(1) من قالها حين يصبح وحين يمسي أربع مرات أعتقه الله من النار. أخرجه أبو داود 4/ 317، والبخاري في الأدب المفرد برقم 1201، والنسائي في عمل اليوم والليلة برقم 9، وابن السني برقم 70، وحَسَّن سماحة الشيخ ابن باز إسناد النسائي وأبي داود في تحفة الأخيار ص 23.
شرح معنى اللهم إني أمسيت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت
1- قوله: «اللهم إني أصبحت»: «اللَّهُمَّ بِمَعْنَى: يَا أَلله، ... الْمِيمَ فِي آخِرِ الْكَلِمَةِ بِمَنْزِلَةِ يَا فِي أَولها، وَالضَّمَّةُ الَّتِي هِيَ فِي الْهَاءِ هِيَ ضَمَّةُ الِاسْمِ الْمُنَادَى الْمُفْرَدِ » (3) ، و«أَصْبَحْت هَذِهِ اللَّفْظَةُ تَقُولُهَا الْعَرَبُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الصَّبَاحِ، بِمَعْنَى: أَنَّك قَارَبْت الصَّبَاحَ، وَتُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى تَمَكُّنِ الصَّبَاحِ، وَتَنْبِيهِهِ عَلَى قُرْبِ فَوَاتِهِ» (4) . 2- قوله: أشهدك: أي: أجعلك شاهدًا على الإقرار لك بالتوحيد، فأنت على كل شيء شهيد، ومطلع على جميع الأقوال، والأفعال: دقيقها، وجليلها، وهي شهادة نطق، وإخبار عما في القلب، قال الراغب: «الشهادة قول صادر عن علم بمشاهدة بصيرة، أو بصر» (5) ، وقال العظيم أبادي : «مَعْنَاهُ، أَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ، وأقضي، وحَقِيقَةُ الشَّهَادَةِ هُوَ تَيَقُّنُ الشَّيْءِ، وَتَحَقُّقُهُ مِنْ شَهَادَةِ الشَّيْءِ أَيْ: حُضُورِهِ » (6) . 3- قوله: وأشهد حملة عرشك: أي: من الملائكة الكرام، وقد نص القرآن على أن حملة العرش ثمانية ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾سورة الحاقة، الآية: 17 ، قال العلامة السعدي : «أملاك في غاية القوة إذا أتى للفصل بين العباد، والقضاء بينهم بعدله، وقسطه، وفضله» (7) . 4- قوله: وملائكتك: هذا عطف على ما قبله، وهو من باب عطف العام على الخاص، وهناك عكس هذا العطف في قوله: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا﴾سورة القدر، الآية: 4 فالروح جبريل، وهو أشرف الملائكة، وقال العلامة ابن عثيمين : «الملائكة : هم عالم غيبي، خلقهم اللَّه من نور، وجعلهم قائمين بطاعة اللَّه، لا يأكلون، ولا يشربون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، لهم أشكال، وأعمال، ووظائف مذكورة في الكتاب والسنة، ويجب الإيمان بهم، وهو أحد أركان الإيمان الستة» (8) . 5- قوله: وجميع خلقك أي: جميع ما خلقت من العوالم التي لا يعلمها، ولا يحيط بها إلا أنت، وقال الشوكاني : «هُوَ من عطف الْعَام على الْخَاص؛ لِأَن حَملَة الْعَرْش هم منَ الْمَلَائِكَة، وَكَذَا قَوْله: «وَجَمِيع خلقك»؛ لِأَن الْمَلَائِكَة من جملَة الْخلق» (9) . 6- قوله: «أنك أنت اللَّه»: قال القاري : «أَنَّكَ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - أَيْ: عَلَى شَهَادَتِي، وَاعْتِرَافِي بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ: أَيِ: الْوَاجِبُ الْوُجُودِ، صَاحِبُ الْكَرَمِ وَالْجُودِ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ: أَيْ: مَوْجُودٌ» (10) ، أي: لا معبود بحق إلا أنت. 7- قوله: «لا إله إلا أنت»: أي: لا معبود بحقٍّ غيرك، ولا معروف بهذه المعرفة سواك (11) ، قال الطيبي : «إثبات للإلهية المطلقة للَّه تعالى على سبيل الحصر، بعد إثبات الملك له» (12) . 8- قوله: وحدك لا شريك لك: وحدك من حيث المعنى توكيد للإثبات، و«لا شريك لك» توكيد للنفي، قال الطبري : «وحدَك لا شريك لك، مخلصين لك العبادةَ دونَ ما سِواك من الآلهة والأوثان» (13) . 9- قوله: «وأن محمداً» ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم تكريم له، واختصاصه بهذا التكريم، لأنك يارب «أرسلته للثقلين بجوامع الكلم، وأفصح اللغات، وجمّلته بمكارم الأخلاق، ونعتّه بأحسن الصفات، فصار عزيزاً عند قومه، وعشيرته، وأهل ملته، مشهوراً بالأمانة، والكمال، والعدل بين رعيته، يأخذ للضعيف من القوي» (14) . 10- قوله: «عبدك»: وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عبد هو أشرف الأوصاف؛ لأن اللَّه وصفه بها في مقام القرب في رحلة الإسراء والمعراج من قوله عز وجل: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا...﴾سورة الإسراء، الآية: 1 ، وكذا في مقام الدعوة إلى اللَّه من قوله عز وجل: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾سورة الجن، الآية: 19 ، قال النووي : «عَبْدُكَ أَيْ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّكَ مَالِكِي وَمُدَبِّرِي وَحُكْمُكَ نَافِذٌ فِيَّ» (15) . 11- قوله: ورسولك: أي: الذي كلفه اللَّه بالرسالة الخاتمة، ولذلك فقد ختم اللَّه به النبوة والرسالة معًا؛ لأنه إذا انتفت النبوة، انتفت الرسالة. وقال ابن الأثير : «ورسولك الذَّي أرْسَلْت» . فردّ عَلَيّ وقال : «ونبيّك الَّذي أرْسَلْت» (16) إنَّما رَدَّ عليه لِيَخْتَلِف الَّلفظان، ويَجْمَع له الثَّناءيْن: مَعْنى: النَّبُوّة، والرِّسالة، ويكون تَعْديداً للنِّعمة في الحالَيْن، وتَعْظيماً لِلْمِنَّة على الوجْهَين، والرَّسُول أخَصُّ مِن النبيّ؛ لأنّ كُلَّ رَسُولٍ نَبيٌّ، وليس كُلُّ نَبيّ رَسُولا» (17) ، وقال الحميدي: «قوله: أشهد أن محمداً رسول اللَّه أي: أعْلمُ وأبيّنُ أن محمداً متابع للأخبار عن اللَّه عز وجل، والرسول معناه في اللغة: الذي يتابع الأخبار بما أرسل به عن من أرسله، مأخوذ من قول العرب: جاءت رَسْلاً أي: متتابعة، والرّسْل: الإبل المتتابعة» (18) .
ما يستفاد من الحديث:
1- بيان أن الشهيد اسم من أسماء اللَّه تعالى الحسنى، قال الخطابي: الشهيد هو الذي لا يغيب عنه شيء، يقال: شاهد وشهيد، كعالم وعليم (19) . 2- بيان عظيم ملك اللَّه؛ لأن العرش أكبر من الكرسي، وحملة العرش الصحيح أنهم ثمانية، ومن قال بأنهم أربعة اعتمد على حديث معضل (20) ، ذكره الثعلبي من غير سند، ومن الأدلة الصحيحة على عظم خلقهم قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة اللَّه تعالى من حملة العرش: إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبع مائة عام» (21) ، 3- وقوله صلى الله عليه وسلم«أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش رجلاه في الأرض السفلى وعلى قرنه العرش وبين شحمة أذنيه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام، يقول ذلك الملك سبحانك حيث كنت» (22) . 4- إثبات أن الملائكة لهم وظائف، وهم عالم غيبي، خلقهم اللَّه عز وجل من نور، وجعلهم طائعين له متذللين، قال تعالى: ﴿يُسَبِّحُونَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾سورة الأنبياء، الآية: 20 . 5- تقرير أن النبي صلى الله عليه وسلم هو عبد للَّه تعالى، والعبد لا حَقَّ له في شيء من شؤون الربوبية ، ولا الألوهية، بل هو محتاج إلى اللَّه غاية الاحتياج، مفتقر إليه، يدعوه، ويرجوه. 6- ليس معنى أن للعرش ملائكة تحمله أن اللَّه في حاجة إلى الملائكة، بل هو مستغنٍ عن العرش وحملته؛ لأنه له الغنى المطلق، وليس في حاجة لعون أحد فيما خلق ويخلق؛ لأن الاحتياج صفة نقص، واللَّه صفاته كلها كمال وجلال (23) .
1
أبو داود، برقم 5071، وحسّن إسناده الشيخ ابن باز في تحفة الأخيار، ص 23
2
أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، برقم 5069، والبخاري في الأدب المفرد، برقم 1201، وحسّن إسناده الشيخ ابن باز في تحفة الأخيار، ص 23
21
أبو داود، كتاب السنة، باب في الجهمية، برقم 4727، وأبو الشيخ في العظمة، 3/948، برقم 476، وابن عساكر، 43/60، وقال الحافظ في الفتح، 8/665: إسناده على شرط الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 854
22
أخرجه الطبراني في الأوسط، 6/314، برقم 6503، وأبو نعيم في الحلية، 3/ 158، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 853
23
انظر: شرح حصن المسلم، لأسامة بن عبد الفتاح، ص 248
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .