علي يترك خطبة بنت أبي جهل بعد نهي النبي ﷺ.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث النابع من سيرة النبي ﷺ وأهل بيته الكرام، مع بيان الدروس والعبر المستفادة منه.
### أولاً. تخريج الحديث
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه (كتاب النكاح، باب إذا خطب الرجل إلى الرجل وله ابنة أخرى فأحب أن يزوجه إياها، حديث رقم 5230)، ورواه الإمام مسلم في صحيحه (كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبي ﷺ، حديث رقم 2449).
### ثانياً. شرح المفردات
● يتحدثون: يتكلمون ويتناقلون الأخبار.
● ناكحاً: متزوجاً أو مقدمًا على الزواج.
● تشهد: قال "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله".
● أما بعد: كلمة استهلال للكلام المهم بعد الثناء على الله.
● مضغة: قطعة لحم صغيرة، كناية عن شدّة قربها منه وحبه لها.
● يفتنوها: يضايقوها أو يؤذوها أو يختبروا صبرها.
### ثالثاً. شرح الحديث
يحدثنا الصحابي الجليل المسور بن مخرمة رضي الله عنه عن موقف مهم في حياة أسرة النبي ﷺ. فقد علمت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها أن زوجها الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه يفكر في الخطبة لابنة أبي جهل (عدو الله اللدود، الذي آذى النبي ﷺ أشد الإيذاء).
فلما سمعت السيدة فاطمة بهذا الخبر، تألمت ألماً شديداً، ليس فقط من منظور الغيرة الطبيعية بين النساء، ولكن لأن هذا الزواج سيجمع في بيت واحد بين بنت رسول الله ﷺ وبنت رجل كان من أشد أعداء الله ورسوله. فذهبت إلى أبيها النبي ﷺ معبرة عن حزنها بقولها: "إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك"، أي أن الناس يتكلمون ويقولون إنك لا تدفع الأذى عن بناتك أو لا تغار عليهن.
فما كان من النبي ﷺ إلا أن قام مباشرة ليعلن موقفاً واضحاً يقطع دابر هذه الإشاعة ويرد اعتبار ابنته ويحفظ مشاعرها. فصعد المنبر وخطب في الناس، مبتدئاً بالشهادة لله تعالى، ثم ذكرهم بأنه قد زوج ابنته زينب من أبي العاص بن الربيع قبل الإسلام، وكان زوجاً صالحاً صدقها وأحسن معاملتها. ثم أكد على المكانة الخاصة للسيدة فاطمة بقوله: "وإن فاطمة بنت محمد مضغة مني"، أي هي قطعة مني، تشبيه بليغ يدل على شدة محبته لها وتألمه لألمها.
ثم بين السبب الحقيقي لرفضه هذا الزواج، ليس لأنه حرام في ذاته، ولكن لأنه "يكره أن يفتنوها"، أي يكره أن يدخل على قلبها الأذى والضرر والغيرة التي تؤلمها. ثم ختم ﷺ بقسم مؤكد: "وإنها والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبداً". فهذا بيان لحكمة إلهية وموقف شرعي يهدف إلى صون feelings السيدة فاطمة والحفاظ على مكانتها.
فما كان من الإمام علي رضي الله عنه، وهو الذي تربى في حجر النبي ﷺ وعلم مكانة فاطمة عنده، إلا أن استجاب فوراً وترك فكرة الخطبة، تقديراً لمشاعر زوجته وامتثالاً لأمر النبي ﷺ.
### رابعاً. الدروس المستفادة والعبر
1- مكانة السيدة فاطمة الزهراء: الحديث يبرز المكانة الرفيعة للسيدة فاطمة عند النبي ﷺ، حتى شبهها بقطعة منه، مما يدل على عظم حبه لها وحرصه على راحتها.
2- حكمة النبي ﷺ في التعامل مع المشكلات الأسرية: لم يغضب النبي ﷺ من سؤال ابنته، بل استمع لها وتفهم مشاعرها واتخذ موقفاً حازماً يحقق المصلحة للجميع.
3- الغيرة على المحارم والدفاع عنهن: النبي ﷺ غار لابنته ودفع عنها ما يؤذيها، وهذا درس للأمة في وجوب الغيرة على النساء والدفاع عن حقهن وحمايتهن من الأذى.
4- تقديم مشاعر الزوجة وحقوقها: الموقف يعلمنا وجوب مراعاة مشاعر الزوجة واحترامها، وعدم إدخال ما يسبب لها الألم أو الضرر النفسي.
5- امتثال الصحابة لأمر النبي ﷺ: استجابة الإمام علي السريعة تدل على كمال إيمانه وحرصه على رضا الله ورسوله ورضا زوجته.
6- عدم جواز جمع المرأة وبنت عدو الله في بيت واحد: بيان شرعي بأنه لا يجوز الجمع بين ما فيه أذى للمرأة الصالحة ومضايقتها، خاصة إذا كان في ذلك انتقاص من قدرها أو إدخال ضرر عليها.

---

خامساً:

معلومات إضافية مفيدة
- أبو جهل (عمرو بن هشام) كان من أشد أعداء الإسلام، وقاد persecution المسلمين في مكة، وقتل في غزوة بدر كافراً.
- هذا الموقف لا ينقص من قدر الإمام علي، بل يزيده فضلاً لأنه امتثل لأمر النبي ﷺ فوراً وقدم رضا الله ورسوله على هواه.
- الحديث يرد على من يتهم الإسلام بأنه لا يعطي المرأة حقها أو لا يراعي مشاعرها، فها هو النبي ﷺ يوقف خطبة لابنته بسبب مشاعر زوجته.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.