لم يرد السلام حتى مسح وجهه ويديه من الجدار

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن أبي جُهيم بن الحارث بن الصِّمة رضي الله عنه، وهو حديث صحيح متفق عليه.
شرح الحديث:
1. شرح المفردات:
● بِئْرِ جُمَلٍ: اسم مكان، وهو موضع قرب المدينة المنورة.
● فَلَقِيَهُ رَجُلٌ: أي صادفه واجتمع به.
● فَسَلَّمَ عَلَيْهِ: قال له: السلام عليكم ورحمة الله.
● فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ: لم يرد عليه السلام في الحال.
● حَتَّى أَقْبَلَ عَلَى الْجِدَارِ: توجّه نحو حائط أو جدار.
● فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ: أي مسح على أعضاء وضوئه.
● ثُمَّ رَدَّ: أي رد السلام على الرجل.
2. المعنى الإجمالي للحديث:
يخبرنا الصحابي أبو جهيم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قادماً من جهة بئر جمل، فاستقبله رجل وسلم عليه، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم السلام في نفس اللحظة، بل تأخر في الرد حتى توجّه إلى جدار قريب ومسح على وجهه ويديه (أي قام بتجديد وضوئه بطريقة التيمم)، وبعد أن فرغ من ذلك، رد على الرجل سلامه.
3. الدروس المستفادة والعبر:
● جواز تأخير رد السلام لعذر شرعي: دلّ فعل النبي صلى الله عليه وسلم على أنه يجوز تأخير رد السلام إذا كان المسلم مشغولاً بعبادة، أو بحاجة تتعلق بالطهارة، كما في هذا الموقف. والرد واجب، ولكن يؤخر لأجل العذر.
● اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالطهارة: بيان حرصه صلى الله عليه وسلم على أن يلتقي بالناس وهو على طهارة كاملة، ففضل أن يتيمم أولاً ليكون لقاؤه للرجل وهو على حالة طيبة.
● التيمم بديل عن الوضوء عند عدم وجود الماء أو الحاجة إليه: حيث أن المسح على الوجه واليدين هو صفة التيمم، الذي شرعه الله تعالى عند عدم وجود الماء أو العجز عن استعماله.
● التيسير ورفع الحرج في الشريعة: فالشريعة الإسلامية سمحة، وقد رخصت التيمم لمن فقد الماء أو كان في حاجة إليه.
● الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: حيث أن الرجل لم يعترض على تأخير الرد، لعلمه بأدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم وثقتهم بحكمته.
4. معلومات إضافية مفيدة:
- هذا الحديث من الأدلة على مشروعية التيمم، وهو ثابت في القرآن والسنة.
- فيه بيان أن رد السلام فرض كفاية إذا كان على جماعة، وفرض عين إذا كان على فرد.
- يستفاد منه أن المسلم ينبغي أن يحرص على الطهارة عند لقاء الناس، فهي من كمال الأدب.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.