الشهر يكون تسع وعشرون

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري في صحيحه، وسأشرحه لك بفضل الله على النحو التالي:

---

أولاً. شرح المفردات:

● آلَى: أي حلف أن لا يقرب نساءه، وهو ما يسمى في الإسلام "الإيلاء"، وهو أن يحلف الرجل أن لا يجامع زوجته فوق أربعة أشهر.
● انفكَّتْ رجلُه: أي أصابته الشوكة فدخلت في رجله (وقيل: تعثر فانخلع شيء من قدمه)، فاحتاج للراحة والعلاج.
● مشربة: هي غرفة علوية صغيرة (حجرة عالية)، وكانت لإحدى زوجاته وهي أم إبراهيم رضي الله عنها (وقيل: حفصة).

---

ثانياً. شرح الحديث:

كانت قصة الإيلاء هذه في السنة التاسعة للهجرة. حلف النبي ﷺ أن لا يدخل على نسائه شهراً بسبب ما حصل من بعض الأمر (وقد اختلف المفسرون في سببه، والأولى عدم الخوض فيه)، ثم أصابته شوكة في رجله أو تعثر فانفكت، فاحتاج للاستراحة والعلاج، فاعتزل في غرفة علوية (المشربة) مدة تسعة وعشرين يوماً، أي أقل من شهر قمري كامل.
فلما نزل، ظن الصحابة أنه أقام المدة التي حلف عليها (شهراً كاملاً)، فسألوه: "يا رسول الله، آليت شهراً؟"، أي حلفت أن تعتزل شهراً كاملاً (ثلاثين يوماً)، فأجابهم النبي ﷺ: "الشهر يكون تسعاً وعشرين"، أي أن الشهر القمري ليس بالضرورة ثلاثين يوماً، بل قد يكون تسعة وعشرين يوماً، وقد حصلت الكفارة وأتمَّ ما حلف عليه بمضي هذه المدة.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- بيان حقيقة الشهر القمري في الإسلام: بين النبي ﷺ أن الأشهر الهلالية تتراوح بين 29 و 30 يوماً، وهذا من إعجاز النظام الفلكي الذي بني عليه التقويم الإسلامي.
2- جواز الإيلاء للمصلحة: والإيلاء جائز للرجل لمدة لا تزيد عن أربعة أشهر، فإذا مضت ولم يرجع لزوجته يقع الطلاق.
3- حكمة النبي ﷺ ومرونته: حيث استغل فترة اعتزاله للراحة والعلاج لتحقيق مقصود الإيلاء دون حرج.
4- التيسير ورفع الحرج: في بيانه أن الشهر قد يكون 29 يوماً، فيه تيسير على الناس في أمورهم وكفاراتهم وعباداتهم المرتبطة بالأشهر.
5- أخذ الأحكام من أفعال النبي ﷺ وأقواله: حيث استنبط الفقهاء من هذا الحديث أن الأشهر القمرية لا تكون إلا 29 أو 30 يوماً.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- الإيلاء مشروع لمصلحة قد تقتضيها ظروف الحياة، ولكن لا يجوز الإضرار بالزوجة بالإيلاء الطويل.
- هذا الحديث أصل في مسائل العدة والعبادات المرتبطة بالأشهر الهلالية مثل الصوم والحج.
- فيه دليل على أن النبي ﷺ كان يمارس حياته الطبيعية كبشر، ويصيبه ما يصيب الناس، ولكن برحمة من الله وهداية.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.