﴿ ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾
[ البقرة: 2]

سورة : البقرة - Al-Baqarah  - الجزء : ( 1 )  -  الصفحة: ( 2 )

This is the Book (the Quran), whereof there is no doubt, a guidance to those who are Al-Muttaqun [the pious and righteous persons who fear Allah much (abstain from all kinds of sins and evil deeds which He has forbidden) and love Allah much (perform all kinds of good deeds which He has ordained)].


ذلك الكتاب : القرآن العظيم
لاريب فيه : لاشك في أنه حقّ من عند الله
هدى : هادٍ من الضلالة
للمتقين : الذين تجنبوا المعاصي وأدّوا الفرائض فوقوا أنفسهم العذاب

ذلك القرآن هو الكتاب العظيم الذي لا شَكَّ أنه من عند الله، فلا يصح أن يرتاب فيه أحد لوضوحه، ينتفع به المتقون بالعلم النافع والعمل الصالح وهم الذين يخافون الله، ويتبعون أحكامه.

ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين - تفسير السعدي

وقوله { ذَلِكَ الْكِتَابُ } أي هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة, المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم, والحق المبين.
فـ { لَا رَيْبَ فِيهِ } ولا شك بوجه من الوجوه، ونفي الريب عنه, يستلزم ضده, إذ ضد الريب والشك اليقين، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب.
وهذه قاعدة مفيدة, أن النفي المقصود به المدح, لا بد أن يكون متضمنا لضدة, وهو الكمال, لأن النفي عدم, والعدم المحض, لا مدح فيه.
فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلا باليقين قال: { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } والهدى: ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة.
وقال { هُدًى } وحذف المعمول, فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية, ولا للشيء الفلاني, لإرادة العموم, وأنه هدى لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية, ومبين للحق من الباطل, والصحيح من الضعيف, ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم, في دنياهم وأخراهم.
وقال في موضع آخر: { هُدًى لِلنَّاسِ } فعمم.
وفي هذا الموضع وغيره { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق.فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا.
ولم يقبلوا هدى الله, فقامت عليهم به الحجة, ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر, لحصول الهداية, وهو التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه, بامتثال أوامره, واجتناب النواهي, فاهتدوا به, وانتفعوا غاية الانتفاع.
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية, والآيات الكونية.
ولأن الهداية نوعان: هداية البيان, وهداية التوفيق.
فالمتقون حصلت لهم الهدايتان, وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق.
وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها, ليست هداية حقيقية [تامة].

تفسير الآية 2 - سورة البقرة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين : الآية رقم 2 من سورة البقرة

 سورة البقرة الآية رقم 2

ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين - مكتوبة

الآية 2 من سورة البقرة بالرسم العثماني


﴿ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ  ﴾ [ البقرة: 2]


﴿ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ﴾ [ البقرة: 2]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة البقرة Al-Baqarah الآية رقم 2 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 2 من البقرة صوت mp3


تدبر الآية: ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين

على خلاف كتُب البشر التي تُستفتَح بالاعتذار إلى القرَّاء والاعتراف بالتقصير، افتَتح الله السورةَ بإعلانٍ صريح أنَّ هذا الكتابَ العظيم حقٌّ كلُّه، لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه.
ما أرفعَ شأنَ القرآن، وما أبعدَه عن أن تنالَ منه شبُهات المشكِّكين! فيا أيها المؤمنُ انهض بقلبك وعقلك إليه، ويا أيها المرتابُ لن تَعدُوَ شبهاتُك القاعَ الذي أنت فيه! إنه الكتابُ الوحيد الذي تقرؤه وأنت مطمئنٌّ تمام الاطمئنان، وموقنٌ كمال اليقين، بصدق كلِّ حرفٍ فيه.
فاجعله صاحبَك في ليلك ونهارك.
كلَّما اتَّقى العبد ربَّه ارتقى في مدارج الهدى والصلاح، ولا يزال في مزيدِ هدايةٍ ما دام في مزيدٍ من الورع والتقوى، فاتَّقِ تَرتَقِ! التقوى تفتح مغاليقَ القلوب وتهيِّئها لتلقِّي أنوار الكتاب، فتحيا بالقرآن وتستجيبُ لأمره.
فما أسعدَ المتَّقين! في تخصيص الهدى بالمتَّقين رفعٌ لقَدرهم، وتنويهٌ بفضلهم، فنالوا بتقواهم الجزاء مضاعفًا؛ اهتداءً بالقرآن، وثناءً من الجليل الديَّان.

ثم قال - تعالى - : { ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } .
{ ذَلِكَ } اسم إشارة واللام للبعد حقيقة في الحس ، مجازاً في الرتبة ، والكاف للخطاب ، والمشار إليه - على الراجح - الكتاب الموعود به صلى الله عليه وسلم في قوله - تعالى - { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } قال صاحب الكشاف : فإن قلت : أخبرني عن تأليف { ذَلِكَ الكتاب } مع { الم } قلت : إن جعلت { الم } اسماً للسورة ففي التأليف وجوه .
أن يكون { الم } مبتدأ و { ذَلِكَ } مبتدأ ثانياً ، و { الكتاب } خبره .
والجملة خبر المبتدأ الأول .
ومعناه أن ذلك الكتاب هو الكتاب الكامل ، كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص ، وأنه الذي يستأهل أن يسمى كتاباً ، كما تقول : هو الرجل ، أي : الكامل في الرجولية ، الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال .
وإن جعلت { الم } بمنزلة الصوت ، كان " ذلك " مبتدأ خبره " الكتاب " ، أي : ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل .. .
اه ملخصاً .
وقيل : المشار إليه { الم } على أنه اسم للسورة والمراد المسمى .
و { الكتاب } مصدر كتب كالكتب ، وأصل الكتب ضم أديم إلى أديم بالخياطة ، واستعمل عرفا في ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط ، وأريد به هنا المنظوم عبارة قبل أن تنظم حروفه التي يتألف منها في الخط ، تسمية للشيء باسم ما يؤول إليه .
و { الريب } في الأصل مصدر رابه الأمر إذا حصل عنده فيه ريبة ، وحقيقة الريبة ، قلق النفس واضطرابها ، ثم استعمل في معنى الشك مطلقاً .
وقال ابن الأثير : الريب هو الشك مع التهمة .
و { هدى } .
مصدر هداه هدى وهداية وهدية - بكسرها - فهدى ، ومعناه الدلالة الموصلة إلى البغية ، وضده الضلال .
و { المتقون } جمع متق ، اسم فاعل من اتقى وأصله أوتقى - بوزن افتعل - من وقى الشيء وقاية ، أي : صانه وحفظه مما يضره ويؤذيه .
والمعنى : ذلك الكتاب الكامل ، وهو القرآن الكريم ، ليس محلا لأن يرتاب عاقل أو منصف في أنه منزل من عند الله ، وأنه هداية وإرشاد للمتقين الذين يجتنبون كل مكروه من قول أو فعل حتى يصونوا أنفسهم عما يضرها ويؤذيها .
وكانت الإشارة بصيغة البعيد ، لأنه سامي المنزلة أينما توجهت إليه ، فإن نظرت إليه ناحية تراكيبه فهو معجز للبلغاء ، وإن نظرت إليه من ناحية معانية فهو فوق مدارك الحكماء ، وإن نظرت إليه من ناحية قصصه وتاريخه فهو أصدق محدث عن الماضين ، وأدق محدد لتاريخ السابقين ، فلا جرم أن كانت الإشارة في الآية باستعمال اسم الإشارة للبعيد لإظهار رفعة شأن هذا القرآن ، وقد شاع في كلام البلغاء تمثل الأمر الشريف بالشيء المرفوع في عزة المنال ، لأن الشيء النفيس عزيز على أهله ، فمن العادة أن يجعلوه في مكان مرتفع بعيد عن الأيدي .
وصحت الإشارة إلى الكتاب وهو لم ينزل كله بعد ، لأن الإشارة إلى بعضه كالإشارة إلى الكل حيث كان بصدد الإنزال ، فهو حاضر في الأذهان ، فشبه بالحاضر في العيان .
ونفى عنه الريب على سبيل الاستغراق مع وقوع الريب فيه من المشركين حيث وصفوه بأنه أساطير الأولين ، لأنه لروعة حكمته ، وسطوع حجته ، لا يرتاب ذو عقل متدبر في كونه وحياً سماوياً ، ومصدر هداية وإصلاح .
فالجملة الكريمة تنفي الريب في القرآن عمن شأنهم أن يتدبروه ، ويقبلوا على النظر فيه بروية ، ومن ارتاب في القرآن فلأنه لم يقبل عليه بأذن واعية ، أو بصيرة نافذة ، أو قلب سليم .
وقدم جملة { لاَ رَيْبَ فِيهِ } على جملة { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } لأنه أراد أن ينفي عن ساحة كونه كتاباً هادياً غبار الريب ، وغيوم الشكوك ، حتى يستقر في النفوس وصفه ، وتطمئن القلوب لآثاره ومقاصده وهداياته .
وفصل جملة { لاَ رَيْبَ فِيهِ } عما قبلها لكمال الاتصال ، حيث كانت جملة { ذَلِكَ الكتاب } مفيدة لكماله ، وجملة { لاَ رَيْبَ فِيهِ } مفيدة لنفي الريب عنه .
والمراد بكونه { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } مع أنه هداية لهم ولغيرهم ، لأنهم هم المنتفعون به دون سواهم .
قال تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أولئك يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } ومعنى كونه هدى لهم أنه يزيدهم هدى على ما لديهم من الهدى كما قال - تعالى - :{ والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ } ويصح أن يكون المعنى : هدى للناس الذين صاروا متقين بهذه الهداية ، كما أقول : هديت مهتديا ، أو كتبت مكتوبا ، على معنى أني هديت شخصاً صار مهدياً بهذه الهداية ، وكتبت خطاباً صار مكتوباً بهذه الكتابة ، وهو أسلوب عربي صحيح .
كما ورد في حديث " من قتل قتيلا فله سلبه " .
قال صاحب الكشاف : ومحل { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } الرفع ، لأنه خبر مبتدأ محذوف ، أو خبر مع { لاَ رَيْبَ فِيهِ } ل " ذلك " ... والذي هو أرسخ عرقاً في البلاعة أن يضرب عن هذه المحال صفحاً ، وأن يقال : إن قوله { الم } جملة برأسها أو طائفة من حروف المعجم مستقلة برأسها .
و { ذَلِكَ الكتاب } جملة ثانية .
و { لاَ رَيْبَ فِيهِ } ثالثة .
{ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } رابعة .
وقد أصيب بترتيبها مفصل البلاغة وموجب حسن النظم ، حيث جيء بها متناسقة هكذا من غير نسق ، وذلك لمجيئها متآخية آخذاً بعضها بعنق بعض .
فالثانية متحدة بالأولى معتنقة لها ، وهلم جراً إلى الثالثة والرابعة : بيان ذلك أنه نبه أولا على أنه الكلام المتحدى به ، ثم أشير إليه بأنه الكتاب المنعوت بغاية الكمال .
فكان تقريراً لجهة التحدي ، وشدا من أعضاده ثم نفى عنه أن يتشبث به من طرف الريب ، فكان شهادة وتسجيلا بكماله .
لأنه لا كمال أكمل من الحق واليقين .
ولا نقص أنقص ما للباطل والشبه .
وقيل لبعض العلماء : فيم لذتك؟ فقال : في حجة تتبختر اتضاحاً ، وفي شبهة تتضاءل افتضاحاً .
ثم أخبر عنه بأنه هدى للمتقين ، فقرر بذلك كونه يقيناً لا يحوم الشك حوله ، وحقاً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ثم لم تخل كل واحدة من الأربع - بعد أن رتبت هذا الترتيب الأنيق - من نكتة ذات جزالة .
ففي الأولى الحذف والرمز إلى الغرض بألطف وجه وأرشقه .
وفي الثانية ما في التعريف من الفخامة ، وفي الثالثة ما في تقديم الريب على الظرف ، وفي الرابعة الحذف .
ذلك الكتاب قيل : المعنى هذا الكتاب .
و ذلك قد تستعمل في الإشارة إلى حاضر ، وإن كان موضوعا للإشارة إلى غائب ; كما قال تعالى في الإخبار عن نفسه جل وعز : ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم ; ومنه قول خفاف بن ندبة : أقول له والرمح يأطر متنه تأمل خفافا إنني أنا ذلكاأي أنا هذا .
ف ( ذلك ) إشارة إلى القرآن ، موضوع موضع هذا ، تلخيصه : الم هذا الكتاب لا ريب فيه .
وهذا قول أبي عبيدة وعكرمة وغيرهما ; ومنه قوله تعالى : وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق أي هذه ; لكنها لما انقضت صارت كأنها بعدت فقيل تلك .
وفي البخاري " وقال معمر : ذلك الكتاب هذا القرآن " .
هدى للمتقين بيان ودلالة ; كقوله : ذلكم حكم الله يحكم بينكم هذا حكم الله .
قلت : وقد جاء " هذا " بمعنى " ذلك " ; ومنه قوله عليه السلام في حديث أم حرام : يركبون ثبج هذا البحر أي ذلك البحر ; والله أعلم .
وقيل : هو على بابه إشارة إلى غائب .
واختلف في ذلك الغائب على أقوال عشرة ; فقيل : ذلك الكتاب أي الكتاب الذي كتبت على الخلائق بالسعادة والشقاوة والأجل والرزق .
لا ريب فيه ; أي لا مبدل له .
وقيل : ذلك الكتاب ; أي الذي كتبت على نفسي في الأزل أن رحمتي سبقت غضبي .
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه فهو موضوع عنده : أن رحمتي تغلب غضبي في رواية : ( سبقت ) .
وقيل : إن الله تعالى قد كان وعد نبيه عليه السلام أن ينزل عليه كتابا لا يمحوه الماء ; فأشار إلى ذلك الوعد كما في صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال : إنما بعثتك ; لأبتليك وأبتلي بك ، وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان الحديث .
وقيل : الإشارة إلى ما قد نزل من القرآن بمكة .
وقيل : إن الله تبارك وتعالى لما أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم بمكة : إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مستشرفا لإنجاز هذا الوعد من ربه عز وجل ; فلما أنزل عليه بالمدينة : الم .
ذلك الكتاب لا ريب فيه كان فيه معنى هذا القرآن الذي أنزلته عليك بالمدينة ، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك بمكة .
وقيل : إن ذلك إشارة إلى ما في التوراة والإنجيل .
و ( الم ) اسم للقرآن ; والتقدير هذا القرآن ذلك الكتاب المفسر في التوراة والإنجيل ; يعني أن التوراة والإنجيل يشهدان بصحته ويستغرق ما فيهما ويزيد عليهما ما ليس فيهما .
وقيل : إن ذلك الكتاب إشارة إلى التوراة والإنجيل كليهما ; والمعنى : الم ذانك الكتابان أو مثل ذينك الكتابين ; أي : هذا القرآن جامع لما في ذينك الكتابين ; فعبر ب ( ذلك ) عن الاثنين بشاهد من القرآن ; قال الله تبارك وتعالى : إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك أي عوان بين تينك : الفارض والبكر ; وسيأتي .
وقيل : إن ذلك إشارة إلى اللوح المحفوظ .
وقال الكسائي : ذلك إشارة إلى القرآن الذي في السماء لم ينزل بعد .
وقيل : إن الله تعالى قد كان وعد أهل الكتاب أن ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم كتابا ; فالإشارة إلى ذلك الوعد .
قال المبرد : المعنى هذا القرآن ذلك الكتاب الذي كنتم تستفتحون به على الذين كفروا .
وقيل : إلى حروف المعجم في قول من قال : ( الم ) الحروف التي تحديتكم بالنظم منها .
والكتاب مصدر من كتب يكتب إذا جمع ; ومنه قيل : كتيبة ; لاجتماعها .
وتكتبت الخيل صارت كتائب .
وكتبت البغلة : إذا جمعت بين شفري رحمها بحلقة أو سير ; قال :لا تأمنن فزاريا حللت بهعلى قلوصك واكتبها بأسياروالكتبة ( بضم الكاف ) : الخرزة ، والجمع كتب .
والكتب : الخرز .
قال ذو الرمة :وفراء غرفية أثأى خوارزها مشلشل ضيعته بينها الكتبوالكتاب : هو خط الكاتب حروف المعجم مجموعة أو متفرقة ; وسمي كتابا وإن كان مكتوبا ; كما قال الشاعر :تؤمل رجعة مني وفيها كتاب مثل ما لصق الغراءوالكتاب : الفرض والحكم والقدر ; قال الجعدي :يا بنة عمي كتاب الله أخرجني عنكم وهل أمنعن الله ما فعلاقوله تعالى : لا ريب نفي عام ; ولذلك نصب الريب به .
وفي الريب ثلاثة معان : أحدها : الشك ; قال عبد الله بن الزبعرى :ليس في الحق يا أميمة ريب إنما الريب ما يقول الجهولوثانيها : التهمة ; قال جميل :بثينة قالت يا جميل أربتني فقلت كلانا يا بثين مريبوثالثها : الحاجة ; قال [ كعب بن مالك ] :قضينا من تهامة كل ريبوخيبر ثم أجمعنا السيوفافكتاب الله تعالى لا شك فيه ولا ارتياب ; والمعنى : أنه في ذاته حق وأنه منزل من عند الله ، وصفة من صفاته ، غير مخلوق ولا محدث ، وإن وقع ريب للكفار .
وقيل : هو خبر ومعناه النهي ; أي لا ترتابوا ، وتم الكلام كأنه قال ذلك الكتاب حقا .
وتقول : رابني هذا الأمر إذا أدخل عليك شكا وخوفا .
وأراب : صار ذا ريبة ; فهو مريب .
ورابني أمره .
وريب الدهر : صروفه .
قوله تعالى : فيه هدى للمتقين فيه ست مسائل :الأولى : قوله تعالى : ( فيه ) الهاء في ( فيه ) في موضع خفض بفي ، وفيه خمسة أوجه ; أجودها : فيه هدى ويليه فيه هدى ( بضم الهاء بغير واو ) وهي قراءة الزهري وسلام أبي المنذر .
ويليه فيهي هدى ( بإثبات الياء ) وهي قراءة ابن كثير .
ويجوز فيهو هدى ( بالواو ) .
ويجوز فيه هدى ( مدغما ) وارتفع هدى على الابتداء والخبر " فيه " .
والهدى في كلام العرب معناه الرشد والبيان ، أي فيه كشف لأهل المعرفة ، ورشد ، وزيادة بيان وهدى .
الثانية : الهدى هديان : هدى دلالة ، وهو الذي تقدر عليه الرسل وأتباعهم ; قال الله تعالى : ولكل قوم هاد .
وقال : وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم فأثبت لهم الهدى الذي معناه الدلالة والدعوة والتنبيه ; وتفرد هو سبحانه بالهدى الذي معناه التأييد والتوفيق ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : إنك لا تهدي من أحببت فالهدى على هذا يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب ; ومنه قوله تعالى : أولئك على هدى من ربهم وقوله : ويهدي من يشاء والهدى : الاهتداء ، ومعناه راجع إلى معنى الإرشاد كيفما تصرفت .
قال أبو المعالي : وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها ; من ذلك قوله تعالى في صفة المجاهدين : فلن يضل أعمالهم .
سيهديهم ومنه قوله تعالى : فاهدوهم إلى صراط الجحيم معناه فاسلكوهم إليها .
الثالثة : الهدى لفظ مؤنث .
قال الفراء : بعض بني أسد تؤنث الهدى فتقول : هذه هدى حسنة .
وقال اللحياني : هو مذكر ; ولم يعرب لأنه مقصور والألف لا تتحرك ، ويتعدى بحرف وبغير حرف وقد مضى في " الفاتحة " ، تقول : هديته الطريق وإلى الطريق ، والدار وإلى الدار ; أي عرفته .
الأولى لغة أهل الحجاز ، والثانية حكاها الأخفش .
وفي التنزيل : اهدنا الصراط المستقيم و الحمد لله الذي هدانا لهذا وقيل : إن الهدى اسم من أسماء النهار ، لأن الناس يهتدون فيه لمعايشهم وجميع مآربهم ; ومنه قول ابن مقبل : حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة يخشعن في الآل غلفا أو يصليناالرابعة : قوله تعالى : ( للمتقين ) خص الله تعالى المتقين بهدايته وإن كان هدى للخلق أجمعين تشريفا لهم ; لأنهم آمنوا وصدقوا بما فيه .
وروي عن أبي روق أنه قال : هدى للمتقين أي : كرامة لهم ; يعني إنما أضاف إليهم إجلالا لهم وكرامة لهم وبيانا لفضلهم .
وأصل ( للمتقين ) : للموتقيين بياءين مخففتين ، حذفت الكسرة من الياء الأولى لثقلها ثم حذفت الياء لالتقاء الساكنين وأبدلت الواو تاء على أصلهم في اجتماع الواو والتاء وأدغمت التاء في التاء فصار للمتقين .
الخامسة : التقوى يقال أصلها في اللغة قلة الكلام ; حكاه ابن فارس .
قلت : ومنه الحديث التقي ملجم ، والمتقي فوق المؤمن والطائع وهو الذي يتقي بصالح عمله وخالص دعائه عذاب الله تعالى ، مأخوذ من اتقاء المكروه بما تجعله حاجزا بينك وبينه ; كما قال النابغة :سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليدوقال آخر : فألقت قناعا دونه الشمس واتقتبأحسن موصولين كف ومعصموخرج أبو محمد عبد الغني الحافظ من حديث سعيد بن زربي أبي عبيدة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال : قال يوما لابن أخيه : يابن أخي ترى الناس ما أكثرهم ؟ قال : نعم ; قال : لا خير فيهم إلا تائب أو تقي ثم قال : يابن أخي ترى الناس ما أكثرهم ؟ قلت : بلى ; قال : لا خير فيهم إلا عالم أو متعلم .
وقال أبو يزيد البسطامي : المتقي من إذا قال: قال لله ، ومن إذا عمل عمل لله .
وقال أبو سليمان الداراني : المتقون الذين نزع الله عن قلوبهم حب الشهوات .
وقيل : المتقي الذي اتقى الشرك وبرئ من النفاق .
قال ابن عطية : وهذا فاسد ; لأنه قد يكون كذلك وهو فاسق .
وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبيا عن التقوى ; فقال : هل أخذت طريقا ذا شوك ؟ قال : نعم : قال فما عملت فيه ؟ قال : تشمرت وحذرت ; قال : فذاك التقوى .
وأخذ هذا المعنى ابن المعتز فنظمه :خل الذنوب صغيرهاوكبيرها ذاك التقى واصنع كماش فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرةإن الجبال من الحصىالسادسة : التقوى فيها جمع الخير كله ، وهي وصية الله في الأولين والآخرين ، وهي خير ما يستفيده الإنسان ; كما قال أبو الدرداء وقد قيل له : إن أصحابك يقولون الشعر وأنت ما حفظ عنك شيء ; فقال :يريد المرء أن يؤتى مناه ويأبى الله إلا ما أرادا يقول المرء فائدتي وماليوتقوى الله أفضل ما استفاداوروى ابن ماجه في سننه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها سرته ، وإن أقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله .
والأصل في التقوى : وقوى على وزن فعلى فقلبت الواو تاء من وقيته أقيه أي منعته ; ورجل تقي أي خائف ; أصله وقى ; وكذلك تقاة كانت في الأصل وقاة ; كما قالوا : تجاه وتراث ، والأصل وجاه ووراث .


شرح المفردات و معاني الكلمات : , الكتاب , ريب , هدى , للمتقين ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم

  1. وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله
  2. إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون
  3. إنا فتحنا لك فتحا مبينا
  4. إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين
  5. وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون
  6. إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا
  7. ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين
  8. ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم
  9. ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
  10. ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا

تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Tuesday, December 17, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب