1- قوله: «سبحان ربي»: أي أنزه ربي وأجله عن كل عيب أو نقص، قال ابن الأثير : «التسبيح: التنزيه، والتقديس، والتبرئة من النقائص، ثم استعمل في مواضع تقرب منه اتساعاً، يقال: سبحته أسبحه تسبيحاً، وسبحاناً، فمعنى سبحان اللَّه: تنزيه اللَّه، وهو نصب على المصدر بفعل مضمر، كأنه قال: أبرئ اللَّه من السوء براءة» (7) ، وفي قوله: «ربي»: قال ابن الأثير : أيضاً: «الرب يطلق في اللغة على: المالك، والسيد المدبر، والمربي، والقيم، والمنعم، ولا يطلق غير مضاف إلا على اللَّه تعالى وإذا أطلق على غيره أضيف فيقال رب كذا (8) . 2- قوله: «العظيم»: أي الموصوف بكل صفة كمال؛ لأنه المستحق للتعظيم المطلق، قال السعدي : «العظيم، كامل الأسماء والصفات، كثير الإحسان والخيرات، واحمده بقلبك ولسانك، وجوارحك، لأنه أهل لذلك، وهو المستحق لأن يشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى، ويطاع فلا يعصى» (9) . 3- قوله: «الأعلى»: هي صفة للرب العلي، وهي تدل على علوه على جميع خلقه، فالكل خاضع لأمره، وهو قاهر لهم، لا يخرج أحد عن قبضته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «وَذَلِكَ أَنَّ السُّجُودَ غَايَةُ الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ مِنَ الْعَبْدِ، وَغَايَةُ تَسْفِيلِهِ وَتَوَاضُعِهِ: بِأَشْرَفِ شَيْءٍ فِيهِ لِلَّهِ - وَهُوَ وَجْهُهُ - بِأَنْ يَضَعَهُ عَلَى التُّرَابِ، فَنَاسَبَ فِي غَايَةِ سُفُولِهِ أَنْ يَصِفَ رَبَّهُ بِأَنَّهُ الْأَعْلَى، وَالْأَعْلَى أَبْلَغُ مِنْ الْعَلِيِّ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْءٌ؛ هُوَ بِاعْتِبَارِ نَفْسِهِ عَدَمٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ نَصِيبٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهِ حَقٌّ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَمَّ مَنْ يُرِيدُ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ: كَفِرْعَوْنَ، وَإِبْلِيسَ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَحْصُلُ لَهُ الْعُلُوُّ بِالْإِيمَانِ؛ لَا بِإِرَادَتِهِ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾سورة آل عمران، الآية 139 ، فَلَمَّا كَانَ السُّجُودُ غَايَةَ سُفُولِ الْعَبْدِ، وَخُضُوعِهِ، سَبَّحَ اسْمَ رَبِّهِ الْأَعْلَى، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْأَعْلَى، وَالْعَبْدُ الْأَسْفَلُ، كَمَا أَنَّهُ الرَّبُّ، وَالْعَبْدُ الْعَبْدُ، وَهُوَ الْغَنِيُّ وَالْعَبْدُ الْفَقِيرُ، وَلَيْسَ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ إلَّا مَحْضُ الْعُبُودِيَّةِ، فَكُلَّمَا كَمَّلَهَا قَرُبَ الْعَبْدُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَرٌّ، جَوَادٌ، مُحْسِنٌ، يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُنَاسِبُهُ، فَكُلَّمَا عَظُمَ فَقْرُهُ إلَيْهِ كَانَ أَغْنَى؛ وَكُلَّمَا عَظُمَ ذُلُّهُ لَهُ كَانَ أَعَزَّ؛ فَإِنَّ النَّفْسَ - لِمَا فِيهَا مِنْ أَهْوَائِهَا الْمُتَنَوِّعَةِ، وَتَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ لَهَا - تَبْعُدُ عَنْ اللَّهِ حَتَّى تَصِيرَ مَلْعُونَةً بَعِيدَةً مِنْ الرَّحْمَةِ» (10) . 4- قوله: «يقرأ مترسلاً» غير مستعجل (11) . 5- قوله: «إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ»، قال العلامة ابن عثيمين : ويستعيذ عند آية الوعيد، ويسأل عند آية الرحمة، ويسبح عند آية التسبيح (11) .
ما يستفاد من الحديث:
1- وجوب تعظيم اللَّه في حالة الركوع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب» (12) ، وذكر الثلاث تسبيحات القصد منه الطمأنينة فعلًا، لا كمن ينقر الصلاة وهو لاهٍ قلبه، عابث في ثيابه وأعضائه. 2- تعظيم اللَّه من المصلي: يكون بالقلب، واللسان، والجوارح، وذلك ببذل الجهد في التعرف عليه للوصول إلى مرضاته. 3- إبطال أفعال الجاهلين بشرع اللَّه من: الانحناء للأشخاص على سبيل التحية، وهذا يجرهم إلى الركوع، أو السجود لغير اللَّه. 4- السنة أثناء الركوع أن يكون ظهر المصلي مستويًا، وهذا يشمل استواء الظهر في المد، واستواءه في العلو والنزول، قال وابصة بن معبد رضي الله عنه: «رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي، فكان إذا ركع سوَّى ظهره، حتى لو صب عليه الماء لاستقر» (13) . 5- من السنة أثناء الركوع وضع الكفين على الركبتين مع تفريج أصابع اليدين (14) . 6- قولنا: «سبحان ربي العظيم» يتضمن أمورًا: أ – تنزيه اللَّه عن مطلق النقص: كالجهل، والعجز، والضعف، والموت، والنوم، وما أشبه ذلك. ب – تنزيه الَّله عن النقص في كماله: فينزه عن التعب فيما يفعله، قال اللَّه عز وجل: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ﴾سورة ق، الآية: 38 ؛ لأن التعب والإعياء نقص في الكمال. جـ - التنزيه عن مماثلة المخلوقين؛ لأن مقارنة الكامل بالناقص يجعله ناقصًا. قال الشاعر: ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا (15) 7- حديث عقبة بن عامر عند أبي داود وغيره أنه لما نزلت: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في ركوعكم» فلما نزلت ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ قال: «اجعلوها في سجودكم» (16) .
1
أبو داود، برقم 871، وصححه الألباني في الإرواء، برقم 333
4
أبو داود،. كتاب الصلاة، بَابُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ، برقم 874، وذكر فيه: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة أو الأنعام بالشك، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 166، برقم 777
5
الترمذي، برقم 262، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/83
6
ابن ماجه، برقم 888، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 168
15
انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين. كتاب الصلاة، ص 92
16
سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، برقم 869، وصحيح ابن خزيمة، 1/ 303، برقم 600، ومسند أحمد، 28/ 630، برقم 17414، والحاكم وصححه، 1/ 225، ورأى محققو المسند أنه يحتمل التحسين، وانظر: إرواء الغليل، برقم 334، حيث أطال الحديث عنه
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .