أصابتني جنابة ولا ماء قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من صحيح البخاري، رواه الصحابي الجليل عمران بن حصين رضي الله عنه، وهو حديث يوضح رحمة النبي ﷺ وتيسيره على أمته، ويبين حكمًا مهمًا من أحكام الطهارة.

---

أولاً. شرح المفردات:

● معتزلًا: منعزلاً ومنفردًا عن الجماعة.
● لم يصل في القوم: لم يشاركهم في صلاتهم الجماعية.
● ما منعك: ما الذي حال بينك وبين الصلاة معهم.
● أصابتني جنابة: أي حدث لي ما يوجب الغسل من جماع أو إنزال.
● ولا ماء: وليس عندي ماء للاغتسال.
● عليك بالصعيد: التيمم بالتراب الطاهر.
● فإنه يكفيك: فهو يجزئك ويحل لك محل الماء في رفع الحدث.

---

ثانيًا. المعنى الإجمالي للحديث:

يروي لنا الصحابي عمران بن حصين قصة رجل كان في سفر مع النبي ﷺ وأصحابه، فأصابته جنابة (أي أصبح جنبًا) فاحتاج إلى الغسل، ولكن لم يجد ماءً. فاعتزل الناس ولم يصل معهم في الجماعة ظنًا منه أن الصلاة لا تصح بدون غسل. فلما رآه النبي ﷺ منفردًا، ناداه وسأله بلطف عن سبب عدم صلاته مع القوم. فأخبر الرجل بحاله (الجنابة) وعلته (عدم وجود الماء). فوجهه النبي ﷺ إلى الحل الشرعي وهو التيمم بالصعيد (التراب الطاهر)، وأخبره أن هذا التيمم يكفيه ويجزيء عن الغسل بالماء، فيصلي مع الناس.

---

ثالثًا. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:

1- مشروعية التيمم للجنب عند فقد الماء أو العجز عن استعماله: وهذا من أعظم صور التيسير في الشريعة الإسلامية، حيث جعل الله تعالى التراب طهورًا بديلاً عن الماء عند الحاجة.
2- وجوب الصلاة في جماعة وعدم تركها لأي عذر إلا بعذر شرعي: حيث سأل النبي ﷺ الرجل عن سبب تخلفه، مما يدل على أهمية الصلاة جماعة.
3- الحكمة من مشروعية التيمم: وهي التيسير على المسلمين ورفع الحرج عنهم، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
4- التعليم بأسلوب حسن: حيث استخدم النبي ﷺ أسلوب السؤال والاستفسار بلطف ("يا فلان! ما منعك...")، مما يفتح باب الحوار ويشجع المستمع على البوح بمشكلته دون خجل.
5- أن الجنب لا يحرم عليه المكث في المسجد أو مع الناس إذا كان سيتيمم ويصلي، خلافًا لظن بعض الناس. فالممنوع هو الصلاة دون طهارة، وليس الوجود بين الناس.
6- السعي لمعرفة الأحكام الشرعية وعدم التكاسل أو التخمين: كان على الرجل أن يسأل عن الحكم بدلاً من اعتزال الناس.

---

رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:

● حكم التيمم: هو بديل عن الوضوء والغسل عند وجود أحد الأعذار الشرعية (فقد الماء، أو المرض الذي يضر معه استعمال الماء، أو عدم القدرة على استعماله).
● صفة التيمم: أن يضرب الإنسان بكفيه الأرض الطاهرة ضربة واحدة، ثم يمسح بهما وجهه وكفيه إلى الرسغين.
- هذا الحديث أصل من الأصول في باب التيمم، وهو دليل على أن التيمم يرفع الحدث الأكبر (الجنابة) كما يرفع الحدث الأصغر.
نسأل الله أن يفقهنا في ديننا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.