وقال صلى الله عليه وسلم لا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي؛ فإن صلاتكم

حصن المسلم | فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم | وقال صلى الله عليه وسلم لا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي؛ فإن صلاتكم

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ (1).

He (Peace Be Upon Him) also said: ‘Do not take my grave as a place of habitual ceremony. Send prayers upon me, for verily your prayers reach me wherever you are.


(1) أبو داود، 2/ 218، برقم 2044، وأحمد، 2/ 367، برقم 8804، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/383 .

شرح معنى وقال صلى الله عليه وسلم لا تجعلوا قبري عيدا وصلوا علي؛ فإن صلاتكم

لفظ الحديث الذي ورد فيه:

859- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ» (1) .
860- وعَنْ عَلِيِّ (2) بْنِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ، أَنَّ رَجُلاً كَانَ يَأْتِي كُلَّ غَدَاةٍ، فَيَزُورُ قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَيُصَلِّي عَلَيْهِ، وَيَصْنَعُ ذَلِكَ مَا اشْتَهَرَهُ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: أُحِبُّ التَّسْلِيمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: هَلْ لَكَ أَنْ أُحَدِّثَكَ حَدِيثًا عَنْ أَبِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ: أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ، وَسَلِّمُوا حَيْثُمَا كُنْتُمْ، فَسَيَبْلُغُنِي سَلامُكُمْ وَصَلاتُكُمْ» (3) .

شرح مفردات الحديث:

1- قوله: «لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا»، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «يَعْنِي: أَنَّ الْقُبُورَ مَوْضِعُ الْمَوْتَى، فَإِذَا لَمْ تُصَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَلَمْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا كُنْتُمْ كَالْمَيِّتِ، وَكَانَتْ كَالْقُبُورِ» (4) ، وقال الإمام ابن القيم : «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، أي: لا تتركوا الصلاة في بيوتكم حتى تجعلوها كالقبور التي لا يُصلَّى فيها» (5) ، وقال الطيبي : «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، معناه: لا تجعلوا بيوتكم كالقبور الخالية عن ذكر اللَّه تعالى وعبادته؛ لأنها غير صالحة لها، وكذلك لا تجعلوا القبور كالبيوت محلاَ للاعتياد لحوائجكم، ومكاناً للعبادة والصلاة، أو مرجعاً للسرور والزينة كالعيد» (6) .
2- قوله: «وَلاَ تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا»: قال ابن القيم: العيد ما يعتاد مجيؤه، وقصده من زمان ومكان، مأخوذ من المعاودة والاعتياد، وقال الطيبي : «أي: لا تتكلفوا المعاودة إلى قبري، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم.
قلت: لا ارتياب أن الصلاة في الحضور مشافهة أفضل من الغيبة، لكن المنهي عنه هو الاعتياد الذي يرفع الحشمة، ويخالف التعظيم
» (7) ، وقال الإمام ابن القيم : «وكذلك نهيه لهم أن يتخذوا قبره عيداً، نهي لهم أن يجعلوه مجمعاً كالأعياد التي يقصد الناس الاجتماع إليها للصلاة؛ بل يُزار قبره صلوات اللَّه وسلامه عليه، كما كان يزوره الصحابة رضوان اللَّه عليهم على الوجه الذي يرضيه، ويحبه صلوات اللَّه وسلامه عليه» (8) .
3- قوله: «وصّلُّوا عليَّ»: قال العلامة ابن عثيمين : «فقولك: اللهم صلِّ على محمد، يعني: اللهمّ أثنِ عليه في الملأ الأعلى، ومعنى أثنِ عليه، يعني: اذكره بالصفات الحميدة، والملأ الأعلى هم الملائكة، فكأنك إذا قلت: اللهم صل على محمد، كأنك تقول: يا ربِّ صِفْه بالصفات الحميدة، واذكره عند الملائكة حتى تزداد محبتهم له، ويزداد ثوابهم بذلك، هذا معنى اللهم صلى على محمد» (9) .
4- قوله: «فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم»: أي: تصل إليّ، قال الإمام ابن قيم الجوزية : «عقّب النهي عن اتخاذه عيداً بقوله: «وصلّوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» يشير بذلك إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيداً» (10) .

ما يستفاد من الحديث:

1- تحريم شد الرحال إلى قبره صلى الله عليه وسلم، واجتماع الناس عنده اجتماعهم للعيد، والالتصاق بقبره صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا يفضي إلى دعائه صلى الله عليه وسلم من دون اللَّه، ومن يفعل ذلك يزعم أن هذا من باب الحب له صلى الله عليه وسلم، فقد أخطأ، قال اللَّه عز وجل: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ سورة آل عمران، الآية: 31 ، ولم يفعل ذلك أصدق الناس في محبته، وهم أصحابه رضوان اللَّه عليهم.
2- إبطال حجج من يزعم أن الصلاة عليه عند قبره أفضل من الصلاة عليه بعيدًا عنه، والحديث ظاهر الدلالة في تكذيب ذلك القول الباطل، وهم يعتمدون في ذلك على جملة من الأحاديث الضعيفة والمكذوبة عليه صلى الله عليه وسلم منها (11) : أ – «من صلى عليّ عند قبري وكل اللَّه به ملكًا يبلغني وكفي أمر دنياه وآخرته وكنت له يوم القيامة شهيدًا أو شفيعًا» (12) ، وهو حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.
ب - «من صلى عليّ عند قبري سمعته ومن صلى عليّ من بعيد أُعلمته» (13) .
3- المشروع هو شد الرحال إلى مسجده، وليس إلى قبره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى» (14) ، أما من كان في مسجده صلى الله عليه وسلم، فتستحب له الزيارة الشرعية وإنما تشد الرحال إلى المساجد الثلاثة للثواب العظيم لمن صلى فيها.
4- قال العظيم أبادي : «ويؤخذ من الحديث أن اجتماع العامة في بعض أضرحة الأولياء في يوم أو شهر مخصوص من السنة ويقولون هذا يوم مولد «الشيخ فلان» ويأكلون ويشربون وربما يرقصون فيه منهي عنه شرعًا، وعلى ولي الأمر ردعهم على ذلك، وإنكاره عليهم وإبطاله» (15) ، وتأديبهم إن امتنعوا.
5- جاء في بداية هذا الحديث: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا ...» أي: لا تتركوا صلاة النافلة وقراءة القرآن في بيوتكم فتكون كالقبور؛ وقيل: المراد لا تدفنوا في البيوت (16) وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك أشد النهي وكان ذلك قبل موته بليالٍ قليلة حرصًا منه على دعوة التوحيد التي بعثه اللَّه من أجلها ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: أ - «لعن اللَّه اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» (17) .
ب - «لا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» (18) (19) .
6- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحَقِّقُ هَذَا التَّوْحِيدَ لِأُمَّتِهِ، وَيَحْسِمُ عَنْهُمْ مَوَادَّ الشِّرْكِ؛ إذْ هَذَا تَحْقِيقُ قَوْلِنَا: «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَإِنَّ الْإِلَهَ هُوَ الَّذِي تَأْلَهُهُ الْقُلُوبُ؛ لِكَمَالِ الْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ... حَتَّى قَالَ لَهُمْ: ...«لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ مَا كُنْتُمْ» (20) .
7- وقال العلامة ابن عثيمين : «لا تجعلوا القبر عيداً تكرمونه بالمجيء إليه كل سنة مرة أو مرتين، أو ما أشبه ذلك، وفيه دليل على تحريم شد الرحل لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الإنسان إذا أراد الذهاب إلى المدينة لا يقصد أن يسافر من أجل زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن يسافر من أجل الصلاة في مسجده؛ لأن الصلاة في مسجده خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، قال: «وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم» إذا صليت على الرسول صلى الله عليه وسلم فإن صلاتك تبلغه حيثما كنت في بر، أو بحر، أو جو، قريباً كنت، أو بعيداً» (21) .

1 أبو داود، برقم 2044، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، برقم 1780
2 عليَّ بن الحسين: هو الإمام زينُ العابدين، وُلِدَ فِي: سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ ظَنّاً، وكان عند مشهد أبيه غُلامًا لم يحتلم، فأشخصوا به إلى يزيد في الشام، ثم رجع إلى المدينةِ، ويقال له علي الأصغر، وليس للحسين  عقب إلا من ولد زين العابدين هذا؛ وهو أحد الأئمة الإثني عشر، ومن سادات التابعين، روى عن أبيه وعمه الحسن وطائفة، وروى عنه بنوه محمد وزيد وعبد اللَّه، وآخرون كُثُر، كان ثقة، مأموناً، كثير الحديث، عالياً، رفيعاً، ورعاً، مات سنة اثنتين وتسعين. انظر: وفيات الأعيان، لابن خلكان، 3/ 267، وسير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، 4/ 386، وإسعاف المبطأ للسيوطي، ص 21.
3 فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لإسماعيل القاضي، ص 33، برقم 20، وبنحوه برقم 30، قال الألباني في تحقيقه لهذا الكتاب: «حديث صحيح بطرقه، وشواهده، وقد خرجتها في تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، ص 98-99».
4 الفتاوى الكبرى، لشيخ الإسلام ابن تيمية، 3/ 73
5 حاشية ابن القيم على سنن أبي داود، 6/ 22
6 شرح المشكاة للطيبي: الكاشف عن حقائق السنن، 3/ 1043
7 شرح المشكاة للطيبي: الكاشف عن حقائق السنن، 3/ 1048
8 حاشية ابن القيم على سنن أبي داود، 6/ 23
9 شرح رياض الصالحين، شرح الحديث رقم 1397.2
10 إغاثة اللهفان، 1/ 192
11 انظر: شرح حصن المسلم لأسامة بن عبد الفتاح، ص 617
12 شعب الإيمان للبيهقي، 3/ 141، َذكره ابن الجوزي في الموضوعات، 1/ 303، وحكم عليه الألباني بالوضع في السلسلة الضعيفة، برقم 203
13 انظر: الضعيفة، برقم 205. ذكره السيوطي في جمع الجوامع، برقم 5503، وعزاه إلى أبي الشيخ، وقال السخاوي في القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع، ص 160: «أخرجه أبو الشيخ في الثواب له من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عنه ومن طريقه الديلمي وقال ابن القيم: إنه غريب، قلت: وسنده جيد كما أفاده شيخنا» [وشيخ السخاوي هو الحافظ ابن حجر :].
14 البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، برقم 1189
15 عون المعبود، 3/ 311
16 عون المعبود، 3/ 310
17 البخاري، كتاب الجنائز، باب ما يكره من اتخاذ المساجد عبى القبور، برقم 1330
18 مسلم، برقم 532، وانظر كتاب «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» للشيخ الألباني :، ص 15
19 انظر: شرح حصن المسلم لأسامة بن عبد الفتاح، ص 619
20 مجموع الفتاوى، 1/ 136
21 شرح رياض الصالحين، شرح الحديث رقم 1404

قم بقراءة المزيد من الأذكار والأدعية




قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, August 28, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب