امرأة أوس بن الصامت ونزول كفارة الظهار

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقول.
هذا الحديث الذي ذكر رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو حديث عظيم يتعلق ببيان سبب نزول آيات كفارة الظهار، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً بإذن الله.

---

أولاً. شرح المفردات:

● جميلة: هي اسم المرأة، وقيل اسمها خولة بنت ثعلبة، وجميلة可能是 لقبها أو اسم آخر لها، والله أعلم.
● أوس بن الصامت: هو زوجها، من الأنصار.
● به لَمَمٌ: اللمم هنا يعني نوعاً من الجنون أو الوسواس أو اختلال العقل بشكل مؤقت، وليس جنوناً مطبقاً. وقيل إنه كان سريع الغضب.
● اشتد لممه: أي عندما تزداد حالته سوءاً وتشتد عليه.
● ظاهر من امرأته: أي قال لها: "أنت علي كظهر أمي"، وهي صيغة الظهار في الجاهلية والإسلام، يعني he equated her to his mother's back, thereby declaring her sexually forbidden to him.

---

ثانياً. شرح الحديث:

تخبرنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن قصة حقيقية وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
كان هناك رجل من الأنصار يسمى أوس بن الصامت، وكان يعاني من حالة نفسية أو عقلية (لمم) تجعله أحياناً يفقد أعصابه أو يتصرف بغير وعي كامل. وفي إحدى نوبات غضبه أو اشتداد حالته، قال لزوجته جميلة الكلمة التي كانت تعني في الجاهلية الطلاق البائن: "أنت علي كظهر أمي".
بهذه العبارة، أصبحت حراماً عليه، كما كان يعتقد الناس في الجاهلية، وأصبحت كأمه. فحزنت المرأة وأتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو له حالها، وتخبره أن زوجها قال لها هذه الكلمة، وأنه رغم ذلك فله منها أولاد، وإن تركتهم ضاعوا.
فبينما هي تشكو للنبي صلى الله عليه وسلم وتتضرع إليه، أنزل الله تعالى فيه - أي في شأنها وشأن زوجها - آيات كفارة الظهار، والتي جاءت في سورة المجادلة، حيث قال تعالى:
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}
ثم بين الله الكفارة التي ترفع هذا الظهار وتعيد الزوجة إلى حلالها، فقال:
{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا}
فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة، فذهبت إلى زوجها وأخبرته، فقام بأداء الكفارة (بتحرير رقبة) وعادت إليه زوجته.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- رحمة الله تعالى بعباده: حيث لم يترك هذه المرأة وأولادها ضحية لكلمة قالها زوجها في غضبه، بل شرع لهم مخرجاً وكفارة تصلح الأمر.
2- بطلان عادة الظهار: بين القرآن أن قول "أنت علي كظهر أمي" هو قول منكر وزور (كذب وباطل)، لأن الأم هي التي ولدتك فقط، وليس زوجتك.
3- وجوب الكفارة على المظاهر: من ظاهر من زوجته ثم أراد أن يرجع إليها، يجب عليه أن يكفر كفارة محددة (عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً) قبل أن يعود للجماع.
4- التيسير ورفع الحرج: شرعت الكفارة على التدرج حسب قدرة المكلف، مما يظهر يسر الإسلام وسماحته.
5- فضل الشكوى إلى الله ورسوله: فإن المرأة لما شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان سبباً في نزول القرآن بحل لمشكلتها ومشكلة كل من يأتي بعدها.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- سورة المجادلة سميت بهذا الاسم نسبة إلى هذه المرأة التي جادلت النبي صلى الله عليه وسلم في أمر زوجها.
- هذه الحادثة كانت من الأسباب المباشرة لنزول تشريع كفارة الظهار، الذي أبطل عادة جاهلية وأحلَّ ما حرمه الرجل على نفسه بغير حق.
- الحديث يظهر حرص الصحابة رضي الله عنهم على الفهم الصحيح للدين والتشريع، وحرصهم على عرض مشاكلهم على النبي صلى الله عليه وسلم لحلها.
أسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن، وأن يفقهنا في ديننا.
والله أعلم.