تزوجها رسول الله وهي بنت ست سنين

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه الكريم والعمل بها.
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه (كتاب النكاح، باب إنكاح الرجل ولده الصغار) برقم (3894)، ومسلم في صحيحه (كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت) برقم (1422)، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
شرح المفردات:
* تزوجها: أي عقد عليها.
* بنت ست سنين: أي كان عمرها ست سنوات وقت عقد النكاح.
* بنى بها: أي دخل بها وأ consummated الزواج، وأصبحت زوجة له بالمعنى الكامل.
* بنت تسع: أي كان عمرها تسع سنوات وقت البناء (الدخول).
* مات عنها: أي توفي النبي صلى الله عليه وسلم.
* بنت ثمان عشرة: أي كان عمرها ثماني عشرة سنة عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح الحديث:
يخبرنا هذا الحديث العظيم عن جانب من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم الشخصية، وتحديداً عن زواجه من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. ويمكن تفصيله على النحو التالي:
1- عقد النكاح: تم عقد النكاح على السيدة عائشة وهي في سن السادسة من عمرها في مكة، قبل الهجرة النبوية. وهذا العقد كان بموافقة وليها وهو والدها الصديق أبو بكر رضي الله عنه، وكانت موافقةً مستوفيةً لشروط النكاح الصحيح.
2- الدخول بها (البناء): لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة عائشة مباشرة بعد العقد، بل انتظر حتى هاجر إلى المدينة المنورة. وقد بنى بها صلى الله عليه وسلم في المدينة وهي في سن التاسعة، بعد أن بلغت وأصبحت مؤهلة للزواج جسمانياً ونفسياً حسب طبيعة البيئة والعصر الذي كانت تعيش فيه، حيث كانت النضج البدني يحدث في سن مبكرة في تلك البيئة الصحراوية.
3- مدة الصحبة: عاشت السيدة عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم زوجةً له قرابة تسع سنوات (من سن 9 إلى 18)، وهي فترة غنية بالعلم والأخلاق والتربية، حيث نشأت في بيت النبوة وتعلمت منه مباشرة، فكانت من أعلم الناس بالدين وأحكامه، خاصة ما يتعلق بأسرار البيوت وحياة النبي الشخصية.
4- عمرها عند وفاته: تُوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهي في سن الثامنة عشرة، فبقيت بعده أرملةً نحو خمسة وأربعين عاماً، كانت فيها مرجعاً أساسياً للأمة في العلم والفتيا، ونشرت سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
الدروس المستفادة والفؤائد:
1- جواز تزويج الصغيرة: الحديث دليل واضح على جواز عقد النكاح على الصغيرة التي لم تبلغ بعد، بشرط أن يكون ذلك من وليها الشرعي (الأب أو الجد) وأن يكون في مصلحتها. وأما الدخول بها فلا يكون إلا بعد أن تبلغ وتصبح مؤهلة له. وهذا الحكم مجمع عليه بين أهل العلم.
* *ملاحظة مهمة:* هذا الحكم الشرعي يجب أن يُفهم في سياقه، وأن تطبيقه في عصرنا هذا يراعي "المصلحة" و"العرف" السائد، حيث تختلف طبيعة النضج وظروف الحياة اليوم بشكل كبير عن ذلك الزمن.许多 الدول الإسلامية today have laws that set a minimum marriage age based on considerations of public welfare (مصلحة) and in line with the overarching objectives of Sharia (مقاصد الشريعة).
2- مكانة أم المؤمنين عائشة: الحديث يبرز المكانة الرفيعة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، حيث كانت أحب wives النبي صلى الله عليه وسلم إلى قلبه، ونشأت في حجره وتعلمت منه، فكانت من أكبر رواة الحديث.
3- سعة علمها: طول مدة ملازمتها للنبي صلى الله عليه وسلم (تسع سنوات) وهي في سن التلقي والتعلم، جعلها من أعلم الصحابة على الإطلاق، خاصة فيما يخص الأمور الخاصة التي لا يطلع عليها غيرها.
4- طهارة بيت النبوة: قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة كانت نقية شريفة، بعيدة عن أي شبهة، وقد قبلها أبو بكر الصديق وهو أعلم الناس بعدل النبي وصدقه، مما يدحض أي افتراءات حول هذا الزواج المبارك.
5- بيان سن النبي صلى الله عليه وسلم: يمكن استنباط أن عمر النبي صلى الله عليه وسلم حين تزوج السيدة عائشة كان حوالي 52 أو 53 سنة، مما يدل على أن الزواج لا يقتصر على الشباب، بل هو سنة في كل عمر إذا توفرت الأهلية والقدرة.
خلاصة:
هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة المتواترة التي تبين جانباً من السيرة النبوية العطرة، وهو أصل من أصول الفقه في باب النكاح، خاصة فيما يتعلق بحكم تزويج الصغيرات. وفيه بيان للمكانة العظيمة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، التي كانت زوجةً للنبـي في صغرها، وراويةً لعلمه في كبرها، وناشرةً لسنته بعد وفاته.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.