1- قوله: «سبحان»: التسبيح: التنزيه، والتقديس، والتبرئة من النقائص، ثم استعمل في مواضع تقرب منه اتساعاً، يقال: سبحته أسبحه تسبيحاً، وسبحاناً، فمعنى سبحان اللَّه: تنزيه اللَّه، وهو نصب على المصدر بفعل مضمر، كأنه قال: أبرئ اللَّه من السوء براءة (6) . 2- قوله: «ربي»: الرب يطلق في اللغة على: المالك، والسيد المدبر، والمربي، والقيم، والمنعم، ولا يطلق غير مضاف إلا على اللَّه تعالى وإذا أطلق على غيره أضيف فيقال رب كذا (7) . 3- قوله: «الأعلى»: قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «وَذَلِكَ أَنَّ السُّجُودَ غَايَةُ الْخُضُوعِ وَالذُّلِّ مِنَ الْعَبْدِ، وَغَايَةُ تَسْفِيلِهِ وَتَوَاضُعِهِ: بِأَشْرَفِ شَيْءٍ فِيهِ لِلَّهِ - وَهُوَ وَجْهُهُ - بِأَنْ يَضَعَهُ عَلَى التُّرَابِ، فَنَاسَبَ فِي غَايَةِ سُفُولِهِ أَنْ يَصِفَ رَبَّهُ بِأَنَّهُ الْأَعْلَى، وَالْأَعْلَى أَبْلَغُ مِنْ الْعَلِيِّ؛ ... فَلَمَّا كَانَ السُّجُودُ غَايَةَ سُفُولِ الْعَبْدِ، وَخُضُوعِهِ... فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْأَعْلَى، وَالْعَبْدُ الْأَسْفَلُ» (8) .
ما يستفاد من الحديث:
1- ذكر العلو في السجود في غاية المناسبة؛ لأن لكل مقام مقال؛ ولأن اللَّه منزه عن السفول، فهو سبحانه في العلو على العرش، مستوٍ عليه على الوجه اللائق به، فالاستواء معلوم، والإيمان به واجب، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة. 2- إثبات صفة العلو لله عز وجل وعلوه على أقسام وكلها متلازمة: أ – علو الذات: وهو أنه مستوٍ على عرشه، مطلع على أحوال العباد، ومدبر لأمورهم الظاهرة والباطنة، قال اللَّه عز وجل: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾سورة طه، الآية: 5 . ب – علو القهر: أي إن نواصي الخلق كلهم بيده، لا يتحرك متحرك، ولا يسكن ساكن إلا بإذنه، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، قال اللَّه سبحانه وتعالى: ﴿سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾سورة الزمر، الآية: 4 . جـ - علو القدر: أي أن صفاته كلها عُليا، ليس فيها نقص، ولا عيب، قال اللَّه عز وجل: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾سورة النحل، الآية: 60 . قال ابن القيم: وهو العلي فكل أنواع العلو له فثابتة بلا نكران (9) 3- وقد ورد ذكر الأعلى في القرآن في موضعين: 1 – ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾سورة الأعلى، الآية: 1 . 2 – ﴿إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى﴾سورة الليل، الآية: 20 . وجاء المتعال مرة واحدة: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾سورة الرعد، الآية: 9 . وجاء اسم العلي في أربعة مواضع: 1 – ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾سورة البقرة، الآية: 255 . 2 – ﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾سورة الحج، الآية: 62 . 3 - ﴿فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾سورة غافر، الآية: 12 . 4 – ﴿ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾سورة الشورى، الآية: 51 (10) . 4- الحكمة من السجود أنه من كمال التعبد للَّه، والذل له؛ فإن الإنسان يضع أشرف ما فيه، وهو وجهه، بحذاء أسفل ما فيه، وهو قدمه، ومع هذا النزول يكون أقرب للَّه تعالى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء» (11) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فما تواضع أحد لله إلا رفعه اللَّه» (12) ؛ ولهذا ينبغي لنا أن تسجد قلوبنا قبل أن تسجد جوارحنا؛ ليتحقق المقصود من الصلاة (13) . 5- من فضائل السجود ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم: «إن اللَّه حرم على النار أن تأكل أثر السجود» (14) ، وهذا في حق من دخل النار من عصاة المؤمنين لكي يتطهروا من ذنوبهم قبل دخول الجنة، وهذا يقع إذا لم يتب عليهم ربهم، ويعفو عنهم، إلا أنهم إذا دخلوا فلا تؤثر النار في أعضاء السجود كرامة لهذه الأعضاء. قال بعضهم: يا رب أعضاء السجود أعتقتها من فضلك الوافي وأنت الباقي والعتق يسري في الغنى يا ذا الغنى فامنن على الفاني بعتق الباقي وهذا الشاعر توسل إلى اللَّه بعتق أعضاء السجود إلى أن يعتق جميع البدن لسريان العتق إليه (15) .
1
أخرجه أبو داود، برقم 871، والترمذي، برقم 262، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 83
تم تأسيس موقع سورة قرآن كبادرة متواضعة بهدف خدمة الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الاهتمام بطلاب العلم و تيسير العلوم الشرعية على منهاج الكتاب و السنة , وإننا سعيدون بدعمكم لنا و نقدّر حرصكم على استمرارنا و نسأل الله تعالى أن يتقبل منا و يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .