ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم

حصن المسلم | إفشاء السلام | ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم

ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ، وَالْإِنْفَاقُ مِنَ الْإِقْتَارِ (1).

AAammar (Peace Be Upon Him) said: ‘Three characteristics, whoever combines them, has completed his faith: to be just, to spread greetings to all people and to spend (charitably) out of the little you have.


(1) البخاري مع الفتح، 1/ 82،، برقم 28، عن عمار رضي الله عنه موقوفاً معلقاً.

شرح معنى ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

881- قَالَ عَمَّارٌ رضي الله عنه: «ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ وَالْإِنْفَاقُ مِنَ الْإِقْتَارِ» (1) .
882- ولفظ البزار وابن الأعرابي مرفوعاً: عَنْ عَمَّارٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: الإِنْفَاقُ فِي الإِقْتَارِ، وَبَذْلُ السَّلامِ، وَإِنْصَافُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِهِ» (2) .
883- وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تعالى، وضعه اللَّهُ في في الأرض، فأفشوا السلام بينكم» (3) .

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «ثلاث»: قال ابن منظور : «الثَّلاثة: مِن الْعَدَدِ، فِي عَدَدِ الْمُذَكَّرِ، مَعْرُوفٌ، والمؤَنث ثَلَاثٌ» (4) ، أي: ثلاث خصال من خصال الإيمان.
2- قوله: « من جمعهن»: أي: تحققن فيه، قال ابن منظور : «جَمَعَ الشيءَ عَنْ تَفْرِقة، يَجْمَعُه جَمْعاً... جمَعْتُ الشَّيْءَ إِذا جِئْتَ بِهِ من هاهنا وهاهنا» (5) .
3- قَوله: «فقد جمع الْإِيمَان»: قال العيني : «فقد جمع الإيمان: خَبره، وَالْجُمْلَة خبر الْمُبْتَدَأ الأول، وَالْفَاء، فِي: (فقد)، لتضمن الْمُبْتَدَأ معنى الشَّرْط، و(الْإِيمَان) مَنْصُوب: بِجمع، وَمَعْنَاهُ: فقد حَاز كَمَال الْإِيمَان، تدل عَلَيْهِ رِوَايَة شُعْبَة: (فقد اسْتكْمل الْإِيمَان) » (6) .
4- قوله: «الإنصاف من نفسك»: أي: أداء الحقوق كاملة للخلق ومن باب أولى للخالق، قال ابن منظور : «والإِنْصَاف: إِعْطَاءُ الْحَقِّ، وَقَدِ انْتَصَفَ مِنْهُ، وأَنْصَفَ الرجلُ صَاحِبَهُ إِنْصَافاً... أَنْصَفَ إِذَا أَخذ الْحَقّ،َ وأَعطى الْحَقَّ، والنَّصَفَة: اسْمُ الإِنْصَاف، وَتَفْسِيرُهُ أَن تُعْطِيَهُ مِنْ نَفْسِكَ النَّصَف أَي تُعْطيه مِنَ الْحَقِّ كَالَّذِي تَسْتَحِقُّ لِنَفْسِكَ» (7) ، وقال المناوي : «والإنصاف»: أي: العدل، يقال: أنصف من نفسه، وانتصفت أنا منه، «من نفسك» بأداء حق اللَّه، وحق الخلق، ومعاملتهم بما يجب أن يعاملوه به، والحكم لهم، وعليهم بما يحكم به لنفسه، وشمل إنصافه نفسه من نفسه، فلا يدعي ما ليس لها من كبر، أو عظم، وغير ذلك» (8) .
5- قوله: «وبذل السلام للعالم»: أي لجميع الناس، وهذا يتضمن أن لا يتكبر على أحد، ولا يجافي أحدًا يمتنع بسببه من السلام عليه (9) ، قال ابن منظور : .
«البَذْل: ضِدُّ المَنْع، بَذَلَه يَبْذِلُه ويَبْذُلُه بَذْلًا: أَعطاه وجادَ بِهِ، وَكُلُّ مَنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بإِعطاء شَيْءٍ فَهُوَ بَاذِلٌ لَهُ» (10) ، وقال الصنعاني : «والسلام: اسم من أسماء اللَّه تعالى، فقوله: «السلام عليكم» أي: أنتم في حفظ اللًّه، كما يقال: اللَّه معك، واللَّه يصحبك، وقيل: السلام بمعنى السلامة، أي سلامة اللَّه ملازمة لك» (11) ، وقال ابن منظور : «وَيَقُولُونَ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ، فكأَنه عَلَامَةُ المُسالَمَةِ وأَنه لَا حَرْب هُنَالِكَ، ثُمَّ جَاءَ اللَّه بالإِسلام فَقَصَرُوا عَلَى السَّلَامِ وأَمروا بإِفْشائِهِ، قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: نَتَسَلَّمُ مِنْكُمْ سَلَامًا وَلَا نُجاهلكم» (12) ، وقال المناوي : «وبذل السلام للعالم»: بفتح اللام، والمراد به جميع المسلمين: من عرفته، ومن لم تعرفه، كبير أو صغير، شريف أو وضيع، معروف أو مجهول؛ لأنه من التواضع المطلوب، وفي نسخ بدل «للعالم»: «الشفقة على الخلق»، وهو بذل السلام العام» (8) .
6- قوله: «والإنفاق من الإقتار»: الإقتار: أي في وقت القلة وضيق ذات اليد، قال ابن منظور : «أَنْفَقَ الْمَالَ: صَرَفَهُ... واسْتَنْفَقه: أَذهبه.
والنَّفقة: مَا أُنفِق، وَالْجَمْعُ نِفاق...، وَقَدْ أَنفَقت الدَّرَاهِمُ مِنَ النَّفقة، وَرَجُلٌ مِنْفاقٌ أَيْ: كَثِيرُ النَّفَقة، والنَّفَقة: مَا أَنفَقْت، وَاسْتَنْفَقْتَ عَلَى الْعِيَالِ وَعَلَى نَفْسِكَ
» (13) ، وقال : في الإقتار: «وأَقْتَرَ الرَّجُلُ: افْتَقَرَ ...وقَتَرَ عَلَى عِيَالِهِ يَقْتُرُ ويَقْتِرُ قَتْراً وقُتُوراً، أَي: ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ فِي النَّفَقَةِ، وَكَذَلِكَ التَّقْتيرُ والإِقْتارُ... القَتْرُ الرُّمْقةُ فِي النَّفَقَةِ...يُقَالُ: إِنه لَقَتُور مُقَتِّرٌ، وأَقْتر الرجلُ إِذا أَقَلَّ... والإِقْتارُ: التَّضْيِيقُ عَلَى الإِنسان فِي الرِّزْقِ.
وَيُقَالُ: أَقْتَر اللَّهُ رِزْقَهُ أَي: ضَيَّقه وَقَلَّلَهُ
» (14) ، وقال المناوي : «الإنفاق من الاقتار»: أي: القلة؛ إذ لا يصدر إلا عن قوة ثقة باللَّه تعالى، بإخلافه ما أنفقه، وقوة يقين وتوكل ورحمة، وزهد وسخاء، قال ابن شريف: والحديث عام في النفقة على العيال، والأضياف، وكل نفقة في طاعة، وفيه أن نفقة المعسر على أهله أعظم أجراً من نفقة الموسر» (8) .

ما يستفاد من الحديث:

1- الحث على الإنصاف عامة والبدء بالإنصاف من نفسه، وإنما يكون ذلك بفعل الطاعات، وعدم الوقوع في الذنوب والموبقات.
2- الإنفاق حال الشح يقوي في نفس العبد الثقة باللَّه أنه سيخلف عليه، ويرسخ عنده اليقين، فيزداد بذلك منسوب الإيمان عنده.
3- بيان فضل السلام، وأنه من الأمور التي يتقرب بها المسلم إلى اللَّه عز وجل؛ ولذلك كان من سنن الرسل والملائكة، ألم تر أن الملائكة لما جاءت إبراهيم عليه السلام سلمت عليه: ﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ سورة الذاريات، الآية: 25 ، فسلموا وسلم، كما أن السلام من أسماء اللَّه تعالى، كما تقدم في حديث أنس رضي الله عنه.
4- قال ابن الملقن : «هذِه الثلاث عليها مدار الإسلام، وهي جامعة للخير كله؛ لأن من أنصف من نفسه فيما بينه وبين اللَّه وبين الخلق، ولم يضيِّع شيئًا مما للَّه تعالى عليه، وللناس عليه، ولنفسه بلغ الغاية في الطاعة» (15) .
5- هذه الثلاث خصال عليها مدار الإيمان؛ لأن العبد متى كان متصفًا بالإنصاف، كان مؤديًا لما عليه من الحقوق، ومتى كان باذلًا للسلام، كان ذلك دليلًا على تواضعه، وكرم أخلاقه، ومتى كان منفقًا حال الإقتار، فهو في حال السعة أكثر إنفاقًا واجبًا كان أم مندوبًا (16) .
6- أول رجل في الإسلام حيَّا بتحية الإسلام هو أبو ذر رضي الله عنه يقول: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم حين فرغ من صلاته فكنت أول من حياه بتحية الإسلام، فقال:«وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَنْتَ؟» قَالَ قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ (17) .
أما أول من سلم بها مطلقًا، فهو آدم، فلما خلقه اللَّه قال له: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس، فذهب عليه السلام وقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليكم ورحمة اللَّه (18) .
7- قال الإمام النووي : «قد جمعَ في هذه الكلمات الثلاث خيراتِ الآخرة والدنيا، فإنَّ الإِنصافَ يقتضي أن يؤدّي إلى اللَّه تعالى جميع حقوقه، وما أمره به، ويجتنب جميع ما نهاه عنه، وأن يؤدي للناس حقوقهم، ولا يطلب ما ليس له، وأن ينصف أيضاً نفسه فلا يوقعها في قبيح أصلاً، وأما بذلُ السلام للعالم، فمعناه لجميع الناس، فيتضمن أن لا يتكبر على أحد، وأن لا يكون بينه وبين أحد جفاء يمتنع بسببه من السلام عليه بسببه، وأما الإِنفاق من الإقتار، فيقتضي كمال الوثوق باللَّه تعالى، والتوكل عليه، والشفقة على المسلمين، إلى غير ذلك، نسأل اللَّه تعالى الكريم التوفيق لجميعه» (19) .
8- قال الإمام ابن قيم الجوزية : «وقد تضَمَّنَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ أُصُولَ الْخَيْرِ وَفُرُوعَهُ، فَإِنَّ الْإِنْصَافَ يُوجِبُ عَلَيْهِ أَدَاءَ حُقُوقِ اللَّهِ كَامِلَةً مُوَفَّرَةً، وَأَدَاءَ حُقُوقِ النَّاسِ كَذَلِكَ، وَأَنْ لَا يُطَالِبَهُمْ بِمَا لَيْسَ لَهُ، وَلَا يُحَمِّلَهُمْ فَوْقَ وُسْعِهِمْ، وَيُعَامِلَهُمْ بِمَا يُحِبُّ أَنْ يُعَامِلُوهُ بِهِ، وَيُعْفِيَهُمْ مِمَّا يُحِبُّ أَنْ يُعْفُوهُ مِنْهُ، وَيَحْكُمَ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ بِمَا يَحْكُمُ بِهِ لِنَفْسِهِ وَعَلَيْهَا، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا إِنْصَافُهُ نَفْسَهُ مِنْ نَفْسِهِ، فَلَا يَدَّعِي لَهَا مَا لَيْسَ لَهَا، وَلَا يُخْبِثُهَا بِتَدْنِيسِهِ لَهَا، وَتَصْغِيرِهِ إِيَّاهَا، وَتَحْقِيرِهَا بِمَعَاصِي اللَّهِ وَيُنَمِّيهَا وَيُكَبِّرُهَا وَيَرْفَعُهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَتَوْحِيدِهِ، وَحُبِّهِ، وَخَوْفِهِ، وَرَجَائِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ، وَإِيثَارِ مَرْضَاتِهِ، وَمَحَابِّهِ عَلَى مَرَاضِي الْخَلْقِ وَمَحَابِّهِمْ، وَلَا يَكُونُ بِهَا مَعَ الْخَلْقِ، وَلَا مَعَ اللَّهِ، بَلْ يَعْزِلُهَا مِنَ الْبَيْنِ كَمَا عَزَلَهَا اللَّهُ، وَيَكُونُ بِاللَّهِ لَا بِنَفْسِهِ فِي حُبِّهِ وَبُغْضِهِ، وَعَطَائِهِ وَمَنْعِهِ، وَكَلَامِهِ وَسُكُوتِهِ، وَمَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ، فَيُنْجِي نَفْسَهُ مِنَ الْبَيْنِ، وَلَا يَرَى لَهَا مَكَانَةً يَعْمَلُ عَلَيْهَا» (20) .

1 أخرجه البخاري معلقاً مجزوماً به، قبل الحديث رقم 28، وصححه العلامة الألباني في صحيح الكلم الطيب، برقم 155
2 أخرجه البزار من طريق عبد الرزاق، 4/ 232، برقم 1396، ومعجم ابن الأعرابي، 1/ 377، برقم 721، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، 1/ 56: «رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، إِلَّا أَنَّ شَيْخَ الْبَزَّارِ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَهُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ»
3 الأدب المفرد، ص 552، برقم 989، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، برقم 184
4 لسان العرب، 2/ 121، مادة (ثلث)
5 لسان العرب، 8/ 53، مادة (جمع)
6 عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 1/ 198
7 لسان العرب، 9/ 332، مادة (نصف)
8 فيض القدير، 3/ 390
9 العلم الهيب، ص 479
10 لسان العرب، 11/ 50، مادة (بذل)
11 سبل السلام شرح بلوغ المرام، 3/ 219
12 لسان العرب، 12/ 289، مادة (سلم)
13 لسان العرب، 10/ 358، مادة (نفق)
14 لسان العرب، 5/ 70، مادة (قتر)
15 التوضيح لشرح الجامع الصحيح، 2/ 657
16 فتح الباري، 1/ 105
17 صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب من فضائل أبي ذر رضي الله عنه، برقم 2473
18 انظر: البخاري، كتاب الاستئذان، باب بدء السلام، برقم 6227
19 الأذكار للنووي، ص 243
20 زاد المعاد في هدي خير العباد، 2/ 407


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Saturday, August 9, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب