(1) النسائي، 3/ 43، برقم 1282، والحاكم، 2/421، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/274 .
شرح معنى السلام على رسول الله أينما كنت
لفظ الحديث الذي ورد فيه:
862- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ، يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ» (1) .
شرح مفردات الحديث:
1- قوله: « إن للَّه ملائكة سياحين»: أي: يتنقلون من مكان إلى آخر، يقال: ساح في الأرض إذا ذهب فيها وأصله من السيح وهو الماء الجاري على الأرض، قال ابن منظور : «المَلَكُ: وَاحِدُ الْمَلَائِكَةِ... أَصله مَأْلَكٌ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ مِنَ الأَلُوكِ، وَهِيَ الرِّسَالَةُ» (2) . وقال الطحاوي : «أما الْمَلَائِكَةُ فَهُمُ الْمُوَكَّلُونَ بِالسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَكُلُّ حَرَكَةٍ فِي الْعَالَمِ فَهِيَ نَاشِئَةٌ عَنِ الْمَلَائِكَةِ...وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَصْنَافِ الْمَلَائِكَةِ، وَأَنَّهَا مُوَكَّلَةٌ بِأَصْنَافِ الْمَخْلُوقَاتِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَكَّلَ بِالْجِبَالِ مَلَائِكَةً، وَوَكَّلَ بِالسَّحَابِ وَالْمَطَرِ مَلَائِكَةً، وَوَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَائِكَةً تُدَبِّرُ أَمْرَ النُّطْفَةِ حَتَّى يَتِمَّ خَلْقُهَا، ثُمَّ وَكَّلَ بِالْعَبْدِ مَلَائِكَةً لِحِفْظِ مَا يَعْمَلُهُ وَإِحْصَائِهِ وَكِتَابَتِهِ، وَوَكَّلَ بِالْمَوْتِ مَلَائِكَةً، وَوَكَّلَ بِالسُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ مَلَائِكَةً، وَوَكَّلَ بِالْأَفْلَاكِ مَلَائِكَةً يُحَرِّكُونَهَا، وَوَكَّلَ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مَلَائِكَةً، وَوَكَّلَ بِالنَّارِ وَإِيقَادِهَا وَتَعْذِيبِ أَهْلِهَا وَعِمَارَتِهَا مَلَائِكَةً، وَوَكَّلَ بالجنة وعمارتها وغرسها وَعَمَلِ آلَاتِهَا مَلَائِكَةً، فَالْمَلَائِكَةُ أَعْظَمُ جُنُودِ اللَّهِ» (3) ، وقال ابن الأثير : «الملائكةَ السَّيَّاحِينَ: غيرَ الحفَظَة، والحاضِرِينَ عِنْدَ الموتِ» (4) ، وقال الشوكاني : «قَوْله: (سياحين) بِالسِّين الْمُهْملَة من السياحة، وَهُوَ السّير، يُقَال: ساح فِي الأَرْض، يسيح سياحة: إِذا ذهب فِيهَا، وَأَصله من السيح، وَهُوَ المَاء الْجَارِي المنبسط» (5) . 2- قوله: «يبلغوني من أمتي»: أي يعلمونني ويخبرونني، قال ابن الأثير : «البَلَاغ مَا يَتَبَلَّغُ ويُتَوَصَّل بِهِ إِلَى الشَّيْءِ الْمَطْلُوبِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «كُلُّ رَافِعَة رَفَعَت عَنا مِنَ البَلَاغِ فَلْتُبَلِّغْ عنَّا» يُروى بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا، فَالْفَتْحُ لَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَا بَلَّغَ مِنَ الْقُرْآنِ والسُّنن، وَالْآخَرُ مِنْ ذَوِي الْبَلَاغِ، أَيِ: الذين بَلَّغُونَا يَعْنِي: ذوِي التَّبْليغ، فَأَقَامَ الِاسْمَ مَقَامَ الْمَصْدَرِ الْحَقِيقِيِّ، كَمَا تَقُولُ أَعْطَيْتُهُ عطَاء... كُلُّ جَمَاعَةٍ أَوْ نَفْسٍ تُبَلِّغُ عَنَّا وَتُذِيعُ مَا نَقُولُهُ فَلْتُبَلِّغْ وَلْتَحْكِ» (6) . 3- قوله: «السلام»: هو قول المسلم: «اللَّهم صلِّ وسلم وبارك على محمد»، أو أي صيغة صحت في هذا الباب، قال المناوي : «السلام: ممن سلَّم عليَّ منهم، وإن بعد قطره، أي: فيرد عليهم بسماعه منهم، وسكت عن الصلاة، والظاهر أنهم يبلغونها أيضاً» (7) .
ما يستفاد من الحديث:
1- بيان عظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم حيث سُخِّر ملائكةٌ كرام يسيحون في الأرض، ليس لهم إلا هذه المهمة. 2- قال الطيبي : «وفيه تعظيم لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وإجلال لمنزلته، حيث سخر الملائكة الكرام لهذا الشأن المفخم» (8) . 3- رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُبلَّغ بالسلام، ولا يسمعه مباشرة؛ لأنه قد مات، وهذه سنة اللَّه في خلقه، قال اللَّه تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾سورة الزمر، الآية: 30 . 4- الملائكة خلق عظيم بأمر اللَّه يعملون، وكلهم في الأرض، وفي السماء يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لقول اللَّه عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (9) بأن البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة، لا يعودون، والشاهد أن كلهم يصلون على صاحب المقام المحمود، والحوض المورود صلى الله عليه وسلم، وهم يبلغون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم باسم صاحبه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا من الصلاة عليّ، فإن اللَّه وكَّل بي ملكًا عند قبري، فإذا صلى عليّ رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد إن فلان ابن فلان صلى عليك الساعة» (10)(11) . 5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «فِيهِ أَنَّ سَلَامَ الْبَعِيدِ تُبَلِّغُهُ الْمَلَائِكَةُ» (12) . 6- وقال : «قَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ، وَشَرَعَ ذَلِكَ لَنَا فِي كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ نُثْنِيَ عَلَى اللَّهِ بِالتَّحِيَّاتِ، ثُمَّ نَقُولَ: «السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ»، وَهَذَا السَّلَامُ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَكَذَلِكَ إذَا صَلَّيْنَا عَلَيْهِ ... وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِهِ، وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ يُصَلُّونَ فِي مَسْجِدِهِ، وَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ» (13) . 7- قال الشوكاني : «وَفِي الحَدِيث التَّرْغِيب الْعَظِيم للاستكثار من الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَإِنه إِذا كَانَت صَلَاة وَاحِدَة من صَلَاة من صلى عَلَيْهِ تبلغه، كَانَ ذَلِك مُنشطا لَهُ أعظم تنشيط» (5) .
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .