﴿ ۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾
[ البقرة: 243]

سورة : البقرة - Al-Baqarah  - الجزء : ( 2 )  -  الصفحة: ( 39 )

Did you (O Muhammad SAW) not think of those who went forth from their homes in thousands, fearing death? Allah said to them, "Die". And then He restored them to life. Truly, Allah is full of Bounty to mankind, but most men thank not.


ألم تعلم -أيها الرسول- قصة الذين فرُّوا من أرضهم ومنازلهم، وهم ألوف كثيرة؛ خشية الموت من الطاعون أو القتال، فقال لهم الله: موتوا، فماتوا دفعة واحدة عقوبة على فرارهم من قدر الله، ثم أحياهم الله تعالى بعد مدة؛ ليستوفوا آجالهم، وليتعظوا ويتوبوا؟ إن الله لذو فضل عظيم على الناس بنعمه الكثيرة، ولكن أكثر الناس لا يشكرون فضل الله عليهم.

ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال - تفسير السعدي

يقص تعالى علينا قصة الذين خرجوا من ديارهم على كثرتهم واتفاق مقاصدهم، بأن الذي أخرجهم منها حذر الموت من وباء أو غيره، يقصدون بهذا الخروج السلامة من الموت، ولكن لا يغني حذر عن قدر، { فقال لهم الله موتوا } فماتوا { ثم } إن الله تعالى { أحياهم } إما بدعوة نبي أو بغير ذلك، رحمة بهم ولطفا وحلما، وبيانا لآياته لخلقه بإحياء الموتى، ولهذا قال: { إن الله لذو فضل }- أي: عظيم { على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون } فلا تزيدهم النعمة شكرا، بل ربما استعانوا بنعم الله على معاصيه، وقليل منهم الشكور الذي يعرف النعمة ويقر بها ويصرفها في طاعة المنعم.

تفسير الآية 243 - سورة البقرة

تفسير الجلالين التفسير الميسر تفسير السعدي
تفسير البغوي التفسير الوسيط تفسير ابن كثير
تفسير الطبري تفسير القرطبي إعراب الآية

ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم : الآية رقم 243 من سورة البقرة

 سورة البقرة الآية رقم 243

ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال - مكتوبة

الآية 243 من سورة البقرة بالرسم العثماني


﴿ ۞ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَهُمۡ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحۡيَٰهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ  ﴾ [ البقرة: 243]


﴿ ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ﴾ [ البقرة: 243]

  1. الآية مشكولة
  2. تفسير الآية
  3. استماع mp3
  4. الرسم العثماني
  5. تفسير الصفحة
فهرس القرآن | سور القرآن الكريم : سورة البقرة Al-Baqarah الآية رقم 243 , مكتوبة بكتابة عادية و كذلك بالشكيل و مصورة مع الاستماع للآية بصوت ثلاثين قارئ من أشهر قراء العالم الاسلامي مع تفسيرها ,مكتوبة بالرسم العثماني لمونتاج فيديو اليوتيوب .
  
   

تحميل الآية 243 من البقرة صوت mp3


تدبر الآية: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال

لا يغني حذرٌ من قدَر، فآمن أن ما أصابك لم يكن ليُخطئَك، وما أخطأك لم يكن ليُصيبَك، ولك في هؤلاء عِبرة، لقد فرُّوا من قدَر الموت فتلقَّاهم في الطريق.
إن الذي أمدَّ بالحياة عبدًا لم يكن شيئًا مذكورًا، لقادرٌ على سلبها منه متى شاء، واللبيبُ مَن علم فضلَ الله عليه، فشكرَه آناء الليل وأطرافَ النهار.

قال الآلوسى: قوله-تبارك وتعالى-: أَلَمْ تَرَ هذه الكلمة قد تذكر لمن تقدم علمه فتكون للتعجب والتقرير والتذكير لمن علم بما يأتى- كالأحبار وأهل التواريخ- وقد تذكر لمن لا يكون كذلك فتكون لتعريفه وتعجيبه، وقد اشتهرت في ذلك حتى أجريت مجرى المثل في هذا الباب، بأن شبه من «لم ير» الشيء بحال من رآه في أنه لا ينبغي أن يخفى عليه وأنه ينبغي أن يتعجب منه، ثم أجرى الكلام معه كما يجرى مع من رأى، قصدا إلى المبالغة في شهرته وعراقته في التعجب.
ثم قال: والرؤية إما بمعنى الإبصار مجازا عن النظر، وفائدة التجوز الحث على الاعتبار، لأن النظر اختياري دون الإدراك الذي بعده.
وإما بمعنى الإدراك القلبي متضمنا معنى الوصول والانتهاء ولهذا تعدت- أى الرؤية- بإلى في قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا.. .
والمعنى: قد علمت أيها الرسول الكريم أو أيها الإنسان العاقل- حال أولئك القوم الذين خرجوا من ديارهم التي ألفوها واستوطنوها، وهم ألوف مؤلفة، وكثرة كاثرة، وما كان خروجهم إلا فرارا وخوفا من الموت الذي سيلاقيهم- إن عاجلا أو آجلا-.
ومن لم يعلم حالهم فها نحن أولاء نعلمه بها ونحيطه بما جرى لهم عن طريق هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
والمقصود من هذه الآية الكريمة حض الناس جميعا على الاعتبار والاتعاظ وزجرهم عن الفرار من الموت هلعا وجبنا، وتحريضهم على القتال في سبيل الله فقد قال-تبارك وتعالى- بعد ذلك: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.. وإفهامهم أن الفرار من الموت لن يؤدى إلا إلى الوقوع فيه.
وقوله: وَهُمْ أُلُوفٌ جملة حالية من الضمير في خَرَجُوا وأُلُوفٌ جمع ألف.
والتعبير بألوف يفيد أنهم كانوا كثيرى العدد، ومن شأن الكثرة أنها تدعو إلى الشجاعة ولكنهم مع هذه الكثرة قد استولى عليهم الجبن فخرجوا من ديارهم هربا من الموت.
وقيل إن معنى وَهُمْ أُلُوفٌ أنهم خرجوا مؤتلفى القلوب، ولم يخرجوا عن افتراق كان منهم، ولا عن تباغض حدث بينهم.
وألوف على هذا القول جمع آلف مثل قاعد وقعود وشهود.
قالوا: والوجه الأول أجدر بالاتباع لأن ورد الموت عليهم وهم كثرة عظيمه يفيد مزيد اعتبار بحالهم، ولأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة.
وقوله: حَذَرَ الْمَوْتِ أى خرجوا الحذر الموت وخشيته، فقوله: حَذَرَ منصوب على أنه مفعول لأجله.
والجملة الكريمة تشير إلى أن خروجهم كان الباعث عليه الحرص على مطلق حياة ولو كانت حياة ذل ومهانة، وأنه لم يكن هناك سبب معقول يحملهم على هذا الخروج، ولذا كانت نتيجة ذلك أن عاقبهم الله-تبارك وتعالى- بالموت الذي هربوا منه فقال:فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ أى: فقال لهم الله موتوا فماتوا ثم أحياهم بعد ذلك.
فجملة ثُمَّ أَحْياهُمْ معطوفة على مقدر يستدعيه المقام أى، فماتوا ثم أحياهم.
وإنما حذف للدلالة على الاستغناء عن ذكره لاستحالة تخلف مراده-تبارك وتعالى- عن إرادته.
قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى قوله: فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا قلت: معناه فأماتهم وإنما جيء به على هذه الصورة للدلالة على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد بأمر الله ومشيئته، وتلك ميتة خارجة عن العادة، كأنهم أمروا بشيء فامتثلوه امتثالا من غير إباء ولا توقف كقوله-تبارك وتعالى-: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ وهذا تشجيع للمسلمين على الجهاد والتعرض للشهادة، وأن الموت إذا لم يكن منه بد، ولم ينفع منه مفر، فأولى أن يكون في سبيل الله».
وقال الجمل: «فإن قلت هذا يقتضى أن هؤلاء ماتوا مرتين وهو مناف للمعروف من أن موت الخلق مرة واحدة؟ قلنا في الجواب: لا منافاة إذ الموت هنا عقوبة مع بقاء الأجل كما في قوله في قصة موسى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ وثم موت بانتهاء الأجل، وتلخيصه: أنه- سبحانه - أماتهم قبل آجالهم عقوبة لهم ثم بعثهم إلى بقية آجالهم، وميتة العقوبة بعدها حياة- أى في الدنيا- بخلاف ميتة الأجل- فلا حياة بعدها في الدنيا-..» .
وبعد هذا البيان لمعنى الآية قد يقال: من هم أولئك القوم الذين خرجوا من ديارهم فرارا من الموت؟ وهل الإماتة والإحياء بالنسبة لهم كانا على سبيل الحقيقة؟للإجابة على السؤال الأول نقول: لم يرد حديث صحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يبين لنا فيه من هؤلاء القوم وفي أى زمن كانوا، وإنما أورد بعض المفسرين عن بعض الصحابة والتابعين روايات فيها مقال، وفيها تفصيلات نرى من الخير عدم ذكرها لضعفها.
ومن هذه الروايات ما جاء عن ابن عباس أنه قال: كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون، حتى إذا كانوا بموضع كذا أو كذا ماتوا.. ثم أحياهم الله بدعوة دعاها نبيهم .
ومنها أنهم- قوم من بنى إسرائيل- فروا من الجهاد حين أمرهم الله به على لسان نبيهم «حزقيل» وخافوا من الموت في الجهاد فخرجوا من ديارهم فأماتهم الله ليعرفهم أنه لا ينجيهم من الموت شيء، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد..» .
قال القرطبي بعد أن ساق هذه الرواية: وقال ابن عطية: وهذا القصص كله لين الأسانيد، وإنما اللازم من الآية أن الله-تبارك وتعالى- أخبر نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم إخبارا في عبارة التنبيه والتوقيف عن قوم من البشر خرجوا من ديارهم فرارا من الموت فأماتهم الله ثم أحياهم ليروا هم وكل من جاء من بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد الله لا بيد غيره، فلا معنى لخوف خائف ولا لاغترار مغتر.
وجعل الله هذه الآية مقدمة بين يدي أمر المؤمنين من أمة محمد صلّى الله عليه وسلّم بالجهاد.
وهذا قول الطبري وهو ظاهر وصف الآية» «3» والذي نراه أن الرواية الثانية التي تقول: إنهم قوم من بنى إسرائيل فروا من الجهاد حين أمرهم الله به.. معقولة المعنى، ويؤيدها سياق الآيات، لأن الآيات تحض الناس على القتال في سبيل الله، وتسوق لهم قصة هؤلاء القوم لكي يعتبروا ويتعظوا ولا يتخلفوا عن الجهاد الذي هو باب من أبواب الجنة- كما قال الإمام على بن أبى طالب- ولأن قوله-تبارك وتعالى-: وَهُمْ أُلُوفٌ يشعر بأنهم مع كثرة عددهم قد نكصوا على أعقابهم، وفروا من وجوه أعدائهم وهذا شأن بنى إسرائيل في كثير من أدوار تاريخهم وما قاله ابن عطية يشير إليها فهو يقول: وجعل الله هذه الآية مقدمة بين يدي أمر المؤمنين ...
بالجهاد.
إلا أنه آثر وصفهم بأنهم قوم من البشر.
وللإجابة على السؤال الثاني وهو- هل الإماتة والإحياء بالنسبة لهم كانا على سبيل الحقيقة- نقول: مبلغ علمنا أن المفسرين السابقين مجمعون على أن الموت كان موتا حقيقيا حسيا لهم، وأن إعادتهم إلى الحياة بعد ذلك كانت إعادة حقيقية حسية.
وقد خالف الأستاذ الإمام محمد عبده إجماع المفسرين هذا فرأى أن المراد بالموت في الآية الموت المعنوي بمعنى أن موت الأمم إنما هو في جبنها وذلتها وأن حياتها إنما تكون في عزتها وحريتها، فقد قال- رحمه الله- ما ملخصه.
«.. والمتبادر من السياق أن أولئك القوم خرجوا من ديارهم بسائق الخوف من عدو مهاجم لا من قلتهم، فقد كانوا ألوفا أى كثيرين، وإنما هو الحذر من الموت الذي يولده الجبن في أنفس الجبناء، فيريهم أن الفرار من القتال هو الواقي من الموت وما هو إلا سبب الموت بما يمكن الأعداء من رقاب أهله، قال أبو الطيب:يرى الجبناء أن الجبن حزم ...
وتلك خديعة الطبع اللئيمثم قال: لقد خرجوا فارين فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا أى أماتهم بإمكان العدو منهم ...
فمعنى أولئك القوم هو أن العدو نكل بهم فأفنى قوتهم وأزال استقلال أمتهم حتى صارت لا تعد أمة، بأن تفرق شملها، وذهبت جامعتها، فكل من بقي من أفرادها بقي خاضعا للغالبين ضائعا فيهم، لا وجود له في نفسه، وإنما وجوده تابع لوجود غيره.
ومعنى حياتهم هو عود الاستقلال إليهم، ذلك أن من رحمة الله في البلاء يصيب الناس أنه يكون تأديبا لهم، ومطهرا لنفوسهم مما عرض لها من دنس الأخلاق الذميمة.
أشعر الله أولئك القوم بسوء عاقبة الخوف والجبن والفشل والتخاذل بما أذاقهم من مرارتها، فجمعوا كلمتهم، ووثقوا رابطتهم، حتى عادت لهم وحدتهم، فاعتزوا وكثروا حتى خرجوا من ذل العبودية التي كانوا فيها إلى عز الاستقلال فهذا معنى حياة الأمم وموتها» .
فأنت ترى أن الأستاذ الإمام يرى أن الموت والحياة في الآية معنويان، بمعنى أن موت الأمم في جبنها وذلتها، وحياتها في استقلالها وحريتها.
ولعله- رحمه الله- قد اتجه هذا الاتجاه لأن الحض على القتال في سبيل الله واضح في هذه الآيات، ولأنه يرى أن واقع العالم الإسلامى يومئذ وما أصابه من ظلم واستبداد واستلاب للحرية يدعوه إلى أن يحرض المسلمين على القتال في سبيل حقهم المسلوب، وأن يحذرهم من سوء عاقبة الجبن والخنوع.
ومع أننا لا نشك في الدوافع الطيبة والبواعث الكريمة التي جعلت الأستاذ الإمام يتجه هذا الاتجاه، إلا أننا لا نتردد في اختيار ما ذهب إليه المفسرون من أن الموت والحياة في الآية حسيان حقيقيان، لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة، ولأنه يتجه اتجاها أعم من اتجاه الإمام محمد عبده، لأن المفسرين يرون أن الآية واضحة في إثبات قدرة الله وفي صحة البعث، وفي الحض على القتال في سبيل الله.
قال بعض العلماء: قوله-تبارك وتعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا الآية.
كان المشركون يستفتون اليهود في كثير من الأمور وكانت هذه القصة معلومة لليهود في أسفارهم وتواريخهم، فنزل القرآن بالإشارة إليها ليرتدع المشركون عما هم فيه من الضلال وإنكار البعث، ويعلموا أن دلائل القدرة على البعث مشهورة، وأن عند اليهود منها ما لو رجعوا إليهم فيه لعلموا أنه حق لا ريب فيه.
وفي ذكر هذه القصة مع ذلك تشجيع للمؤمنين على الجهاد والتعرض للشهادة، وتمهيد لما بعد هذه الآية» .
ثم ختم- سبحانه - الآية بقوله: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ أى: إن الله-تبارك وتعالى- لصاحب تفضل دائم على الناس حيث أوجدهم بهذه الصورة الحسنة، وخلق لهم عقولا ليهتدوا بها إلى طريق الخير، وسخر لهم الكثير مما في هذا الكون.
فمن الواجب عليهم أن يشكروه وأن يطيعوه، ولكن الذي حدث منهم أن أكثرهم لا يشكرون الله-تبارك وتعالى- على ما منحهم من نعم.
وفي قوله: وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ إنصاف للقلة الشاكرة منهم، ومديح لهم على استقامتهم وقوة إيمانهم.
قوله تعالى : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى : ( ألم تر ) هذه رؤية القلب بمعنى ألم تعلم .
والمعنى عند سيبويه تنبه إلى أمر الذين .
ولا تحتاج هذه الرؤية إلى مفعولين .
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي " ألم تر " بجزم الراء ، وحذفت الهمزة حذفا من غير إلقاء حركة لأن الأصل ألم ترء .
وقصة هؤلاء أنهم قوم من بني إسرائيل وقع فيهم الوباء ، وكانوا بقرية يقال لها ( داوردان ) فخرجوا منها هاربين فنزلوا واديا فأماتهم الله تعالى .
قال ابن عباس : كانوا أربعة آلاف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا : نأتي أرضا ليس بها موت ، فأماتهم الله تعالى ، فمر بهم نبي فدعا الله تعالى فأحياهم .
وقيل : إنهم ماتوا ثمانية أيام .
وقيل : سبعة ، والله أعلم .
قال الحسن : أماتهم الله قبل آجالهم عقوبة لهم ، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم .
وقيل : إنما فعل ذلك بهم معجزة لنبي من أنبيائهم ، قيل : كان اسمه شمعون .
وحكى النقاش أنهم فروا من الحمى .
وقيل : إنهم فروا من الجهاد ولما أمرهم الله به على لسان حزقيل النبي عليه السلام ، فخافوا الموت بالقتل في الجهاد فخرجوا من ديارهم فرارا من ذلك ، فأماتهم الله ليعرفهم أنه لا ينجيهم من الموت شيء ، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد بقوله تعالى : وقاتلوا في سبيل الله ، قاله الضحاك .
قال ابن عطية : وهذا القصص كله لين الأسانيد ، وإنما اللازم من الآية أن الله تعالى أخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إخبارا في عبارة التنبيه والتوقيف عن قوم من البشر خرجوا من ديارهم فرارا من الموت فأماتهم الله تعالى ثم أحياهم ، ليروا هم وكل من خلف من بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد الله تعالى لا بيد غيره ، فلا معنى لخوف خائف ولا لاغترار مغتر .
وجعل الله هذه الآية مقدمة بين يدي أمره المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجهاد ، هذا قول الطبري وهو ظاهر وصف الآية .
قوله تعالى : وهم ألوف قال الجمهور : هي جمع ألف .
قال بعضهم : كانوا ستمائة ألف .
وقيل : كانوا ثمانين ألفا .
ابن عباس : أربعين ألفا .
أبو مالك : ثلاثين ألفا .
السدي : سبعة وثلاثين ألفا .
وقيل : سبعين ألفا ، قاله عطاء بن أبي رباح .
وعن ابن عباس أيضا أربعين ألفا ، وثمانية آلاف ، رواه عنه ابن جريج .
وعنه أيضا ثمانية آلاف ، وعنه أيضا أربعة آلاف ، وقيل : ثلاثة آلاف .
والصحيح أنهم زادوا على عشرة آلاف لقوله تعالى : ( وهم ألوف ) وهو جمع الكثرة ، ولا يقال في عشرة فما دونها ألوف .
وقال ابن زيد في لفظة ألوف : إنما معناها وهم مؤتلفون ، أي لم تخرجهم فرقة قومهم ولا فتنة بينهم إنما كانوا مؤتلفين ، فخالفت هذه الفرقة فخرجت فرارا من الموت وابتغاء الحياة بزعمهم ، فأماتهم الله في منجاهم بزعمهم .
فألوف على هذا جمع آلف ، مثل جالس وجلوس .
قال ابن العربي : أماتهم الله تعالى مدة عقوبة لهم ثم أحياهم ، وميتة العقوبة بعدها حياة ، وميتة الأجل لا حياة بعدها .
قال مجاهد : إنهم لما أحيوا رجعوا إلى قومهم يعرفون أنهم كانوا موتى ولكن سحنة الموت على وجوههم ، ولا يلبس أحد منهم ثوبا إلا عاد كفنا دسما حتى ماتوا لآجالهم التي كتبت لهم .
ابن جريج عن ابن عباس : وبقيت الرائحة على ذلك السبط من بني إسرائيل إلى اليوم .
وروي أنهم كانوا بواسط العراق .
ويقال : إنهم أحيوا بعد أن أنتنوا ، فتلك الرائحة موجودة في نسلهم إلى اليوم .
الثانية : حذر الموت أي لحذر الموت ، فهو نصب لأنه مفعول له .
و ( موتوا ) أمر تكوين ، ولا يبعد أن يقال : نودوا وقيل لهم : موتوا .
وقد حكي أن ملكين صاحا بهم : موتوا فماتوا ، فالمعنى قال لهم الله بواسطة الملكين " موتوا " ، والله أعلم .
الثالثة : أصح هذه الأقوال وأبينها وأشهرها أنهم خرجوا فرارا من الوباء ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : خرجوا فرارا من الطاعون فماتوا ، فدعا الله نبي من الأنبياء أن يحييهم حتى يعبدوه فأحياهم الله .
وقال عمرو بن دينار في هذه الآية : وقع الطاعون في قريتهم فخرج أناس وبقي أناس ، ومن خرج أكثر ممن بقي ، قال : فنجا الذين خرجوا ومات الذين أقاموا ، فلما كانت الثانية خرجوا بأجمعهم إلا قليلا فأماتهم الله ودوابهم ، ثم أحياهم فرجعوا إلى بلادهم وقد توالدت ذريتهم .
وقال الحسن : خرجوا حذارا من الطاعون فأماتهم الله ودوابهم في ساعة واحدة ، وهم أربعون ألفا .
قلت : وعلى هذا تترتب الأحكام في هذه الآية .
فروى الأئمة واللفظ للبخاري من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيد يحدث سعدا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الوجع فقال رجز أو عذاب عذب به بعض الأمم ثم بقي منه بقية فيذهب المرة ويأتي الأخرى فمن سمع به بأرض فلا يقدمن عليه ومن كان بأرض وقع بها فلا يخرج فرارا منه وأخرجه أبو عيسى الترمذي فقال : حدثنا قتيبة أنبأنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن عامر بن سعد عن أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الطاعون فقال : بقية رجز أو عذاب أرسل على طائفة من بني إسرائيل فإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها وإذا وقع بأرض ولستم بها فلا تهبطوا عليها قال : حديث حسن صحيح .
وبمقتضى هذه الأحاديث عمل عمر والصحابة رضوان الله عليهم لما رجعوا من سرغ حين أخبرهم عبد الرحمن بن عوف بالحديث ، على ما هو مشهور في الموطأ وغيره .
وقد كره قوم الفرار من الوباء والأرض السقيمة ، روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : الفرار من الوباء كالفرار من الزحف .
وقصة عمر في خروجه إلى الشام مع أبي عبيدة معروفة ، وفيها : أنه رجع .
وقال الطبري : في حديث سعد دلالة على أن على المرء توقي المكاره قبل نزولها ، وتجنب الأشياء المخوفة قبل هجومها ، وأن عليه الصبر وترك الجزع بعد نزولها ، وذلك أنه عليه السلام نهى من لم يكن في أرض الوباء عن دخولها إذا وقع فيها ، ونهى من هو فيها عن الخروج منها بعد وقوعه فيها فرارا منه ، فكذلك الواجب أن يكون حكم كل متق من الأمور غوائلها ، سبيله في ذلك سبيل الطاعون .
وهذا المعنى نظير قوله عليه السلام : لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا .
قلت : وهذا هو الصحيح في الباب ، وهو مقتضى قول الرسول عليه السلام ، وعليه عمل أصحابه البررة الكرام رضي الله عنهم ، وقد قال عمر لأبي عبيدة محتجا عليه لما قال له : أفرارا من قدر الله! فقال عمر : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! نعم ، نفر من قدر الله إلى قدر الله .
المعنى : أي لا محيص للإنسان عما قدره الله له وعليه ، ولكن أمرنا الله تعالى بالتحرز من المخاوف والمهلكات ، وباستفراغ الوسع في التوقي من المكروهات .
ثم قال له : أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة ، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله ، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله عز وجل .
فرجع عمر من موضعه ذلك إلى المدينة .
قال الكيا الطبري : ولا نعلم خلافا أن الكفار أو قطاع الطريق إذا قصدوا بلدة ضعيفة لا طاقة لأهلها بالقاصدين فلهم أن يتنحوا من بين أيديهم ، وإن كانت الآجال المقدرة لا تزيد ولا تنقص .
وقد قيل : إنما نهي عن الفرار منه لأن الكائن بالموضع الذي الوباء فيه لعله قد أخذ بحظ منه ، لاشتراك أهل ذلك الموضع في سبب ذلك المرض العام ، فلا فائدة لفراره ، بل يضيف إلى ما أصابه من مبادئ الوباء مشقات السفر ، فتتضاعف الآلام ويكثر الضرر فيهلكون بكل طريق ويطرحون في كل فجوة ومضيق ، ولذلك يقال : ما فر أحد من الوباء فسلم ، حكاه ابن المدائني .
ويكفي في ذلك موعظة قوله تعالى : ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ولعله إن فر ونجا يقول : إنما نجوت من أجل خروجي عنه فيسوء اعتقاده .
وبالجملة فالفرار منه ممنوع لما ذكرناه ، ولما فيه من تخلية البلاد : ولا تخلو من مستضعفين يصعب عليهم الخروج منها ، ولا يتأتى لهم ذلك ، ويتأذون بخلو البلاد من المياسير الذين كانوا أركانا للبلاد ومعونة للمستضعفين .
وإذا كان الوباء بأرض فلا يقدم عليه أحد أخذا بالحزم والحذر والتحرز من مواضع الضرر ، ودفعا للأوهام المشوشة لنفس الإنسان ، وفي الدخول عليه الهلاك ، وذلك لا يجوز في حكم الله تعالى ، فإن صيانة النفس عن المكروه واجبة ، وقد يخاف عليه من سوء الاعتقاد بأن يقول : لولا دخولي في هذا المكان لما نزل بي مكروه .
فهذه فائدة النهي عن دخول أرض بها الطاعون أو الخروج منها ، والله أعلم .
وقد قال ابن مسعود : الطاعون فتنة على المقيم والفار ، فأما الفار فيقول : فبفراري نجوت ، وأما المقيم فيقول : أقمت فمت ، وإلى نحو هذا أشار مالك حين سئل عن كراهة النظر إلى المجذوم فقال : ما سمعت فيه بكراهة ، وما أرى ما جاء من النهي عن ذلك إلا خيفة أن يفزعه أو يخيفه شيء يقع في نفسه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الوباء : إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه .
وسئل أيضا عن البلدة يقع فيها الموت وأمراض ، فهل يكره الخروج منها ؟ فقال : ما أرى بأسا خرج أو أقام .
الرابعة : في قوله عليه السلام : إذا وقع الوباء بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه .
دليل على أنه يجوز الخروج من بلدة الطاعون على غير سبيل الفرار منه ، إذا اعتقد أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وكذلك حكم الداخل إذا أيقن أن دخولها لا يجلب إليه قدرا لم يكن الله قدره له ، فباح له الدخول إليه والخروج منه على هذا الحد الذي ذكرناه ، والله أعلم .
الخامسة : في فضل الصبر على الطاعون وبيانه .
الطاعون وزنه فاعول من الطعن ، غير أنه لما عدل به عن أصله وضع دالا على الموت العام بالوباء ، قاله الجوهري .
ويروى من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فناء أمتي بالطعن والطاعون - قالت : الطعن قد عرفناه فما الطاعون ؟ قال : غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط .
قال العلماء : وهذا الوباء قد يرسله الله نقمة وعقوبة على من يشاء من العصاة من عبيده وكفرتهم ، وقد يرسله شهادة ورحمة للصالحين ، كما قال معاذ في طاعون عمواس : إنه شهادة ورحمة لكم ودعوة نبيكم ، اللهم أعط معاذا وأهله نصيبهم من رحمتك .
فطعن في كفه رضي الله عنه .
قال أبو قلابة : قد عرفت الشهادة والرحمة ولم أعرف ما دعوة نبيكم ؟ فسألت عنها فقيل : دعا عليه السلام أن يجعل فناء أمته بالطعن والطاعون حين دعا ألا يجعل بأس أمته بينهم فمنعها فدعا بهذا .
ويروى من حديث جابر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف .
وفي البخاري عن يحيى بن يعمر عن عائشة أنها أخبرته أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون فأخبرها نبي الله صلى الله عليه وسلم : أنه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء فجعله الله رحمة للمؤمنين فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد .
وهذا تفسير لقوله عليه الصلاة والسلام : ( الطاعون شهادة والمطعون شهيد ) .
أي الصابر عليه المحتسب أجره على الله العالم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله عليه ، ولذلك تمنى معاذ أن يموت فيه لعلمه أن من مات فهو شهيد .
وأما من جزع من الطاعون وكرهه وفر منه فليس بداخل في معنى الحديث ، والله أعلم .
السادسة : قال أبو عمر : لم يبلغني أن أحدا من حملة العلم فر من الطاعون إلا ما ذكره ابن المدائني أن علي بن زيد بن جدعان هرب من الطاعون إلى السيالة فكان يجمع كل جمعة ويرجع ، فكان إذا جمع صاحوا به : فر من الطاعون! فمات بالسيالة .
قال : وهرب عمرو بن عبيد ورباط بن محمد إلى الرباطية فقال إبراهيم بن علي الفقيمي في ذلك :ولما استفز الموت كل مكذب صبرت ولم يصبر رباط ولا عمرووذكر أبو حاتم عن الأصمعي قال : هرب بعض البصريين من الطاعون فركب حمارا له ومضى بأهله نحو سفوان ، فسمع حاديا يحدو خلفه :لن يسبق الله على حمار ولا على ذي منعة طيارأو يأتي الحتف على مقدار قد يصبح الله أمام الساريوذكر المدائني قال : وقع الطاعون بمصر في ولاية عبد العزيز بن مروان فخرج هاربا منه فنزل قرية من قرى الصعيد يقال لها ( سكر ) .
فقدم عليه حين نزلها رسول لعبد الملك بن مروان .
فقال له عبد العزيز : ما اسمك ؟ فقال له : طالب بن مدرك .
فقال : أوه ما أراني راجعا إلى الفسطاط ! فمات في تلك القرية .


شرح المفردات و معاني الكلمات : خرجوا , ديارهم , ألوف , حذر , الموت , الله , موتوا , أحياهم , الله , فضل , الناس , أكثر , الناس , يشكرون , حذر+الموت , فقال+لهم+الله+موتوا+ثم+أحياهم , إن+الله+لذو+فضل+على+الناس , أكثر+الناس+لا+يشكرون ,
English Türkçe Indonesia
Русский Français فارسی
تفسير انجليزي اعراب

آيات من القرآن الكريم


تحميل سورة البقرة mp3 :

سورة البقرة mp3 : قم باختيار القارئ للاستماع و تحميل سورة البقرة

سورة البقرة بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة البقرة بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة البقرة بصوت عبد  الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة البقرة بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة البقرة بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة البقرة بصوت محمود خليل الحصري
الحصري
سورة البقرة بصوت مشاري راشد العفاسي
مشاري العفاسي
سورة البقرة بصوت ناصر القطامي
ناصر القطامي
سورة البقرة بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة البقرة بصوت ياسر لدوسري
ياسر الدوسري


الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Tuesday, December 17, 2024

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب