الكتاب يعني اليهود.ولا المشركين جره بالنسق على مِنْأن ينزل عليكم من خير من ربكمْ أي خير ونبوة، و(مِن) صلة.والله يختص برحمته بنبوته.من يشاء والله ذو الفضل العظيم والفضل ابتداء إحسان بلا علة.وقيل: المراد بالرحمة الإسلام والهداية، وقيل: معنى الآية إن الله تعالى بعث الأنبياء من ولد إسحاق فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من ولد إسماعيل لم يقع ذلك بود اليهود ومحبتهم فنزلت الآية، وأما المشركون فإنما لم تقع بودهم لأنه جاء بتضليلهم وعيب آلهتهم.
بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون
ثم قال رداً عليهم: بلى من أسلم وجهه أي ليس الأمر كما قالوا، بل الحكم للإسلام وإنما يدخل الجنة من أسلم وجههلله أي أخلص دينه لله، وقيل: أخلص عبادته لله، وقيل: خضع وتواضع لله.وأصل الإسلام : الاستسلام والخضوع، وخص الوجه لأنه إذا جاد بوجهه في السجود لم يبخل بسائر جوارحه.وهو محسن في عمله، وقيل: مؤمن، وقيل: مخلص.فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم
قوله عز وجل: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله قال ابن عباس رضي الله عنهما: "خرج نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قبل تحويل القبلة إلى الكعبة، فأصابهم الضباب وحضرت الصلاة، فتحروا القبلة وصلوا فلما ذهب الضباب استبان لهم أنهم لم يصيبوا وأنهم مخطئون في تحريهم فلما قدموا سألوا رسول الله عن ذلك فنزلت هذه الآية".وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "نزلت في المسافر يصلي التطوع حيث ما توجهت به راحلته".أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد الفقيه السرخسي أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته في السفر حيث ما توجهت به".قال عكرمة: "نزلت في تحويل القبلة"، قال أبو العالية:"لما صرفت القبلة إلى الكعبة عيرت اليهود المؤمنين وقالوا: ليست لهم قبلة معلومة فتارة يستقبلون هكذا وتارة هكذا، فأنزل الله تعالى هذه الآية".وقال مجاهد والحسن : "لما نزلت وقال ربكم ادعوني أستجب لكم [60-غافر] قالوا: أين ندعوه فأنزل الله عز وجل ولله المشرق والمغرب ملكاً وخلقاً".فأينما تولوا فثم وجه الله يعني أينما تحولوا وجوهكم فثم أي: هناك رحمة الله، قال الكلبي: "فثم الله يعلم ويرى والوجه صلة كقوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه [88-القصص] أي إلا هو"،وقال الحسن ومجاهد وقتادة ومقاتل بن حبان: "فثم قبلة الله"، والوجه والوجهة والجهة القبلة،وقيل: رضا الله تعالى.إن الله واسع أي غني يعطي في السعة، قال الفراء: "الواسع الجواد الذي يسع عطاؤه كل شيء"، قال الكلبي: "واسع المغفرة.عليم بنياتهم حيثما صلوا ودعوا.
وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين
قوله تعالى: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قرأ ابن عامر (إبراهام) بالألف في أكثر المواضع وهو اسم أعجمي ولذلك لا يجر وهو إبراهيم بن تارخ بن ناخور وكان مولده بالسوس من أرض الأهواز وقيل بابل وقيل: كوفي، وقيل:لشكر، وقيل حران، وكان أبوه نقله إلى أرض بابل أرض نمرود بن كنعان.ومعنى الابتلاء: الاختبار والامتحان والأمر، وابتلاء الله العباد ليس ليعلم أحوالهم بالابتلاء، لأنه عالم بهم، ولكن ليعلم العباد أحوالهم حتى يعرف بعضهم بعضاً.واختلفوا في الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم عليه السلام؛ فقال عكرمة وابن عباس رضي الله عنهما: "هي ثلاثون سماهن شرائع الإسلام، ولم يبتل بها أحد فأقامها كلها إلا إبراهيم فكتب له البراءة، فقال تعال: وإبراهيم الذي وفى [37-النجم]، عشر في براءة التائبون العابدون إلى آخرها، وعشر في الأحزاب إن المسلمين والمسلمات، وعشر في سورة المؤمنين في قوله: قد أفلح المؤمنو" الآيات، وقوله إلا المصلين في سأل سائل".وقال طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما: "ابتلاه الله بعشرة أشياء وهي: الفطرة خمس في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وخمس في الجسد: تقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، والختان، والاستنجاء بالماء".وفي الخبر: (أن إبراهيم عليه السلام أول من قص الشارب، وأول من اختتن، وأول من قلم الأظافر، وأول من رأى الشيب فلما رآه قال: يا رب ما هذا؟ قال [سمة]: الوقار، قال: يارب زدني وقاراً).قال مجاهد: "هي الآيات التي بعدها في قوله عز وجل إني جاعلك للناس إماماً [124-البقرة] إلى آخر القصة.وقال الربيع وقتادة: "مناسك الحج"، وقال الحسن: "ابتلاه الله بسبعة أشياء: بالكواكب والقمر والشمس، فأحسن فيها النظر وعلم أن ربه دائم لا يزول، وبالنار فصبر عليها، وبالهجرة وبذبح ابنه وبالختان فصبر عليها".قال سعيد بن جبير: "هو قول إبراهيم وإسماعيل إذ يرفعان البيت ربنا تقبل منا[127-البقرة] الآية فرفعاها بسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر"، قال يمان بن رباب: "هن محاجة قومه قال الله تعالى: وحاجه قومه إلى قوله تعالى: وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم [83-الأنعام].وقيل هي قوله: الذي خلقني فهو يهدين [78-الشعراء] إلى آخر الآيات.فأتمهن قال قتادة : "أداهن"، قال الضحاك: "قام بهن"، وقال نعمان: "عمل بهن".قال الله تعالى: قال إني جاعلك للناس إماماً يقتدى بك في الخير.قال إبراهيم.ومن ذريتي أي ومن أولادي أيضاً فاجعل منهم أئمة يقتدى بهم في الخير.قال الله تعالى.لا ينال لا يصيب.عهدي الظالمين قرأ حمزة وحفص بإسكان الياء والباقون بفتحها أي من كان منهم ظالماً لا يصيبه.قال عطاء بن أبي رباح: "عهدي رحمتي"، وقال السدي : "نبوتي"، وقيل: الإمامة، قال مجاهد: "ليس لظالم أن يطاع في ظلمه".ومعنى الآية: لا ينال ما عهدت إليك من النبوة والإمامة من كان ظالماً من ولدك، وقيل: أراد بالعهد الأمان من النار، وبالظالم المشرك كقوله تعالى: الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن [82-الأنعام].
وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير
قوله تعالى: وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا يعني مكة، وقيل: الحرم.بلداً آمناً أي ذا أمن يأمن فيه أهله.وارزق أهله من الثمرات إنما دعا بذلك لأنه كان بواد غير ذي زرع، وفي القصص أن الطائف كانت من مداين الشام بأردن فلما دعا إبراهيم عليه السلام هذا الدعاء أمر الله تعالى جبريل عليه السلام حتى قلعها من أصلها وأدارها حول البيت سبعاً ثم وضعها موضعها الذي هي الآن فيه، فمنها أكثر ثمرات مكة.من آمن منهم بالله واليوم الآخر دعاء للمؤمنين خاصة.قال الله تعالى.ومن كفر فأمتعه قليلاً قرأ ابن عامر فأمتعه خفيفاً بضم الهمزة والباقون مشدداً ومعناهما واحد قليلاً أي سأرزق الكافر أيضاً قليلاً إلى منتهى أجله، وذلك أن الله تعالى وعد الرزق للخلق كافة مؤمنهم وكافرهم،وإنما قيده بالقلة لأن متاع الدنيا قليل.ثم أضطره أي ألجئه في الآخرة.إلى عذاب النار وبئس المصير أي المرجع يصير إليه، قال مجاهد: "وجد عند المقام كتاب فيه: أن الله ذو بكة صنعتها يوم خلقت الشمس والقمر، وحرمتها يوم خلقت السموات والأرض، وحففتها بسبعة أملاك حنفاء، يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، مبارك لها في اللحم والماء".
وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم
قوله عز وجل : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) قال الرواة : إن الله تعالى خلق موضع البيت قبل الأرض بألفي عام ، وكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحتها فلما أهبط الله آدم عليه السلام إلى الأرض استوحش ، فشكا إلى الله تعالى فأنزل الله البيت المعمور من ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد أخضر ، باب شرقي وباب غربي فوضعه على موضع البيت وقال : يا آدم إني أهبطت لك بيتا تطوف به كما يطاف حول عرشي ، تصلي عنده كما يصلى عند عرشي . وأنزل الحجر وكان أبيض فاسود من لمس الحيض في الجاهلية فتوجه آدم من أرض الهند إلى مكة ماشيا وقيض الله له ملكا يدله على البيت فحج البيت وأقام المناسك ، فلما فرغ تلقته الملائكة وقالوا : بر حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : حج آدم أربعين حجة من الهند إلى مكة على رجليه فكان على ذلك إلى أيام الطوفان ، فرفعه الله تعالى إلى السماء الرابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، وبعث جبريل عليه السلام حتى خبأ الحجر الأسود في جبل أبي قبيس صيانة له من الغرق ، فكان موضع البيت خاليا إلى زمن إبراهيم ، ثم إن الله تعالى أمر إبراهيم بعدما ولد له إسماعيل وإسحاق ببناء بيت يذكر فيه ، فسأل الله عز وجل أن يبين له موضعه ، فبعث الله السكينة لتدله على موضع البيت وهي ريح خجوج لها رأسان شبه الحية فأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة فتبعها إبراهيم حتى أتيا مكة فتطوت السكينة على موضع البيت كتطوي الحجفة هذا قول علي والحسن .وقال ابن عباس : بعث الله تعالى سحابة على قدر الكعبة فجعلت تسير وإبراهيم يمشي في ظلها إلى أن وافق مكة ووقفت على موضع البيت فنودي منها إبراهيم أن ابن على ظلها لا تزد ولا تنقص ، وقيل: أرسل الله جبريل ليدله على موضع البيت كقوله تعالى ( وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ) فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت فكان إبراهيم يبنيه وإسماعيل يناوله الحجر ، فذلك قوله تعالى : ( وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ) يعني أسسه واحدتها قاعدة . وقال الكسائي : جدر البيت ، قال ابن عباس : إنما بني البيت من خمسة أجبل ، طور سيناء وطور زيتا ولبنان وهو جبل بالشام ، والجودي وهو جبل بالجزيرة وبنيا قواعده من حراء وهو جبل بمكة فلما انتهى إبراهيم إلى موضع الحجر الأسود قال لإسماعيل ائتني بحجر حسن يكون للناس علما فأتاه بحجر فقال : ائتني بأحسن من هذا فمضى إسماعيل يطلبه فصاح أبو قبيس يا إبراهيم إن لك عندي وديعة فخذها فأخذ الحجر الأسود فوضعه مكانه وقيل: إن الله تعالى بنى في السماء بيتا وهو البيت المعمور ويسمى الضراح وأمر الملائكة أن يبنوا الكعبة في الأرض بحياله على قدره ومثاله ، وقيل أول من بنى الكعبة آدم واندرس زمن الطوفان ثم أظهره الله لإبراهيم حتى بناه .قوله : ( ربنا تقبل منا ) فيه إضمار أي ويقولان : ربنا تقبل منا بناءنا ( إنك أنت السميع ) لدعائنا ( العليم ) بنياتنا .
ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
ربنا واجعلنا مسلمين لك موحدين مطيعين مخلصين خاضعين لك.ومن ذريتنا أي أولادنا.أمة جماعة والأمة أتباع الأنبياء.مسلمة لك خاضعة لك.وأرنا علمنا وعرفنا، قرأ ابن كثير ساكنة الراء و أبو عمرو بالاختلاس والباقون بكسرها ووافق ابن عامر و أبو بكر في الاسكان في حم السجدة، وأصله أرئنا فحذفت الهمزة طلباً للخفة ونقلت حركتها إلى الراء، ومن سكنها قال: ذهبت الهمزة فذهبت حركتها.مناسكنا شرائع ديننا وألام حجنا، وقيل: مواضع حجنا، وقال مجاهد: "مذابحنا، والنسك الذبيحة"، وقيل: متعبداتنا.وأصل النسك العبادة، والناسك العابد فأجاب الله تعالى دعاءهما فبعث جبريل فأراهما المناسك في يوم عرفة فلما بلغ عرفات قال: عرفت يا إبراهيم؟ قال: نعم فسمى الوقت عرفة والموضع عرفات.وتب علينا تجاوز عنا.إنك أنت التواب الرحيم .
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم
ربنا وابعث فيهم أي في الأمة المسلمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل، وقيل: من أهل مكة.رسولاً منهم أي مرسلاً أراد به محمداً صلى الله عليه وسلم.حدثنا السيد أبو القاسم علي بن موسى الموسوي حدثنى أبو بكر أحمد بن محمد بن عباس البلخي أنا الإمام أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي أنا محمد بن المكي أنا إسحاق بن إبراهيم أنا ابن أخي ابن وهب أنا عمي أنا معاوية عن صالح عن سعيد بن سويد عن عبد الأعلى بن هلال السلمي عن العرباض بن سارية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني عند الله مكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم بأول أمري، أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت حين وضعتني وقد خرج منها نور أضاءت لها منه قصور الشام". وأراد بدعوة إبراهيم هذا فإنه دعا أن يبعث في بني إسماعيل رسولاً منهم،قال ابن عباس: "كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح وهود وصالح وشعيب ولوط وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين".يتلو يقرأ.عليهم آياتك كتابك يعني القرآن والآية من القرآن كلام متصل إلى انقطاعه، وقيل: هي جماعة حروف يقال خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم.ويعلمهم الكتاب يعني القرآن.والحكمة قال مجاهد: "فهم القرآن"، وقال مقاتل: "مواعظ القرآن وما فيه من الأحكام"، قال ابن قتيبية: "هي العلم والعمل، ولا يكون الرجل حكيماً حتى يجمعهما"، وقيل: هي السنة، وقيل: هي الأحكام والقضاء، وقيل: الحكمة الفقه.قال أبو بكر بن دريد: "كل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة".ويزكيهم أي يطهرهم من الشرك والذنوب، وقيل: يأخذ الزكاة من أموالهم، وقال ابن كيسان: "يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا للأنبياء بالبلاغ من التزكية، وهي التعديل".إنك أنت العزيز الحكيم قال ابن عباس: "العزيز الذي لا يوجد مثله"، وقال الكلبي: "المنتقم؛ بيانه قوله تعالى: والله عزيز ذو انتقام[4-آل عمران]".وقيل: المنيع الذي لا تناله الأيدي ولا يصل إليه شيء، وقيل: القوي؛ والعزة القوة قال الله تعالى فعززنا بثالث [14-يس]، أي قوينا، وقيل: الغالب قال الله تعالى إخباراً وعزني في الخطاب [23-ص] أي غلبني، ويقال في المثل: "(من عز بز) أي من غلب سلب".
إذ قال له ربه أسلم أي استقم على الإسلام، واثبت عليه لأنه كان مسلماً. قال ابن عباس: "قال له حين خرج من السرب"، وقال الكلبي:"أخلص دينك وعبادتك لله"، وقال عطاء: "أسلم إلى الله عز وجل وفوض أمورك إليه".قال أسلمت لرب العالمين أي فوضت، قال ابن عباس: "وقد حقق ذلك حيث لم يستعن بأحد من الملائكة حين ألقي في النار".