شرح مفردات الأثر: 1- قوله: «اللَّه أكبر» أي: أكبر من كل كبير فهو عز وجل كبير الشأن، كبير القدر، كبير عن مشابهة أحد من خلقه، وقال ابن الأثير : «معناه اللّه الكْبير، وقال النحويون: معناه اللّه أكبر من كل شيء»(2) . 2- قوله: «اللَّه أعز من خلقه جميعًا»: لأنه هو الذي له العزة التامة، وله تمام الرفعة، والغلبة، والمنعة وكل من سواه مقهور مربوب، قال السعدي رحمه الله: «أي: ذو قوة عظيمة، سخر بها المخلوقات، فلم يستعص عليه شيء منها، بل هي منقادة لعزته خاضعة لجلاله»(3) . 3- قوله: «اللَّه أعز مما أخاف وأحذر» أي: من المخلوقين فكلهم عبيد قائمون به، قال الفيومي رحمه الله: «أَخَافَنِي الْأَمْرُ فَهُوَ مُخِيفٌ - بِضَمِّ الْمِيمِ - اسْمُ فَاعِل؛ فَإِنَّهُ يُخِيفُ مِنْ يَرَاهُ... يُقَالُ: أَخَفْتُهُ الْأَمْرَ فَخَافَهُ، وَخَوَّفْتُهُ إيَّاهُ فَتَخَوَّفَهُ»(4) ، وقال في الحذر: «حَذِرَ حَذَرًا... بِمَعْنَى اسْتَعَدَّ، وَتَأَهَّبَ فَهُوَ حَاذِرٌ، وَحَذِرٌ، وَالِاسْمُ مِنْهُ الْحِذْرُ، مِثْلُ: حِمْلٍ وَحَذِرَ الشَّيْءَ: إذَا خَافَهُ»(5) . 4- قوله: «أعوذ باللَّه» أي: ألجأ إليه وأتحصن به»(6) . 5- قوله: «الذي لا إِلَهَ إِلا هُوَ»: قال العلامة السعدي : «الذي له جميع معاني الألوهية، وأنه لا يستحق الألوهية والعبودية إلا هو، فألوهية غيره، وعبادة غيره باطلة»(7) . 6- قوله: «الممسك السموات السبع أن يقعن على الأرض»: أن يقعن على الأرض إلا بإذنه: إشارة إلى قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾(8) ، قال السعدي رحمه الله: «فلولا رحمته، وقدرته، لسقطت السماء على الأرض، فتلف ما عليها، وهلك من فيها»(9) ، وقال في موضع آخر : «...كمال قدرته، وتمام رحمته، وسعة حلمه ومغفرته، وأنه تعالى يمسك السماوات والأرض عن الزوال، فإنهما لو زالتا ما أمسكهما أحد من الخلق، ولعجزت قدرهم وقواهم عنهما، ولكنه تعالى، قضى أن يكونا كما وجدا، ليحصل للخلق القرار، والنفع، والاعتبار، وليعلموا من عظيم سلطانه وقوة قدرته، ما به تمتلئ قلوبهم له إجلالا وتعظيما، ومحبة وتكريما، وليعلموا كمال حلمه ومغفرته، بإمهال المذنبين، وعدم معاجلته للعاصين، مع أنه لو أمر السماء لحصبتهم، ولو أذن للأرض لابتلعتهم، ولكن وسعتهم مغفرته، وحلمه، وكرمه»(10) . 7- قوله: «من شر عبدك فلان»: قال الشوكاني : «من شَرّ فلَان بن فلَان الَّذِي يُرِيد، وَشر الْجِنّ وَالْإِنْس، وأتباعهم أَن يفرط عليَّ أحد مِنْهُم»(11) . 8- قوله: «وجنوده»: قال ابن منظور رحمه الله: «لجُنْد: الأَعوان، والأَنصار، والجُنْد: الْعَسْكَرُ، وَالْجَمْعُ أَجناد»(12) . 9- قوله: «أشياعه من الجن والإنس»: هم الأتباع، والأنصار على نفس المنهج. قال اللَّه تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ﴾(13) أي: من أنصار لوط عليه السلام، قال الراغب الأصفهاني : الجن: «شرار: وهم الشياطين»(14) ، والإنس قال الراغب فيها: «الإنسي منسوب إلى الإنس، يقال ذلك لمن كثر أنسه، ولكل ما يؤنس به، ... والإنسي من كل شيء: ما يلي الإنسان، والوحشي: ما يلي الجانب الآخر له»(15) . 10- قوله: «جل ثناؤك»: قال ابن منظور : «جَلالُ اللَّهِ: عظمتُه، وَلَا يُقَالُ: الجَلال، إِلا لِلَّهِ، والجَلِيل: مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَقَدَّسَ وَتَعَالَى»(16) ، وأما الثناء فقال ابن منظور أيضاً: «معْنَاهُ: تَمْتَدِحُ وَتَفْتَخِرُ... وأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا، وَالِاسْمُ الثَّنَاء الْمُظَفَّرُ: الثَّنَاءُ، مَمْدُودٌ، تَعَمُّدُك لتُثْنيَ عَلَى إِنْسَانٍ بحسَن أَو قَبِيحٍ»(17) . 11- قَوْلُهُ: «عَزَّ جَارُك»: أَيْ: لَا يُضَامُ مَنْ لَجَأَ إلَيْك، وَاعْتَصَمَ بِك»(18) ، وقال الراغب الأصفهاني : «ولما استعظم حق الجار عقلاً وشرعاً، عبّر عن كل من يعظم حقه، أو يستعظم حق غيره بالجار ... ويقال استجرته فأجارني، ... وقد تصور من الجار معنى القرب، فقيل لمن يقرب من غيره: جاره، وجاوره»(15) . 12- قوله: «تبارك اسمك» أي: تعالى وتعاظم وكثرت بركاته في السموات والأرض، إذ به تقوم وبه تستنزل الخيرات(19) . 13- قوله: «لا إله غيرك»: أي : لا معبود بحقٍّ غيرك، ولا معروف بهذه المعرفة سواك(20) ، قال الطيبي : «إثبات للإلهية المطلقة للَّه تعالى على سبيل الحصر، بعد إثبات الملك له»(21) .
ما يستفاد من الحديث:
1- تقدمة وتصدير الدعاء بالثناء على اللَّه عز وجل وتوحيده، «قال الطيبي: صدّر الثناء بذكر الرب؛ ليناسب كشف الكرب؛ لأنه مقتضى التربية «لا إله إلا اللَّه رب السموات السبع، ورب الأرض، ورب العرش الكريم»، قالوا: هذا دعاء جليل، ينبغي الاعتناء به، والإكثار منه عند العظائم، فيه: التهليل المشتمل على التوحيد، وهو أصل التنزيهات الجلالية، والعظمة الدالة على تمام القدرة، والحلم الدال على العلم؛ إذ الجاهل لا يتصور منه حلم ولا كرم، وهما أصل الأوصاف الإكرامية، قال الإمام ابن جرير: كان السلف يدعون به، ويسمونه دعاء الكرب، وهو وإن كان ذكراً؛ لكنه بمنزلة الدعاء»(22) . 2- التكبر لا يليق إلا باللَّه سبحانه وتعالى، فصفة السيد: التكبر، والترفع، أما العبد، فصفته: التذلل، والخشوع، والخضوع؛ ولذلك فهو تعالى أكبر من يعرف كنه كبريائه، وأكبر من أن نحيط به علمًا(23) قال اللَّه تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾(24) . 3- يقين المسلم أن ربه هو العزيز، يبعث في نفسه إيمانًا صادقًا بأن النصر من عند اللَّه وحده، فيأخذ بأسبابه، ولا يقع في أسباب منعه، أو تأخيره. 4- بيان عظيم قدرة اللَّه مع تمام لطفه بخلقه، بإمساكه للسموات والأرض أن تزولا، ولو حدث ذلك لانهار نظام الكون، وهو يحلم على خلقه بصبره على معاصيهم، ويدعوهم إلى التوبة كما ختم الآية ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾(8) . 5- قال ابن القيم رحمه الله في بيان اسم اللَّه «العزيز»: وهو العزيز فلن يرام جنابه أنى يرام جناب ذي السلطان وهو العزيز القاهر الغلاب لم يغلبه شيء هذه صفتان وهو العزيز بقوة هي وصفه فالعز حينئذ ثلاث معان وهي التي كملت له سبحانه من كل وجه عادم النقصان(25) .
1
الأدب المفرد للبخاري، 247، برقم 708، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 267، وصحيح الأدب المفرد، برقم 549
2
النهاية في غريب الحديث والأثر، ابن الأثير، 4/ 52، مادة (كبر)
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .