1. التفسير الميسر
  2. تفسير الجلالين
  3. تفسير السعدي
  4. تفسير البغوي
  5. التفسير الوسيط
تفسير القرآن | باقة من أهم تفاسير القرآن الكريم المختصرة و الموجزة التي تعطي الوصف الشامل لمعنى الآيات الكريمات : سبعة تفاسير معتبرة لكل آية من كتاب الله تعالى , [ ص: 34] .

  
   

﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾
[ سورة ص: 34]

القول في تفسير قوله تعالى : ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ..


تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

التفسير الميسر : ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم


ولقد ابتلينا سليمان وألقينا على كرسيه شق وَلَد، وُلِد له حين أقسم ليطوفنَّ على نسائه، وكلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعًا، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد، ثم رجع سليمان إلى ربه وتاب، قال: رب اغفر لي ذنبي، وأعطني ملكًا عظيمًا خاصًا لا يكون مثله لأحد من البشر بعدي، إنك- سبحانك- كثير الجود والعطاء. فاستجبنا له، وذللنا الريح تجري بأمره طيِّعة مع قوتها وشدتها حيث أراد.

المختصر في التفسير : شرح المعنى باختصار


ولقد اختبرنا سليمان وألقينا على كرسي ملكه شيطانًا، متمثلًا بإنسان تصرف في ملكه مدة قصيرة ثم أعاد الله لسليمان ملكه، وسلَّطه على الشياطين.

تفسير الجلالين : معنى و تأويل الآية 34


«ولقد فتنا سليمان» ابتليناه بسلب ملكه وذلك لتزوجه بامرأة هواها وكانت تعبد الصنم في داره من غير علمه وكان ملكه في خاتمه فنزعه مرة عند إرادة الخلاء ووضعه عند امرأته المسماة بالأمينة على عادته فجاءها جني في صورة سليمان فأخذه منها «وألقينا على كرسيه جسدا» هو ذلك الجني وهو صخر أو غيره جلس على كرسي سليمان وعكفت عليه الطير وغيرها فخرج سليمان في غير هيئته فرآه على كرسيه وقال للناس أنا سليمان فأنكره «ثم أناب» رجع سليمان إلى ملكه بعد أيام بأن وصل إلى الخاتم فلبسه وجلس على كرسيه.

تفسير السعدي : ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ }- أي: ابتليناه واختبرناه بذهاب ملكه وانفصاله عنه بسبب خلل اقتضته الطبيعة البشرية، { وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا }- أي: شيطانا قضى اللّه وقدر أن يجلس على كرسي ملكه، ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان، { ثُمَّ أَنَابَ } سليمان إلى اللّه تعالى وتاب.

تفسير البغوي : مضمون الآية 34 من سورة ص


قوله عز وجل : ( ولقد فتنا سليمان ) اختبرناه وابتليناه بسلب ملكه .
وكان سبب ذلك ما ذكر محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه قال : سمع سليمان - عليه السلام - بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون ، بها ملك عظيم الشأن ، لم يكن للناس إليه سبيل لمكانه في البحر ، وكان الله قد آتى سليمان في ملكه سلطانا لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر ، إنما يركب إليه الريح ، فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء ، حتى نزل بها بجنوده من الجن والإنس ، فقتل ملكها واستولى واستفاء وسبى ما فيها ، وأصاب فيما أصاب بنتا لذلك الملك يقال لها : جرادة ، لم ير مثلها حسنا وجمالا فاصطفاها لنفسه ، ودعاها إلى الإسلام فأسلمت على جفاء منها وقلة فقه ، وأحبها حبا لم يحبه شيئا من نسائه ، وكانت على منزلتها عنده لا يذهب حزنها ولا يرقأ دمعها ، فشق ذلك علىسليمان فقال لها : ويحك ما هذا الحزن الذي لا يذهب ، والدمع الذي لا يرقأ ؟ قالت : إن أبي أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلك ، قال سليمان : فقد أبدلك الله به ملكا هو أعظم من ملكه ، وسلطانا هو أعظم من سلطانه ، وهداك للإسلام وهو خير من ذلك كله ، قالت : إن ذلك كذلك ، ولكني إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن ، فلو أنك أمرت الشياطين فصوروا صورته في داري التي أنا فيها أراها بكرة وعشيا لرجوت أن يذهب ذلك حزني ، وأن يسلي عني بعض ما أجد في نفسي ، فأمر سليمان الشياطين ، فقال : مثلوا لها صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئا ، فمثلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه إلا أنه لا روح فيه ، فعمدت إليه حين صنعوه فأزرته وقمصته وعممته وردته بمثل ثيابه التي كان يلبس ، ثم كان إذا خرج سليمان من دارها تغدو عليه في ولائدها حتى تسجد له ، ويسجدن له كما كانت تصنع به في ملكه ، وتروح كل عشية بمثل ذلك وسليمان لا يعلم بشيء من ذلك أربعين صباحا ، وبلغ ذلك آصف بن برخيا ، وكان صديقا ، وكان لا يرد عن أبواب سليمان أي ساعة أراد دخول شيء من بيوته دخل ، حاضرا كان سليمان أو غائبا ، فأتاه فقال : يا نبي الله كبر سني ، ورق عظمي ، ونفد عمري ، وقد حان مني الذهاب ، فقد أحببت أن أقوم مقاما قبل الموت أذكر فيه من مضى من أنبياء الله وأثني عليهم بعلمي فيهم ، وأعلم الناس بعض ما كانوا يجهلون من كثير من أمورهم فقال : افعل .
فجمع له سليمان الناس ، فقام فيهم خطيبا فذكر من مضى من أنبياء الله تعالى ، فأثنى على كل نبي بما فيه ، فذكر ما فضله الله حتى انتهى إلى سليمان ، فقال : ما أحلمك في صغرك ، وأورعك في صغرك ، وأفضلك في صغرك ، وأحكم أمرك في صغرك ، وأبعدك من كل ما تكره في صغرك ، ثم انصرف ، فوجد سليمان - عليه السلام - في نفسه من ذلك حتى ملأه غضبا ، فلما دخل سليمان داره أرسل إليه ، فقال : يا آصف ذكرت من مضى من أنبياء الله ، فأثنيت عليهم خيرا في كل زمانهم ، وعلى كل حال من أمرهم ، فلما ذكرتني جعلت تثني علي بخير في صغري ، وسكت عما سوى ذلك من أمري في كبري ؟ فما الذي أحدثت في آخر أمري ؟ فقال : إن غير الله ليعبد في دارك منذ أربعين صباحا في هوى امرأة ، فقال : في داري ؟ فقال : في دارك ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد عرفت أنك ما قلت الذي قلت إلا عن شيء بلغك ، ثم رجع سليمان إلى داره وكسر ذلك الصنم ، وعاقب تلك المرأة وولائدها ، ثم أمر بثياب الطهرة فأتي بها وهي ثياب لا يغزلها إلا الأبكار ، ولا ينسجها إلا الأبكار ، ولا يغسلها إلا الأبكار ، لم تمسسها امرأة قد رأت الدم ، فلبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده ، فأمر برماد ففرش له ، ثم أقبل تائبا إلى الله - عز وجل - حتى جلس على ذلك الرماد وتمعك فيه بثيابه تذللا لله تعالى ، وتضرعا إليه يبكي ويدعو ، ويستغفر مما كان في داره ، فلم يزل كذلك يومه حتى أمسى ، ثم رجع إلى داره ، وكانت له أم ولد يقال لها الأمينة ، كان إذا دخل مذهبه أو أراد إصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتى يتطهر ، وكان لا يمس خاتمه إلا وهو طاهر ، وكان ملكه في خاتمه فوضعه يوما عندها ، ثم دخل مذهبه فأتاها الشيطان صاحب البحر ، واسمه صخر ، على صورة سليمان لا تنكر منه شيئا ، فقال : خاتمي أمينة ! فناولته إياه ، فجعله في يده ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان ، وعكفت عليه الطير والجن والإنس ، وخرج سليمان فأتى الأمينة وقد غيرت حاله ، وهيئته عند كل من رآه ، فقال : يا أمينة خاتمي ، قالت : من أنت ؟ قال : أنا سليمان بن داود ، قالت : كذبت فقد جاء سليمان فأخذ خاتمه وهو جالس على سرير ملكه ، فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته ، فخرج فجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل فيقول : أنا سليمان بن داود ، فيحثون عليه التراب ويسبونه ، ويقولون انظروا إلى هذا المجنون ، أي شيء يقول يزعم أنه سليمان ، فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر ، فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر إلى السوق فيعطونه كل يوم سمكتين ، فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة وشوى الأخرى فأكلها ، فمكث بذلك أربعين صباحا عدة ما كان عبد الوثن في داره ، فأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم عدو الله الشيطان في تلك الأربعين ، فقال آصف : يا معشر بني إسرائيل هل رأيتم اختلاف حكم ابن داود ما رأيت ؟ قالوا : نعم ، قال : أمهلوني حتى أدخل على نسائه فأسألهن فهل أنكرتن منه في خاصة أمره ما أنكرناه في عامة أمر الناس وعلانيته ، فدخل على نسائه ، فقال : ويحكن هل أنكرتن من أمر ابن داود ما أنكرنا ؟ .
فقلن : أشده ما يدع منا امرأة في دمها ولا يغتسل من الجنابة .
فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون إن هذا لهو البلاء المبين ، ثم خرج على بني إسرائيل فقال : ما في الخاصة أعظم مما في العامة ، فلما مضى أربعون صباحا طار الشيطان عن مجلسه ، ثم مر بالبحر فقذف الخاتم فيه ، فبلعته سمكة فأخذها بعض الصيادين ، وقد عمل له سليمان صدر يومه ذلك ، حتى إذا كان العشي أعطاه سمكتيه وأعطاه السمكة التي أخذت الخاتم ، فخرج سليمان بسمكتيه ، فباع التي ليس في بطنها الخاتم بالأرغفة ، ثم عمد إلى السمكة الأخرى فبقرها ليشويها فاستقبله خاتمه في جوفها ، فأخذه فجعله في يده ، ووقع ساجدا ، وعكفت عليه الطير والجن ، وأقبل عليه الناس ، وعرف الذي كان قد دخل عليه لما كان قد حدث في داره ، فرجع إلى ملكه وأظهر التوبة من ذنبه ، وأمر الشياطين فقال : ائتوني بصخر فطلبته الشياطين حتى أخذته ، فأتي به وجاءوا له بصخرة فنقرها فأدخله فيها ثم شد عليه بأخرى ، ثم أوثقها بالحديد والرصاص ، ثم أمر به فقذف في البحر .
هذا حديث وهب .
وقال الحسن : ما كان الله ليسلط الشيطان على نسائه .
وقال السدي : كان سبب فتنة سليمان أنه كان له مائة امرأة ، وكانت امرأة منهن يقال لها جرادة هي آثر نسائه وآمنهن عنده ، وكان يأتمنها على خاتمه إذا أتى حاجته ، فقالت له يوما : إن أخي كان بينه وبين فلان خصومة ، وأنا أحب أن تقضي له إذا جاءك ، فقال : نعم ، ولم يفعل فابتلي بقوله ، فأعطاها خاتمه ودخل المخرج ، فجاء الشيطان في صورته فأخذه وجلس على مجلس سليمان ، وخرج سليمان - عليه السلام - فسألها خاتمه فقالت : ألم تأخذه ؟ قال : لا .
وخرج مكانه ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما ، فأنكر الناس حكمه ، فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم حتى دخلوا على نسائه ، فقالوا : إنا قد أنكرنا هذا ، فإن كان سليمان فقد ذهب عقله ، فبكى النساء عند ذلك فأقبلوا حتى أحدقوا به ، ونشروا التوراة فقرءوها فطار من بين أيديهم ، حتى وقع على شرفة ، والخاتم معه ، ثم طار حتى ذهب إلى البحر ، فوقع الخاتم منه في البحر ، فابتلعه حوت ، وأقبل سليمان حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع قد اشتد جوعه ، فاستطعمه من صيده ، وقال : إني أنا سليمان ، فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجه ، فجعل يغسل دمه على شاطئ البحر ، فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه ، وأعطوه سمكتين مما قد مذر عندهم ، فشق بطونهما وجعل يغسلهما ، فوجد خاتمه في بطن إحداهما ، فلبسه فرد الله عليه ملكه وبهاءه .
وحامت عليه الطير فعرف القوم أنه سليمان ، فقاموا يعتذرون مما صنعوا .
فقال : ما أحمدكم على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم ، هذا أمر كائن لا بد منه ، ثم جاء حتى أتى مملكته وأمر حتى أتي بالشيطان الذي أخذ خاتمه وجعله في صندوق من حديد ، وأطبق عليه بقفل ، وختم عليه بخاتمه ، وأمر به فألقي في البحر وهو حي كذلك حتى الساعة .
وفي بعض الروايات أن سليمان لما افتتن سقط الخاتم من يده ، وكان فيه ملكه فأعاده سليمان إلى يده فسقط فأيقن سليمان بالفتنة ، فأتى آصف فقال لسليمان : إنك مفتون بذنبك ، والخاتم لا يتماسك في يدك أربعة عشر يوما ففر إلى الله تائبا ، فإني أقوم مقامك ، وأسير بسيرتك إلى أن يتوب الله عليك ، ففر سليمان هاربا إلى ربه ، وأخذ آصف الخاتم ، فوضعه في أصبعه فثبت فهو الجسد الذي قال الله تعالى : " وألقينا على كرسيه جسدا " فأقام آصف في ملكه يسير بسيرته أربعة عشر يوما إلى أن رد الله على سليمان ملكه ، فجلس على كرسيه وأعاد الخاتم في يده فثبت .
وروي عن سعيد بن المسيب قال : احتجب سليمان عن الناس ثلاثة أيام ، فأوحى الله إليه احتجبت عن الناس ثلاثة أيام ؟ فلم تنظر في أمور عبادي ؟ فابتلاه الله - عز وجل - فذكر حديث الخاتم وأخذ الشيطان إياه كما روينا .
وقيل: قال سليمان يوما لأطوفن الليلة على نسائي كلهن ، فتأتي كل واحدة بابن يجاهد في سبيل الله ، ولم يستثن ، فجامعهن فما خرج له منهن إلا شق مولود ، فجاءت به القابلة فألقته على كرسيه ، فذلك قوله تعالى : " وألقينا على كرسيه جسدا " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، حدثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " قال سليمان : لأطوفن الليلة على تسعين امرأة ، كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ، فقال له صاحبه : قل إن شاء الله ، فلم يقل إن شاء الله ، فطاف عليهن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة ، جاءت بشق رجل ، وايم الله الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون "وقال طاوس عن أبي هريرة : لأطوفن الليلة بمائة امرأة ، قال له الملك : قل إن شاء الله ، فلم يقل ونسي .
وأشهر الأقاويل أن الجسد الذي ألقي على كرسيه هو صخر الجني ، فذلك قوله عز وجل : ( وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ) أي رجع إلى ملكه بعد أربعين يوما فلما رجع .

التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية


ثم تحدثت الآيات الكريمة بعد ذلك عن فتنة سليمان- عليه السلام- فقال-تبارك وتعالى-:وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ ...
وقوله: فَتَنَّا من الفتن بمعنى الابتلاء والاختبار والامتحان.
تقول: فتنت الذهب بالنار، أى: اختبرته لتعلم جودته..قال الآلوسى: وأظهر ما قيل في فتنة سليمان- عليه السلام- أنه قال: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة.
تأتى كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله-تبارك وتعالى- ولم يقل إن شاء الله.
فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة وجاءت بشق رجل.
وقد روى ذلك الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة مرفوعا، وفيه: «فو الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا فرسانا» .
ولكن الذي في صحيح البخاري أربعين بدل سبعين.
وأن الملك قال له: قل إن شاء الله، فلم يقل- أى فلم يقل ذلك على سبيل النسيان..والمراد بالجسد ذلك الشق الذي ولدته له.
ومعنى إلقائه على كرسيه: وضع القابلة له عليه ليراه.
وقد ذكروا أن سليمان: إنما قال: «تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله» على سبيل التمني للخير، وطلب الذرية الصالحة المجاهدة في سبيل الله.
ومعنى «فلم يقل» أى: بلسانه على سبيل النسيان، والنسيان معفو عنه، إلا أن سليمان- عليه السلام- لسمو منزلته اعتبر ذلك ذنبا يستحق الاستغفار منه، فقال بعد ذلك «رب اغفر لي ...
» .
وقوله: «لأطوفن الليلة ...
» كناية عن الجماع.
قالوا: ولعل المقصود.
طوافه عليهن ابتداء من تلك الليلة، ولا مانع من أن يستغرق طوافه بهن عدة ليال.
وقد استنبط العلماء من هذا الحديث أن فتنة سليمان، هي تركه تعليق ما طلبه على مشيئة الله، وأن عقابه على ذلك كان عدم تحقق ما طلبه.
وهذا الرأى في تقديرنا هو الرأى الصواب في تفسير الآية الكريمة لأنه مستند إلى حديث صحيح ثابت في الصحيحين وفي غيرهما، ولأنه يتناسب مع عصمة الأنبياء وسمو منزلتهم، فإن النسيان الذي لا يترتب عليه ترك شيء من التكاليف التي كلفهم الله-تبارك وتعالى- بها جائز عليهم.
وقد ذكرنا عند تفسيرنا لقوله-تبارك وتعالى-: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ أن الوحى مكث فترة لم ينزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأنه نسى أن يقول- عند ما سأله المشركون عن بعض الأشياء إن شاء الله، وقال سأجيبكم على ما سألتمونى عنه غدا.
.
ومن العلماء من آثر عدم تعيين الفتنة التي اختبر الله-تبارك وتعالى- بها سيدنا سليمان- عليه السلام-، بتركه المشيئة، فقال بعد أن ذكر الحديث السابق: وجائز أن تكون هذه الفتنة التي تشير إليها الآيات هنا وأن يكون الجسد هو هذا الوليد الشق، ولكن هذا مجرد احتمال.
ثم قال: وكل ما نخرج به هو أنه كان هناك ابتلاء من الله وفتنة لنبي الله سليمان- عليه السلام- في شأن يتعلق بتصرفاته في الملك والسلطان، كما يبتلى الله أنبياءه ليوجههم ويرشدهم.
ويبعد خطاهم عن الزلل، وأن سليمان أناب إلى ربه ورجع.
وطلب المغفرة، واتجه إلى الله بالرجاء والدعاء.. .
ونرى أنه رأى لا بأس به، وإن كنا نؤثر عليه الرأى السابق لاستناده في استنباط المراد من الفتنة هنا إلى الحديث الصحيح.
هذا.
وهناك أقوال أخرى ذكروها في المقصود بفتنة سليمان وبالجسد الذي ألقاه الله على كرسي سليمان، وهي أقوال ساقطة، تتنافى مع عصمة الأنبياء- عليهم السلام-.
ومن هذه الأقوال قول بعضهم: إن الجسد الذي ألقى على كرسي سليمان، عبارة عن شيطان تمثل له في صورة إنسان، ثم أخذ من سليمان خاتمه الذي كان يصرف به ملكه.
وقعد ذلك الشيطان على كرسي سليمان، ولم يعد لسليمان ملكه إلا بعد أن عثر على خاتمه.
وقول بعضهم: إن سبب فتنة سليمان- عليه السلام- هو سجود إحدى زوجاته لتمثال أبيها الذي قتله سليمان في إحدى الحروب، وقد بقيت على هذه الحال هي وجواريها أربعين ليلة، دون أن تعلم سليمان بذلك.
وقول بعضهم: إن سبب فتنة سليمان أنه ولد له ولد فخاف عليه من الشياطين، فأمر السحاب بحفظه وتغذيته.
ولكن هذا الولد وقع ميتا على كرسي سليمان، فاستغفر سليمان ربه لأنه لم يعتمد عليه في حفظ ابنه.
إلى غير ذلك من الأقوال الساقطة الباطلة، التي تتنافى مع عصمة الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-.
وتتنافى- أيضا- مع كل عقل سليم، ولا مستند لها إلا النقل عن الإسرائيليات وعن القصاص الذين يأتون بقصص ما أنزل الله بها من سلطان .
قال أبو حيان- رحمه الله-: نقل المفسرون في هذه الفتنة وفي إلقاء الجسد أقوالا يجب براءة الأنبياء منها، يوقف عليها في كتبهم، وهي مما لا يحل نقلها، وهي إما من أوضاع اليهود، أو الزنادقة، ولم يبين الله-تبارك وتعالى- الفتنة ما هي، ولا الجسد الذي ألقاه على كرسي سليمان.
وأقرب ما قيل فيه، أن المراد بالفتنة كونه لم يستثن في الحديث الذي قال فيه: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة.. والجسد الملقى هو المولود شق رجل..

ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم: تفسير ابن كثير


يقول تعالى : { ولقد فتنا سليمان } أي: اختبرناه بأن سلبناه الملك مرة ، { وألقينا على كرسيه جسدا } قال ابن عباس ، ومجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغيرهم : يعني شيطانا . { ثم أناب } أي: رجع إلى ملكه وسلطانه وأبهته .
قال ابن جرير : وكان اسم ذلك الشيطان صخرا . قاله ابن عباس ، وقتادة . وقيل : آصف . قاله مجاهد وقيل : آصروا . قاله مجاهد أيضا . وقيل : حبقيق . قاله السدي . وقد ذكروا هذه القصة مبسوطة ومختصرة .
وقد قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : قال أمر سليمان - عليه السلام - ببناء بيت المقدس فقيل له : ابنه ولا يسمع فيه صوت حديد . فقال : فطلب ذلك فلم يقدر عليه . فقيل له : إن شيطانا في البحر يقال له : " صخر " شبه المارد . قال : فطلبه وكانت عين في البحر يردها في كل سبعة أيام مرة فنزح ماؤها وجعل فيها خمر ، فجاء يوم ورده فإذا هو بالخمر فقال : إنك لشراب طيب إلا أنك تصبين الحليم ، وتزيدين الجاهل جهلا . ثم رجع حتى عطش عطشا شديدا ثم أتاها فقال : إنك لشراب طيب إلا أنك تصبين الحليم ، وتزيدين الجاهل جهلا . ثم شربها حتى غلبت على عقله ، قال : فأري الخاتم أو ختم به بين كتفيه فذل . قال : وكان ملكه في خاتمه فأتي به سليمان فقال : إنه قد أمرنا ببناء هذا البيت وقيل لنا : لا يسمعن فيه صوت حديد . قال : فأتى ببيض الهدهد فجعل عليه زجاجة فجاء الهدهد فدار حولها ، فجعل يرى بيضه ولا يقدر عليه فذهب فجاء بالماس فوضعه عليه فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه . فأخذ الماس فجعلوا يقطعون به الحجارة . وكان سليمان [ عليه السلام ] إذا أراد أن يدخل الخلاء - أو : الحمام - لم يدخل بخاتمه فانطلق يوما إلى الحمام وذلك الشيطان صخر معه ، وذلك عند مقارفة قارف فيه بعض نسائه . قال : فدخل الحمام وأعطى الشيطان خاتمه فألقاه في البحر فالتقمته سمكة ، ونزع ملك سليمان منه وألقي على الشيطان شبه سليمان . قال : فجاء فقعد على كرسيه وسريره وسلط على ملك سليمان كله غير نسائه . قال : فجعل يقضي بينهم ، وجعلوا ينكرون منه أشياء حتى قالوا : لقد فتن نبي الله . وكان فيهم رجل يشبهونه بعمر بن الخطاب في القوة فقال : والله لأجربنه . قال : فقال : يا نبي الله - وهو لا يرى إلا أنه نبي الله - أحدنا تصيبه الجنابة في الليلة الباردة فيدع الغسل عمدا حتى تطلع الشمس أترى عليه بأسا ؟ فقال : لا . قال : فبينا هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله خاتمه في بطن سمكة فأقبل فجعل لا يستقبله جني ولا طير إلا سجد له حتى انتهى إليهم ، { وألقينا على كرسيه جسدا } قال : هو الشيطان صخر
وقال السدي : { ولقد فتنا سليمان } أي: ابتلينا سليمان ، { وألقينا على كرسيه جسدا } قال : جلس الشيطان على كرسيه أربعين يوما . قال : وكان لسليمان - عليه السلام - مائة امرأة وكانت امرأة منهن يقال لها : " جرادة " ، وهي آثر نسائه وآمنهن عنده وكان إذا أجنب أو أتى حاجة نزع خاتمه ولم يأتمن عليه أحدا من الناس غيرها فأعطاها يوما خاتمه ودخل الخلاء فخرج الشيطان في صورته فقال : هاتي الخاتم . فأعطته فجاء حتى جلس على مجلس سليمان وخرج سليمان بعد ذلك فسألها أن تعطيه خاتمه ، فقالت : ألم تأخذه قبل ؟ قال : لا . وخرج مكانه تائها . قال : ومكث الشيطان يحكم بين الناس أربعين يوما ، قال : فأنكر الناس أحكامه فاجتمع قراء بني إسرائيل وعلماؤهم فجاءوا حتى دخلوا على نسائه فقالوا : إنا قد أنكرنا هذا فإن كان سليمان فقد ذهب عقله وأنكرنا أحكامه . قال : فبكى النساء عند ذلك قال : فأقبلوا يمشون حتى أتوا فأحدقوا به ثم نشروا التوراة فقرءوا . قال : فطار من بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه . ثم طار حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه في البحر فابتلعه حوت من حيتان البحر . قال : وأقبل سليمان في حاله التي كان فيها حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر وهو جائع وقد اشتد جوعه . فاستطعمهم من صيدهم وقال : إني أنا سليمان . فقام إليه بعضهم فضربه بعصا فشجه فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحر فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه فقالوا بئس ما صنعت حيث ضربته . قال : إنه زعم أنه سليمان . قال : فأعطوه سمكتين مما قد مذر عندهم فلم يشغله ما كان به من الضرب حتى قام إلى شط البحر فشق بطونهما فجعل يغسل [ دمه ] فوجد خاتمه في بطن إحداهما فأخذه فلبسه فرد الله عليه بهاءه وملكه ، وجاءت الطير حتى حامت عليه فعرف القوم أنه سليمان - عليه السلام - فقام القوم يعتذرون مما صنعوا [ به ] فقال : ما أحمدكم على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم ، كان هذا الأمر لا بد منه . قال : فجاء حتى أتى ملكه وأرسل إلى الشيطان فجيء به فأمر به فجعل في صندوق من حديد ، ثم أطبق عليه وقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه ثم أمر به فألقي في البحر فهو فيه حتى تقوم الساعة . وكان اسمه حبقيق قال : وسخر له الريح ولم تكن سخرت له قبل ذلك وهو قوله : { وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب }
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : { وألقينا على كرسيه جسدا } قال : شيطانا يقال له : آصف . فقال له سليمان : كيف تفتنون الناس ؟ قال : أرني خاتمك أخبرك . فلما أعطاه إياه نبذه آصف في البحر فساح سليمان وذهب ملكه ، وقعد آصف على كرسيه ومنعه الله نساء سليمان فلم يقربهن - ولم يقربنه وأنكرنه . قال : فكان سليمان يستطعم فيقول : أتعرفوني ؟ أطعموني أنا سليمان فيكذبونه ، حتى أعطته امرأة يوما حوتا فجعل يطيب بطنه ، فوجد خاتمه في بطنه فرجع إليه ملكه وفر آصف فدخل البحر فارا .
وهذه كلها من الإسرائيليات ومن أنكرها ما قاله ابن أبي حاتم :
حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة وعلي بن محمد قالوا : حدثنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] { وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب } قال : أراد سليمان أن يدخل الخلاء فأعطى الجرادة خاتمه - وكانت الجرادة امرأته وكانت أحب نسائه إليه - فجاء الشيطان في صورة سليمان فقال لها : هاتي خاتمي . فأعطته إياه . فلما لبسه دانت له الإنس والجن والشياطين فلما خرج سليمان من الخلاء قال لها : هاتي خاتمي . قالت : قد أعطيته سليمان . قال : أنا سليمان . قالت : كذبت لست سليمان فجعل لا يأتي أحدا يقول له : " أنا سليمان " ، إلا كذبه حتى جعل الصبيان يرمونه بالحجارة . فلما رأى ذلك عرف أنه من أمر الله - عز وجل - . قال : وقام الشيطان يحكم بين الناس فلما أراد الله أن يرد على سليمان سلطانه ألقى في قلوب الناس إنكار ذلك الشيطان . قال : فأرسلوا إلى نساء سليمان فقالوا لهن : أتنكرن من سليمان شيئا ؟ قلن : نعم إنه يأتينا ونحن حيض وما كان يأتينا قبل ذلك . فلما رأى الشيطان أنه قد فطن له ظن أن أمره قد انقطع فكتبوا كتبا فيها سحر وكفر ، فدفنوها تحت كرسي سليمان ثم أثاروها وقرءوها على الناس . وقالوا : بهذا كان يظهر سليمان على الناس [ ويغلبهم ] فأكفر الناس سليمان - عليه السلام - فلم يزالوا يكفرونه وبعث ذلك الشيطان بالخاتم فطرحه في البحر فتلقته سمكة فأخذته . وكان سليمان يحمل على شط البحر بالأجر فجاء رجل فاشترى سمكا فيه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فدعا سليمان فقال : تحمل لي هذا السمك ؟ فقال : نعم . قال : بكم ؟ قال بسمكة من هذا السمك . قال : فحمل سليمان - عليه السلام - السمك ثم انطلق به إلى منزله فلما انتهى الرجل إلى بابه أعطاه تلك السمكة التي في بطنها الخاتم فأخذها سليمان فشق بطنها ، فإذا الخاتم في جوفها فأخذه فلبسه . قال : فلما لبسه دانت له الجن والإنس والشياطين وعاد إلى حاله وهرب الشيطان حتى دخل جزيرة من جزائر البحر فأرسل سليمان في طلبه وكان شيطانا مريدا فجعلوا يطلبونه ولا يقدرون عليه حتى وجدوه يوما نائما فجاءوا فبنوا عليه بنيانا من رصاص فاستيقظ فوثب فجعل لا يثب في مكان من البيت إلا انماط معه الرصاص قال : فأخذوه فأوثقوه وجاءوا به إلى سليمان ، فأمر به فنقر له تخت من رخام ثم أدخل في جوفه ثم سد بالنحاس ثم أمر به فطرح في البحر فذلك قوله : { ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب } قال : يعني الشيطان الذي كان سلط عليه .
إسناده إلى ابن عباس قوي ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس - إن صح عنه - من أهل الكتاب ، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان - عليه السلام - فالظاهر أنهم يكذبون عليه ولهذا كان في السياق منكرات من أشدها ذكر النساء فإن المشهور أن ذلك الجني لم يسلط على نساء سليمان بل عصمهن الله منه تشريفا وتكريما لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف ، كسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب والله أعلم بالصواب .
وقال يحيى بن أبي عمرو السيباني : وجد سليمان خاتمه في عسقلان ، فمشى في خرقة إلى بيت المقدس تواضعا لله - عز وجل - رواه ابن أبي حاتم .
وقد روى ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار في صفة كرسي سليمان عليه الصلاة والسلام خبرا عجيبا فقال : حدثنا أبي رحمه الله ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث أخبرني أبو إسحاق المصري عن كعب الأحبار ; أنه لما فرغ من حديث " إرم ذات العماد " قال له معاوية : يا أبا إسحاق أخبرني عن كرسي سليمان بن داود وما كان عليه ; ومن أي شيء هو ؟ فقال : كان كرسي سليمان من أنياب الفيلة مفصصا بالدر والياقوت والزبرجد واللؤلؤ . وقد جعل له درجة منها مفصصة بالدر والياقوت والزبرجد ثم أمر بالكرسي فحف من جانبيه بالنخل ، نخل من ذهب شماريخها من ياقوت وزبرجد ولؤلؤ . وجعل على رءوس النخل التي عن يمين الكرسي طواويس من ذهب ، ثم جعل على رءوس النخل التي على يسار الكرسي نسور من ذهب مقابلة الطواويس ، وجعل على يمين الدرجة الأولى شجرتا صنوبر من ذهب ، وعن يسارها أسدان من ذهب وعلى رءوس الأسدين عمودان من زبرجد وجعل من جانبي الكرسي شجرتا كرم من ذهب قد أظلتا الكرسي وجعل عناقيدهما درا وياقوتا أحمر . ثم جعل فوق درج الكرسي أسدان عظيمان من ذهب مجوفان محشوان مسكا وعنبرا . فإذا أراد سليمان أن يصعد على كرسيه استدار الأسدان ساعة ثم يقعان فينضحان ما في أجوافهما من المسك والعنبر حول كرسي سليمان - عليه السلام - ثم يوضع منبران من ذهب واحد لخليفته والآخر لرئيس أحبار بني إسرائيل ذلك الزمان . ثم يوضع أمام كرسيه سبعون منبرا من ذهب يقعد عليها سبعون قاضيا من بني إسرائيل وعلمائهم وأهل الشرف منهم والطول ومن خلف تلك المنابر كلها خمسة وثلاثون منبرا من ذهب ليس عليها أحد ، فإذا أراد أن يصعد على كرسيه وضع قدميه على الدرجة السفلى فاستدار الكرسي كله بما فيه وما عليه ، ويبسط الأسد يده اليمنى وينشر النسر جناحه الأيسر ثم يصعد [ سليمان ] على الدرجة الثانية فيبسط الأسد يده اليسرى وينشر النسر جناحه الأيمن فإذا استوى سليمان على الدرجة الثالثة وقعد على الكرسي أخذ نسر من تلك النسور عظيم تاج سليمان فوضعه على رأسه فإذا وضعه على رأسه استدار الكرسي بما فيه كما تدور الرحى المسرعة . فقال معاوية رضي الله عنه : وما الذي يديره يا أبا إسحاق ؟ قال : تنين من ذهب ذلك الكرسي عليه وهو عظيم مما عمله صخر الجني فإذا أحست بدورانه تلك النسور والأسد والطواويس التي في أسفل الكرسي درن إلى أعلاه فإذا وقف وقفن كلهن منكسات رءوسهن على رأس سليمان [ ابن داود ] - عليه السلام - وهو جالس ثم ينضحن جميعا ما في أجوافهن من المسك والعنبر على رأس سليمان - عليه السلام - . ثم تتناول حمامة من ذهب واقفة على عمود من جوهر التوراة فتجعلها في يده فيقرؤها سليمان على الناس .
وذكر تمام الخبر وهو غريب جدا .

تفسير القرطبي : معنى الآية 34 من سورة ص


قوله تعالى : ولقد فتنا سليمان قيل : فتن سليمان بعد ما ملك عشرين سنة ، وملك بعد الفتنة عشرين سنة ، ذكره الزمخشري .
و " فتنا " أي : ابتلينا وعاقبنا .
وسبب ذلك ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : اختصم إلى سليمان - عليه السلام - فريقان أحدهما من أهل جرادة امرأة سليمان ، وكان يحبها فهوى أن يقع القضاء لهم ، ثم قضى بينهما بالحق ، فأصابه الذي أصابه عقوبة لذلك الهوى .
وقال سعيد بن المسيب : إن سليمان - عليه السلام - احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بين أحد ، ولا ينصف مظلوما من ظالم ، فأوحى الله تعالى إليه : " إني لم أستخلفك لتحتجب عن عبادي ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم " .
وقال شهر بن حوشب ووهب بن منبه : إن سليمان - عليه السلام - سبى بنت ملك غزاه في البحر ، في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون .
فألقيت عليه محبتها ، وهي تعرض عنه ، لا تنظر إليه إلا شزرا ، ولا تكلمه إلا نزرا ، وكان لا يرقأ لها دمع حزنا على أبيها ، وكانت في غاية من الجمال ، ثم إنها سألته أن يصنع لها تمثالا على صورة أبيها حتى تنظر إليه ، فأمر فصنع لها فعظمته وسجدت له ، وسجدت معها جواريها ، وصار صنما معبودا في داره وهو لا يعلم ، حتى مضت أربعون ليلة ، وفشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره ، وحرقه ثم ذراه في البحر .
وقيل : إن سليمان لما أصاب ابنة ملك صيدون واسمها جرادة - فيما ذكر الزمخشري - أعجب بها ، فعرض عليها الإسلام فأبت ، فخوفها فقالت : اقتلني ولا أسلم ، فتزوجها وهي مشركة فكانت تعبد صنما لها من ياقوت أربعين يوما في خفية من سليمان إلى أن أسلمت ، فعوقب سليمان بزوال ملكه أربعين يوما .
وقال كعب الأحبار : إنه لما ظلم الخيل بالقتل سلب ملكه .
وقال الحسن : إنه قارب بعض نسائه في شيء من حيض أو غيره .
وقيل : إنه أمر ألا يتزوج امرأة إلا من بني إسرائيل ، فتزوج امرأة من غيرهم ، فعوقب على ذلك ، والله أعلم .
قوله تعالى : وألقينا على كرسيه جسدا قيل : شيطان في قول أكثر أهل التفسير ، ألقى الله شبه سليمان - عليه السلام - عليه ، واسمه صخر بن عمير صاحب البحر ، وهو الذي دل سليمان على الماس حين أمر سليمان ببناء بيت المقدس ، فصوتت الحجارة لما صنعت بالحديد ، فأخذوا الماس فجعلوا يقطعون به الحجارة والفصوص وغيرها ولا تصوت .
قال ابن عباس : كان ماردا لا يقوى عليه جميع الشياطين ، ولم يزل يحتال حتى ظفر بخاتم سليمان بن داود ، وكان سليمان لا يدخل الكنيف بخاتمه ، فجاء صخر في صورة سليمان حتى أخذ الخاتم من امرأة من نساء سليمان أم ولد له يقال لها الأمينة ، قاله شهر ووهب .
وقال ابن عباس وابن جبير : اسمها جرادة .
فقام أربعين يوما على ملك سليمان وسليمان هارب ، حتى رد الله عليه الخاتم والملك .
وقال سعيد بن المسيب : كان سليمان قد وضع خاتمه تحت فراشه ، فأخذه الشيطان من تحته .
وقال مجاهد : أخذه الشيطان من يد سليمان ; لأن سليمان سأل الشيطان وكان اسمه آصف : كيف تضلون الناس ؟ فقال له الشيطان : أعطني خاتمك حتى أخبرك .
فأعطاه خاتمه ، فلما أخذ الشيطان الخاتم جلس على كرسي سليمان ، متشبها بصورته ، داخلا على نسائه ، يقضي بغير الحق ، ويأمر بغير الصواب .
واختلف في إصابته لنساء سليمان ، فحكي عن ابن عباس ووهب بن منبه : أنه كان يأتيهن في حيضهن .
وقال مجاهد : منع من إتيانهن ، وزال عن سليمان ملكه ، فخرج هاربا إلى ساحل البحر يتضيف الناس ، ويحمل سموك الصيادين بالأجر ، وإذا أخبر الناس أنه سليمان أكذبوه .
قال قتادة : ثم إن سليمان بعد أن استنكر بنو إسرائيل حكم الشيطان أخذ حوته من صياد .
قيل : إنه استطعمها .
وقال ابن عباس : أخذها أجرة في حمل حوت .
وقيل : إن سليمان صادها ، فلما شق بطنها وجد خاتمه فيها ، وذلك بعد أربعين يوما من زوال ملكه ، وهي عدد الأيام التي عبد فيها الصنم في داره ، وإنما وجد الخاتم في بطن الحوت ; لأن الشيطان الذي أخذه ألقاه في البحر .
وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : بينما سليمان على شاطئ البحر وهو يعبث بخاتمه ، إذ سقط منه في البحر وكان ملكه في خاتمه .
وقال جابر بن عبد الله : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : كان نقش خاتم سليمان بن داود لا إله إلا الله محمد رسول الله .
وحكى يحيى بن أبي عمرو الشيباني أن سليمان وجد خاتمه بعسقلان ، فمشى منها إلى بيت المقدس تواضعا لله تعالى .
قال ابن عباس وغيره : ثم إن سليمان لما رد الله عليه ملكه ، أخذ صخرا الذي أخذ خاتمه ، ونقر له صخرة وأدخله فيها ، وسد عليه بأخرى وأوثقها بالحديد والرصاص ، وختم عليها بخاتمه وألقاها في البحر ، وقال : هذا محبسك إلى يوم القيامة .
وقال علي - رضي الله عنه - : لما أخذ سليمان الخاتم ، أقبلت إليه الشياطين والجن والإنس والطير والوحش والريح ، وهرب الشيطان الذي خلف في أهله ، فأتى جزيرة في البحر ، فبعث إليه الشياطين فقالوا : لا نقدر عليه ، ولكنه يرد عينا في الجزيرة في كل سبعة أيام يوما ، ولا نقدر عليه حتى يسكر! قال : فنزح سليمان ماءها وجعل فيها خمرا ، فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر ، فقال : والله إنك لشراب طيب إلا أنك تطيشين الحليم ، وتزيدين الجاهل جهلا .
ثم عطش عطشا شديدا ثم أتاه فقال مثل مقالته ، ثم شربها فغلبت على عقله ، فأروه الخاتم فقال : سمعا وطاعة .
فأتوا به سليمان فأوثقه وبعث به إلى جبل ، فذكروا أنه جبل الدخان ، فقالوا : إن الدخان الذي ترون من نفسه ، والماء الذي يخرج من الجبل من بوله .
وقال مجاهد : اسم ذلك الشيطان آصف .
وقال السدي اسمه حبقيق ، فالله أعلم .
وقد ضعف هذا القول من حيث إن الشيطان لا يتصور بصورة الأنبياء ، ثم من المحال أن يلتبس على أهل مملكة سليمان الشيطان بسليمان حتى يظنوا أنهم مع نبيهم في حق ، وهم مع الشيطان في باطل .
وقيل : إن الجسد ولد ولد لسليمان ، وأنه لما ولد اجتمعت الشياطين ، وقال بعضهم لبعض : إن عاش له ابن لم ننفك مما نحن فيه من البلاء والسخرة ، فتعالوا نقتل ولده أو نخبله .
فعلم سليمان بذلك فأمر الريح حتى حملته إلى السحاب ، وغدا ابنه في السحاب خوفا من مضرة الشياطين ، فعاقبه الله بخوفه من الشياطين ، فلم يشعر إلا وقد وقع على كرسيه ميتا .
قال معناه الشعبي .
فهو الجسد الذي قال الله تعالى : وألقينا على كرسيه جسدا .
وحكى النقاش وغيره : إن أكثر ما وطئ سليمان جواريه طلبا للولد ، فولد له نصف إنسان ، فهو كان الجسد الملقى على كرسيه ، جاءت به القابلة فألقته هناك .
وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال سليمان لأطوفن الليلة على تسعين امرأة ، كلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ، فقال له صاحبه : قل إن شاء الله ، فلم يقل إن شاء الله ، فطاف عليهن جميعا فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل ، وايم الذي نفس محمد بيده لو قال : إن شاء الله ، لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون .
وقيل : إن الجسد هو آصف بن برخيا الصديق كاتب سليمان ، وذلك أن سليمان لما فتن سقط الخاتم من يده وكان فيه ملكه ، فأعاده إلى يده فسقط فأيقن بالفتنة ، فقال له آصف : إنك مفتون ، ولذلك لا يتماسك في يدك ، ففر إلى الله تعالى تائبا من ذلك ، وأنا أقوم مقامك في عالمك إلى أن يتوب الله عليك ، ولك من حين فتنت أربعة عشر يوما .
ففر سليمان هاربا إلى ربه ، وأخذ آصف الخاتم فوضعه في يده فثبت ، وكان عنده علم من الكتاب .
وقام آصف في ملك سليمان وعياله ، يسير بسيره ويعمل بعمله ، إلى أن رجع سليمان إلى منزله تائبا إلى الله تعالى ، ورد الله عليه ملكه ، فأقام آصف في مجلسه ، وجلس على كرسيه وأخذ الخاتم .
وقيل : إن الجسد كان سليمان نفسه ، وذلك أنه مرض مرضا شديدا حتى صار جسدا .
وقد يوصف به المريض المضنى فيقال : كالجسد الملقى .
صفة كرسي سليمان وملكه : روي عن ابن عباس قال : كان سليمان يوضع له ستمائة كرسي ، ثم يجيء أشراف الناس فيجلسون مما يليه ، ثم يأتي أشراف الجن فيجلسون مما يلي الإنس ، ثم يدعو الطير فتظلهم ، ثم يدعو الريح فتقلهم ، وتسير بالغداة الواحدة مسيرة شهر .
وقال وهب وكعب وغيرهما : إن سليمان - عليه السلام - لما ملك بعد أبيه ، أمر باتخاذ كرسي ليجلس عليه للقضاء ، وأمر أن يعمل بديعا مهولا بحيث إذا رآه مبطل أو شاهد زور ارتدع وتهيب ، فأمر أن يعمل من أنياب الفيلة مفصصة بالدر والياقوت والزبرجد ، وأن يحف بنخيل الذهب ، فحف بأربع نخلات من ذهب ، شماريخها الياقوت الأحمر والزمرد الأخضر ، على رأس نخلتين منهما طاووسان من ذهب ، وعلى رأس نخلتين نسران من ذهب بعضها مقابل لبعض ، وجعلوا من جنبي الكرسي أسدين من ذهب ، على رأس كل واحد منهما عمود من الزمرد الأخضر .
وقد عقدوا على النخلات أشجار كروم من الذهب الأحمر ، واتخذوا عناقيدها من الياقوت الأحمر ، بحيث أظل عريش الكروم النخل والكرسي .
وكان سليمان - عليه السلام - إذا أراد صعوده وضع قدميه على الدرجة السفلى ، فيستدير الكرسي كله بما فيه دوران الرحى المسرعة ، وتنشر تلك النسور والطواويس أجنحتها ، ويبسط الأسدان أيديهما ، ويضربان الأرض بأذنابهما .
وكذلك يفعل في كل درجة يصعدها سليمان ، فإذا استوى بأعلاه أخذ النسران اللذان على النخلتين تاج سليمان فوضعاه على رأسه ، ثم يستدير الكرسي بما فيه ، ويدور معه النسران والطاووسان والأسدان مائلان برءوسهما إلى سليمان ، وينضحن عليه من أجوافهن المسك والعنبر ، ثم تناوله حمامة من ذهب قائمة على عمود من أعمدة الجواهر فوق الكرسي التوراة ، فيفتحها سليمان - عليه السلام - ويقرأها على الناس ويدعوهم إلى فصل القضاء .
قالوا : ويجلس عظماء بني إسرائيل على كراسي الذهب المفصصة بالجواهر ، وهي ألف كرسي عن يمينه ، ويجلس عظماء الجن على كراسي الفضة عن يساره ، وهي ألف كرسي ، ثم تحف بهم الطير تظلهم ، ويتقدم الناس لفصل القضاء .
فإذا تقدمت الشهود للشهادات ، دار الكرسي بما فيه وعليه دوران الرحى المسرعة ، ويبسط الأسدان أيديهما ويضربان الأرض بأذنابهما ، وينشر النسران والطاووسان أجنحتهما ، فتفزع الشهود فلا يشهدون إلا بالحق .
وقيل : إن الذي كان يدور بذلك الكرسي تنين من ذهب ذلك الكرسي عليه ، وهو عظم مما عمله له صخر الجني ، فإذا أحست بدورانه تلك النسور والأسد والطواويس التي في أسفل الكرسي إلى أعلاه درن معه ، فإذا وقفن وقفن كلهن على رأس سليمان ، وهو جالس ، ثم ينضحن جميعا على رأسه ما في أجوافهن من المسك والعنبر .
فلما توفي سليمان بعث بختنصر فأخذ الكرسي فحمله إلى أنطاكية ، فأراد أن يصعد إليه ولم يكن له علم كيف يصعد إليه ، فلما وضع رجله ضرب الأسد رجله فكسرها ، وكان سليمان إذا صعد وضع قدميه جميعا .
ومات بختنصر وحمل الكرسي إلى بيت المقدس ، فلم يستطع قط ملك أن يجلس عليه ، ولكن لم يدر أحد عاقبة أمره ، ولعله رفع .
قوله تعالى : ثم أناب أي رجع إلى الله وتاب .
وقد تقدم .

﴿ ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب ﴾ [ ص: 34]

سورة : ص - الأية : ( 34 )  - الجزء : ( 23 )  -  الصفحة: ( 455 )

English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

تفسير آيات من القرآن الكريم


تحميل سورة ص mp3 :

سورة ص mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة ص

سورة ص بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة ص بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة ص بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة ص بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة ص بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة ص بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة ص بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة ص بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة ص بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة ص بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري

,

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب