التيمم بضربة واحدة للوجه واليدين

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقول. هذا حديث عظيم من أحاديث الأحكام، وفيه مسألة فقهية مهمة تتعلق بالتيمم، وبيان حكم من لم يجد الماء مدة طويلة. سأشرحه لك جزءاً جزءاً معتمداً على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

---

أولاً. شرح المفردات:

● أجنب: أي أصابته الجنابة، وهي الحدث الأكبر الذي يوجب الغسل.
● لا يتيمم: أي لا يصلي بالتيمم، بل يجب عليه أن ينتظر حتى يجد الماء.
● الصعيد الطيب: التراب الطاهر.
● لو رُخِّص لهم: لو أُبيح لهم وأُذن.
● أوشك: كاد وقرب.
● تمرغت في الصعيد: تقلبت في التراب كالدابة ليتطهر بجسده كله.
● لم يقنع بقول عمار: لم يرض بحجته ولم يكتف بها.

---

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:

يحكي الصحابي شقيق بن سلمة أنه كان جالساً مع عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، فسأل أبو موسى سؤالاً افتراضياً: لو أن رجلاً أصابته الجنابة ولم يجد الماء لمدة شهر كامل، فماذا يفعل بشأن الصلاة؟ فأجابه ابن مسعود بأنه لا يتيمم ولا يصلي، بل ينتظر حتى يجد الماء فيغتسل ثم يقضي الصلوات التي فاتته.
فاستشهد أبو موسى بالآية الكريمة التي تبيح التيمم عند عدم وجود الماء، فرد عليه ابن مسعود بأن التيمم رخصة للمشقة، ولو فُتح هذا الباب لأوشك الناس أن يتساهلوا ويتيمموا بالتراب حتى مع وجود الماء ولو كان بارداً.
ثم احتج أبو موسى بقصة عمار بن ياسر رضي الله عنه، عندما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بحاجة فأجنب ولم يجد الماء، فتمرغ في التراب كما تفعل الدابة، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، بين له أن التيمم يكون بضربة واحدة للأرض ثم مسح اليدين والوجه. فرد ابن مسعود بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقتنع بهذه الحجة وحدها، بل كان يرى اشتراط العذر الشرعي وعدم التساهل.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقهية:

1- وجوب الطهارة بالماء عند القدرة عليه: التيمم بدل عن الماء عند العجز، فإذا زال العجز زال حكم البدل.
2- الفهم العميق للقرآن والسنة: الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتناقشون في فهم النصوص، وليس معنى وجود الرخصة أن يُتساهل في استعمالها دون حاجة.
3- الاحتياط في العبادات: رأي ابن مسعود وعمر رضي الله عنهما مبني على الاحتياط في أمر الصلاة وطهارتها، وعدم التساهل في استبدال الماء بالتراب إلا عند الضرورة الحقيقية.
4- التيمم ضربة واحدة: من قصة عمار نستفيد أن التيمم يكون بضربة واحدة للتراب الطاهر، ثم يمسح بهما وجهه وكفيه.
5- اختلاف اجتهاد الصحابة: هذا الحديث يظهر سلامة صدور الصحابة وحرصهم على الوصول للحق، واختلافهم في الفروع لا يفسد للود قضية.

---

رابعاً. الرأي الراجح في المسألة:

جمهور العلماء على خلاف رأي ابن مسعود في هذه المسألة، واستدلوا بعموم الآية الكريمة وقصة عمار، وأن التيمم يشرع عند عدم وجود الماء سواء كان العذر طويلاً أو قصيراً، ويصلي به ويقضي ما فاته إذا وجد الماء. وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة.
وعليه، فالصواب أن من لم يجد الماء يتيمم ويصلي في وقتها، ولا يؤخر الصلاة، وإذا وجد الماء لاحقاً فإنه يغتسل ولا إعادة عليه، وهذا هو الذي تدل عليه الأدلة.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.