أصبت السنة وأجزأت صلاتك

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح الحديث الشريف شرحًا وافيًا مستندًا إلى كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة:

---

نص الحديث:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاةُ وليس معهما ماء، فتيمما صعيدًا طيبًا فصلَّيا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدُهما الصلاةَ والوضوءَ، ولم يُعد الآخر، ثم أتيا رسول الله ﷺ فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يُعد: «أصبتَ السنة وأجزأتْ صلاتُك». وقال للذي توضأ وأعاد: «لك الأجرُ مرتين».

---

1. شرح المفردات:

● في سفر: أي في رحلة، والسفر له أحكام خاصة في الشرع، منها قصر الصلاة والجمع والترخيص بالتيمم.
● حضرت الصلاة: أي دخل وقت الصلاة المفروضة.
● صعيدًا طيبًا: التراب الطاهر النظيف. والصعيد: وجه الأرض.
● تيمما: قصدوا التراب ومسحوا به وجوههم وأيديهم بدلاً من الوضوء بالماء.
● في الوقت: أي أن الوقت لم يخرج بعد، فلا تزال هناك فرصة لأداء الصلاة قبل انتهاء وقتها.
● أعاد: أي أعاد الصلاة مرة أخرى بعد أن وجد الماء.
● أصبت السنة: أي أصبت حكم الشرع وطريقته الصحيحة.
● أجزأت صلاتك: أي كفت ووقعت صحيحة فلا حاجة لإعادتها.
● لك الأجر مرتين: أي لك أجران؛ أجر على صلاتك الأولى بالتيمم، وأجر على الصلاة الثانية بعد الوضوء.

---

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبر الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن قصة رجلين كانا مسافرين، وحان وقت الصلاة ولم يجدا ماءً للوضوء، فتيمما ترابًا طاهرًا وصليا. ثم وجدا الماء بعد أن صلَّيا، ولكن في الوقت نفسه -أي قبل خروج وقت الصلاة-.
فأحدهما أعاد الصلاة مرة أخرى بعد أن توضأ بالماء، والثاني لم يُعِد الصلاة واعتبر أن صلاته بالتيمم كافية. وعندما عرضا الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم، أقرَّ كلا منهما على فعله، لكنه بيَّن أن من لم يُعِد فقد أصاب حكم السنة وأن صلاته صحيحة ولا need لإعادتها، أما الذي أعاد الوضوء والصلاة فله أجران.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● صحة الصلاة بالتيمم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله: وهذا من رحمة الله تعالى وتيسيره على عباده.
● أن التيمم يرفع الحدث ويبيح الصلاة به كالوضوء: فإذا تيمم الشخص وصلى، ثم وجد الماء بعد الصلاة، فلا يجب عليه إعادة الصلاة ما دام قد صلى في وقتها.
● فضل السعي لفعل الأفضل مع عدم إلزامه: فالأول الذي لم يُعِد قد فعل ما هو sufficient وأجزأه، والثاني الذي أعاد نال درجة higher في الأجر لاجتهاده وإحسانه.
● مرونة الشريعة الإسلامية وسماحتها: حيث أجازت كلا الأمرين، ووضعت لكلٍ منهما حكمًا يناسبه.
● أن اجتهاد المجتهد في مسائل الاجتهاد مأجور فيه: سواء أصاب أم أخطأ، كما في قوله للذي أعاد: "لك الأجر مرتين".
● أن السنة فيمن تيمم وصلى ثم وجد الماء بعد الصلاة في الوقت: أن لا يعيد الصلاة، وهذا هو قول جمهور العلماء.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني.
- يعتبر هذا الحديث من الأدلة على أن التيمم يقوم مقام الماء في رفع الحدث، وأن الصلاة بالتيمم صحيحة ولا need لإعادتها إذا وجد الماء بعد الفراغ منها.
- فيه دليل على أن المجتهد إذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، وإذا أصاب فله أجران. لكن في هذا الحديث، الذي أعاد الصلاة لم يكن مخطئًا بالمعنى المذموم، بل اجتهد فأخذ بالأحوط، فاستحق الأجر على اجتهاده.
- يستفاد منه أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الاجتهاد ويشجع عليه، ويوجه أصحابه إلى الأحكام الشرعية برفق وحكمة.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.