لفظ الحديث الذي ورد فيه:
250- عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «
من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت» .
قال ابن القيم : وبلغني عن شيخنا أبي العباس ابن تيمية : أنه قال: ما تركته عقيب كل صلاة .
من فضائل هذه الآية المباركة: 1- قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله عنه: «
يا أبا المنذر أتدري أي آية في كتاب اللَّه معك أعظم؟» قال: قلت: اللَّه ورسوله أعلم، قال: «
يا أبا المنذر أتدري أي آية في كتاب اللَّه أعظم؟» قال: قلت:
﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾.
قال: فضرب في صدري وقال: «
واللَّه ليهنك العلم يا أبا المنذر» ، والمعنى هنيئًا لك بالعلم الذي يدفع إلى العمل الخالص لوجه اللَّه مع تمام المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم.
2- قال النووي: فيه منقبة عظيمة لأُبي، ودليل على كثرة علمه، وفيه تبجيل العالم فضلاء أصحابه، وتكنيتهم، وجواز مدح الإنسان في وجهه إذا كان فيه مصلحة، ولم يخف عليه إعجاب، ونحوه لكمال نفسه، ورسوخه في التقوى .
3- قال العلامة ابن عثيمين : وفي هذا الحديث دليل على أن القرآن يتفاضل كما دل عليه حديث
سورة الإخلاص، وهذا التفاضل باعتبار مدلوله وموضوعاته، لا من حيث المتكلم به؛ لأن المتكلم به واحد وهو اللَّه عز وجل .
شرح مفردات آية الكرسي: 1- «
اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ»: قال العلامة السعدي : «
الذي له جميع معاني الألوهية، وأنه لا يستحق الألوهية والعبودية إلا هو، فألوهية غيره، وعبادة غيره باطلة» .
2- «
الحي» أي: ذو الحياة الكاملة، المتضمنة لجميع صفات الكمال، لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، ولا يعتريها نقص بوجه من الوجوه.
3- قوله: «
القيوم»: القائم بنفسه، والقائم على غيره، فلا يحتاج لشيء، والكل إليه مفتقر محتاج؛ لأنه القائم بتدبير الملكوت كله علويه وسفليه.
4- قوله: «
لا تأخذه سنة ولا نوم»: السِّنَة: النعاس، وهي مقدمة النوم، ولم يقل لا ينام؛ لأن النوم يكون باختيار، والأخذ يكون بالقهر، والنوم صفة نقص في حق اللَّه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «
إن اللَّه لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام» ، والسِنة -بكسر السين -: هي النعاس في العين، والنوم هو الثقل، والاسترخاء الذي يصل إلى القلب، فيغيِّب الذهن.
5- قوله: «
له ما في السموات وما في الأرض»: أي: هو المالك، وما سواه مملوك، وهو الخالق، وغيره مخلوق، فالكل له عبد، ولا يخرج عن ملكه أحد، لا في سمواته، ولا في أرضه، فإن السموات والأرض للَّه خلقًا، وملكًا، وتصرفًا، وتدبيرًا.
6- قوله: «
من ذا الذي يشفع عنده»: الشفاعة في الاصطلاح: هي التوسط للغير بجلب منفعة، أو دفع مضرة، فمثلًا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف أن يُقضى بينهم.
هذه لدفع مضرة، وشفاعته لأهل الجنة بدخولها هي جلب للمنفعة لهم.
7- قوله: «
إلا بإذنه»: فيه أن الشفاعة لا تصحّ إلا بشروط: أ – إذن اللَّه للشافع أن يشفع.
2ب - رضا اللَّه عن الشافِع والمشفوع له، قال تعالى:
﴿ وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ .
8- قوله: «
يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم»: العلم هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكًا جازمًا، «
ما بين أيديهم» أي: المستقبل، «
وما خلفهم» الماضي، و
(ما) من صيغ العموم، تشمل كل ماضٍ، وكل مستقبلٍ، وتشمل ما كان من فعله، وما كان من أفعال الخلق، وقيل:
(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ): قال أبو جعفر الطبري : «
يعني تعالى ذكره بذلك أنه المحيط بكل ما كان وبكل ما هو كائن علما، لا يخفى عليه شيء منه» ، وقال الإمام ابن كثير : «
دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات: ماضيها وحاضرها ومستقبلها كقوله إخبارًا عن الملائكة: ﴿وَمَا نَتَنزلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ سورة مريم، الآية: 64 » ، وقال العلامة ابن عثيمين :
(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ): أي: المستقبل؛
(وَمَا خَلْفَهُمْ) أي: الماضي؛ وقد قيل بعكس هذا القول؛ ولكنه بعيد؛ فاللفظ لا يساعد عليه؛ و
(ما) من صيغ العموم؛ فهي شاملة لكل شيء؛ سواء كان دقيقاً أم جليلاً؛ وسواء كان من أفعال اللَّه أم من أفعال العباد» .
9- قوله: «
ولا يحيطون بشيء» أي: الخلق؛ لأنهم عاجزون عن ذلك تمام العجز.
10- قوله: «
من علمه إلا بما شاء»: وذلك وفق حكمته بإطلاعهم على شيء مما ينفعهم في المعاش، والمعاد من الأمور الشرعية، والأمور القدرية؛ ولذا قالت الملائكة:
﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾ سورة البقرة، الآية: 32 ، ويقول عيسى عليه الصلاة والسلام يوم القيامة:
﴿لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ سورة المائدة، الآية: 109 .
11- قوله: «
وسع كرسيه السموات والأرض»: وسع بمعنى شمل، أي: أن كرسيه محيط بالسموات والأرض، وأكبر منهما؛ لأنه لولا أنه أكبر ما وسعهما ، قال ابن عباس: «
الكرسي موضع قدمي اللَّه عز وجل» ، والكرسي ليس هو العرش بل العرش أكبر منه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «
مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ مَعَ الْكُرْسِيِّ، إِلاَّ كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضٍ فَلاَةٍ، وَفَضْلُ الْعَرْشِ عَلَى الْكُرْسِيِّ كَفَضْلِ الْفَلاَةِ عَلَى الْحَلْقَةِ » .
12- قوله: «
ولا يؤوده حفظهما» أي: لا يثقله، ولا يشق عليه ذلك.
13- قوله: «
العلي»: بذاته فوق عرشه، العلي بقهره لجميع المخلوقات، العلي بقدره لكمال صفاته.
14- قوله: «
العظيم»: الذي يتصاغر كل شيء أمام عظمته، وكبريائه.
قال السعدي: وهذه الآية بمفردها عقيدة في أسماء اللَّه، وصفاته، متضمنة لجميع الأسماء الحسنى، والصفات العُلا.
وقال الجزائري: اشتملت هذه الآية على ثمانية عشر اسمًا للَّه، ما بين ظاهر ومضمر، وكلماتها خمسون كلمة، وجملها عشرٌ، كلها في توحيد اللَّه، وإثبات ألوهيته .