(1) البخاري مع الفتح، 8/ 441، برقم 4741، وبرقم 3062، والترمذي، برقم 2180، والنسائي في الكبرى، برقم 11185، وانظر: صحيح الترمذي، 2/103، و2/235، ومسند أحمد، 5/ 218، برقم 21900.
شرح معنى التكبير في الحرب وعند الفرح
لفظ الحديث الذي ورد فيه:
937- لفظ البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً، فَخَرَجَ أَهْلُهَا بِالْمَسَاحِي، فَلَمَّا بَصُرُوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، مُحَمَّدٌ وَالخَمِيسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ﴾سورة الصافات، الآية: 177 »، فَأَصَبْنَا مِنْ لُحُومِ الحُمُرِ، فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ، فَإِنَّهَا رِجْسٌ» (1) . 938- ولفظ آخر للبخاري عن أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: «بَعَثَ خَالَهُ، أَخٌ لِأُمِّ سُلَيْمٍ، فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا»، وَكَانَ رَئِيسَ المُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، خَيَّرَ بَيْنَ ثَلاَثِ خِصَالٍ، فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ وَلِي أَهْلُ المَدَرِ، أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ، أَوْ أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ؟ فَطُعِنَ عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلاَنٍ، فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ البَكْرِ، فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلاَنٍ، ائْتُونِي بِفَرَسِي، فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ، فَانْطَلَقَ حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ، وَهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلاَنٍ، قَالَ: كُونَا قَرِيبًا حَتَّى آتِيَهُمْ فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ، وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ، فَقَالَ: أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ يُحَدِّثُهُمْ، وَأَوْمَؤوا إِلَى رَجُلٍ، فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ، - قَالَ هَمَّامٌ أَحْسِبُهُ - حَتَّى أَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فُزْتُ وَرَبِّ الكَعْبَةِ، فَلُحِقَ الرَّجُلُ، فَقُتِلُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ الأَعْرَجِ، كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا، ثُمَّ كَانَ مِنَ المَنْسُوخِ: إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا «فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِمْ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا، عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، وَعُصَيَّةَ، الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم» (2) . 939- ولفظ مسلم عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزَا خَيْبَرَ، قَالَ: فَصَلَّيْنَا عِنْدَهَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَانْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ﴾سورة الصافات، الآية: 177 ، قَالَهَا ثَلَاثَ مِرَارٍ ... الحديث» (3) . 940- ولفظ الترمذي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ أَتَاهَا لَيْلًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ، وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَافَقَ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ الخَمِيسَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ» (4) . 941- ولفظ آخر للترمذي: «كانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ أَهْلِ الرُّومِ عَهْدٌ، وَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلَادِهِمْ، حَتَّى إِذَا انْقَضَى العَهْدُ أَغَارَ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ عَلَى فَرَسٍ، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ، وَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلَا يَحُلَّنَّ عَهْدًا، وَلَا يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ»، قَالَ: فَرَجَعَ مُعَاوِيَةُ بِالنَّاسِ» (5) . 942- وحديث آخر للترمذي عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ القُشَيْرِيِّ (6) ، قَالَ: شَهِدْتُ الدَّارَ حِينَ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ، فَقَالَ: ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمُ اللَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ... ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ وَالإِسْلَامِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَا فَتَحَرَّكَ الجَبَلُ حَتَّى تَسَاقَطَتْ حِجَارَتُهُ بِالحَضِيضِ قَالَ: فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: «اسْكُنْ ثَبِيرُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ؟» قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، شَهِدُوا لِي وَرَبِّ الكَعْبَةِ أَنِّي شَهِيدٌ، ثَلَاثًا» (7) . 943- ولفظ النسائي عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِغَلَسٍ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهُمْ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ مَرَّتَيْنِ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» (8) . 944- وفي حديث للطبراني عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى حُنَيْنٍ، وَنَحْنُ حُدَثَاءُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، ولِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ عِنْدَهَا، ويَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ، يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، قَالَ: فَمَرَرْنَا بِالسِّدْرَةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ، كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللهُ أَكْبَرُ، إِنَّهَا السُّنَنُ، قُلْتُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾سورة الأعراف، الآية: 138 ، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» (9) . 945- ولفظ الترمذي: عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا: ذَاتُ أَنْوَاطٍ، يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ، كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» (10) .
شرح مفردات الحديث:
1- قوله: «صَبَّحْنَاهُمْ»، و«صبَّحْنَا خَيْبَرَ»: قال القاضي عياض : «يقال: صبَّحه: أتاه وقت الصبح، كله مشدَّد» (11) ، وقال الحافظ ابن حجر : «صبَّحنا خَيبَرَ بُكرَةً: لا يُغايِر قَوله فِي رِوايَة حُمَيدٍ عَن أَنَس أَنَّهُم قَدِمُوها لَيلاً ، فَإِنَّهُ يُحمَل عَلَى أَنَّهُم لَمّا قَدِمُوها ونامُوا دُونَها رَكِبُوا إِلَيها بُكرَة فَصَبَّحُوها بِالقِتالِ والإِغارَةِ» (12) ، وقال الفيروزأبادي : «البُكْرَةُ، بالضم: الغُدْوَةُ، كالبَكَرَةِ، محرَّكةً، واسْمُها: الإِبْكارُ... وبَكَّرَ، وابْتَكَرَ، وأبْكَرَ، وباكَرَهُ: أتاهُ بُكْرَةً» (13) . 2- قوله: «خَيْبَرُ»: قال الفيروزآبادي : «حِصْنٌ، ومدينة قُرْبَ المدينةِ النبوية» (14) ، وقال البكري : « بينها وبين المدينة ثمانية برد، مشي ثلاثة أيّام» (15) . 3- قوله: «بالمساحي»: قال الفيروزأبادي : «بمساحيهم: المساحي جمع مسحاة، وهي المِجرفة من الحديد» (16) ، وقال ابن الملقن : «والمساحي -بفتح الميم- جمع مسحاة: وهي مفعلة مما يفعل بها، يقال: سحا وجه الأرض بالمسحاة يسحوه إذا قشره» (17) . 4- قوله: «بصروا بالنبي صلى الله عليه وسلم»: قال الراغب الأصفهاني : «البَصَر: يقال للجارحة الناظرة ... وللقوّة التي فيها، ويقال لقوة القلب المدركة... ويقال من الأوّل: أبصرت، ومن الثاني: أبصرته وبصرت به، وقلّما يقال بصرت في الحاسة إذا لم تضامّه رؤية القلب» (18) . 5- قوله: «الخميسُ»: قال ابن الأثير : «الخميس: الجَيْشُ» (19) ، وقال القاضي عياض : «وقوله: «محمدٌ والخميس»: برفع السين، قال الإمام: قال الأزهري: الخميس: الجيش، سُمّي خميساً لأنه مقسوم على خمسة: المقدمة، والساقة، والميمنة، والميسرة، والقلب، وقال غيره: سُمي الجيش خميساً؛ لأنهم يُخمسون الغنائم فيه، قال القاضي: هذا بعيد؛ لأن الخميسَ فيه إنما جاء في الشرع، وإنما كان قبل ذلك المرباع، يأخذ الرئيس الربع» (20) . 6- قوله: «عنوة»: قال ابن الأثير : «عَنْوَة فُتِحَتْ هذه البلدة عَنوة، أي: قهراً بغير صلح، كما يقال: أخذها بالسيف» (19) . 7- قوله: «فَإِذَا نزلنا بِسَاحَةِ قوْم ﱫفَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَﱪ: قال الإمام ابن كثير : «أَيْ: فَإِذَا نَزَلَ الْعَذَابُ بِمَحِلَّتِهِمْ، فَبِئْسَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمُهُمْ، بِإِهْلَاكِهِمْ وَدَمَارِهِمْ، قَالَ السُّدِّيُّ: ﱫفَإِذَا نزلَ بِسَاحَتِهِمْﱪ يَعْنِي: بِدَارِهِمْ، ﱫفَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَﱪ أَيْ: فَبِئْسَ مَا يُصْبِحُونَ، أَيْ: بِئْسَ الصَّبَاحُ صَبَاحُهُمْ» (21) ، وقال العلامة السعدي : «(فَإِذَا نزلَ بِسَاحَتِهِمْ) أي: نزل عليهم، وقريبا منهم ﱫفَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَﱪ لأنه صباح الشر والعقوبة، والاستئصال» (22) ، وقال القاضي عياض : «وقوله: «إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين»: الساحة: الفناء، وأصلها الفضاء بين المنازل، ويجمع السوح، وهي أيضاً السوحة، والسمح، والساحة: فيه جواز النزاع بآيات القرآن، والاستشهاد بها في الأمور الحقيقية، وقد جاء في هذا كثير في الآثار، ويكره عن ذلك ما كان على ضرب الأمثال في المحاورات والأمزاح ولغو الحديث، تعظيماً لكتاب اللَّه عز وجل» (23) ، وقال ابن الأثير : «فساء صباح المنذرين: وهم الذين جاءهم النذير، وبلغهم الإنذار؛ وأعلموا بما ينالهم إذا خالفوا الأمر» (24) ، وقال ابن الملقن : «أي: أصابهم السوء من القتل على الكفر والاسترقاق» (25) . 8- قوله: «قال: فخرجوا» الفاء عطف على محذوف، أي: ركب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يشعروا به، فخرجوا بمكاتلهم، والمكاتل جمع مكتل بكسر الميم، وهو الزنبيل الكبير، والمساحي جمع مسحاة، وهي المجرفة من الحديد» (26) . 9- قوله: «ومكاتلهم»: قال ابن الأثير : «ومكاتلهم: المكاتل جمع مكتل، وهو كالزِّنبيل يسع خمسة عشر صاعا، والصاع: خمسة أرطال وثلث عند أهل الحجاز» (16) ، وقال القاضي عياض : «والمكاتل: القفف، والمرور: قيل: الحبال؛ لأنها تمرُ، أي: تُفتل، كانوا يصعدون بها للنخيل، واحدها مَرْ ومِرٌ، بالفتح والكسر، قيل المرور: المساحي، واحدها مَرٌ بالفتح، وقيل: يقال لها: الحراب من اسمها، لجمعه حروفه، وقد يحمل أنه خبر على وجه الدعاء بخرابها » (20) . 10- قوله: «اللَّه أكبر خربت خيبر»: قال القاضي عياض : «قيل: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما رآهم خرجوا بآلة الخراب والهدم، لقوله: «خرجوا بفؤوسهم ومكاتلهم ومرورهم»، وهذا من الفأل الحسن في حقه صلى الله عليه وسلم وحق المسلمين الذي كان يستحبه، وليس من الطيرة المذمومة» (20) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : «اللَّهُ أَكْبَرُ: إثْبَاتُ عَظَمَتِهِ؛ فَإِنَّ الْكِبْرِيَاءَ تَتَضَمَّنُ الْعَظَمَةَ، وَلَكِنَّ الْكِبْرِيَاءَ أَكْمَلُ؛ وَلِهَذَا جَاءَتْ الْأَلْفَاظُ الْمَشْرُوعَةُ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ بِقَوْلِ: «اللَّهُ أَكْبَرُ»؛ فَإِنَّ ذَلِكَ أَكْمَلُ مِنْ قَوْلِ: اللَّهُ أَعْظَمُ...» (27) ، وقال الطيبي : «وقوله: «اللَّه أكبر اللَّه أكبر» فيه معنى التعجب من أنه تعالى يقدر نزوله بساحتهم بعد ما أنذروا، ثم أصبحهم وهم غافلون عن ذلك، فيه استحباب التكبير عند لقاء العدو، وفيه جواز الاستشهاد في مثل هذا الشأن بالقرآن في الأمور المحققة، وقد جاء له نظائر منها عند فتح مكة، وطَعَن الأصنام» (28) . 11- وقوله: «خربت خيبر»: قال الرافعي : «يجوز أن يعدّ دعاء، ويجوز أن يجعل خبرًا لقرب حالها من الخراب؛ إما لأنه أوحي إليه بذلك، أو على سبيل حسن الظن بنصرة الله تعالى إياهم» (29) . 12- وقوله: « أصبناها عنوة»: قال القاضي عياض : «قال الإمام: ظاهرهُ أنها كلها عنوة، وقد قال ابن شهاب: فما حكى مالك عنه بعضها عنوة، وبعضها صلح» (23) . 13- قوله: «فأصبنا من لحوم الحمر»: قال القاضي عياض : «وأصل الإصابة: الأخذ، يقال: أصاب من الطعام إذا أكل منه، ... وقوله في حديث الإسراء: «فاخترت اللبن»، فقال: أصبت أصاب اللَّه بك»، أي: قصدت طريق الهدى، ووجهه، ووجدته، وفعلت الصواب، أو أصبت الفطرة ... أو الملة، قال ثعلب: والإصابة الموافقة» (30) . 14- قوله: «الحمر»: جمع حمار، قال الفيروزأبادي : «والحِمارُ: معروف، ويكونُ وحْشِيًّا، جمعه: أحْمِرَةٌ، وحُمُرٌ، وحَمِيرٌ» (31) ، وقال النووي : «أَمَّا الْحُمُرُ الْإِنْسِيَّةُ فَقَدْ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِهَا» (32) . 15- قوله: «فإنها رجس»: قال ابن الأثير : «الرجس : النجس» (33) ، وقال النووي : «هَذَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ» (34) . 16- قوله: «ثلاث خصال»: قال الزبيدي : «الخَصْلَةُ: الخَلَّةُ نقله الصاغانيُّ، أيضاً: الفَضِيلَةُ والرَّذِيلَةُ تكون في الإِنسان، أو قد غَلَبَ على الفَضِيلةِ كما في المُحكَم، وقال الأزهريّ: الخَصلَةُ: حالاتُ الأُمورِ، جمعها: خِصالٌ بالكسر، تقول: فُلانٌ في خَصْلة حَسَنةٍ، وخَصْلة قَبِيحة، وخِصالٍ وخَصَلاتٍ كريمة» (35) . 17- قوله: «أهل السهل وأهل المدر»: قال الحافظ ابن حجر : «العَرَب تُعَبِّر عَن أَهل الحَضَر بِأَهلِ المُدَر، وعَن أَهل البادِيَة بِأَهلِ الوبَر» (36) ، وقال العيني : «قوله أهل السهل: أي: البوادي، وأهل المدر: أهل البلاد» (37) . 18- قوله: «أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ»: قال الكشميري : «ظنَّ الشقيُّ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ملك، كسائر الملوك، ولم يَدْرِ أنه رسول اللَّه إلى من وُجِدَ في الأرض كافةً، وذلك أمرٌ لا يتأتى فيه الشركة، ولا الاستخلاف، وإنما هو اللَّه، يَصْطَفِي لرسالاته من شاء من عباده» (38) . 19- قوله: «فطُعن عامر»: قال العيني : «بضم الطاء المهملة وكسر العين أي: أصابه الطاعون، وطلع له في أصل أذنه غدة عظيمة» (37) . 20- قوله: «غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ»: قال ابن عبد البر : «تَخْرُجُ فِي الْمَرَاقِّ وَالْآبَاطِ، قَالَ أَبُو عُمَرَ بن عبد البر: وَقَدْ تَخْرُجُ فِي الْأَيْدِي وَالْأَصَابِعِ، وَحَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الْبَدَنِ» (39) . 21- قوله: «فقتلوا كلهم غير الأعرج»: قال ابن الملقن : «أي: لكونه كان على رأس جبل يدل على أنه قُتل منهم تسعة وستون، إذ هم سبعون كما سلف» (40) ، وقال ابن الحجر : «رجل أعرج هُوَ كَعْب بن زيد الْأنْصَارِيّ، وَهُوَ من بني أُميَّة بن زيد، كَمَا عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، قَالَ همام: وَأرَاهُ آخر مَعَه، هُوَ عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي كَمَا فِي السِّيرَة، جُنْدُب بن سُفْيَان، هُوَ جُنْدُب بن عبد اللَّه بن سُفْيَان العلقي البَجلِيّ، نسب إِلَى جده» (41) . 22- قَوله: «ثُمَّ كانَ مِنَ المَنسُوخِ»: قال الحافظ ابن حجر : «أَي: المَنسُوخِ تِلاوتُهُ، فَلَم يَبقَ لَهُ حُكمُ حُرمَةِ القُرآنِ كَتَحرِيمِهِ عَلَى الجُنُبِ وغَيرِ ذَلِكَ» (42) ، وقال ابن الملقن : «وقوله: فأنزل اللَّه علينا، ثم كان من المنسوخ: (إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا (رضينا عنه) وأرضانا): مراده: أنه بما نسخ تلاوته، وقال ابن التين: إما أن يكون كان يتلى، ثم نسخ رسمه، أو كان الناس يكثرون ذكره، وهو من الوحي، ثم تقادم حتى صار لا يذكر إلا خبرًا» (40) . 23- قوله: «فإن أمنوني»: قال ابن منظور : «أمن: الأَمانُ والأَمانةُ بِمَعْنًى، وَقَدْ أَمِنْتُ فأَنا أَمِنٌ، وآمَنْتُ غَيْرِي مِنَ الأَمْن والأَمان، والأَمْنُ: ضدُّ الْخَوْفِ... الأَمْنُ نَقِيضُ الْخَوْفِ، أَمِن فلانٌ يأْمَنُ أَمْناً وأَمَناً؛ حَكَى هَذِهِ الزَّجَّاجُ، وأَمَنةً وأَماناً فَهُوَ أَمِنٌ. والأَمَنةُ: الأَمْنُ» (43) . 24- قوله: «وأومؤوا»: قال ابن منظور : «أوَمَأَ: ومَأَ إِلَيْهِ يَمَأُ وَمْأً: أَشارَ مِثل أَوْمَأَ، ... الإِيماءُ: أَن تُومِئَ برَأْسِكَ، أَوْ بيَدِك كَمَا يُومِئُ المَرِيضُ برأْسه للرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وَقَدْ تَقُولُ الْعَرَبُ: أَوْمَأَ برأْسِه أَي قَالَ لَا» (44) . 25- قوله: «وأومؤوا إلى رجل فأتاه»: قال ابن حجر : «فَأَومَؤوا إِلَى رَجُلٍ فَأَتاهُ مِن خَلفِهِ فَطَعَنَهُ»: لَم أَعرِفَ اسمَ الرَّجُلِ الَّذِي طَعَنَهُ، ووقَعَ فِي السِّيرَةِ لابنِ إِسحاقَ ما ظاهِرُهُ أَنَّهُ عامِرُ بنُ الطُّفَيلِ، فَلَمّا أَتاهُ لَم يَنظُر فِي كِتابِهِ بِئر مَعُونَة بَعَثُوا حَرامَ بن مِلحانَ بِكِتابِ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَى عامِرِ بن الطُّفَيل، فَلَمّا أَتاهُ لَم يَنظُر فِي كِتابه حَتَّى عَدا عَلَيهِ فَقَتَلَهُ» (45) . 26- قَوله: «فُزت ورَبِّ الكَعبَةِ»: قال ابن حجر : «أَي: بِالشَّهادَةِ» (45) ، وقال العيني : «فزت ورب الكعبة: القائل بهذا هو حرام، وقد صرح به في الحديث الذي يليه على ما يأتي، ومعنى قوله: فزت يعني: بالشهادة» (46) . 27- قوله: «لم يُغر»: قال القاضي عياض : «والإغارة: النهب، أغار يغير إغارة فهو مغير» (47) ، وقال الباجي : «وَقَوْلُهُ: «وَكَانَ إذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ»: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ بِوَقْتِ إغَارَةٍ، لَا سِيَّمَا فِيمَا يَقْرَبُ مِنْ الْحُصُونِ وَالْقُرَى؛ لِأَنَّ مَنْ خَشَي أَنْ يُغَارَ عَلَيْهِ يَبِيتُ فِيهَا، فَلَا يُظْفَرُ بِهِ؛ فَإِذَا خَرَجَ عِنْدَ الصَّبَاحِ، وَانْتَشَرَتْ الْعُمَّالُ، وَسَائِرُ النَّاسِ الْمُتَصَرِّفِينَ، أَغَارَ حِينَئِذٍ لِيَظْفَرَ بِهِمْ، أَوْ بِبَعْضِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ تَثَبُّتًا؛ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا عِنْدَ الصَّبَاحِ أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ أَغَارَ» (48) . 28- قوله: «وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمَا لَيلًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبحَ»: قال ابن العربي :«يحتمل أنّ يفعل ذلك؛ لأنّ اللّيل ليس بوقت إغارة، لا سيّما فيما يقرب من الحصون والقُرى؛ لأنّ من خشي أنّ يغار عليه يبيت فيها، فلا يفطن له، ولا يظفر به، فإذا خرج عند الصّباح، وانتشر النَّاس، أغار حينئذ ليظفر بهم أو ببعضهم، ويحتمل أنّ يفعل ذلك تثبّتًا، فإن سمع عند الصّباح أذانًا أمسك، وإن لم يسمع أذانًا أغار» (49) . 29- قوله: «الغلس»: قال ابن الملقن : «بقايا ظلام الليل، وكان نزوله بها ليلًا فصلى الصبح بغلس ثم ركب» (50) . 30- قوله: «فأجرى نبي اللَّه»: قال الفيومي : «جَرَى الْفَرَسُ وَنَحْوُهُ جَرْيًا وَجَرَيَانًا، فَهُوَ جَارٍ، وَأَجْرَيْتُهُ أَنَا، وَجَرَى الْمَاءُ سَالَ خِلَافُ وَقَفَ وَسَكَنَ» (51) ، وقال الحافظ ابن حجر : «فَأَجرَى نَبِيُّ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَي: مَركُوبه» (52) ، وقال الإمام النووي : «(فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ»: دَلِيلٌ لِجَوَازِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ الْمُرُوءَةَ، وَلَا يُخِلُّ بِمَرَاتِبِ أَهْلِ الْفَضْلِ، لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ لِلْقِتَالِ، أَوْ رِيَاضَةِ الدَّابَّةِ، أَوْ تَدْرِيبِ النَّفْسِ، وَمُعَانَاةِ أَسْبَابِ الشَّجَاعَةِ» (53) . 31- قوله: « رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَبَنِي لَحْيَانَ»: قال ابن حجر : «أَي غَزوة رِعلٍ وذَكوانَ، فَأَمّا رِعلٌ، فَبِكَسرِ الرّاءِ، وسُكُونِ المُهمَلَةِ: بَطنٌ مِن بَنِي سَلِيم يُنسَبُونَ إِلَى رِعلِ بن عَوف بن مالِك بن امرِئِ القَيسِ بن لَهِيعَةَ بن سَلِيم، وأَمّا ذَكوانُ: فَبَطن مِن بَنِي سَلِيم أَيضًا يُنسَبُونَ إِلَى ذَكوانَ بن ثَعلَبَة بن بُهثَةَ بن سَلِيم فَنُسِبَت الغَزوة إِلَيهِما» (54) ، وقال في موضع آخر: «بَنُو لِحيانَ - بِكَسرِ اللاَّمِ، وقِيلَ بِفَتحِها، وسُكُون المُهمَلَةِ-: ولِحيانُ، هُو ابن هُذَيلٍ نَفسه، وهُذَيلُ، هُو ابن مُدرِكَة بن إِلياس بن مُضَر، وزَعَمَ الهَمدانِيُّ النَّسّابَةُ أَنَّ أَصلَ بَنِي لِحيانَ مِن بَقايا جُرهُم دَخَلُوا فِي هُذَيلٍ فَنُسِبُوا إِلَيهِم» (55) . 32- قوله: «وعُصَيَّةُ الذين عصوا»: قال الحافظ ابن حجر : «عصية: بَطنٌ مِن بَنِي سُلَيمٍ، مُصَغَّر قَبِيلَةٌ تُنسَبُ إِلَى عُصَيَّةَ بن خِفافِ بن نُدبَةَ بن بُهثَةَ بنِ سُلَيمٍ» (56) . 33- قوله: «صَلَاةِ الْغَدَاةِ»: قال النووي : «فِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الصُّبْحِ غَدَاةً، وَهَذَا لَا خلاف فيه؛ لكن قَالَ الشَّافِعِيُّ : سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى الْفَجْرَ، وَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ، فَلَا أُحِبُّ أَنْ تُسَمَّى بِغَيْرِ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ» (57) . 34- قوله: «رديف»: قال ابن منظور : «الرِّدْفُ ما تَبِعَ الشيءَ... ورَدِفَ الرجلَ وأَرْدَفَه رَكِبَ خَلْفَه، وارْتَدَفَه خَلْفَه على الدابة» (58) ، وقال ابن الملقن : «الردف والرديف: هو الراكب خلف الراكب» (59) ، وقال ابن الملقن : «معناه: التعاون على أفعال البر في الغزو والحج وكل سبيل الله تعالى، وأن ذَلِكَ من السنة ومن فعل السلف الصالح، وهو من باب التواضع» (60) . 35- قَوْلُهُ: «وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ»: قال النووي : «دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْإِرْدَافِ إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مُطِيقَةٌ» (53) . 36- قوله: «زقاق خيبر»: قال ابن منظور : «والزُّقاقُ: السِّكَّة، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ؛ قَالَ الأَخفش: أَهل الْحِجَازِ يؤنِّثون الطَّرِيقَ وَالسِّرَاطَ وَالسَّبِيلَ والسُّوق والزُّقاقَ والكَلَّاء، وَهُوَ سُوق الْبَصْرَةِ، وَبَنُو تَمِيمٍ يذكِّرون هَذَا كُلَّهُ؛ وَقِيلَ: الزُّقاق الطَّرِيقُ الضيِّق دُونَ السِّكَّة، وَالْجَمْعُ أَزِقَّة وزُقَّان؛ ... والزُّقاقُ: طَرِيقٌ نَافِذٌ، وَغَيْرُ نَافِذٍ، ضَيِّقٌ دُونَ السِّكة» (61) ، وقال الحافظ ابن حجر : «وأَجرَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَسَهُ حِينَئِذٍ فِي زُقاقِ خَيبَر، كَما فِي الرِّوايَةِ الأُخرَى، فَوصَلَ فِي آخِرِ الزُّقاقِ إِلَى أَوَّلِ الحُصُونِ حِينَ بَزَغَت الشَّمسُ» (62) . 37- قوله: «وَانْحَسَرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم»: قال الفيروز أبادي : «حَسَرَهُ يحسُرُهُ ويحسِرُهُ حَسْراً: كشَفهُ، وحسر الشيءُ حُسوراً: انكشفَ» (63) ، وقال ابن رجب : «وأما (الإزار): فاختلف تفسيره: فقالت طائفة: هو مثل إزار الرجل الذي يأتزر به في وسطه» (64) ، وقال النووي : «وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ أَنَسٍ رضي الله عنه هَذَا عَلَى أَنَّهُ انْحَسَرَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ؛ لِضَرُورَةِ الْإِغَارَةِ، وَالْإِجْرَاءِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ اسْتَدَامَ كَشْفُ الْفَخِذِ مَعَ إِمْكَانِ السَّتْرِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَنَسٍ؛ فَإِنِّي لَأَرَى بَيَاضَ: فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهِ فَجْأَةً، لَا أَنَّهُ تَعَمَّدَهُ» (65) . 38- قوله: «وفاء لا غدر»: قال الطيبي : «أي: ليكن منكم وفاء لا غدر، يعني بعيد من أهل اللَّه، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم ارتكاب الغدر؛ وللاستبعاد صدر الجملة بقوله: (اللَّه أكبر) وكرره» (66) . 39- قوله: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ»: قال الطيبي : «وإنما كره عمرو بن عبسة ذلك؛ لأنه إذا هادنهم إلى مدة، وهو مقيم في وطنه، فقد صارت مدة ميسرة بعد انقضاء المدة المضروبة، كالمشروط مع المدة في أن لا يغزوهم فيها. فإذا صار إليهم في أيام الهدنة كان إيقاعه قبل الوقت الذي يتوقعونه، فعد ذلك عمرو غدراً، وأما إن نقض أهل الهدنة، بأن ظهرت منهم خيانة، له أن يسير إليهم على غفلة منهم» (67) . 40- قوله: «فَلَا يَحُلَّنَّ عَهْدًا»: قال القاري : «أَيْ: عَقْدَ عَهْدٍ» (68) . 41- قوله: «وَلَا يَشُدَّنَّهُ حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ أَوْ يَنْبِذَ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ»: قال الطيبي : «هكذا بجملته عبارة عن عدم التغيير في العهد، فلا يذهب إلى اعتبار معاني مفرداتها. 42- قوله: «على سواء»: هو حال، أي: يعلمهم أنه يريد أن يغزوهم، وأن الصلح الذي كان بينهم قد ارتفع، فيكون الفريقان في علم ذلك على السواء» (69) . 43- قوله: «في الحضيض»: قال الطيبي : «الحضيض: قرار الأرض، وأسفل الجبل» (70) . 44- قوله: «اثبت أُحد»: قال القسطلاني : «منادى حذفت أداته، أي: يا أحد، ونداؤه وخطابه وهو يحتمل المجاز والحقيقة...أُحد: الجبل المعروف بالمدينة» (71) . 45- قوله: «فرجف الجبل»: قال القاري : «فتحرك الجبل، أي: اهتز ثبير حتى تساقطت حجارته، أي: بعضها بالحضيض، أي: أسفل الجبل، وقرار الأرض، فركضه» (72) . 46- قوله: «فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ»: قال ابن الأثير : «الرَّكْضِ: الضَّرب بالرجْل، وَالْإِصَابَةُ بِهَا، كَمَا تُرْكَض الدَّابة، وتُصَاب بالرّجْل، أَرَادَ الأضْرارَ بِهَا وَالْأَذَى» (73) ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : «تَأْثِيرُهُ فِي الْأَحْجَارِ، وَتَصَرُّفُهُ فِيهَا، وَتَسْخِيرُهَا لَهُ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «صَعِدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ، فَقَالَ: اسْكُنْ - وَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ - فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ» (74) ، وقال القسطلاني : «قال ابن المنير: قيل الحكمة في ذلك أنه لما أرجف أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين أن هذه الرجفة ليست من جنس رجفة الجبل بقوم موسى عليه السلام لما حرفوا الكلم، وأن تلك رجفة الغضب، وهذه هزة الطرب، ولهذا نص على مقام النبوّة والصديقية والشهادة التي توجب سرور ما اتصلت به، لا رجفانه، فأقر الجبل بذلك فاستقر» (75) . 47- قوله: «فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ»: قال الشيخ عبدالمحسن العباد: «الشهيدان هما: عمر، وعثمان ب، وهذا يدل على فضلهما، وعلى أنهما نالا الشهادة» (76) ، قال القاري : «وشهيدان أي: حقيقيان، حيث قتلا عقب الطعن، وماتا قريباً من أثر الضرب، وهما عمر وعثمان» (72) . 48- قَوله: «اسْكُنْ ثَبِيرُ»: قال الفيومي : «وَسَكَنَ الْمُتَحَرِّكُ سُكُونًا: ذَهَبَتْ حَرَكَتُهُ، وَيَتَعَدَّى بِالتَّضْعِيفِ فَيُقَالُ سَكَّنْتُهُ» (77) ، وقال القاري : «ثبير: هو جبل من جبال مكة، أي: بقرب مكة، وقيل هو جبل مقابل لجبل حراء، وفي رواية قال: «حراء» مكان «ثبير» (72) . 49- قوله: «حُنَيْنٌ»: قال الفيومي : «مصغر وادٍ بين مكة والطائف» (78) . 50- قوله: «حَدِيثو عَهْدٍ بكفر»: قال النووي : أي: لَا يَعْرِفُون حُدُودَ الإسلام فقدينْكرون شَيْئًا مِنْه جَهْلًا بِهِ (79) . 51- (أنواط) جمع نَوْط، وهو مصدر نُطْتُ به كذا وكذا أنُوط نَوْطاً: إذا علقتَه به، ويسمَّى المَنْوط بالنَّوْط» (80) 52- قوله: «ذات أنواط»: قال الطيبي : «هي جمع نوط، وهو مصدر، سمي به المنوط، وهي هنا اسم شجرة بعينها، كانت للمشركين ينوطون بها سلاحهم، أي: يعلقونه بها، ويعكفون حولها، فسألوه أن يجعل لهم مثلها، فنهاهم عن ذلك» (81) . 53- قوله: «لتركبن سنن من كان قبلكم»: قال الصنعاني : «لتركبن: وفي لفظ: «لتتبعن» سنن: بفتح المهملة: سبيلهم، «من كان قبلكم» من الأمم... الحديث إعلام وإخبار بأن الأمة، والمراد غالبها، تشابه الأمم في المعاصي، وباقي أنواع ما يأتونه غير الكفر، وهو تحذير عن تشابه من قبلهم في أفعالهم، وأخلاقهم» (82) . 54- قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾سورة الأعراف، الآية: 138 ، قال العلامة السعدي : «﴿قَالُوا: من جهلهم، وسفههم، لنبيهم موسى عليه السلام بعدما أراهم اللَّه من الآيات ما أراهم: ﴿يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ أي: اشرع لنا أن نتخذ أصناماً آلهة كما اتخذها هؤلاء، فـقَالَ لهم موسى: ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ وأي جهل أعظم من جهل من جهل ربه، وخالقه، وأراد أن يسوي به غيره، ممن لا يملك نفعاً، ولا ضراً، ولا موتاً، ولا حياة، ولا نشوراً؟» (83) .
ما يستفاد من الحديث:
1- جاء قوله صلى الله عليه وسلم: «اللَّه أكبر» في التعجب أو الأمر السار في عدة أحاديث عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يكبر إذا وقع أمر يسرُّه، وإنما كان يكبر لبيان أن اللَّه أكبر من كل كبير فلا يتعلق قلب العبد بشيء حتى لا يزاحم محبة اللَّه وتعظيمه, ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الأحوال الآتية: الحال الأولى: قوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: «اللَّه أكبر. خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» (84) ، والشاهد هو سروره بفتح خيبر التي كانت فتحًا على الإسلام وأهله. الحال الثانية: إخباره صلى الله عليه وسلم أن هذا الرجل الذي كان يقاتل معه أحسن القتال: «أنه من أهل النار» فتعجب الصحابة رضي الله عنهم ثم تبعه واحد منهم فرآه يقتل نفسه ولم يصبر على الجراحات فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: «اللَّه أكبر أشهد أني عبد اللَّه ورسوله» (85) والشاهد أن تكبيره صلى الله عليه وسلم أن الذي حدث علم من أعلام النبوة. الحال الثالثة: تكبير الصحابة رضي الله عنهم لما بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ ثلث أهل الجنة؟ شطر أهل الجنة؟» (86) وهم في كل مرة يكبرون. 2- قال الطيبي : «فيه استحباب التكبير عند لقاء العدو، وفيه جواز الاستشهاد في مثل هذا الشأن بالقرآن في الأمور المحققة، وقد جاء له نظائر منها عند فتح مكة وطعن الأصنام قال: «جَاءَ الحَقُّ وزَهَقَ البَاطِلُ»، قال العلماء: ويكره من ذلك ما كان على سبيل ضرب المثل في المحاورات، ولغو الحديث؛ تعظيماً لكتاب اللَّه تعالى» (28) . 3- قال ابن الأثير : «والذي ذهب إليه الشافعي في تبييت المشركين: أنه جائز، وأورد هذا الحديث اعتراضًا، قال: ورواية أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغير حتى يصبح، ليس بتحريم الإغارة ليلاً ولا نهارًا، ولا غارين -والله أعلم- ولكنه على أن يكون يبصر من معه كيف يغيرون، احتياطًا أن يؤتى من كمين، أو من حيث لا يشعرون، وقد تختلط الحرب إذا غاروا ليلاً، فيقتل بعض المسلمين بعضاً, ولقائل أن يقول: إنما كان يوقفه عن الإغارة ليلاً ليسمع الأذان، ويدري هل هم مسلمون أو لا, ولا يكون ذلك منعاً من الإغارة ليلاً، إنما كان يفعله احتياطاً» (24) . 4- قال ابن الملقن : «التكبير شكرًا لله تعالى عندما يرى الإنسان ما يسر به كبَلَدِهِ، وكذا لولادة الغلام، ورؤية الهلال؛ لأنه إعلام بما ظهر، ورفع الصوت به إظهارًا لعلو دين اللَّه، وظهور أمره» (50) . 5- وقال أيضاً : «وإنما فعل صلى الله عليه وسلم هذا التكبير استشعارًا لكبرياء اللَّه تعالى على ما تقع عليه العين من عظيم خلقه، وكبير مخلوقاته، أنه أكبر الأشياء، وليس ذَلِكَ على معنى أن غيره كبير، وإنما معنى قوله: اللَّه أكبر: (اللَّه) الكبير، هذا قول أهل اللغة كما نقله عنهم المهلب، وقال معمر عن أبان: لم يعط أحد التكبير إلا هذِه الأمة، وكذلك يفعل صلى الله عليه وسلم في إشرافه على الجبال، ففرح صلى الله عليه وسلم بما فتح اللَّه عليه، وكبر إعظامًا للَّه وشكرًا له» (87) . 6- قال ابن عبد البر : «فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الْمَشْيِ بِاللَّيْلِ؛ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ جَازَ الِاسْتِخْدَامُ بِالْمَمَالِيكِ وَالْأَحْرَارِ، إِذَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَتْ ضَرُورَةً، وَفِيهِ إِتْعَابُ الدَّوَابِّ بِاللَّيْلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، مَا لَمْ يَكُنْ سَرْمَدًا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ مُحِيطٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْلُوا مِنْ مَمْلُوكٍ يَخْدِمُهُمْ، وَأَجِيرٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِيهِ أَنَّ الْغَارَةَ عَلَى الْعَدُوِّ إِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي وَجْهِ الصَّبَاحِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّبْيِينِ وَالنَّجَاحِ فِي الْبُكُورِ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ مِنَ الْكُفَّارِ لَمْ يَلْزَمْ دُعَاؤُهُ، وَجَازَتِ الْغَارَةُ عَلَيْهِ، وَطَلَبُ غَفْلَتِهِ وَغُرَّتِهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي دُعَاءِ الْعَدُوِّ قَبْلَ الْقِتَالِ إِذَا كَانُوا قَدْ بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَةُ، فَكَانَ مَالِكٌ : يَقُولُ: الدَّعْوَةُ أَصْوَبُ، بَلَغَهُمْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ، إِلَّا أَنْ يُعْجِلُوا الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَدْعُوهُمْ، وَقَالَ عنه ابن القاسم لا يبيتوا حتى يدعو، وَذَكَرَ الرَّبِيعُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ مِثْلَ ذَلِكَ: لَا يُقَاتَلُ الْعَدُوُّ حَتَّى يُدْعَوْا» (88) . 7- ومن فوائد هذا الحديث قال الحافظ ابن رجب الحنبلي : «التفاؤل؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم «لما رآهم خرجوا بالمكاتل، وهي: الزبيل (89) ، والقفاف، والمساحي، وهي: المجرفة، وهذه آلات الحراث، ووقع الأمر كذلك، ومنها: التكبير على العدو عند مشاهدته، ويحتمل أن يكون سر ذلك أن التكبير طارد لشيطان الجن تقارنهم، فإذا انهزمت شياطينهم المقترنة بهم انهزموا ، كما جرى للمشركين يوم بدر؛ فإن إبليس كان معهم يعدهم، ويمنيهم، فلما انهزم انهزموا» (90) . 8- قال الإمام الخطابي : «فيه من الفقه أن إظهار شعار الإسلام في القتال، وعند شن الغارة يحقن به الدم، وليس كذلك حال السلامة والطمأنينة التي يتسع فيها معرفة الأمور على حقائقها، واستيفاء الشروط اللازمة فيها. 9- وفيه دليل على أن قتال الكفار من غير إحداث الدعوة جائز، وقد ذكرنا اختلاف أهل العلم في ذلك. 10- وقال الشافعي في هذا الحديث إنما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يغير حتى يصبح، ليس لتحريم الغارة ليلاً أو نهاراً، ولا غارين، وفي كل حال، ولكنه على أن يكون يبصر من معه كيف يغيرون، احتياطاً أن يؤتوا من كمين، ومن حيث لا يشعرون، وقد يختلط أهل الحرب إذا غاروا ليلاً فيقتل بعض المسلمين بعضاً. 11- قلت [القائل الخطابي]: وقد أغار رسول اللَّه على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم على الماء تسقى، وقد ذكره أبو داود في هذا الباب، وقال لأسامة: أغر على أُبْنا صباحاً، وحرق، فدل على إباحة البيات، والإيقاع بهم وهم غارون، وقال سلمة بن الأكوع: أمّرعلينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه، فغزونا ناساً من المشركين، فبيتناهم نقتلهم، وكان شعارنا تلك الليلة: امِتْ امت» (91) . 12- قال الإمام ابن قيم الجوزية : «فإذا كان اتخاذ هذه الشجرة لتعليق الأسلحة، والعكوف حولها، اتخاذ إله مع اللَّه تعالى، مع أنهم لا يعبدونها، ولا يسألونها، فما الظن بالعكوف حول القبر، والدعاء به ودعائه، والدعاء عنده؟ فأي نسبة للفتنة بشجرة إلى الفتنة بالقبر؟ لو كان أهل الشرك والبدعة يعلمون. 13- قال بعض أهل العلم من أصحاب مالك: فانظروا رحمكم اللَّه أينما وجدتم سدرة، أو شجرة يقصدها الناس، ويعظمونها، ويرجون البرء والشفاء من قِبلها، ويضربون بها المسامير والخرق، فهي ذات أنواط، فاقطعوها. 14- ومن له خبرة بما بعث اللَّه تعالى به رسوله، وبما عليه أهل الشرك والبدع اليوم في هذا الباب وغيره، علم أن بين السلف وبين هؤلاء الخلوف من البعد أبعد مما بين المشرق والمغرب، وأنهم على شيء والسلف على شيء» (92) .
4
الترمذي، برقم 1550، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 1550
5
الترمذي، برقم 1580، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 1580
6
ثمامة بن حزن بن عبد اللَّه بن سلمة القشيريّ، كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم رجلا، وعدّه مسلم في المخضرمين، وابن حبّان في ثقات التابعين، قدم على عمر بن الخطاب في خلافته وهو ابن خمس وثلاثين سنة، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل إن له صحبة. انظر: التاريخ الكبير للبخاري، 2/ 176، والإصابة في تمييز الصحابة، 1/ 531
7
الترمذي، كتاب المناقب، باب حدثنا عبد اللَّه بن عبد الرحمن، برقم 3703، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2921
8
النسائي، برقم 547، وصححه الألباني في صحيح النسائي، برقم 547
9
المعجم الكبير للطبراني، 3/ 244، برقم 3291، وصححه الألباني في جلباب المرأة المسلمة، ص 203 عندما صحح رواية الترمذي، برقم 2180، وتقدم تخريجها في تخريج حديث المتن رقم 240 ، وقال: «وفي رواية: اللَّه أكبر».
10
سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم، برقم 2180، وصححه الألباني في جلباب المرأة المسلمة، ص 203
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .