ظاهر من امرأته فغشِيَها قبل أن يكفِّر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المتقين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النبوي الشريف شرحًا وافيًا، مستندًا إلى كلام أهل العلم المعتمدين من أهل السنة والجماعة، مع بيان دروسه وعبره.

---

الحديث:

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رجلا ظاهر من امرأته، فغشيها قبل أن يكفر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك، فقال: «ما حملك على ذلك؟» فقال: يا رسول الله! رأيت بياض حجليها في القمر، فلم أملك نفسي أن وقعت عليها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وأمره ألا يقربها حتى يكفر.

---

1. شرح المفردات:

● ظاهر: الظهار هو أن يقول الرجل لزوجته: "أنت علي كظهر أمي"، فيحرمها عليه حتى يكفر.
● غشيها: جامعها.
● يكفر: يؤدي الكفارة المطلوبة للظهار.
● حجليها: الحِجْل هو الخلخال أو السوار الذي تلبسه المرأة في رجلها، والمراد هنا ساقيها.
● بياض حجليها: بياض ساقيها، وهو كناية عن جمالها وإثارتها.
● لم أملك نفسي: لم أستطع التحكم في شهوتي.
● وقع عليها: جامعها.

---

2. شرح الحديث:

يخبرنا الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رجلٍ واقع أمرًا عظيمًا؛ فقد ظاهر من زوجته (أي حرمها عليه بقوله أنها كظهر أمه)، ثم جامعها قبل أن يكفر عن ظهاره. وهذا الفعل محرمٌ بإجماع العلماء، لأن الظهار يوجب التحريم حتى تؤدى الكفارة.
فلما أتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم معترفًا بذنبه مستفتيًا، لم يعنفه النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، بل سأله بلطف: «ما حملك على ذلك؟» ليعرف دوافعه ويوجهه التوجيه المناسب.
فأجاب الرجل بصراحة وبدون مواربة: أنه رأى بياض ساقيها (أي جمالها) في ضوء القمر، فلم يستطع كبح شهوته فوقع عليها. وهذا الاعتراف يدل على صدق الرجل وندمه.
فاستجابةً لصدقه وصراحته، ضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الضحك ليس استهزاءً بذنبه، بل هو تعجب من صدقه وصراحته، وربما من شدة تأثره بجمال زوجته حتى لم يملك نفسه، وهو ضحك تدل عليه طبيعة البشر وضعفهم أمام الشهوات.
ثم أصدر النبي صلى الله عليه وسلم حكمه الشرعي: «أمره ألا يقربها حتى يكفر». أي أمره أن يعود إلى حكم الله في الظهار، فيكفر كفارته قبل أن يمسها أو يقترب منها، وذلك بإعتاق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، كما جاء في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3].

---

3. الدروس المستفادة منه:

● وجوب التوبة والرجوع إلى الله: الخطأ والذنب واقع من بني آدم، ولكن المهم الاعتراف به والمسارعة إلى التوبة.
● فضل الصدق والصراحة مع الله ورسوله: لو كتم الرجل ذنبه لاستمر في الإثم، ولكن صراحته جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يضحك ويوجهه للحل.
● رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه بأمته: لم يزجر الرجل أو يعنفه، بلعامله بلطف وضحك من قوله ثم بين له الحكم.
● عظم حرمة الظهار: وأنه يوجب التحريم حتى تؤدى الكفارة، ولا يحل الوطء قبل ذلك.
● ضعف الإنسان أمام الشهوة: وهذا يذكرنا بضرورة غض البصر والتحكم في النفوس، وعدم التعرض للمواقف التي تثير الشهوة.
● التيسير ورفع الحرج: الشرع يأمر بالكفارة ويغلق باب الذنب، ولا يترك العبد في حيرة أو يائسًا من رحمة الله.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

● كفارة الظهار محددة في القرآن والسنة، وهي على الترتيب: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا.
- هذا الحديث يدل على جواز الضحك عند المواقف التي تدعو إليه، بشرط أن لا يكون فيه سخرية أو استهزاء بالآخرين.
- فيه دليل على فضل الصحابة وصدقهم في الرجوع إلى الحق وعدم كتمانه.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يردنا إلى الحق ردا جميلا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.